كان مركز المدينة، الذي لم أزره منذ فترة، مكتظًّا كعادته. نظرت آهين، المتحمّسة هي الأخرى لخروجها لأوّل مرّةٍ منذ فترة، حولها بابتسامةٍ مُشرقةٍ ومُتحمّسة.
ولأنني فضّلتُ أيضًا البقاء بمفردي في مكتب البريد، سألتُها بحذر.
“آهين، هل تمانعين الانتظار في الخارج قليلًا؟ من غير المعتاد أن يزور أحدٌ مكتب البريد شخصيًا برفقة خادمة، فقد يلفت ذلك الانتباه.”
“بالتأكيد! خذي وقتكِ، سيدتي.”
بدا على آهين أنها سعيدةٌ جدًا بفرصة إلقاء نظرةٍ أخرى.
أخفضتُ قبعتي ودخلتُ مكتب البريد. مرّ الناس من أمامي بنشاط، تلامست أكتافنا.
شققتُ طريقي وسط الزحام ووصلتُ أخيرًا إلى مكتب البريد.
“مرحباً. أنا هنا للاستفسار عن مُرسِل هذا البريد. وصلتني رسالة، لكن لا توجد معلوماتٌ عن مصدرها. هل يُمكنكَ التحقّق من ذلك لي؟”
أخرجتُ الرسالة من حقيبتي وسلّمتُها. فحص عامل البريد الرسالة وقال بنبرةٍ مَلول.
“هذه الرسالة من بولن. هل يُمكنكِ إخباري بالعنوان الذي سُلِّمت إليه؟”
“المنزل الخامس، في شارع ستوفين الثاني.”
رمش الموظّف ببطء، ثم أجاب بصوتٍ ناعس.
“لا يوجد مُرسِلٌ مُسجَّلٌ لهذه الرسالة. أعتقد أن المُرسِل سلَّمها شخصياً.”
“شخصياً؟”
إذن، هل تكبّد أحدهم عناء شراء ورق رسائل من بولن لمجرّد مُعارضة زواجي من يوهانس؟
أخرجتُ على عجلٍ الرسالة الأخرى التي وصلتني إلى قلعة إيفانشتاين.
“ماذا عن هذه؟”
“لحظة. هذه الرسالة …”
عقد الموظّف حاجبيه، وهو يقلّب الرسالة بين يديه قبل أن يسأل.
“متى استلمتِ هذه؟”
“أمس.”
ثم بدأ يُفتِّش في بعض المستندات في أحد الأدراج. سرعان ما أشرق وجهه كما لو أنه وجد شيئًا ما.
“يبدو أنها أُرسِلت من فندق كارييرت في بولن.”
“… فندق كارييرت؟”
لم أسمع به من قبل.
“إذن تقول إن مُرسِلي هاتين الرسالتين مختلفان؟”
“هذا، لا أستطيع الجزم. ليس لدينا سجلّاتٌ للرسالة الأولى التي أريتِها، لذا نفترض فقط أنها وُجِّهت شخصيًا.”
“فهمت … شكرًا لك.”
كنتُ قد أتيتُ إلى مكتب البريد آملةً في حلّ لغز هذه الرسائل، لكنني عدتُ إلى قلعة إيفانشتاين بمزيدٍ من الأسئلة.
هل كان والدي على قيد الحياة حقًا؟ أم أنها مجرّد مزحة؟
***
وفقًا لتحقيق يوهانس شولتز، لم يكن لدى إيديث بريم أيّ شخصٍ تعتبره صديقًا حقيقيًا.
إذن، ما هذا العذر المفاجئ لكتابة رسالةٍ إلى صديق؟
حتى أنها أصرّت على الذهاب بمفردها، كما لو كانت تعزله عمدًا. لا بد أنها كانت تعلم أن الأمر سيبدو مُريبًا.
ماذا الذي يحدث بحق السماء؟
بينما كان يوهانس غارقًا في التفكير بانفعال، طرق فِريد غانر باب المكتب.
“سيدي، لقد عادت السيدة من مكتب البريد.”
لاحظ مزاج يوهانس الهادئ على غير العادة، وأضاف بحذر.
“لم يبدُ أنها أرسلت أيّ رسائل، فقط أرت موظف البريد رسالةً استلمتها …. وعند الاستفسار من الموظّفين، قالوا أن السيدة كانت تسأل عن مُرسِل الرسالة.”
كما هو متوقّع، كان عذر ‘الكتابة إلى صديق’ كذبةً في النهاية.
شعر يوهانس باستياءٍ أكبر، فنقر بأصابعه على مسند كرسيه، وسأل بنبرة منزعجة.
“المُرسِل؟ إذن مَن أرسلها؟”
“يقولون إنها أُرسِلت من فندق كارييرت في بولن. لا نعرف محتوى الرسالة، ولكن… ألا يفترض ان يكون الأمر مُريبًا؟ بولن فجأة؟”
فرك يوهانس جبينه وتنهّد.
“هل وُجِّهت أيّ رسائل أخرى إلى إيديث مؤخّرًا؟”
“نعم. قال الخدم إنها من السيدة بينسلر، ولكن … لا يبدو أنها من النوع الذي يُرسِل رسائل شخصية.”
رسالةٌ مُوجَّهةٌ إلى إيديث من مُرسِلٍ مجهول، وجاءت من بولن تحديدًا.
من الواضح أن مَن يقف وراء هذا لم يُبالِ بدوق شولتز الذي يقف خلف إيديث.
“أعتقد أنه من الجيد أن تسألها بنفسكَ على حدة، تحسّبًا لأيّ طارئ.”
التعليقات لهذا الفصل " 38"