“لا أفهم ما تعنيه تمامًا.”
كان صوته جامدًه. تمتم إدوارد، ثم أضاف مجددًا.
“عيناكِ جميلة. تبدو كأنها على وشك البكاء. هل هذا بسبب البرد أم أنها هكذا دائمًا؟”
تسرّب نَفَسٌ أبيضٌ من بين أسنان يوهانس، ناتجٌ عن ضحكةٍ ساخرة.
على أيّ حال، بما أن الطرف الآخر كان من العائلة المالكة وكان على أعتاب حفل زفافه، لم يُظهِر وقاحة، لكنه بدا وكأنه يرفضه بكلّ جوارحه.
“لا أقصد شيئًا سيئًا.”
رفع إدوارد يديه في حركة استسلام.
“زوايا عينيكِ وأنفكِ محمرّة.”
ثم همس كأنه يخاطبني فقط، لكن بصوتٍ عالٍ بما يكفي ليسمعه يوهانس أيضًا. كان وقحًا حقًا.
“كان عليكِ ارتداء شيءٍ ما. لن يبدأ الحفل قبل أن أجلس أنا على أيّ حال.”
“امم …”
“إذا قلتُ كلمةً أخرى، يبدو أن يوهانس سيقتلني. أعتقد أنني سأتوقف هنا.”
قاطع كلامي وأكمل ما يريد قوله. ابتسمتُ ابتسامةً ساخطةً ولفظتُ ضحكةً فارغة.
كانت هناك نقطةٌ واحدةٌ إيجابيةٌ في مقابلتي لإدوارد وندسور. كان الجو شديد البرودة والثلج يتساقط، لكنني كنتُ مندهشةً لدرجة أنني لم أشعر بالبرد.
“ما تعلّمتُه لم يكن جيدًا. أنا هكذا بطبيعتي. أرجو أن تفهمي.”
بينما كنتُ أشتكي في داخلي، اعترف بسلوكه المُحرِج ببرود.
“ربما كانت كلماتي قاسية. لا، لكن يوهانس يعاملني بعدائيةٍ شديدة، وهذا يزعجني.”
“……”
“لا أعرف كيف ستأخذين هذا، لكن هذه اعتذار.”
لم يكن الاعتذار يحمل ذرّةً من الصدق.
بدون أن أرد، تحرّك إدوارد بخطواتٍ طويلةٍ ليقلّص المسافة بيننا، ثم همس هذه المرّة بحيث لا يسمعه سواي.
“إذا قام يوهانس بأيّ شيءٍ مريب، اتصلي بي. رغم مظهري، أنا رئيس شرطة فادن، قد أستطيع المساعدة.”
شيءٌ مريب…؟
حدّقتُ به بينما كنتُ أشيح بذقني وأضيّق عيني.
“ماذا تقصد؟”
كأنه يشير إلى أن يوهانس شخصٌ مشبوه.
“إنها مزحة.”
عندما أبديتُ تعبيرًا حذرًا، غمز إدوارد بعينٍ واحدة.
“تهانينا على الزواج.”
بعد ذلك، أومأ لي برأسه قليلاً، ثم تبادل النظرات مع يوهانس، وابتعد.
* * *
لماذا قال إدوارد وندسور لي ذلك؟
ربما كانت مجرّد مزحةٍ لاستفزازي.
لكن الأمر ظلّ يقلقني.
كان ذلك عندما ضغطتُ على ذراع يوهانس وأنا أقف أمام الباب الحديدي المغلق بقوة.
صـــرير…
انفتحت أبواب الكاتدرائية، واندفع ضوءٌ ساطعٌ إلى مجال رؤيتي المظلم. في نفس الوقت، أحاط بي هواءٌ دافئٌ من الداخل.
رفعتُ رأسي ببطء.
امرأةٌ من عامة الشعب عادت مع دوق شولتز الذي اختفى. كيف تبدو؟ تسلّلت إليّ عيونٌ فضوليّةٌ بألوانٍ متنوعة، وفحصتني بإصرارٍ كما لو كانت تُمزّقني.
من تاج الزفاف المزيّن بالشال إلى الأقراط والعقد الموروثين في عائلة شولتز، وفستان الزفاف الذي خضع لعدّة تعديلات، كلّ شيء.
حاولتُ ألّا ألتفت إلى نظراتهم وركّزتُ على رئيس الأساقفة الواقف على المنصة.
لكن يداي بقيتا مقبوضتين.
بدا أن يوهانس قد لاحظ تصلّب جسدي، فأمال رأسه نحوي وقال.
“استرخي. إنهم مهتمّون بي على أيّ حال.”
أغمضتُ عيني بقوّة، زفرتُ بعمق، ثم أومأتُ ببطء.
“نعم.”
كان يوهانس محقًّا.
سرعان ما تحوّلت الأنظار مني إليه. إذا كان فضولهم تجاهي مقتصرًا على مظهري الخارجي، فإن فضولهم تجاهه كان يتعلّق بما تخفيه شخصيته.
الموت المشين والمأساوي للدوق السابق.
عائلة شولتز التي وجدت نفسها على حافّة الهاوية بعد الهزيمة.
يوهانس شولتز الذي اختفى فجأة.
و…
مكان الأموال الهائلة المختلسة.
تحرّكت عيناي ببطءٍ متتبعةً النظرات التي بدت نواياها واضحة، ثم توقّفت عند نقطةٍ معينة.
إدوارد وندسور يجلس في الصف الأمامي، يحدّق في يوهانس باهتمامٍ بالغ.
أدركتُ الآن.
من الواضح أنه يحاول زعزعتي لجعل يوهانس في موقفٍ أكثر خطورة.
لا تقلقي بشأن ذلك. كرّرتُ ذلك في نفسي مرارًا، وتخلٌصتُ من الأفكار غير المُجدية، ثم ربّتُ برفقٍ على ذراع يوهانس الذي كنتُ ممسكةً به.
بينما كان يواجه نظرات النبلاء ببرود، التقت عيناه بعيني للحظة.
ألقى يوهانس نظرةً خاطفةّ على الحضور.
“هل تشعرين بعدم الارتياح؟”
هززتُ رأسي ببطء.
“إنه زفاف دوق شولتز وامرأةٌ من العامة. علينا تحمّل هذه النظرات. أعتقد أن الوقت حان لنُظهِر أن عائلة شولتز ما زالت قويّة.”
في الواقع، كان فضولهم غريزةٌ بشرية. لذا لا داعي لتحويل حتى أصحاب الفضول البريء إلى أعداء.
لكن من الصعب التمييز بين العداء والفضول.
‘ربما لا أعرف الآن، لكن في قاعة الاحتفالات سأفهم نوايا الجميع.’
أظهرتُ ليوهانس تعبيرًا حازمًا متعمدًا.
“لذا أنوي أن أؤدي واجباتي كدوقة.”
نظرتُ إلى الأمام مرّةً أخرى، ثم قلتُ كأنني أخاطب نفسي.
“انتظر وسترى كيف سأتأقلم مع هذا العالم.”
سمعتُ ضحكةً خفيفةً فوق رأسي، فرفعت نظري بدهشة. التقت عيناي بعينين زرقاوتين.
“سأنتظر بفارغ الصبر.”
بمجرّد أن انتهى كلام يوهانس، بدأت أنغام الأرغن تملأ الكاتدرائية.
تسرّبت أشعة الشمس الكئيبة عبر الزجاج، مضيئةً الطريق.
ابتلعتُ ريقي وسِرتُ على السجادة الزرقاء الممتدة حتى المنصة.
شعرتُ كأن نظرات الحضور تخترق جسدي. حاولتُ أن أبدو طبيعيةً وتقدّمتُ بخطوةٍ حازمةٍ نحو المنصة، حتى توقّف عزف الأرغن أخيرًا.
نظر إلينا رئيس الأساقفة ضخم الجثة بعينين صغيرتين مثل ثقوب الأزرار.
لكن عندما التقى نظره بنظر يوهانس، أسرع بخفض عينيه.
“سنبدأ الآن مراسم زفاف دوق شولتز.”
بدا أنه غير مرتاحٍ لكونه مسؤولًا عن هذا الزفاف.
كان يتحدّث ببطءٍ أحيانًا، ويبدو وكأنه يفكّر في شيءٍ آخر، خاصةً عند ذِكر كلمة ‘مسؤولية’، حيث بدا العداء واضحًا في صوته.
“إذا كان لدى أيّ شخصٍ سببٌ لمعارضة هذا الزواج قانونيًا، فليتحدّث الآن أو ليصمت إلى الأبد.”
مرّت عينا رئيس الأساقفة الصغيرتان ببطءٍ عبر الكاتدرائية، ثم اتسعتا فجأة.
“صاحب السمو الأمير؟”
عبستُ دون قصدٍ وأدرتُ رأسي ببطء. كان إدوارد يرفع يده.
عندما التفتت جميع الأنظار إليه، قال “آه!” كما لو أنه أدرك الأمر للتوّ.
ثم ابتسم لي بخبث.
شعرتُ بعدم ارتياحٍ غريزي، وتجهّمتُ تلقائيًا.
أخيرًا فهمتُ مصدر هذا الشعور المزعج.
يكنّ إدوارد مشاعر سيئة تجاهنا، أو بالأحرى تجاه يوهانس.
“ملابسي غير مريحة.”
عندما حدّقتُ به، نقر على أكمامه وابتسم ابتسامةً ودودة.
“احم، إذًا… هل هناك أيّ اعتراضات؟”
“بالطبع لا. أنا أحد الذين يؤيدون هذا الزواج تمامًا.”
ارتفعت زوايا شفتيه المستقيمتين مشكلةً قوسًا، ثم أضاف وهو يمد يده.
“استمروا.”
استعاد رئيس الأساقفة تركيزه وواصل كلمته التي اقتربت من نهايتها.
“يوهانس شولتز… هل تتّخذ إيديث بريم زوجةً، وتهبها مسؤولية وشرف العائلة، وتَعِد بحبِّها ورعايتها، والصدق معها طوال حياتك؟”
“أَعِدُ بذلك.”
“إيديث بريم … هل تتّخذين يوهانس شولتز زوجًا، وتعدينه بالثقة والوفاء؟”
حدّق بي رئيس الأساقفة بعينيه السوداوتين بشدّة.
شعرتُ كما لو أنه يأمرني بمغادرة المكان على الفور، فانفرجت شفتاي قليلًا.
“هل تعدين بذلك؟”
عندما لم أُجب، كرّر سؤاله كصدى.
“نعم، أَعِدُ بذلك.”
أجبتُ أخيرًا بصوتٍ بالكاد مسموع.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 24"