بعد أن قضيت اليوم بأكمله في الجري والتدريبات المرهقة، تناولت وجبة العشاء وعدت إلى غرفتي. ثم وقفت أمام المرآة أحدّق في صورتي المنعكسة فيها.
“هل بدأتُ أنحف فعلًا…؟”
…كأن خط الفك أصبح أكثر حدة بعض الشيء. أم أنّها مجرد أوهام؟ لا أدري.
لأني أرى وجهي كل يوم لم أستطع التأكد، فانطرحت على السرير بإرهاقٍ شديد. جسدي كله كان يؤلمني من شدة آلام العضلات.
وبينما كنت أستلقي هكذا، أخذ النعاس يتسلل إليّ ببطء. لكن وقبل أن أغفو تمامًا، سُمِع طَرق على باب غرفتي.
“آنسة تينا، هل أستطيع الدخول؟”
‘لا… لا أريد. أنا مرهقة. يجب أن أنام إذا أردت أن أطول!’
…لكن أن أحتج بهذا العذر الآن مبكر قليلًا. نظرت إلى الساعة، فوجدت أن الوقت كان حوالي الثامنة والنصف مساءً.
في العادة، لم يكن هذا وقت نومي بل وقت اللهو والمرح. لكن بما أن جسدي أصبح جسد فتاة صغيرة، فقد أخذني النوم باكرًا. حقًا، فترة النمو مخيفة.
“تفضلي.”
أجبت بصوت خافت وأنا أدفن وجهي في الوسادة بين ذراعي.
ورغم خفوت صوتي، إلا أن الخادمة سمعته جيدًا، ودخلت بعد لحظات بخطوات خفيفة.
“أعتذر لإزعاجك في هذا الوقت يا آنسة.”
“لا بأس، ما الأمر؟”
سألتها وأنا نصف نائمة، بصوت مبحوح.
“لقد وصلكِ للتوّ دعوة، وكان لا بد أن أخبرك بها فورًا لأن موعدها غدًا.”
“…في هذا الوقت؟”
“نعم، آنستي.”
ما إن سمعت هذا حتى انقشع النعاس عن عيني.
دعوة؟ أيعقل هذا؟
إذا وصلت رسالة في هذا الوقت من الليل، فهذا يعني أن شخصًا ما أرسلها على عجل. والأسوأ أن موعد الحفل غدًا مباشرة!
عادةً، حين يرسل أحدهم دعوة، يكون من الأدب أن يُمنح المدعو فترة أسبوع على الأقل، وغالبًا نصف شهر، ليستعدّ. فحياة النبلاء مليئة بالتعقيدات والتحضيرات لأي مناسبة.
لكن أن يرسلوا دعوة قبل أقل من 24 ساعة، فهذا إمّا أنّه استخفاف بي متعمد، أو أنهم لا يبالون أصلًا، أو أنّ لهم حسابات أخرى.
وبما أنني أعرف تمامًا المحيطين بي، فهناك شخص واحد فقط من الممكن أن يتصرف بهذه الطريقة المتهورة.
“لا يمكن…؟”
فتحت الدعوة وتفحّصت الختم المطبوع عليها. لقد كان شعار القصر الإمبراطوري الذهبي.
وكما توقعت… المرسِل هو ليوبولد.
‘ما الذي يدور في رأس هذا الأحمق؟!’
كان الأمر أشبه بمشاهدة ثور مجنون يندفع إلى الأمام بلا أدنى تردد.
في اليوم التالي…
بمجرد أن أشرقت الشمس، اضطررت للاستعداد باكرًا. لم يكد يمضي يومان على عودتي من القصر حتى وجدت نفسي مضطرة للذهاب إليه مجددًا، ومن دون سبب واضح.
ولم أكن الوحيدة المصدومة، بل كل الخادمات في القصر كنّ في حالة ارتباك شديد.
“يا لهول! لا يوجد لدينا فستان مناسب لهذه المناسبة.”
“هذا الفستان بسيط للغاية للذهاب إلى القصر الإمبراطوري… أما هذا الآخر فقد ارتديته أول أمس!”
في ذلك الوقت، كان بيتنا – بيت البارون – يعاني من ضائقة مالية خانقة. لهذا السبب باعوني فيما بعد في زيجة سياسية إلى عائلة دوق كزواج مصلحة.
تطلعت إلى المرآة وأنا أتذكر ما جرى قبل يومين في القصر…
حين قال ليوبولد بنبرة متحدية وهو يرفع رأسه نحو الإمبراطورة:
«مولاتي الإمبراطورة، هل تسمحين لي بأن أدعوها إلى القصر من حين إلى آخر؟»
في ذلك الحين ظننت أنه مجرد تحرك سياسي ليستفز الإمبراطورة ويجعلني أداة في خلافاتهما. لكن هل كان يقصد حقًا أن يدعوني “كل يومين”؟
إذا استمر الأمر هكذا، فبيت البارون المفلس أصلًا سيسقط تمامًا، ليس بسبب شيء آخر سوى مصاريف فساتيني ومجوهراتي.
آه، يا لها من نهاية بائسة لعائلة نبيلة.
لكن لا، يجب أن أجد حلًا.
إن لم أنقذ وضع العائلة المالي الآن، فسيكون مصيري بعد خمس سنوات هو الزواج القسري مرة أخرى بدافع المصلحة.
أنا… لم أعد أحتمل فكرة الزواج السياسي. مرة واحدة تكفي. لن أكرر الخطأ مرتين.
على أية حال، مشاكلي مع الزواج بعد خمس سنوات. أما الآن، فأكبر مشكلة هي أنه لا يوجد لدي فستان مناسب لأرتديه في القصر اليوم!
ثم خطر ببالي تفكير جنوني:
‘بما أن الدعوة من ليوبولد نفسه، هل سيهتم فعلًا إن جئتُ بملابس النوم؟’
لكن بالطبع لم أستطع فعل ذلك. نبلاء الطبقة العليا يولون المظاهر أهمية كبرى. وكان من الخطر أن تظهر عائلتنا أمام الآخرين بمظهر العوز.
بفضل جهود الخادمات المكثفة في التزيين والتجميل، تمكّنت أخيرًا من الوصول إلى مظهر “مقبول” على الأقل.
بعد أن أنهيت الاستعدادات سريعًا، ذهبت أبحث عن راسل.
“راسل!”
لكن لم يبدُ عليه أي نية للخروج من المياه. لقد غطّ في نوم عميق.
“نائم؟”
لم يرد.
صحيح، كان يبدو مرهقًا جدًا منذ حفل الانتصار قبل يومين. ربما استنزف نفسه كثيرًا حين استدعى جسده المادي لفترة طويلة.
لا بأس، سأذهب بمفردي هذه المرة.
تخلّيت عن الفكرة وعدت وحدي إلى العربة التي ستقلني إلى القصر.
القصر الإمبراطوري…
وصلت بعد يومين فقط من زيارتي السابقة. بدا القصر كما لو لم يُقم فيه أي احتفال منذ زمن طويل، إذ اختفت تمامًا آثار الحفل الكبير.
“رجاءً، انتظري هنا لبعض الوقت.”
قادني أحد خدم القصر إلى غرفة استقبال خاصة للضيوف، وجلستُ هناك أنتظر قدوم ليوبولد.
كانت الغرفة فخمة للغاية، كل قطعة أثاث وزخرفة فيها تنطق بالترف والذوق الرفيع. وعلى الطاولة أمامي وُضعت كومة ضخمة من الحلويات الفاخرة.
“…….”
ابتلعت ريقي بصعوبة.
‘أهذا اختبار لصبري؟’
فقد كنت في الفترة الأخيرة ملتزمة بنظام غذائي صارم، أتجنب فيه كل ما هو حلو أو مضر. وها أنا أجد نفسي فجأة أمام جبل من الحلويات المفضلة لدي!
الأدهى أن من بينها فطيرة الفراولة التي أحببتها أكثر من أي شيء آخر في حياتي السابقة، ومن الواضح أنها من صنع كبير طهاة الحلويات بالقصر.
لم يكن هناك شخص آخر يعرف تفضيلاتي إلى هذا الحد غير ليوبولد.
‘أيها اللعين! هل جئتَ بي إلى هنا لتجرّب إرادتي؟!’
*المسكين على نياته جاب لها اكلها المفضل و هي تقول يكرهني *
إن كان هو بالفعل ليوبولد القادم من المستقبل، فلا بد أنه يعرف أنني الآن أخضع لنظام غذائي.
يا له من شخص حقود! حتى إن كنت أكرهه، لم أظن أنه سينحدر إلى هذا الأسلوب الدنيء.
لا بد أن أقاوم. عليّ أن أتحمل!
لو ضعفت الآن واستسلمت، فسوف يضيع أسبوع كامل من جهودي هباءًا. والأسوأ أنني سأكون قد وقعت في فخ ليوبولد اللئيم.
كنت على يقين أنّ إعداد مثل هذه الأطباق اللذيذة مع علمهم بأني في فترة حمية، لا يمكن تفسيره إلا كفعل يحمل في طياته نيةً خبيثة. حقًا، الكراهية تجري في عروقهم منذ الماضي وحتى الآن، لم تتغير قيد أنملة.
“……هع.”
وبينما كانت الأفكار السوداء تزحف إلى عقلي، فتح أحدهم الباب ودخل فجأة. تجمّدت في وضعي الغريب، حيث كنت ممدودة الظهر ويدي وحدها ممدودة نحو الحلوى، ثم التفت برأسي فقط لأرى القادم.
“…….”
“…….”
كان هناك فتى أشقر بلون فضيّ لامع وعينان ذهبيتان براقتان، من شدة جماله بدا وكأنه الكائن الأجمل في هذا العالم. كان ينظر إليّ بإمعان ودهشة.
رغم أنّ ليوبولد كان مرتديًا ثيابًا أبسط بكثير من تلك التي ارتداها في حفلة الأمس، إلا أنّ ملامحه اللامعة جعلت حتى ملابسه اليومية تبدو كأنها زيّ احتفالي.
بمجرد أن التقت عيناي بنظراته الحادة الذهبية، جلست سريعًا في مكاني وكأن شيئًا لم يحدث.
“……ليو، ما الذي تريده مني؟”
سألته فورًا دون حتى إلقاء تحية.
لم يمضِ على وحدتي سوى خمس دقائق، ومع ذلك شعرت أن ملامحي أصبحت شاحبة ومتعبة. لو بقيت في هذا المكان أكثر، لانهار عقلي تمامًا. لم أكن أعرف ما الذي يريده، لكنني رغبت في إنهائه بسرعة والعودة.
جلس ليوبولد أمامي وهو يرمقني مطولًا، ثم فتح فمه بوجهه البارد الذي لا يليق بطفل:
“أولًا…… لا تتعجّلي، كُلي.”
“ماذا؟”
قال لي أن آكل؟
……هذا؟
نظرت إلى كومة الحلويات المكدّسة أمامي.
هل هذا نوع جديد من التعذيب؟ أم شكل من أشكال السخرية؟
مرة أخرى، أيقنت كم يكرهني ليوبولد. لم يكن بحاجة لتأكيد ذلك عمدًا.
“……ليو.”
“سأخبرك بعد أن تنتهي من الأكل.”
حدّقت به ممتعضة، وكأنني أرجوه أن يدخل في صلب الموضوع بدلًا من المماطلة، لكنه كان صارمًا.
أعدت النظر إلى الأطباق المليئة بالحلوى. يريد مني أن آكل كل هذا؟
نظامي الغذائي مؤخرًا كان يخضع لرقابة صارمة من قِبل راسل. لو اكتشف راسل أنني تناولت كل هذا، فسيوبّخني بشدة.
لكن…… لكن مع ذلك……
وبينما كنت أتردّد في مقاومة إغراء أطعمني المفضلة، تكلم ليوبولد فجأة:
“……لقد نحفتِ مؤخرًا.”
“حقًا؟ يبدو أنّ بصرك قد ضعف إذن.”
أو ربما فقد قدرته على التمييز. بدا كلامه أقرب إلى السخرية منه إلى الاهتمام.
نظرت إليه بعينين تقولان: “أيّ هراء هذا؟” لقد بدا كمن يكرر كلمات خادمات بيتنا.
“الآنسة تينا نحيفة جدًا!”
حين قالوا ذلك، كنت قد وصلت لأعلى وزن في حياتي. مثل هذا الكلام المعسول هو جريمة بحد ذاته.
هل تحالف ليوبولد مع خادماتي أم ماذا؟ كيف يمكن أن تكون كلماته مطابقة لكلماتهن هكذا؟
*هذا دليل على اهتمامه بك زيهم*
أقسمت عندها ألا أنخدع بهذه المجاملة مرة أخرى.
وفوق ذلك، هو ليوبولد! كيف لي أن أصدّق كلامه ببراءة؟
“…….”
“…….”
ساد الصمت بيني وبينه.
كنت أحدّق فيه بحذر، بينما كان هو ينظر إليّ بملامحه المبهرة التي لا تُقرأ.
همم، لطالما بدا لي وجهه جميلًا لكنه بارد وحاد، غير أنّه بعد أن صغر سنه قليلًا بدا فيه شيء من البراءة……
لا، لا. لا يجب أن أنخدع بمظهره. خلف هذا الوجه دائمًا نوايا خفية لا تُفهم.
اليوم وافقت على دعوته ليس لصداقته، بل لأكشف ما يخفيه. لم يكن من المعقول أن يقترح اللعب بدور “الأصدقاء” بصدق. بالتأكيد وراءه غرض آخر. ربما أمر سياسي……
فلماذا إذن ولي العهد ليوبولد يحاول جرّ أسرة بائسة مثل أسرتنا المتداعية إلى ساحة السياسة؟
سأكشف ذلك.
“……ما الذي تنتظرينه؟ كُلي. هذا أيضًا.”
“…….”
كان صوته في أذني يشبه صوت دائن يلحّ بالمطالبة.
ووضع أمامي قطعة “تارت” وهو يتظاهر بلطف لم يعتده، ليضيفها إلى طبقي.
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 11"