يوهانس شولتز رجلٌ خطير.
والده، حارس موسن، قد مات، ويوهانس المختبئ خلف الستار ليس كما تتخيّلين.
ظلّ إدوارد ويندسور يزرع بذور الشك فيّ.
هل كان يحاول ببساطةٍ إثارة الخلاف بيني وبين يوهانس؟ ولكن ما السبب؟
لأنني لم أقضِ وقتًا طويلًا مع يوهانس، افتقرتُ إلى الفطنة اللازمة لتمييز الحقيقة من الكذب.
في النهاية، لم أكن أعرف عنه سوى أجزاءٍ قليلة.
ابن الدوق شولتز الشابق، الذي قُتِل بتُهَمٍ باطلة. رجلٌ تقدّم لي بصدق، قائلًا إنه يحتاجني لتحقيق أهدافه الخاصة.
‘ماذا أعرف حقًا عن يوهانس أيضًا…؟’
لا شيء. لم يكن يومًا من النوع الذي يكشف عن نفسه بسهولة.
من خلال الفجوة الضيّقة في الستائر، اقترب يوهانس بخطواتٍ طويلة. وأخيرًا، وقف أمامي مباشرةً ودفع الستارة جانبًا بقوّة.
ارتطمت الحلقات المُعلَّقة على قضيب الستارة بصخب. صعقتني ثرثرة قاعة الحفلات الصاخبة.
نظر إليّ يوهانس بنظرةٍ صارمة.
شفاهٌ مشدودة، وعيونٌ حادة، ونظرةٌ باردة. كان غاضبًا بوضوح.
ارتجفتُ غريزيًا.
“لو كنتَ تحاول الاختباء، فقد فشلت.”
“هذا ليس—”
بدأتُ اختلاق الأعذار لا إراديًا، لكنني صمتتُ. لقد تقدّم أمامي بدلًا من توبيخي.
“أوه، هل رأيتَني؟ كان عليّ أن أحاول الاختباء أكثر.”
“في المرّة القادمة، حاول بذل القليل من الجهد.”
“إذن قد لا تجدني.”
ربّت إدوارد برفقٍ على كتف يوهانس.
“اهدأ يا ابن عمي. لم أقل شيئًا جنونيًا. إذا استمررتَ في العبوس هكذا، ستُخيف الناس.”
“إذا كان هناك شيءٌ لا يمكنكَ قوله أمامي، فالأفضل ألّا تقوله إطلاقًا. أليس كذلك؟ “
عبس إدوارد.
“للأسف، قد يكون هذا صحيحًا. كلّما تقدّمتُ في العمر، ازددتُ عنادًا.”
“ما زلتَ تثرثر، كما أرى.”
استمرّ في الوقوف بيني وبين إدوارد، مانعًا الرؤية تمامًا. وجدتُ نفسي أحدّق في ظهره العريض بصمت.
قبل لحظات، كان قلبي ينبض قلقًا. الآن، هدأ تمامًا.
إدوارد ويندسور، مَلَكيٌّ يسعى للسيطرة على عائلة شولتز. لم يكن هناك سببٌ يدفعني للشكّ في يوهانس لمجرّد كلماته الجوفاء.
مهما قال أيّ شخص، فقد وعد يوهانس بالوفاء بواجباته كزوج. كان عليّ أن أفعل الشيء نفسه.
التفكير بهذه الطريقة جعلني أسخر.
كيف يُمكن لشخصٍ أن يحاول بكلّ وقاحةٍ العبث بين زوجين حديثي الزواج؟
” لم أقل شيئًا غريبًا. فقط أشرتُ إلى مدى برودكَ وأعطيتُها بعض النصائح. طلبتُ منها أن تهرب ما دامت قادرةً على ذلك.”
رفع إدوارد يديه مستسلمًا. ردّ يوهانس بنبرة ملل.
“لقد أسديتَ نصائحكَ عديمة الفائدة، وحضرتَ حفل الزفاف. يبدو أن عملكَ هنا قد انتهى. أليس لديكَ رفاهية الاستمتاع بملّذات موسن؟”
“بالتأكيد لا. الكثير يحدث في فالن. وبالمقارنة مع ذلك، موسن هادئةٌ لدرجة أنها تُحسَد عليها.”
نظر إدوارد حوله حالمًا.
“قد أنتقل إلى هنا أيضًا.”
تمتم، وعيناه تتدحرجان إلى الأعلى كما لو كان جادًا.
وبصراحة، لا ألومه. كانت الحوادث الكبرى والصغرى تملأ صحف فالن اليومية باستمرار.
أحيانًا، كانت جرائمٌ مروّعةٌ لا تُذكَر تُنشَر حتى في صحافة موسن.
بصفته رئيس شرطة فالن، لا بد أنه يتوق إلى هذا السلام. حتى لو لم تعد موسن كما كانت، فهي لا تزال أفضل من فالن.
“سيكون الأمر مثاليًا، لو لم يُفسِد أحدهم هذا السلام.”
عند كلمات يوهانس، أمال إدوارد رأسه.
في صمتٍ متوتر، نظرتُ بين الرجلين. وخزني توترٌ مُرعب.
بدا أن بينهما أمورًا كثيرةً تتجاوز ما ذكره السيد فِريد.
بعد صمت، أطلق إدوارد ضحكةً خفيفة.
“كان لذلك تأثيرٌ قوي.”
“يا للأسف. لقد شرحتُ موقفي سابقًا، لكن أعتقد أن فهمكَ قد ساء منذ آخر لقاءٍ لنا.”
“أوه، فهمتُ. أنتَ تطلب مني أن أبتعد عن منطقتكَ المثالية. لكنكَ تعلم، لم أكن يومًا من النوع المطيع.”
قال يوهانس شيئًا لم أستطع فهمه، فتصلّب تعبير إدوارد المَرِح على الفور.
ثم تمتم قائلًا “مجرد مزحة، مجرد مزحة”، وغمز لي بخبث.
ما الذي يفكّر فيه بحق السماء؟
بينما عبست، نظر إليّ إدوارد نظرة أخيرة ثم انصرف.
عندها فقط زال التوتر عني. أنزلتُ كتفي المتصلّبتين ونظرتُ إلى يوهانس.
خفّ برود وجهه عندما التقت نظراتنا.
“أعلم أننا لم نتزوّج عن حب، لكنني لم أتوقع أن تخونني يوم زفافنا.”
“لو سمع أحدٌ ذلك …!”
نظرتُ حولي بسرعة. لم يكن أحدٌ قريبٌ منا، وعندها فقط تنهّدتُ وأجبتُ.
“لم يقل شيئًا جديًا.”
بدا يوهانس غير مقتنع.
“حقًا؟”
“أجل، حقًا. سألني فقط كيف التقينا. بدا فضوليًا حقًا.”
فكّرتُ في إخبار يوهانس بتعليقات إدوارد الجارحة لكنني تردّدتُ. لم أثق بكلام إدوارد، لكن …
بالنظر إلى مدى توتر علاقتهما، هل من المفيد حقًا إثارة المشاكل؟
خاصةً في يوم كهذا.
استدرتُ لأنظر من النافذة.
كان يومًا جميلًا. يومٌ لم أشعر به منذ زمنٍ طويل، ليس منذ وفاة والدي.
«الزواج نعمة، إيديث.»
حاولتُ نسيان كلمات والدي، فنظرتُ إلى النجوم المتناثرة في السماء، وأجبرتُ نفسي على الابتسام رغم الغصّة في حلقي.
“لم يكن بالأمر الجلل، حقًا.”
بعد هذه الضجة القصيرة، استمر الاستقبال دون أيّ حوادث.
لم تُلقِ النبيلات اللواتي سخرن مني نظرةً واحدةً في اتجاهي. وحيّيتُ النبلاء الآخرين فور وصولهم.
كان بعضهم وقحًا، لكن معظمهم كانوا ودودين. وكما قال السيد فِريد، لم أبدُ أنني أفتقر إلى آداب السلوك.
“الدوقة مختلفةٌ تمامًا عن غيرها من السيدات العاديات.”
سواءً كنّ صادقاتٍ أو مجرّد مُهذّبات، رددتُ بابتسامةٍ لطيفة.
بعد أن انتهت معظم التحيّات، تناولتُ بضعة أكوابٍ من الشمبانيا.
مع انغماسي في الكحول، ارتخت أعصابي. حينها فقط وجدتُ الشجاعة لطرح سؤالٍ على يوهانس.
بينما كنا واقفين على الشرفة نستمتع بالنسيم، سألتُه وهو يتكئ على الدرابزين ويُخرِج سيجارة.
“هل أنا جيدةٌ حقًا في آداب السلوك النبيل؟”
“بالتأكيد.”
توقّف قليلًا قبل أن يشعلها ليجيب.
“حقًا…؟ ظننتُ أن السيد فِربد كان يُثني عليّ فقط. ظننتُ أن النبلاء كانوا يُجاملونني لأجلكَ فقط.”
لم يُجِب هذه المرّة. أشعل سيجارته بحركةٍ خفيفةٍ من ولاعته.
بينما كنتُ أُحدّق في الشعلة الصغيرة التي تتلألأ في الظلام، واصلتُ الهمس.
“هذا غريبٌ نوعًا ما. لا أنا ولا أبي تربطنا أيّ صلةٍ بالنبلاء. فكيف تعلّمتُ آدابهم …؟ مهما فكرتُ في الأمر، لم تكن لنا أيّ صلةٍ بالطبقة الراقية.”
رفعتُ رأسي وأنا أُمسِك بالدرابزين. كانت النجوم كجواهر في سماءٍ سوداء.
زفرتُ هواء الاستقبال الراكد، واستنشقتُ هواء الليل المنعش، فسمعتُ في الجو سؤالاً هادئًا.
“لماذا أنتِ متأكدةٌ هكذا؟”
أدرتُ رأسي لأواجه يوهانس. كانت عيناه الزرقاوان، الهادئتان المُظلِّلتان بالظلام، تنظران إليّ بنظرةٍ غامضة.
وما إن شعرتُ بسخريةٍ غريبةٍ في نظراته، حتى أدار ظهره وأطلق نفسًا عميقًا من الدخان.
“حسنًا، ربما علّمني أبي كي أتزوّج من عائلةٍ نبيلةٍ قويةٍ وأعيش حياةً هانئة.”
ضحكتُ من سخافة كلماتي.
لم يكن هذا من عاداته إطلاقًا.
كان سينصحني بالزواج من رجلٍ بشغفٍ وحبّ، حتى لو لم يكن غنيًا.
كان إيزيك بريم من هذا النوع من الرجال. لذلك لم أعرف لماذا علّمني آدابَ النبلاء …
“أعتقد أنني لن أعرف أبدًا.”
“…..”
“لكن في النهاية، نجحت الخطة. كنتُ خائفةً من إفساد الأمر بسبب آداب السلوك النبيلة، وهذا خوفٌ واحدٌ شطبتُه من القائمة.”
ابتسمتُ ليوهانس، وكبتُّ كلّ الأفكار التي لا جواب لها في رأسي.
من خلال كأس النبيذ الكريستالي، لمعت سماء الليل. ارتشفتُ النبيذ الذي بدا وكأنه يحمل ضوء النجوم المتناثر.
لم يكن قويًا، ولا حلوًا جدًا. بينما كنتُ أقف بجانب يوهانس على الشرفة، أتلذّذ بالنبيذ الذي أحضره، زاد الكحول من دفئي.
نظرتُ إلى كأس نبيذه، الموضوعة على الدرابزين بشكلٍ غير مستقر، التي بالكاد لمسها، وسألتُه.
“أيّ نوعٍ من الأشخاص كان والدي في الجيش؟”
كان سؤالاً شبه متسرّع.
ربما لأن الزواج مثّل نقطة تحوّلٍ كبيرةٍ في حياتي، لكنني كنتُ أفكّر في والدي أكثر من المعتاد اليوم.
كان ذلك اليوم الذي توقّفتُ فيه أخيرًا عن الركض، منذ أن سمعتُ بوفاته.
عبس يوهانس وكأنه واجه سؤالاً صعباً.
“هل هذا أمرٌ يحتاج إلى تفكيرٍ عميق؟ ظننتُ أنكَ قلتَ إنكَما كنتما قريبان.”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 29"