وهكذا، بدلًا من أن يواصل ليوبولد استدعائي باستمرار إلى القصر الإمبراطوري، اتفقنا على أن نلتقي من الآن فصاعدًا في قصر عائلة الكونت.
لا أعرف لماذا يجب أن ألتقي بليوبولد أصلًا، لكن على أي حال، بهذا الشكل لن تُهدر أموال خزينة عائلة الكونت بلا سبب.
ثم إن ليوبولد، لكونه مشغولأ، سيتعين عليه أن يجد وقتًا لزيارتنا في قصر الكونت، وهذا يعني أنه لم يعد بإمكانه أن يستدعيني بتلك الكثرة كما كان يفعل.
كنت أفكر بما سأفعله في وقت الفراغ الذي حصلت عليه حديثًا، حين اقتربت منّي وصيفة وهي تحمل في يدها رسالة.
قالت بحماس:
“آنستي!”
“نعم؟”
“لقد وصلتنا دعوة من القصر الإمبراطوري!”
“ماذا؟”
سألت بدهشة وكأن الأمر غير معقول.
لا يُعقل أن ليوبولد لم يفهم ما قلته له.
لم يمر يوم واحد حتى منذ أن وعدني بأن نلتقي في قصر الكونت بدلًا من القصر الإمبراطوري.
صحيح أنه قد يكرهني، لكن أن ينقض وعده بعد أقل من يوم؟ هذا غير معقول.
أسرعت لأتأكد من الدعوة التي أخذتها من الوصيفة. وإذ بي أرى اسم المُرسِل محفورًا عليها… وكان اسمًا غير متوقع أبدًا:
فرانسيا سيستيا دي لانغديريسا.
لم يكن ليوبولد، بل زوجة أبيه، الإمبراطورة، الاسم الكامل للإمبراطورة نفسها.
“…لماذا هذه المرأة؟”
لم يكن بيني وبينها أي احتكاك في حياتي السابقة.
وفي حياتي الحالية أيضًا لم يكن بيننا أي علاقة تُذكر… آه، صحيح، هناك ليوبولد.
وفوق ذلك، أنا كنت قد أحرجت الإمبراطورة ذات مرة في إحدى الحفلات. لكن بسبب انشغالي المستمر مع ليوبولد نسيت تمامًا تلك الحادثة.
“…….”
شعرت فجأة بصداع، فرميت الرسالة على الأرض وأمسكت رأسي ثم رميت جسدي على السرير.
هل اتفقت الأم والابن على أن يضايقاني واحدًا تلو الآخر؟
صحيح أن ليوبولد ليس ابنها البيولوجي، لكن من حيث الإزعاج والمضايقة فهما لا يختلفان أبدًا.
“…ماذا أفعل الآن.”
لا شك أنَّ السبب في استدعائها لي هو أن تساءلني عن تلك الحادثة في الحفل.
نعم، عندما أفكر بالأمر، لقد تصرفت باندفاع شديد وقتها. ما كان ينبغي لي أن أتصرف بتلك الطريقة أمام الإمبراطورة، وهي شخصية مخيفة إلى ذلك الحد… بل إنني وقفت وقتها في صف ليوبولد!
يا للجنون… لا أدري كيف فعلت ذلك. هل كان تأثير العودة بالزمن؟ لأنني عادةً ما كنت لأفعل شيئًا كهذا ولو أُجبرت عليه.
ندمت ندمًا شديدًا، لكن ما فُعل قد فُعل.
أخذت أتدحرج فوق السرير من شدّة القلق حتى سقطت على السجادة، وبقيت هناك مطروحة على ظهري، أحدّق في سقف الغرفة بخمول.
“ليوبولد… لن أطلب مساعدتك ولو على جثتي.”
همست بذلك وأنا أحدّق في السقف.
كنت محتارة لمَ استدعتني الإمبراطورة بالذات، لكني أعلم يقينًا أنني لا أستطيع رفض دعوتها.
ظننت أنني تخلّصت أخيرًا من استدعاءات ليوبولد وجلسات الشاي المزعجة التي يُصرّ عليها، فإذا بي الآن أمام الإمبراطورة نفسها.
يبدو أن حياتي في هذه المرة مرتبطة بالقصر الإمبراطوري أكثر مما توقعت.
فكرت بذلك وأنا أحدّق في زخارف السقف ثم أغمضت عيني.
***
في اليوم التالي، لم أهنأ حتى بشعور الحرية بعد تخلّصي من ليوبولد، حتى وجدت نفسي مضطرة للذهاب مجددًا إلى القصر الإمبراطوري.
قادني خدم القصر حتى وصلت إلى الحديقة حيث كانت الإمبراطورة بانتظاري.
قال أحدهم:
“من هنا فصاعدًا لا نستطيع مرافقتك، إذا واصلتِ السير في هذا الممر ستجدين جلالتها بانتظارك.”
“…حسنًا.”
انحنى الخادم ثم غادر، بينما بقيت أنا أقف عند مدخل الحديقة بوجه شاحب، أتنفس بعمق قبل أن أبدأ بخطواتي الثقيلة إلى الداخل.
الحقيقة أنني لم أنم لحظة واحدة طوال الليل. ظللت أفكر طوال الليل لماذا استدعتني الإمبراطورة، حتى طلع النهار وأنا بلا نوم، فصار وجهي الذي كان يبدو باهتًا في الأصل أكثر شحوبًا وكآبة.
كان الطريق إلى حديقة الإمبراطورة جميلًا للغاية، مليئًا بالزهور والمناظر الخلابة، لكن عينيّ لم تريا فيه إلا طريقًا يقودني إلى فم وحش يفغر فاه بانتظاري.
“…واو.”
بعد أن قطعت الممر الطويل، ظهرت الحديقة الإمبراطورية أمامي أخيرًا. نظرت إليها بذهول لا إرادي.
بصراحة… نعم، إنها جميلة فعلًا. حتى وأنا في هذا المزاج الكئيب لم أستطع إنكار روعة الحديقة.
امتلأت عيناي بلون الزهور الزاهية والمناظر الفاتنة، حتى أنني انبهرت. في حياتي السابقة لم تطأ قدماي هذا المكان قط.
فكّرت في نفسي: لو كان لي أن أختار مكان موتي بملء إرادتي، فلن أتردد في اختياره هنا.
واصلت السير حتى وصلت إلى أعمق جزء في الحديقة، وهناك رأيت الإمبراطورة جالسة بكل أناقة عند طاولة شاي فاخرة.
لكن ما صدمني لم يكن وجودها فقط… بل الشخص الذي يجلس أمامها.
كان فتى ذا شعر أحمر وعيون زرقاء لامعة ، بملامح حادة ووسامة لافتة.
“…….”
توقفت في مكاني مأخوذة بالدهشة.
كنت قد تخيلت أنني قد أصادف أساد مع الإمبراطورة… لكن لم أتوقع أبدًا أن أجده حقًا جالسًا هناك.
شعرتُ في تلك اللحظة برغبةٍ عارمة في العودة، أقوى من أي وقت مضى.
كنتُ أرغب دائمًا في الرجوع، لكن الآن أصبح الشوق أشدّ إلحاحًا.
أولًا، حاولت أن أُهدّئ قلبي الذي كان يخفق بعنف. اهدئي، تمالكي نفسك.
على أي حال، ذلك الفتى لا يتذكرني، ولسنا الآن على أي صلة ببعضنا.
إن أظهرتُ انفعالًا زائدًا فسأبدو أكثر إثارة للريبة لا غير.
أخذتُ أُقنع نفسي بتلك الكلمات محاولةً السيطرة على عقلي، لكن بدا أن أثرها ضعيف…
“جلالتك، الآنسة تينا فالنتاين قد حضرت.”
“!”
حينها لمحَتني الوصيفة التي كانت تخدم بجوار الإمبراطورة. وبمجرد أن نطقت بتلك الكلمات، التفتت أنظار الإمبراطورة والفتى الجالس معها في الحديقة يستمتعان بوقت الشاي ناحيتي في آنٍ واحد.
“……أنت! أنتِ من تلك المرّة!”
قبل أن أتمكّن من إلقاء التحية، انتفض أساد واقفًا بدهشة وأشار إليّ بإصبعه.
كنتُ أظن أنه نسي الأمر تمامًا، لكن يبدو أنه ما زال يتذكر كيف عرضت عليه أن أدله على الطريق ثم استغفلتُه وفررت.
ومع ذلك… لم أظن أن لقاءً لم يتجاوز خمس دقائق سيبقى عالقًا في ذاكرته إلى هذا الحد.
يبدو أن ما حدث ذلك اليوم أزعجه كثيرًا، حتى رسخ في ذهنه طويلًا.
كادت الدهشة تفضحني حين التقت عيناي بعينيه، لكنني تماسكت بصعوبة، ثم أدرت وجهي سريعًا بعيدًا عن ملامحه التي بدت أصغر سنًا بكثير مما كنت أتذكر.
لم أكن أريد أن ألتقي به مجددًا أبدًا… يا لها من علاقة سيئة الحظ!
وفوق ذلك، كيف يُعقل أن يكون فتى من بيت دوق متصرّفًا بهذه الوقاحة؟
على ما يبدو، يحتاج إلى تربية جديدة من الأساس.
لم يكن هناك داعٍ لأشغل نفسي به أكثر. فالإمبراطورة هي من دعتني اليوم.
لذلك تجاهلت أساد تمامًا، وانحنيت برشاقة أمام الإمبراطورة، ملتزمةً بأدق تفاصيل البروتوكول.
“أُحيّي جلالتك الإمبراطورة. إنه لشرفٌ عظيم أن أنال دعوتك الكريمة.”
ابتسمت الإمبراطورة وقالت بلطف:
“أوه، صديقة وليّ العهد. أهلًا بك. خذي راحتك.”
……من قال إني صديقة ليوبولد؟! يبدو أن جلالتها هي الأخرى قد وقعت في سوء فهم. لكن لم يكن هذا وقت تصحيح الأمر. فسيحين وقت آخر.
عضضتُ شفتي أكبح رغبتي في التوضيح، ثم أجبت بصوتٍ هادئ:
“شكرًا لك يا جلالة الإمبراطورة.”
“……وليّ العهد؟”
تمتم أساد بدهشة، مائلاً برأسه كأن الأمر أثار استغرابه.
لكنني لم أُعره أي اهتمام، واكتفيتُ بالانحناء ثانيةً شاكرةً الإمبراطورة، وهممت بالجلوس.
“……آه! أنتِ صديقة ذلك الشخص الذي خسر أمامي؟”
“…….”
ترددتُ لحظة، لكن سرعان ما رفع صوته وبدت على ملامحه علامات الثقة وكأنه كشف سرًا عظيمًا.
كلماته أيقظت في داخلي شعورًا بالضيق. فقد كان يقصد هزيمة ليوبولد السابقة أمامه.
لكن تلك الهزيمة حدثت قبل عودة ليوبولد بالزمن.
أما الآن، فلا يمكن لأساد أن يكون نِدًّا له على الإطلاق.
غطرسته المفرطة أشعلت في داخلي غضبًا حارقًا.
ورغم أنني لم أكن من أشدّ المقرّبين من ليوبولد، فإن أكثر من كرهتُه في تلك اللحظة كان الفتى الواقف أمامي.
ألقيت عليه نظرة جانبية، فبدا متفاجئًا بتركيزي عليه.
كان في الرابعة عشرة من عمره، بملامح أكثر براءة من الرجل الذي كنتُ أعرفه في المستقبل.
ومن دون أن أشعر، خرج صوتي باردًا:
“لا تتفاخر كثيرًا. إن واجهته مرة أخرى فستُطرَح أرضًا من الجولة الأولى.”
“……آه.”
ما أن لفظتُ تلك الكلمات حتى أدركتُ حجم ما فعلت.
وضعت يدي على فمي فورًا، لكن فوات الأوان.
نظرتُ بخوف نحو الإمبراطورة. يا للمصيبة… كيف أدافع عن ليوبولد أمامها هكذا؟
هل فقدت السيطرة بسبب صغر سني الحالي؟ أم أن الأمر لمجرد أن الطرف الآخر هو أساد؟
في الحقيقة، مجرّد أنني لم أُسدد لكمة في وجهه المتغطرس، يُعدّ إنجازًا في ضبط النفس.
“ماذا قلتِ؟”
تجمّد أساد لبرهة، ثم قطّب حاجبيه غير مصدّق لما سمع.
نظر إليّ باستغراب شديد، غير قادر على استيعاب عدائي المفاجئ.
“أعتذر يا جلالة الإمبراطورة.”
انحنيتُ أمامها بعمق متجاهلةً سؤاله تمامًا.
لكن سرعان ما استعاد أساد جديته وقال بنبرة متحدّية:
“إذن… إن فزتُ مرة أخرى، فهل ستعترفين بأنني أفضل منه؟”
“……”
ولماذا بحق السماء تحتاج إلى اعترافي أنا؟! حدّقتُ به بذهول.
كنت على وشك الرد، لكن الإمبراطورة صفّقت بيديها بخفة لتكسر حدة الموقف.
“هذا رائع إذن! يبدو أن علاقتكِ بوليّ العهد وثيقة فعلًا. ولحسن الحظ، كنتُ أنوي التحدث عن وليّ العهد تحديدًا.”
“……عن الأمير؟”
أخذ القلق يتملكني. ما الذي تنوي قوله عن ليوبولد حتى استدعتني؟
هل أبوح لها الآن أنني لست صديقته؟
لكن، لقد تسرّعت قبل قليل ودافعت عنه أمامهما.
ولو أنكرت الأمر الآن، فلن يصدّقني أحد. سيظنون أنني أتحجج لأتهرب من طلب الإمبراطورة.
لذا، لم يكن أمامي سوى الانتظار بوجهٍ متوتر بينما تتحرك شفتا الإمبراطورة أخيرًا.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات