اختفت عيناه الزرقاوتان خلف جفنيه، ثم عادتا للظهور ببطء.
“هناك شيء يجب عليكِ حمايته.”
قال ذلك وهو يزفر بعمق. كان صوته بارداً بطريقةٍ ما، مما جعلني أشعر بالفزع.
“صحيحٌ أن كل القيود على المساحات تزول بمجرّد أن تصبحي الدوقة.”
بينما كنتُ متوترةً لدرجة أنني لم أستطع حتى الإيماء برأسي، تابع حديثه.
“لكنني أودّ منكِ تجنّب القبو إن أمكن.”
“قبو الملحق الغربي؟”
أومأ يوهانس برأسه.
لماذا القبو فقط؟
في تلك اللحظة، بدأت آلاف القصص المرعبة عن الأقبية تطفو في ذهني.
حكاية اللحية الزرقاء، والقصص الشعبية التي تتناقلها الأجيال، كلها اختلطت في ذهني بشكلٍ فوضوي.
ضيّقتُ عيني.
“أتعلم أن هذا يبدو مريباً للغاية؟ هل هناك شيءٌ في ذلك القبو لا يجب أن أراه؟”
خفضتُ صوتي أكثر.
“قاتلٌ متسلسل، أو جثثٌ مخبّأة… شيءٌ من هذا القبيل.”
ظهرت شقوقٌ دقيقةٌ على وجه يوهانس المتصلب. ضحك وكأنه مندهش.
“لدى زوجتي المستقبلية خيالٌ خصبٌ جداً. كيف ترينني بالضبط؟”
كانت هذه أوّل مرّةٍ أرى فيها ضحكته بهذا الصفاء.
“حسناً، رجلٌ يحصل على كل ما يريده؟ فأنتَ ستتزوّجني في النهاية.”
رفع يوهانس حاجباً واحداً.
عدم اعتراضه يعني أنه وافق على هذا الوصف.
“أخبرني لماذا لا يجب أن أدخل.”
“لا يوجد سببٌ محدد. هناك أشياءٌ قيّمة، والمكان مظلمٌ لا تدخله الشمس، ومليءٌ بالغبار.”
كانت أسباباً تافهةً مقارنةً بالجو الغامض الذي خلقه. ومع ذلك، لم يكن من السيء التأكّد مرّةً أخرى، لذا سألتُه.
“لا يوجد سببٌ آخر؟”
“لا.”
في اللحظة التي أجاب فيها يوهانس بحزم، سمعنا صوتاً ناعماً من خلفنا.
“لقد مرّ وقتٌ طويل، يوهانس.”
التفتُ لرؤية رجلٍ يقترب منا.
كان يرتدي بدلةً رماديةً أنيقة، وشعره الأشقر الباهت مُصفّفٌ بعنايةٍ للخلف. كان يشبه يوهانس بشكلٍ غامض، لكنه بدا أكثر ودًّا.
تجمّد وجه يوهانس بمجرّد رؤيته. كان تعبيراً نادراً بالتسبة له، لأنه شخصٌ نادراً ما فقد رباطة جأشه.
“ما الذي أتى بكَ إلى هنا؟”
كان صوتًا باردًا لم أسمعه منذ زمن.
“ليس من الخطأ أن أحضر حفل زفاف قريبي الوحيد.”
أضاف الرجل.
“لم أكن أحلم أبداً أن نلتقي في حفل زفافك.”
كان من الواضح أنه يحاول استفزاز يوهانس. لكن ملامحه بدت جادةً لدرجة أنكَ تحتاج للتدقيق لملاحظة الفرق.
كان من الصعب تخمين ما كان يفكّر فيه.
على الرغم من أنني رأيتُه لفترةٍ وجيزةٍ فقط، إلّا أنني فهمتُ لماذا لم يرحّب به يوهانس بحماس.
“يوهانس شولتز الذي لم يبدِ أيّ اهتمامٍ بالنساء يتزوّج.”
ثم نظر إليّ الرجل وابتسم. تشبّثتُ بيوهانس غريزيًّا.
بدون اكتراث، تابع الرجل حديثه.
“إذن فإن الشائعات عن كونكَ مُثلياً كانت خاطئة؟ لم أصدّقها على أيّ حال.”
استمر في استفزاز يوهانس.
“لو انقرضت سلالة عائلة شولتز معك، لكان ذلك خسارةً كبيرةً للأمة.”
حاول يوهانس الرد لكنه نظر إليّ فجأةً وأغلق فمه. يبدو أنه كان يكبح نفسه أمامي.
“ألا تزال لديكَ فكرةٌ خاطئةٌ عني؟”
“يا للأسف، ليس لديّ وقتٌ للتفكير فيك.”
انفجر الرجل في الضحك.
“يا لكَ من قاسٍ! يبدو أنكَ لا تنوي الإجابة على أيّ حال. لكن مزاجكَ لم يتغيّر، لذا لا بد أنكَ بخير.”
ثم أشار بإصبعه إلى صدره ثم إلى الأعلى قائلاً.
“هذا أو ذاك.”
بينما كنتُ أرمش في ذلك الجو الثقيل، تخلّى الرجل عن انتظار ردٍّ من يوهانس وحوّل انتباهه إليّ.
“تأخرتُ في تحيّتكِ. تهانينا على زواجكِ. أنا إدوارد وندسور.”
قدّم الرجل نفسه على الفور باسم إدوارد وندسور.
لقد دهشتُ بعد أن حاولتُ لفترةٍ من الوقت معرفة هوية الرجل.
أيّ مواطنٍ في دوسيليا سيندهش عند سماع هذا الاسم. لأن لقب وندسور هو …
“دوقة؟”
بينما كنتُ أحاول فهم هوية إدوارد، تحدّث إليّ.
رفعتُ رأسي بسرعة.
“هل تشعرين بعدم الارتياح؟”
يبدو أنني كنتُ قد عبستُ دون أن أدري.
“آه، لا. آسفة، أنا مَن تأخّرتُ في تقديم نفسي. إذًا أيّها الأمير …”
“لا داعي للتحيات.”
قاطع يوهانس حديثي، لكن إدوارد الذي بدا معتاداً على هذا، تابع بسلاسة.
“كأمير، ليس لديّ الكثير لأفعله. سأكون ممتناً لو عاملتِني كرئيس شرطة فادن.”
حافظ على سلوكٍ مهذّبٍ جداً يليق بأحد أفراد العائلة المالكة.
بالطبع، لا أعرف ما الذي يخفيه في داخله.
مع معرفتي بكلّ ما فعلوه بيوهانس وعائلة شولتز، كان من الصعب أن أنظر إليه بإيجابية.
“تبدوان جميلين معًا، يوهانس.”
عند كلمات الأمير إدوارد، أمال يوهانس رأسه. عيناه الزرقاوتان الجافتان لم تظهرا أيّ ذرّةٍ من الود.
“هذا مخيف. لا داعي لأن تكون عدائياً إلى هذا الحد.”
“ما الذي تريده؟”
“آه، أردتُ أن أعتذر مسبقاً. الزهور التي أرسلها القصر لحفل زفافك كانت قراراً منفرداً من جلالة الإمبراطور.”
“تقصد زهرة بيجونيا؟”
بينما لمعت الدهشة على وجه إدوارد، أضاف يوهانس بلا مبالاة.
“حديقة أمير وندسور مكانٌ مشهورٌ في دوسيليا.”
كان يعني أنه لا بد أنكَ عرفتَ بشأن الزهور المأخوذة من حديقتك، فلماذا تتظاهر بعدم المعرفة؟
“صحيح. لقد أتت من حديقتي، لكن …”
توقّف إدوارد وبدا عليه الاستياء.
“بدلاً من عائلتي التي تكرهها كثيراً، ها أنا هنا كممثلٍ للقصر بينما أنا مشغولٌ جداً بعمل الشرطة. ألا تعتقد أنكَ تنظر إليّ بازدراءٍ أكثر من اللازم؟”
“متى ستتخلّص من غروركَ هذا؟”
رفع يوهانس حاجبيه بتعبيرٍ ممل.
ضحك إدوارد براحة.
“يوهانس، أنا مختلفٌ بعض الشيء عن عائلتي … ليس لديّ أيّ اهتمامٍ بالسلطة. أقسم أنني لستُ متورّطاً في ذلك الأمر إطلاقاً، من فضلكَ تفهّم.”
ثم نظر إليّ.
“بالطبع، كنتُ مشتوّقاً أيضاً لمعرفة مَن ستكون زوجة الدوق القادمة. نحن أقاربٌ بعد كلّ شيء.”
“أقاربٌ بالاسم فقط.”
“كم أنتَ فظ.”
ضحك إدوارد على تعليق يوهانس وأضاف.
“أعلم أنكَ تكرهني، لكننا نعرف بعضنا أكثر من أيّ شخصٍ آخر. لطالما تسائلتُ أيّ نوعٍ من النساء يمكن أن تسحر يوهانس شولتز؟”
ثم سار نحوي واقترب من وجهي فجأة. التقيتُ بعينيه الرماديتين الغامقتين.
فحص وجهي بتأنٍّ، ثم تراجع كما لو أن شيئاً لم يكن.
“تتجاوز التوقعات. هذا مفهوم.”
عند كلمة ‘مفهوم’، ارتسم الاستياء على وجه يوهانس عند هذه الكلمة.
“لقد ظهرت وجهكَ، ويبدو أنكَ انتهيتَ من شؤونكَ الشخصية.”
“يا للوقاحة! لا تزال ماهراً في طرد الناس بطريقةٍ ملتوية.”
لم أستطع إلّا أن أضحك.
كان لإدوارد جانبٌ غريبٌ مزعج.
للوهلة الأولى، بدا مُراعيًا وعطوفًا تجاه يوهانس، لكن إذا انتبهتَ قليلًا، ستلاحظ كيف يتحدّث بشكلٍ مُزعج.
أين ذهبت كلّ الأشياء التي رأيتُها وتعلّمتُها؟
كنتُ أظن أنه كان بالفعل أحد أفراد العائلة المالكة الذي اتّهم دوق شولتز السابق زورًا.
“دوقة؟”
“…نعم؟”
“ما الخطب؟ لماذا تفزعين هكذا؟ هل كنتِ تشتمينني في سرّكِ؟”
أجبرتُ نفسي على الابتسام بإحراج.
“ماذا؟”
أرأيتِ؟ نظر إليّ إدوارد بتلك العيون. سرعان ما ابتسم ابتسامةً وجيزةً ورفع حاجبيه.
“يبدو أنني محق.”
كان يجب أن أتحكّم في تعابير وجهي بشكلٍ أفضل.
على أيّ حال، هو أحد أفراد العائلة المالكة في دوسيليا. إذا اكتشفوا أنني كنتُ أتخيّل أفكاراً غير محترمةٍ أمام أحد أفراد العائلة المالكة، فقد أتعرّض لعقوبةٍ شديدة.
لا يجب أن أتسبّب في أيّ ضررٍ ليوهانس.
لكن على الرغم من معرفتي بهذا، لم أستطع التحكّم في تعابير وجهي. لا بد أن عضلاتي تجمّدت من البرد.
بينما كنتُ أحاول رفع زوايا فمي المتجمدة بصعوبة، قال إدوارد
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 23"