انقلب وجه نواه ويبر في حالةٍ من عدم التصديق وهو ينظر إلى يوهانس، الذي كان يتحدّث كما لو كان يتحدّث عن شخصٍ آخر.
كنتُ أنا أيضًا في حالة ذهول.
لكن يوهانس لم يُعِر ردود أفعالنا اهتمامًا واستمرّ في الحديث.
“ووجدتُ دليلًا على تسريبكَ أسرارًا عسكريةً للعدوّ. هل كان المال مُهِمًّا لكَ لهذه الدرجة؟”
تعثر نواه ويبر إلى الوراء مذعورًا. لكن بسبب الألم في ذراعه، لم يبتعد كثيرًا قبل أن ينهار.
أمسك بكتفه وصرخ بيأس.
“هل تعرف مَن خلفي؟!”
“أعرف. مُورِّد أموالك، أنا ممتنٌّ جدًا لأنكَ تخبرني بهذه السهولة.”
هييك. شهق نواه من الصدمة.
“أتمنى أن تكون متعاونًا بنفس القدر أثناء الاستجواب. سيكون ذلك مفيدًا جدًا.”
وجهه، الذي كان مليئًا بالغضب والألم، بدت عليه الآن لمحةٌ من الخوف.
انحنى يوهانس وهمس بشيءٍ في أذنه. انفتح فك نواه من الصدمة، كما لو أنه فقد عقله.
تركه يوهانس يرتجف كورقة شجر، ثم تقدّم نحوي ومدّ يده.
عندما أخذتُها ووقفتُ، دقّقت عيناه الزرقاوان في جسدي من أعلى إلى أسفل.
“أنتِ تنزفين.”
عبس وهو يمدّ يده نحو جبهتي. لا بد أن الجرح قد انفتح مجدّدًا عندما صوّب بالمسدس على جبهتي سابقًا.
“هل أنتِ بخير؟”
سأل يوهانس، بصوتٍ أهدأ مما كان عليه عندما تحدّث مع نواه ويبر.
لم أكن أُدرك الألم حتى سأل. كان الخوف من الموت قد خيّم على كلّ شيء. لكن الآن بعد أن ذكر ذلك، ازداد الألم خفقانًا.
عبستُ لا إراديًا. في الوقت نفسه، بدأ رأسي ينبض أكثر.
“… لا أعتقد أنني بخير.”
في الحقيقة، لم أكن كذلك.
عندما رأى يوهانس ذلك، أمسك بيدي ووضع مسدّسًا فيها.
نظرتُ إليه في حيرة.
“سأتركُ لكِ القرار بشأن ما ستفعلينه به. أطلِقي عليه النار أينما شئتِ، تدرّبي عليه إن أردتِ، أو اقتليه برصاصةٍ واحدة.”
كانت كلماته تقشعرّ لها الأبدان، ومع ذلك لم أشعر بالخوف. بالتأكيد، لم يتوقع مني إطلاق النار حقًا.
مسحتُ الدم من طرف عيني، وسألتُ مازحًة.
“هل يُسمح لي حقًا؟”
بالطبع لا. توقّعتُ منه أن يستعيد المسدس.
لكن يوهانس أومأ برأسه ببساطة. لم يسترد السلاح ولم يحاول إيقافي، حتى أنه تنحّى جانبًا لإفساح الطريق.
هل كان جادًّا؟
يبدو أن نواه ويبر لم يتوقّع ذلك أيضًا.
“مـ ماذا تفعل؟!”
صرخ بصوتٍ مُثيرٍ للشفقة. اتسعت عيناه الصغيرتان خوفًا. قبل لحظات، حاول قتلي بتبجّحٍ كبير. الآن يبدو مثيرًا للشفقة.
يا له من رجلٍ تافه!
بعد أن جُرِّد من كلّ شيء، بدا كفأرٍ غارق.
تدحرج مسدّسه على الدرج، وأصيب كتفه بجروحٍ بالغة.
بدا كاحله ملتويًا أيضًا لأنه لم يستطع حتى الوقوف.
كلّ ما استطاع فعله الآن هو الصراخ في وجهي.
“هذا غير قانوني!”
صرخ نواه، لكن يوهانس صحّحه بهدوء.
“يجب أن تتوقّف عن التظاهر بمعرفة ما لا تعرفه.”
“ماذا تقصد …؟”
“لقد أُلغِيَت حقوق الإعدام الفوري لعائلة دوق شولتز. ولكن إذا تضرّر أحد النبلاء، فلا يزال حقّه في إعدام المُهاجِم على الفور ساريًا.”
“… ماذا؟”
“يا لسوء حظك، زوجتي نبيلة. لا يزال لديها الحق في إجراء إعدامٍ فوريٍّ.”
شحب وجه نواه ويبر بشدّة.
“ها… هاهاها!”
ضحك كالمجنون. لم أكن متأكدةً إن كان قد فقد صوابه أم قرّر الاستسلام.
“إن كنتِ تجيدين الرماية، تفضلي! أنتِ مجرّد امرأةٍ عامّية، هل تعرفين حتى كيفية استخدام هذا الشيء؟!”
حتى مع وجود يوهانس بجانبي، وجّه لي تعليقات استخفافٍ عابرةٍ لكوني عامّية.
تنهّدتُ بهدوء. كيف يمكن أن يكون ساذجًا إلى هذه الدرجة؟
“آسفةٌ لتخييب ظنك، لكن والدي علّمني كيفية إطلاق النار عندما كان في إجازة.”
عندما صوّبتُ المسدّس نحو رأسه مباشرة، كادت عينا نواه ويبر أن تخرجا من محجريهما.
“لأنه كان يحبّني كثيرًا.”
شدّ قبضته على ذراعه المُصابة. تجعّدت أطراف ملابسه بشدّة.
ارتجف فمه المشدود بإحكام، كما لو كان يكبت غضبه. فجأة، بدأ يضرب رأسه بالأرض.
بعد أن صرخ من قبل عن الشرف، بدا الآن أنه لا يستطيع تقبّل فكرة الموت على يد امرأةٍ من عامّة الناس.
لم أُرِد أن أُوَسِّخَ يديّ بقتل شخصٍ مثله. في النهاية، لم أستطع الضغط على الزناد، فأعدتُ المسدس إلى يوهانس.
“مهما يكن، لا أستطيع قتل أحد.”
احترم يوهانس قراري. بدا وكأنه يعلم أنني لن أُنفِّذ ذلك.
قيَّد نواه ويبر الفاقد للوعي، وألقاه في زاوية، ثم عاد إليّ.
لكن فجأةً بدأت ملامحه تتشوّش. فجأةً، أصبحت رؤيتي ضبابية، وشعرتُ بألمٍ حادٍّ في رأسي. ازدادت جفوني ثقلاً.
“زوجتي.”
“…..”
“زوجتي!”
آخر ما رأيتُه هو وجه يوهانس الشاحب المصدوم.
يا إلهي. كيف استطاع أن يُبدي تعبيرًا كهذا على وجهه؟
بينما أظلمت رؤيتي، تلاشى صوته القَلِق بالأفق.
***
فتحتُ عينيّ ببطءٍ على إحساسٍ دافئٍ بشيءٍ يلتفّ حول جسدي برفق.
ما زال رأسي ينبض وكأنه سينفجر. لم يكن يؤلمني بهذا القدر قبل لحظة.
لماذا الآن؟
“آه …”
تأوّهتُ بهدوء، واقترب أحدهم بسرعة.
“سيدتي، هل استيقظتِ؟”
“… آهين؟”
بدت أهين محطّمةً تمامًا.
عندما ناديتُ باسمها، ارتسم على وجهها القَلِق علامات الارتياح.
“أنا آسفةٌ جدًا، سيدتي. كان يجب أن أتوقّع شيئًا كهذا …”
“لا، كيف يكون هذا خطأكِ؟”
“ومع ذلك، كان يجب أن أخدمكِ بشكلٍ أفضل. عندما اندلع الحريق، ذعرتُ كثيرًا …”
“لا تقلقي كثيرًا.”
عندما رأيتُ كتفيها ينهاران، مددتُ يدي وربتُّ على ذراعها برفق.
رفعت آهين رأسها ببطء، لكن تعبيرها تغيّر مجددًا وهي تنظر إلى الضمادات الملفوفة حول رأسي.
“حقًا، ليس خطأكِ. أنا على قيد الحياة الن، أليس كذلك؟”
“لا، إنه خطؤها.”
قبل أن تتمكّن آهين من الرّد، قاطعها صوتٌ حادٌّ من المدخل.
كان يوهانس.
“لحسن الحظ، قال الطبيب أنه لا توجد كسور. ومع ذلك، أعتقد أن عليكِ شرب هذا.”
التفت إلى آهين بنظرةٍ باردة.
أحنت آهين رأسها على الفور.
“ليس لديّ عذر. لقد كان هذا فشلي.”
“بالتأكيد.”
“أنا آسف، سيدي.”
“أتظنّين أن مجرّد الاعتذار يكفي؟”
سخر يوهانس.
“بسبب إهمالكِ، تعرّضت حياة سيدتكِ للخطر، ومع ذلك تُظهِرين وجهكِ بلا خجل.”
“أنا …”
“طلبتُ منكِ أن تبتعدي عن أنظاري. هل ظننتِ أنني أمزح؟”
بدا أن آهين ستنفجر بالبكاء إذا استمرّ الوضع على هذا النحو، لذا غيّرتُ الموضوع بسرعة.
“توقّفا عن الجدال أمام مريض. ماذا حدث لذلك الرجل؟ أنا فضوليّة.”
يبدو أن يوهانس وافق على عدم القتال أمامي، ولم يقل شيئًا آخر لآهين.
ووفقًا له، وصلت قوّات البحريّة لاحقًا واعتقلت نواه ويبر.
كان لدى نواه العديد من المتواطئين، لكن يوهانس لم يذكُر ما حدث لهم. بالنظر إلى تعبير وجهه، من المرجّح أنه تعامل معهم على الفور.
“بالمناسبة، ألم يكن غاضبًا منك؟”
نظر إليّ يوهانس بوجه محتار. ثم أطلق ضحكةً فارغة.
كان الأمر كما لو أنه قد حُكِم عليه بالموت بالفعل، ومع ذلك لم يستطع قول أيّ شيءٍ ليوهانس حتى النهاية.
يا له من رجل مثيرٍ للشفقة حقًا.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 43"