“يمكنكِ التحدّث. أنتِ زوجتي، وليس لأحدٍ هنا الحقُّ في إسكاتكِ.”
حتى لو كان ذلك الشخص من العائلة المالكة. أضاف يوهانس الملاحظة وهو يُلقي نظرةً جافّةً على إدوارد.
بفضل هذا، اكتسبتُ الشجاعة. تحدّثتُ ببطء.
“إذن… آمل أن تعتبر هذا كلام شخصٍ لم يقرأ إلّا بضعة كتب.”
بالطبع، لم أقرأ أيّ كتبٍ ذات صلةٍ من قبل.
لكن إن لم أقل شيئًا، فلن يتظاهر أحدٌ حتى بالاستماع.
“بصراحة، لا أعرف. لم أرَ الجثة قط.”
بفت. سمعتُ ضحكةً مكتومةً من مكانٍ قريب.
“دوقة، هذا ليس المكان المناسب للنساء—”
اختفى الصوت الساخر تدريجيًا ثم توقّف تمامًا. بدا أنه التقى بنظر يوهانس فأسكته.
تابعتُ حديثي دون تردّد.
“أعتقد أنني بحاجةٍ لإلقاء نظرة.”
بينما تقدّمتُ خطوةً للأمام، خيّم الصمت على القبو.
“هل تريدين رؤيته حقًا؟”
مسح إدوارد دهشته وضيّق عينيه.
كان استفزازًا واضحًا. كان يسألني إن كنتُ أستطيع الحفاظ على رباطة جأشي بعد رؤية جثّة.
لم أكن أعرف شيئًا، لكنني لم أُرِد التراجع عن هذا الاستفزاز الطفولي.
هل ظنّ أنه سيُغمى عليّ؟
تمسّكتُ وأومأتُ برأسي. أشار إدوارد بعينيه، فرفع أحد الضبّاط الغطاء الذي كان يغطّي الجثّة.
لحسن الحظ، كانت الجثة أنظف بكثيرٍ مما توقّعت. لكنني لم أستطع معرفة كيف قُتِلت.
تسك. نقرتُ بلساني وسألت.
“لا توجد أيّ علامات اعتداء. ومن غير المرجّح أنها انزلقت بسبب الصناديق أيضًا. كيف كانت وضعية هذه المرأة عندما وجدتُموها؟”
سألتُ الضباط. تواصلتُ بصريًا مع جميعهم، لكن لم يُجِب أحد.
بمعنًى آخر، لم يلحظ أيٌّ منهم أيّ شيءٍ بدقّة.
تنهّدتُ بعمقٍ وجلستُ القرفصاء لأفحص الجثّة عن كثب.
“بالنظر إلى اللون الأحمر الزاهي على خدّها الأيمن وأطرافها، يبدو أن الجثة قد سقطت على جانبها الأيمن. وبالنظر إلى التيبس الموجود في مفاصلها فقط، لا بد أنها توفّيت قبل أقلّ من خمس ساعات.”
هاه؟
فوجئتُ بسلاسة نطق الكلمات. لكنني شعرتُ أيضًا بألفةٍ غريبةٍ مع هذا النوع من المواقف.
تحرّك جسدي من تلقاء نفسه. غريزيًا، وضعتُ يدي قرب رقبة الجثة. لا يزال هناك دفء.
“لم تنخفض درجة حرارة جسدها، لذا فأنا على الأرجح محقّة. و…”
فحصتُ جثة المرأة عن كثب، ثم نهضتُ وقلتُ.
“ألم يكن سبب الوفاة تسمّمًا؟”
نظرتُ في أرجاء الغرفة.
حدّق بي ضباط الشرطة بصدمة. تجهّم إدوارد. ويوهانس …
طان يوهانس بلا تعبير، لكنني ظننتُ أنني رأيتُ بريق إعجابٍ يلمع في عينيه الزرقاوين.
بالطبع، لابدّ أن ذلك كان من وحي خيالي.
نهضتُ من وضعيتي القرفصاء وتابعتُ.
“من الأفضل التحقيق مع الأشخاص الذين اعتادت على التعامل معهم. وأيضًا، معرفة مصدر رزقها.”
“دوقة، آسفٌ للمقاطعة.”
قاطعني إدوارد بلطف.
“استنتاجكِ جيدٌ جدًا. لكن أليس من السابق لأوانه افتراض أنها كانت ضحيّةً بالفعل؟”
” … لكنها لا تبدو كشخصٍ نزل إلى قبوٍ بمفرده ومات فجأة. من المحتمل أنها تناولت الشاي مع الجاني على تلك الطاولة هناك.”
أشرتُ إلى الطاولة الموضوعة في وسط القبو. لكن إدوارد، رغم ادّعائه أنه سيستمع، بدا مستاءً.
“هناك بالفعل فوضًى عارمةٌ بسبب جريمة القتل في موسن. التسرّع في استنتاج أن هذه جريمة قتلٍ أخرى هو تهوّر.”
“فنجان الشاي الذي تحمله، يا رئيس الشرطة، ألم يُعثَر عليه في مسرح الجريمة؟”
أشرتُ إلى فنجان الشاي الذي كان يحمله منذ فترة.
“من غير المرجّح أن تشرب الشاي من فنجان المتوفّى في مسرح الجريمة دون قصد. وخاصةً لشخصٍ مثلك، رئيس شرطة.”
ثم حوّلتُ نظري نحو زاوية الغرفة. بجانب جرامافون مُغبَر، لمعت شظايا زجاجٍ متناثر.
تطابقت مع الكوب الذي كان يحمله إدوارد.
“ربما كان هناك سم في الشاي. عندما أدركت الضحية ذلك، لا بد أنها رمت الكوب على الجاني … ربما كان هناك جرحٌ في جسده.”
أضفتُ، مشيرةً إلى الخدش على خدّ إدوارد الذي كان يزعجني منذ فترة.
“مثل ذلك الجرح على خدك، سيدي.”
ابتسم إدوارد ابتسامةً خفيفةً لتعليقي الأخير، فانفجر الضباط ضاحكين.
“لكن المكان نظيفٌ جدًا. لا نعرف متى ظهرت تلك الشظايا، ولا توجد أيّ علاماتٍ على نشوء صراع.”
قال لي إدوارد بنظرة ندمٍ عميق.
“لو لم يكن لدينا قسمٌ للطب الشرعي أو محقّقٌ جنائي، لكنتُ قد وظّفتُكِ كضابط شرطةٍ على الفور، سعادة الدوقة. يا للخسارة.”
نظر إليّ إدوارد، وعيناه تشكّكان في هرائي، ثم التفت إلى الضباط.
“لكن بغض النظر عن ذلك. يجب طردكم يا رفاق، أليس كذلك؟”
سار ببطءٍ في القبو المظلم، ثم التفت إليّ وتابع.
“يجب على ضابط دوسيليا الحقيقي أن يحقّق بناءً على استنتاجاتٍ كهذه. لكنكم عبثتُم بالجثة بإهمالٍ وتعاملتُم بوقاحةٍ مع الدوقة. هذا أمرٌ مشينٌ حقًا.”
تسك. نقر إدوارد بلسانه، فتوقّف الضباط عن الضحك. لم يدركوا إلّا بعد ذلك بكثيرٍ أنهم طُرِدوا، فتصلّبوا كالتماثيل.
أشحتُ بنظري عنهم وواجهتُ إدوارد.
“كما قلتُ سابقًا، كان هذا الاستنتاج مقنعًا جدًا، دوقة. لكن …”
“لكن ماذا؟”
“لقد أجرينا اختبار السمّ باستخدام كاشفٍ كيميائي. لم يُكتَشف شيء.”
تصلّب وجهي فورًا، بعد أن تكلّمتُ بثقة. أضاف إدوارد بابتسامةٍ باهتة.
“ربما كان موتًا مفاجئًا. نوبةٌ قلبية. هذا يحدث كثيرًا، أليس كذلك؟”
هزّ كتفيه بلا كبالاة.
“هذا غير ممكن. عضلاتها متيبّسة، وهناك علامات قيء، وبؤبؤا عينيها متقلّصان.”
“عادةً، عندما يموت شخصٌ ما بنوبةٍ قلبية، تتّسع بؤبؤا عينيه.”
تدخّل صوتٌ آخر، كان يوهانس. وقد أيّد نظريتي.
“لكنهم لا يتقيّؤون.”
هذا منحني الشجاعة. حتى إدوارد، الذي بدا وكأنه يرفض نظريتي، صمت.
نظرتُ إلى الجثة المرتخية. كان هناك رغوةٌ جافّةٌ حول فمها بالتأكيد.
بينما كنتُ أتساءل كيف أقول هذه الأمور المهنية، سألتُ بصوتٍ واثق.
“إذن كيف يُمكن أن تكون هذه وفاةً طبيعية؟”
* * *
ضحكتُ ضحكةً مريرة.
قال إدوارد إنه سيأخذ رأيي في الاعتبار، لكنه أصرّ على أنه ليس من الجيد للغرباء البقاء طويلاً، وطردنا.
صحيحٌ أنه بعد جريمة القتل الأولى، فقدت شرطة موسن اختصاصها مؤقتًا لصالح البحرية. ولكن الآن وقد وصل إدوارد ويندسور، رئيس شرطة فالن السابق، كان من الصواب استعادة تلك السلطة.
يبدو أن جنود البحرية الذين يحرسون المدخل كانوا هناك بسبب صراع السلطة.
رجال البحرية، الذين سمحوا ليوهانس بالدخول بجرأة، اسدلوا أكتافهم المنتفخة عندما عاد خالي الوفاض على ما يبدو.
من ناحيةٍ أخرى، بدا ضباط الشرطة متعجرفين، ورفعوا أكتافهم عالياً، ناظرين إلى رجال البحرية بسخرية.
مع ذلك، لم يبدُ على يوهانس أيّ اهتمامٍ بألعابهم الصغيرة لكسب القوّة.
كنّا نسير نحو العربة. بمجرّد أن ابتعدنا مسافةً كبيرةً عن المبنى، سأل يوهانس، الذي ظلّ صامتاً حتى تلك اللحظة، أخيراً.
“ما كان هذا؟”
لم يكن هناك أيّ سخريةٍ أو عدم تصديق. كان يسأل بصدق.
“هل تستمتعين دائماً بالألغاز؟ لم أكن أعرف.”
بالطبع، تمنّيتُ بشدّةٍ الإجابة. كنتُ كذلك بالفعل.
لكنني لم أستطع. حتى أنا كنتُ في حيرةٍ مما حدث للتوّ.
بما أنني أدرس الصيدلة، فقد كنتُ أعرف بعض المعلومات عن السموم. لكن أقسم أنني لم أُعِر مسرح جريمةٍ كهذا أدنى اهتمام.
ليس الأمر أنني كنتُ خائفة، ولكن …
كيف قدّرتُ وقت الوفاة؟ كيف استطعتُ فحص الجثة بهدوء؟ كيف استنتجتُ أنها مسمومة؟
فجأةً، أصابني ألمٌ حادٌّ في رأسي. تشبثتُ به لا إراديًا، فأمسك يوهانس بي بسرعة.
التعليقات لهذا الفصل " 45"