على أيّ حال، بما أن البداية سارت وفقًا لخطته، فقد قال الآن إنه سيترك لي حريّة تحديد النهاية.

 

أومأتُ برأسي ببطء.

 

“بالتأكيد، إذا انفصلنا، فسأدفع لكَ تسويةً مناسبةً مع تعويض عن كلّ ما تلقّيتُه منكَ حتى الآن.”

 

هاه…! تنهّد السيد فِريد في حيرةٍ وبدأ يُقوِّم أكمام قميصه. التفت إلى يوهانس بصوتٍ حزين.

 

“حقًا، هناك الكثير مما لا أعرفه أليس كذلك…؟”

 

“أنتَ تعرف الآن، فلا بأس.” 

 

أجاب يوهانس بلا مبالاة.

 

أغمض السيد فِريد عينيه بإحكام. بينما حرّكتُ أدواتي، غير قادرةٍ على إخفاء حرجي، بحذرٍ وانضممتُ إلى الحديث.

 

“أنا مدينةٌ للدوق بمئة مليون بيرك. هذا تعويضٌ كافٍ. علاوةً على ذلك، قلتَ إنني أستطيع مواصلة دراستي للصيدلة. لذا مهما طال الأمر، فمن مسؤوليتي أن أؤدّي الدور الذي تتوقّعه مني.”

 

التفت يوهانس نحوي. تجهّم حاجبيه للحظةٍ قبل أن يعود إلى رباطة جأشه المعتادة.

 

“كيف تعرفين كم من الوقت سأحتاجكِ في هذا الدور؟”

 

كان صوته منخفضًا عن ذي قبل. رفعتُ نظري إليه.

 

“…عذرًا؟”

 

زواجٌ ذو هدفٍ واضح.

 

سيدوم، على الأكثر، خمس سنوات. ربما عشر سنواتٍ على الأكثر…

 

بالتأكيد لم أكن أتوقّع ليقول أن يدوم مدى الحياة. ولكن حتى لو كان كذلك، فلا تراجع الآن.

 

لم يطلب مني سداد المئة مليون بيرك، لكنني ما زلتُ أرغب في سدادها بطريقتي الخاصة.

 

 لو أصبحتُ صيدلانية…

 

سيستغرق الأمر وقتًا.

 

عبستُ قليلًا وأنا أنظر إليه. ضحك يوهانس ضحكةً مكتومة.

 

“لا داعي لأن تكوني جادّةً لهذه الدرجة. كنتُ أمزح.”

 

“لا! لا بد أنكَ لا تمزح. بخصوص الوريث …”

 

“الأهم من ذلك…! ماذا حدث في قضية القتل؟”

 

قبل أن يتمكّن السيد فِريد من الحديث عن الوريث مجدّدًا، غيّرتُ الموضوع بسرعة. لم أكن فضوليةً جدًا في الواقع، لكنه كان الموضوع الوحيد الذي خطر ببالي.

 

بدا يوهانس متفاجئًا، كما لو أنه لم يتوقّع مني أن أتحدّث عن جريمة القتل. اختفت النظرة المريحة في عينيه.

 

“هل أنتِ فضوليةٌ حقًا؟ إنه أمرٌ مزعجٌ للغاية.”

 

“…نعم. في الوقت الحالي.”

 

لم يبدُ أنه يُصدّقني تمامًا، نظرًا لتاريخي في الكذب، ولكن ربما بسبب نظرة السيد فِريد الحادّة، فقد سايرني كما أريد.

 

“إن شئتِ ذلك.”

 

 وبينما كان يقطع لحم الضأن الملطّخ بدمٍ أحمر فاقع، بدأ يتكلّم.

 

وفقًا ليوهانس، كانت الحادثة مروّعةً كما ذكر التقرير الأولي.

 

ركّز التحقيق في البداية على ضغينةٍ شخصية، لكن سرعان ما رُفِضت هذه النظرية.

 

لم تكن هناك أدنى صلةٍ بين الضحية والجاني.

 

ضرب القاتل جمجمة الضحية بعنفٍ عدّة مرّاتٍ بمطرقة. لم أستطع منع نفسي من العبوس خلال ذلك الجزء.

 

لاحظ يوهانس تعبيري، فسأل إن كان عليه التوقف عن سرد القصة، لكنني هززتُ رأسي بالنفي. 

 

بما أنني بدأتُ بالاستماع، شعرتُ أن الأمر سيزعجني أكثر إن لم أسمع النهاية.

 

“تابِع من فضلك.”

 

بدلًا من قتله في الساحة، قُتِل الضحية في مكانٍ آخر، وحُشِر في حقيبة، وأُغلِق عليه، ثم أُلقي في نافورة الساحة.

 

بعد بضعة أيام، ظهرت الحقيبة، وتم اكتشاف جريمة القتل بعد عشرة أيامٍ من وقوعها. 

 

“إذن، مرّ الناس به لمدّة عشرة أيام؟”

 

أومأ يوهانس.

 

كان هناك مشتبهٌ بهما: والدة الضحية، التي كانت تعيله ماليًا حتى الأربعينيات من عمره، وصديقٌ قديمٌ يدين له بالمال.

 

في النهاية، كُشف أن الصديق هو الجاني. كانت نتيجةً متوقعة، وليست مفاجئةً على الإطلاق.

 

عبستُ وأشرتُ نحو عنوان الصحيفة.

 

“مهما يكن، كيف يُمكن لصديق…”

 

“لا.”

 

جعلني جوابه الحازم أميل رأسي.

 

“يُفضّل الناس أحيانًا الإجابات التي تُريحهم على الحقيقة. الأكاذيب أكثر شيوعًا من الحقائق في هذا العالم.”

 

صمتُّ. ظننتُ أنني فهمتُ ما قَصَده.

 

“إذا فهمتُكَ بشكلٍ صحيح… هل تقول إنهم جعلوا من شخصٍ بريءٍ قاتلًا؟”

 

أومأ يوهانس.

 

“…لماذا؟”

 

“كانت أفضل طريقةٍ لإرضاء رغبات الجميع.”

 

 أفضل طريقة؟ تخيّلتُ وجه عائلة ذلك الرجل المجهول، وأطلقتُ ضحكةً جوفاء.

 

“لستُ متأكدةً من أن توريط ذلك الرجل وسجنه في يومٍ واحدٍ سيُرضي رغبات عائلته.”

 

كان ردّه جافًا، بل يكاد يكون سخيفًا.

 

“لقد منحناه تعويضًا كافيًا. سيُلام، نعم، لكن عائلته المتبقية ستعيش في رفاهيةٍ لبقية حياتهم.”

 

“… ويمكن للعامة أن يطمئنّوا الآن بعد أن تمّ القبض على ‘المذنب’.”

 

لم أسأله إن كان متورّطًا بشكلٍ مباشر. بالطبع كان متورّطًا. كلّ قرارٍ رئيسيٍّ في موسن كان يمرّ عبر يوهانس شولتز.

 

في النهاية، هو مَن أقرّ شراء صمت رجلٍ بالمال وإلصاق الجريمة بشخصٍ آخر.

 

بطريقةٍ ما، لم نكن أنا وهو مختلفين كثيرًا.

 

لقد كنتُ محظوظةً فحسب. أما ذلك الرجل فلم يكن كذلك. هذا هو الفرق الوحيد.

 

ما زالت عيناه جامدتين. كبحرٍ بلا أمواج.

 

كان حلقي جافًا. أجبرتُ نفسي على ابتلاع ريقي، ثم التفتُّ أخيرًا.

 

كشف شعري المُجعّد بإحكامٍ عن مؤخرة رقبتي، فشعرتُ بوخزٍ من التوتر.

 

ثم تذكّرتُ أحد أهم الأسئلة.

 

“إذن، مَن هو القاتل الحقيقي؟”

 

* * *

 

كان إدوارد ويندسور يُحدّق من نافذة قلعة بافينبرغ في العاصمة فالن، بوجهٍ مُملّ.

 

“سأل جلالة الملك عن الدوقة.”

 

اقترب منه مساعده، موريتز ويبر، وقال له. أدار إدوارد رأسه ببطء.

 

“آه. إذًا، جلالته لا يريد حتى أن يسألني مباشرةً بعد الآن؟”

 

“….”

 

“أودُّ أن أُقدِّم تقريري وأنتهي من هذا أيضًا، لكنني آسفٌ لأن أقول إنني ما زلتُ أُفكّر. لا أستطيع فهم طبيعة الدوقة.”

 

نكّس إدوارد شعره، مُسترجعًا ملامح إيديث بريم الواضحة.

 

 لا يبدو يوهانس شولتز من النوع الذي يتزوّج من عامة الناس لمجرّد مظهرها.

 

ومع ذلك، بدا الاثنان وكأنهما عاشقان حقيقيان. هل كان يوهانس ودودًا إلى هذه الدرجة مع النساء؟

 

على الأقل مما رآه، لم يُبدِ يوهانس أيّ اهتمامٍ بالنساء من قبل.

 

بينما عضّ إدوارد شفتيه، ناوله موريتز وثيقةً بحذر.

 

“فيما يتعلّق بهذا… إليكَ المعلومات التي طلبتَها عن الدوقة. مع ذلك، لا يوجد شيءٌ مميز. ليس الأمر وكأنها تخفي هويتها. يقول أهل البلدة إنها مجرّد فتاةٍ عادية.”

 

كانت الوثيقة صفحةً واحدة. إلى هذا الحد كانت عادية.

 

“الشيء الوحيد الجدير بالملاحظة هو أنها تدرس علم الأدوية. ولكن حتى هذا ليس غريبًا.”

 

“هممم…”

 

كان الأمر عاديًا حقًا. كان مظهرها هو الشيء الوحيد المهم.

 

 هل يمكن أن يكون يوهانس شولتز قد خسر كلّ شيءٍ بعد وفاة الدوق السابق؟

 

إذا كان الأمر كذلك، فقد كان ذلك في صالح إدوارد. بعد هذا الاستنتاج، سأل بتكاسل.

 

“ما الذي دفعه للزواج؟”

 

“لقد سدّد الدوق جميع ديون الدوقة.”

 

“ديون؟”

 

كان بالكاد قادرًا على سداد ديونه، والآن هو يسدّد ديون شخصٍ آخر؟ أشار إدوارد لموريتز ليكمل حديثه.

 

“يبدو أنها تورّطت مع وكالة قروضٍ مشبوهةٍ يديرها الفيكونت شوفين سرًّا. ووفقًا لضباّط البحرية الحاضرين، فقد تقدّم لها على الفور.”

 

“ماذا؟”

 

هل تقدّم يوهانس شولتز للزواج في مكانٍ كهذا؟

 

انفجر إدوارد ضاحكًا بشدّة. أما موريتز، فقد وقف صامتًا، كما لو كان هذا حدثًا مألوفًا.

 

مسح إدوارد الدموع من زوايا عينيه، وارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ أنيقة.

 

لقد كان مجنونًا تمامًا. لقد فقد يوهانس شولتز صوابه تمامًا.  

 

“هل وقع في الحبّ حقًا؟ هذا سيجعل الأمور مملة.”

 

تابع إدوارد.

 

“أخبِر جلالته أنها امرأةٌ بلا أهمية. لقد زرعتُ فيها بالفعل بذرة شك. إن لم يكن يحبّها بصدق، فستهرب من تلقاء نفسها.”

 

“أجل، سأبلغ عن الأمر بهذه الطريقة. ويبدو أنك ستُعيَّن قريبًا مفوَّضًا لشرطة موسن.”

 

“موسن؟”

 

أومأ موريتز برأسه بحذر.

 

“لقد هزّت جريمة القتل الأخيرة ثقة الجمهور. يزداد عدم ثقة الناس بالشرطة، وسمعة الدوق شولتز ترتفع من جديد. هناك دعوةٌ لإصلاح الشرطة في موسن …”

 

“إذن جلالته يرسلني ككبش فداء.”

 

“إنه يرسل شخصًا موثوقًا به.”

 

“لا يهم. إنها ليست المرّة الأولى.”

 

مُثير المشاكل في عائلة ويندسور، إدوارد ويندسور.

 

 كان معتادًا على أن يُلعَب به كأوراق اللعب. لوّح إدوارد بيده لموريتز.

 

“حسنًا، لن أشعر بالملل. يمكنكَ الذهاب الآن.”

 

“…هل أُتلِف الوثيقة؟”

 

“لا، اتركها. ستكون شيئًا لتمضية الوقت.”

 

حتى عندما استدار موريتز ليغادر، لا تزال الابتسامة ترتسم على وجه إدوارد. فقط عندما تلاشى وقع الأقدام، مدّ يده إلى الوثيقة على مكتبه.

 

كان على وشك رميها في سلّة المهملات عندما لفت انتباهه شيءٌ ما.

 

توقّف.

 

وأحكم قبضته على الورقة.

 

“… إيديث بريم؟”

 

 

 

 

 

 

 

 

 

⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄

ترجمة: مها

انستا: le.yona.1