لحسن الحظ، وصل الفستان الذي أُعِدّ لإديث بريم إليها دون مشاكل.
اتكأ يوهانس بذقنه على ظهر يده وهو يتساءل عما إذا كان ما فعله سيساعد ولو قليلاً في تحقيق النتيجة المرجوّة.
كلّ شيءٍ بدأ بفضولٍ عابرٍ لا أهميّة له.
هل ستتمسّك إيديث بريم بكبريائها؟
كانت مزحةً تافهة، بكلّ أسف. مزحةٌ صغيرةٌ غير مؤذية.
ولم يكن لديه أدنى نيّةٍ لسحبها قبل أن تصل إليه التقارير.
“السيدة مارلين أرسلت رسالةً تفيد بأن حالة الآنسة بريم ليست جيدة.”
تابع فِريد غانر حديثه وهو يصحّح وضعيته.
“سمعتُ أنكَ أرسلتَ لها فستاناً خفيفاً من الموسلين. حتى لو كانت شديدة الحساسية للحرارة، فإن ارتداء مثل هذا الثوب في منتصف الشتاء يبدو أمراً غير معقول.”
باختصار، كان يسأله إن كان هل لديه أي أفكار أخرى. في الواقع، حتى يوهانس نفسه يعتبر هذا التصرف غير منطقي.
“هل قالت إنها سترتديه؟”
“حسبما فهمتُ من رسالة السيدة مارلين، نعم.”
يا لها من فتاة حمقاء.
“إذا كان لديها عقل، فستتصرّف بحكمة.”
قال يوهانيس. عندها دافع فِريد غانر عن إيديث.
“ولكن كشخصٍ من العامّة، سيكون من الصعب عليها رفض هديةٍ من السيد.”
“هذا حماقة.”
“ليست حماقة، بل …”
أغلق فِريد غانر فمه. لا فائدة من الشرح لرئيسه الذي وُلِد نبيلاً عظيماً ولن يفهم أبداً.
“ماذا عن استعدادات الحفل؟”
كالعادة، لم يعطِ يوهانيس أهميّةً لحديث إيديث بريم، وانتقل بسرعةٍ إلى موضوعٍ آخر.
أطلق فِريد غانر نفساً طويلاً قبل أن يجيب.
“كلّ شيءٍ مثالي. جميع النبلاء سيحضُرون.”
“جيد، أحسنت.”
ألقى يوهانس كلمة شُكر موجّهةً له، الذي بدا عليه التوتّر.
حلّ الظلام على مكتبه. بينما بقي وحيداً، بدأ يطرق على الطاولة بأصابعه الطويلة بإيقاعٍ منتظم.
ثم حوّل نظره. في زاوية المكتب، كان هناك وشاحٌ أبيضٌ سميكٌ مطويٌّ بعناية. كان قد أعدّه مع الفستان.
من البداية، لم يكن ينوي إرسال الفستان فقط.
لكن بعد أن رآها ترتجف من البرد بوضوح، ثم استمرّت في تجنّبه بحججٍ واهية …
يبدو أنها تكرهني بشدّة.
بصراحة، هذا يستحق العقاب.
معظم نبلاء دوسيليا لا يهتموّن بالطقس. كانوا دائماً يتباهون بغرورهم، ولا يخافون من رياح البحر القاسية أو السماء.
كانوا مستعدّين لارتداء أيٌ شيء، حتى لو كان غير مناسبٍ للموسم، طالما يجعلهم يبرزون.
لكن إيديث بريم لم تنشأ كنبيلة دوسيليا. وهو نفسه يعرف ذلك جيداً.
‘هل بالغتُ؟’
لا يجب أن يؤذي صحّتها.
أطلق يوهانس تنهيدةً وأمسك بالوشاح. ثم تحرّك بمشيته الطويلة خارج المكتب متّجهاً إلى مكان إقامة إيديث.
بعد أن سار قليلاً في الرواق، شهد مشهداً مثيراً للسخرية. بدلاً من الغضب، شعر برغبةٍ في الضحك.
“لم أكن أتخيل أن هيبة عائلة شولتز قد انخفضت إلى هذا الحد.”
قال ذلك بينما كان يكتم لعنةً كادت تخرج من فمه.
عينان خضراء مغرورقة كندى الفجر التقت بعينيه.
***
أفلت الرجل المتجمد يده عن عنقي، وسقطتُ على الأرض. بدأت أسعلُ بلا توقف.
حتى بين نوبات السعال، شعرتُ بنظرةٍ باردةٍ تتّجه إليّ من فوق رأسي.
عندما استعدتُ وعيي، رأيتُ الرجل يتراجع خائفاً بزاوية عيني.
بعد أن تنفّست بعمق، رفعتُ رأسي ببطء.
في منتصف الرواق الرخامي، ظهر يوهانس وهو يرتدي بدلةً سوداء رسمية.
معطفه ذي الذيل المكوي تماماً يتناسب تماماً مع كتفيه العريضتين. كان يبدو كبطل الحفل بامتياز.
في يده اليمنى، كان يحمل وشاحاً أبيضاً مطرّزاً، شيءٌ لا يتناسب مع مظهره تماماً.
تحوّلت عيناه الباردتان كالثلج مني إلى الرجل.
“يبدو أنكَ أسوأ مما توقّعت.”
واصل يوهانس حديثه بوجهٍ جاف.
“أن تجرؤ على فعل شيءٍ كهذا في قصري…”
“لا! هذا… هذا ليس…”
كانت يد الرجل ترتجف كورقة شجرٍ في مهب الريح. وقفته المرتعشة جعلته يبدو كضبعٍ واجه أسداً.
“أنا فقط ظننتُ أنها قد تكون متسلّلةً أرسلها القصر!”
تجاهل يوهانس كلامه المضطرب واقترب ببطء.
مرّ بالرجل المرتعب ومدّ يده نحوي.
أمسكتُ بيده الكبيرة ووقفت، لفّ الوشاح الذي كان يحمله حول كتفيّ.
ثم التفت نحو الرجل.
فتح شفتيه المطبقتين، وخرج صوتٌ جاف.
“فيكونت شوبين الشاب. هل تبدو لكَ هذه الآنسة كمتسلّلة؟”
ألقى يوهانس نظرةً إليّ ثم قال بتعجّب.
“حتى لو نظرتَ إليها أسوأ نظرة، فهي مجرّد سيدةٍ عاديةٍ لا تعرف حتى فنون الدفاع عن النفس. يبدو أنكَ تفتقر للتمييز لدرجة أنكَ لا تستطيع رؤية ذلك.”
كان فيكونت شوبين الشاب يحاول التحديق بي بغضب، لكن كلمات يوهانس الحادّة استمرّت في الهجوم.
“يبدو أن دماء عائلة شوبين المتمرّدة لا تهدأ حتى بعد عدّة أجيال.”
اتّسعت عينا الفيكونت الشاب. بدا أنه لم يعد يتحمّل، فبدأ يرتجف بعنفٍ ثم شرع في الصراخ بينما يطير لعابه.
“لا تُسِيء إلى شرف عائلتي!”
“هل لديكَ أيّ شرفٍ حتى أُسيء إليه؟”
على عكس الفيكونت الشلب الذي كان يغلي من الغضب، كان صوت يوهانس هادئًا بلا أيّ تغيير.
حتى تعابير وجهه لم تُظهِر أيّ نيّةٍ للإهانة.
“كنتُ مدهوشاً بكيفية تربية ذلك اللقيط كأنه لقيطٌ بالفعل، لكنني لم أتوقع أن أجد نسخةً أسوأ هنا.”
لم يكن يحاول حتى أن يكون ساخراً، لكن الحقيقة المُرّة كانت أكثر إيلاماً.
تحت ضوء القمر الخافت، كان وجه الفيكونت شوبين الشاب أحمرًا داكنًا يكاد يكون أسود.
“…ماذا قلتَ للتوّ! سعادة الدوق، لن أتحمّل أيّ إهانةٍ تتجاوز هذا الحد…!”
“هل تعتقد أنني سأتحمّل إهانة خطيبتي؟”
أمال يوهانس رأسه قليلاً.
في نفس اللحظة، ارتخت كتفي الفيكونت الشاب التي كانت متوتّرةً للغاية.
نظر إليّ بنظرةٍ ممتلئةٍ بالاشمئزاز بينما كنتُ أقف متعثّرة.
“برؤية أنكَ لا تبدو متفاجئًا، إذن كنتَ تعرف أنها خطيبتي.”
“هذا…!”
“سأتصل بالفيكونت بشكلٍ منفصل. لقد ربّى ابنه الشرعي وغير الشرعي بنفس الطريقة، لدرجة أن مستوى عدم الأخلاقية لا مثيل له.”
باختصار، سأخبر والدكَ بكلّ شيء، لذا ستكونوالشخص الذي سيتعامل مع تداعيات أفعالك.
هذه كانت الطريقة الأرستقراطية في قول ذلك.
عندها أشار الفيكونت الشاب نحوي وهو يصرخ.
“لا، أنا فقط ظننتُ أنها قد تكون جاسوسةً وحاولتُ أن أكون مفيداً—”
“هل أرسل والدكَ جاسوسةً ترتدي فستاناً إلى قلعة إيفانشتاين ؟”
ارتعب الفيكونت الشاب من صوته الحاد وبدأ يلوّح بيديه.
“بالتأكيد لا! كيف تجرؤ على اتهامي بمثل هذه الوقاحة …!”
“إذا كان الأمر كذلك، كان يجب أن تأتي بها إليّ مباشرةً.”
ألقى يوهانس نظرةً سريعةً نحوي، ثم أصبح صوته أكثر هدوءاً.
“إذا لم تكن عائلة شوبين متورّطةً بشكلٍ عميقٍ في أفعال ذلك اللقيط القذرة، لما كان هناك سببٌ لتخنقها هكذا.”
فتح الفيكونت الشاب عينيه على مصراعيهما. كان تعبيره كشخصٍ أُصِيب برصاصة.
“سُمعة عائلتكَ قد تدهورت بالفعل بسبب الفضيحة غير المعقولة مع بانوكس. كان عليكَ أن تكون أكثر حذراً في عدم توجيه غضبكَ على الأبرياء.”
جعل منظر عجزه عن الرد بعد كلّ ثرثرته السابقة كلمات يوهانس تبدو صحيحة.
نظر إليه يوهانس بعينين باردتين وقال.
“انتظر في منزلك. سنتّخذ الإجراءات المناسبة ضد عائلتكَ قريباً.”
***
بعد أن هرب الفيكونت شوبين الشاب بوجهٍ أحمر غاضب، بقي يوهانس وأنا فقط في رواق السادة.
“شكراً—”
“كيف وصلتِ إلى هنا؟ كان من المفترض أن تبقي في جناحكِ الداخلي حتى حضور الحفل.”
قاطعني بوجهٍ صارم.
بعد أن كان يتحدّث بصوتٍ بلا أيّ مشاعر، أصبح الآن غاضباً.
هل يخفي مشاعره أمام النبلاء، لكنه يشعر أنه يمكنه الصراخ عليّ؟
حلّت مشاعر الظلم محلّ الارتياح. نظرتُ إليه مباشرةً بوجهه الجامد.
هل كان ردّ فعله لأن الفيكونت الشاب آذى شخصاً من عائلة الدوق، وليس لأنه كان قلقاً عليّ؟
ربما لو لم أكن ذات قيمة، كان سيتجاهلني تماماً. بالرغم من كلّ شيء، لقد كِدتُ أن أموت خنقًا! لا زلتُ أشعر بوضوح بيديه على عنقي.
“سألتُكِ لماذا أنتِ هنا. الحفل على وشك البدء.”
عندما لم أُجِبه، أصبح أكثر تشدّداً وسأل مرًةً أخرى.
آه، هل هو غاضبٌ لأنني قد أتأخّر عن الحفل؟
لأنه يجب عليه الإعلان عن زواجنا، ونشر الأخبار التي ستحمّس الجماهير، وقد أفسدتُ ذلك؟
خرجت ضحكةٌ مريرةٌ مني. شعرتُ بموجةٍ من الغضب. أجبتُ بصوتٍ حادٍّ قليلاً دون وعيٍ مني.
“لقد ضللتُ الطريق.”
“ليس هناك سببٌ لضياعكِ في هذا الوقت. يجب أن تكوني منهمكةً في الاستعداد للحفل.”
شعرتُ بأنه يستجوبني، مما جعلني أشعر أنه يجب أن أقدّم تفسيراً.
“كان لديّ صداع. وشعرتُ بالاختناق. الخارج كان صاخباً، ولم أستطع التحسّن إذا بقيتُ في الغرفة … لم أُرِد أن أفسد الحفل، لذلك حصلتُ على إذنٍ مارلين للخروج لاستنشاق الهواء …”
أثناء تقديمي الأعذار، شعرتُ بمزيدٍ من الظلم والحزن. اختفت القوّة من كتفيّ فجأة.
“لا أعرف حتى لماذا أشرح كلّ هذا بكلّ هذا اليأس. لماذا أنتَ غاضبٌ مني أصلاً …؟”
“متى كنتُ غاضباً—”
“كنتَ غاضباً. حتى لو لم ترفع صوتَك.”
حدّقتُ به بينما عبستُ حاجبيّ.
“أعتذر للتسبّب في المشاكل. أعرف أنكَ قلقٌ بشأن الحفل. لكنني لم أتوقّع حدوث شيءٍ كهذا. لم أكن أتخيّل أنني سأواجه مجنوناً يحاول خنقي فجأةً في القصر …”
ثم مسحتُ رقبتي التي ما زالت تؤلمني بحرارة.
“أعلم أنه من الوقاحة أن أطلب اهتمامك. ولكن، ألا يمكنكَ حتى أن تسألني إذا كنتُ بخير، وإن كانت مجرّد كلماتٍ فارغةٍ أو مجاملة؟”
كنتُ سعيدة، مرتاحة، وممتنّةً لأنه أنقذني من موتٍ محتّم.
حتى أنني شعرتُ بسخافتس عندما فكّرتُ أنه يشبه زوجاً ‘حقيقياً’ عندما لفّ الوشاح حولي.
لكن كلّ ما حصلتُ عليه كان سؤال ‘لماذا أنتِ هنا؟’ وحتى بنبرةٍ غاضبة.
ما الخطأ في مجيئي إلى هنا؟ كيف يمكنه التحدّث بهذا الجديّة لشخصٍ كاد يموت؟
حاولتُ كبح مشاعري المتصاعدة وواصلت.
“لقد … لقد شعرتُ بارتياحٍ كبيرٍ عندما أتيت.”
“…هذا—”
“أعلم أنه وقاحة. لكن كان عليّ قول هذا.”
أصبح الجو فجأةً متوتًراً.
“من فضلك، لا تنسَ أنني سأكون زوجتك، حتى لو كان ذلك بالاسم فقط.”
لم يردّ يوهانس بأيّ شيء
.
هل صَدَمَته وقاحتي؟ هل بدوتُ كزوجةٍ حقيقية …؟
لا أعرف.
لحسن الحظ، بدا أنه قرّر مراعاة حالتي ولم يغضب أكثر. فقط نظر إليّ بتعبيرٍ غامض.
ابتسمتُ بمرارةٍ وانحنيتُ بعمق.
“شكراً لكَ لإنقاذ حياتي.”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 20"