لا أعرف إن كان الوقت قد طال لدرجة الملل، أم أن رئيس الأساقفة غير راضٍ عن كونه مسؤولاً عن هذا الزواج، لكن نظراته المستاءة استمرت.
تابع كلامه بصوتٍ أشبه ببرادة الحديد.
“…وبهذا اكتمل الزواج. ليتبادل الزوجان الخواتم ويقبّلا قبلة القسم.”
قبلة.
جعلتني هذه الكلمة أتعرّق بغزارة.
لم نتبادل قبلةً منذ تلك القبلة الأولى.
طبعاً من الصعب اعتبار تلك اللمسة الخاطفة قبلةً أولى بأيّ حال.
بينما كنتُ في حيرة، أمسك يوهانس بيدي ورفعها، ثم وضع الخاتم في إصبعي البنصر.
فعلتُ مثله، ثم رفعتُ نظري إليه ببطء. ثم قال بابتسامةٍ هادئة.
“حتى لو كرهتِ ذلك، فلن تهربي اليوم.”
قبل أن أفهم ما يقصده، رفع ذقني بقوّةٍ معتدلة، مائلاً وجهي قليلاً. ثم التقت شفتاه بشفتي.
سمعتُ لهاث الناس من حولنا. أنفاس أولئك الذين كانوا يدرسوننا بتشكّكٍ كأنهم يشكّكون في شرعية هذا الزواج.
اتسعت عيناي أيضاً.
كانت قبلة القسم أعمق من تلك المرّة، لكنها كانت خاطفة. قبل أن أغمض عيناي، كان قد ابتعد.
احمم، صفّى رئيس الأساقفة الذي كان يراقبنا حلقه.
“لتبارك زواجكما الخليقة أجمع.”
ثم تابع بكلامٍ غير مُبالٍ لا يحمل أيّ معنى تهنئة.
قال إنني بعد قبلة العهد هذه، أصبحتُ أحمل اسم شولتز، وعليّ أن أؤدي واجباتي.
لكن كلّ كلماته لم تصل إلى أذني. رغم أنها كانت لحظة، إلّا أن لمسة شفتيه الناعمة ما زالت واضحةً في ذهني.
حدّقتُ بيوهانس الذي كان ينظر للأمام بتعبيرٍ جعل من الصعب عليّ معرفة ما يدور في خُلده.
هل أظهرتُ أنني لا أحبّه؟
* * *
قال السيد فِريد إنه من المتوقع أن تكون هدايا العائلة المالكة لحفل زفاف النبلاء الكبار فاخرة، خاصةً لعائلةٍ مؤسسةٍ مثل عائلتنا.
هذه إحدى طرق العائلة المالكة لإظهار الاحترام للنبلاء.
‘كان الامر كذلك بالتأكيد…’
تحرّكت عيناي في كلّ الاتجاهات.
«الزهور والزينة في حفل الاستقبال كلها من العائلة المالكة. وكذلك المجوهرات والهدايا الثمينة.»
«هل هذه أيضاً عادة؟ مثل الزهور التي توضع في طريق العروس.»
«نعم، بالضبط. من خلال زهور طريق العروس، يمكنكِ معرفة مدى دعم العائلة المالكة لتلك العائلة.»
لكن المشهد أمامي الآن كان مختلفاً تماماً عما وصفه السيد فِريد.
كان حفل استقبال الدوق شولتز الجديد متواضعاً. بل أكثر من ذلك…
‘كان مُهينًا.’
لا بد أن الآخرين شعروا بنفس الشيء. كدليلٍ على ذلك، همس النبلاء من حولنا.
“لهذا لا يجب التحدّي ضد سُلطة العائلة الإمبراطورية.”
بدا أن الجميع سعداء بانحدار عائلة شولتز. من الطبيعي أن يحسدوا عائلةً كانت في قمّة السلطة طوال هذا الوقت.
تنهّدتُ تلقائياً.
من النادر أن يحضر الإمبراطور نفسه حفل زفاف أحد النبلاء، لكني سمعتُ أنه من التقليد أن يحضر ولي العهد حفلات عائلة شولتز.
لكن اليوم، لم يحضر سوى الأمير إدوارد.
السبب الرسمي كان انشغال العائلة المالكة بعدم القدرة على حضور زفاف رجلٍ بعروسٍ من العامة، لكن الجميع يعرف الحقيقة.
لقد سقطت عائلة شولتز من النعمة، وكان سقوطها المتعجرف المتوقع قد حدث.
‘سيكون هذا خبر الصفحة الأولى في الجرائد غداً.’
نظرتُ إلى يوهانس وهو يمدّ يده نحوّي، بمشاعر مختلطة.
كان يرتدي معطفاً أنيقاً يلتفّ حول جسده بإحكام. شعره الذهبي المصفّف يتلألأ تحت أنوار الثريا. تحته، كانت شفتاه الناعمتان المرسومة كاللوحة واضحة.
‘يبدو غير منزعجٍ من هذا الإهانة… لا، ليس كذلك.’
عضضتُ شفتي دون وعي.
بشكلٍ أدق، بدا غير مبالٍ بإهانة العائلة الإمبراطورية.
لأنه كان ينظر إليّ فقط، كرجلٍ واقعٍ تماماً في الحب.
“زوجتي.”
همس لي بهدوء، مشيراً لي أن أمسك بيده.
“….”
استجمعتُ أفكاري بسرعة. ثم ألقيتُ نظرةً خاطفةً لأقيس ردود أفعال الحضور.
كانت النظرات، التي تراقبنا من كل مكان، لاذعة.
إذا بدوتُ حتى للحظةٍ كشخصٍ لا يحب يوهانس شولتز، فسوف تنتشر الإشاعات بالتأكيد.
“يوهانس.”
دعوتُ ألّا يبدو صوتي متكلّفاً بينما ابتسمتُ بلطفٍ ووضعتُ يدي في يده.
لم تمضِ سوى لحظةٍ حتى تقاربت أجسادنا.
مع تشابك أيدينا، بدأت الموسيقى الهادئة، وسحبني يوهانس إليه بذراعه حول خصري.
شعرتُ بصدره الصلب. لم أستطع إخفاء ارتباكي من قُرب جسده المُحرج، دغدغت أنفَاسُه الدافئة جبيني.
“إذا كنتِ ستتظاهرين، فمن الأفضل أن تفعلي ذلك بشكلٍ صحيح.”
“….”
“فقط هذا الصباح، ظننتُ أنكِ ستُريني كيف تتكيفين مع هذا العالم. لكن يا زوجتي، أين ذهبتِ تلك الجرأة؟”
ثم أدخل أصابعه في شعري ومرّرها بلطف. بعد ذلك، انحنى وهمس في أذن بخفوت.
“هل هذه طريقتكِ في التعبير عن مشاعركِ؟”
ابتلعتُ ريقي دون وعي.
مع كلّ نظرةٍ خاطفةٍ سريّةٍ لنا، سمعتُ زفراتٍ صغيرةٍ من حولنا.
“هل هذا الشخص مختلف؟”
همس يوهانس في أذني.
دغدغت أنفاسه الدافئة أذني. أغمضتُ عينيّ بقوّة، ثم رفعتُ جفنيّ المرتعشين ببطء.
لا يمكنني أن أفسد كلّ شيءٍ هنا.
أحطت بعنق يوهانس بحذر، وأجبتُه بتعبيرٍ يقول إنني أحبه حدّ الجنون.
“إنها أنا.”
لم تكن حركةً مناسبةً لإيقاع الرقصة، لكنها بدت كعروسٍ خجولة.
“آسفة. كنتُ مرتبكةً للحظة. لقد عاد ذلك الشخص. سأكون أكثر انتباهاً الآن.”
همست ُوأنا أنظر في عيني يوهانس، فتوقّفت يده التي كانت تدغدغ ظهري للحظة.
ثم ردّ بابتسامة لطيفة.
“جيد جداً.”
كان من المبالغة اعتبار هذا حواراً بين عاشقين، لكنه بدا كذلك للحضور.
كان هذا كافياً.
قادني يوهانس بسلاسةٍ عبر قاعة الرقص، التفّت يداه حول خصري ويدي.
ربما لأنه قائدٌ عسكري. كانت قيادته طبيعيةً جداً.
كلّ ما كان عليّ فعله هو تسليم جسدي واتباع إرشاد يوهانس.
من حينٍ لآخر، كان يغمض عينيه الزرقاوتين ويهمس كأنه يحبني، فأحبس أنفاسي في صمتٍ ثم أرد فورًا بنعومة.
لا بد أننا بدونا كعاشقين حقيقيين.
بينما كنتُ أتحرّك بسرعةٍ حتى فقدتُ وعيي، كانت الموسيقى تقترب من نهايتها.
حينها…
التقيتُ بنظرات الأمير إدوارد بين الحضور. رفع كأس الشمبانيا، وكأنه كان يراقبني طوال الوقت.
فجأة، أصبح مزاجي سيئًا. أدرتُ رأسي بسرعةٍ وضغطتُ على يد يوهانس.
“…الأمير ويندسور ينظر إلينا.”
“أعلم.”
لا بد أنه يعلم. كانت نظراته صريحةً دون أيّ محاولةٍ للإخفاء.
“ليس مُرتابًا من علاقتنا، أليس كذلك؟”
عندما سألتُ بصوتٍ قلق، أجاب يوهانس كأنه أمرٌ بديهي.
“بالتأكيد سيكون. وسيكون الآخرون أيضاً متشككين.”
حفل الزواج السريع غير المعتاد، القبلة الوحيدة، النظرات اللطيفة، الجو العاطفي.
كان كل هذا غير كافٍ لإقناعهم تماماً.
“…يبدو أننا بحاجةٍ لإظهار المزيد. هل يجب أن نقبّل بعضنا مرّةً أخرى؟”
عندما نظرتُ إليه بهدوء، تغيّر تعبير وجهه.
“هل ستكونين بخير؟”
“نعم. هذا هو دوري الآن. وهي ليست المرّة الأولى…”
“دوركِ.”
التوى فمه. حدّق يوهانس بي بنظرةٍ عميقةٍ مثابرة.
“تتحدّثين كما لو أنكِ تستطيعين تقبيل رجلٍ آخر أيضاً.”
“هذا…”
زادت قوّة يدي التي تمسك بكتفه ببطء.
ليس أنه لا يمكنني ذلك. حتى لو كان شخصاً آخر غير يوهانس…
“لم أتخيل يومًا شيئاً لم يحدث. لذا لا أعرف.”
كان غريباً أن أقول نعم، ومن الغريب أن أقول لا، لذا تجنّبتُ الإجابة.
ضحك يوهانس فجأة. همس بهدوءٍ من مسافةٍ قريبةٍ كادت شفاهنا أن تتلامس فيها.
“لن يحدث شيءٌ كهذا على أيّ حال، لذا لا تتخيّليه.”
عندما توقّفت، رفع حاجبه. رفعت يده، التي كانت تداعب خديّ بحرص، ذقني.
بينما كنتُ أغلق عيني ببطء، فزعتُ من القبلةٍ التي كانت أكثر عمقًا مما توقّعت. ففتحتُ عينيّ على اتساعهما.
كانت مختلفةً تماماً عما سبق. شعرتُ بالرغبةٍ في التملّك.
بينما كنتُ حائرة، انفصلت شفتينا. نظر إليّ يوهانس بعينين هادئتين.
“ما هذا…”
“أعتقد أنهم سيصدّقوننا الآن.”
نزل صوته الخافت إلى أنفي.
إذًا، كان كل هذا كان تمثيلاً مثالياً مدروساً…
لا بد أن خديّ كانا محمرّتين بشدّة، كانت نظراتي ترتعش بينما أنظر إلى يوهانس.
مشهدٌ مثاليٍّ لخداع أيٌ شخص.
من زاوية عيني، رأيتُ حاجب إدوارد يرتفع قليلاً.
‘هل انخدع تمامًا الآن؟’
لا أعرف بعد.
“ربما…”
بما أن الأمر وصل لهذا…
“أليس من الأفضل أن تجعل الأمر بحيث لا يفكّر أيّ رجلٍ آخر في تقبيلي؟”
نظرتُ إلى عينيه الزرقاوتين، وضعت المزيد من القوة في ذراعي بينما ضغطتُها حول عنقه، وقبّلتُ يوهانس مرّةً أخرى.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 25"