يبدو أن معاييرنا للبساطة أنا ويوهانس شولتز مختلفةٌ تمامًا.
كتن الحفل قمّةً في البذخ والروعة. كلام الجميع عن ‘لا تشعري بالضغط’ بدا وكأنه سخريةٌ مني.
لم يمضِ وقتٌ طويلٌ على بدء الحفل حتى ازداد الضجيج في الخارج. مع ذلك، كانت الزهور الطبيعية والأضواء المنتشرة في أنحاء الحديقة تُشعِرُكَ بأنها ليلةٌ صيفية، رغم أن الهواء بقي باردًا.
“بما أنكِ بطلة الحفل، فلا بد أن تظهري في النهاية. معظم النبلاء متشوّقون لمقابلتكِ، آنسة بريم.”
أحسستُ أن شعري يحتاج إلى ترتيبٍ أكثر. لا يزال هناك تجعّدات. مرّرت مارلين أصابعها برفقٍ عبر خصلات شعري وهي تتحدّث.
“بدا أنكِ لستِ في حالةٍ جيدة، كيف حالكِ الآن؟ هل تحسّنتِ قليلًا؟”
“نعم، أنا بخير.”
في الحقيقة، لم أكن بخيرٍ أبدًا.
انحنيتُ من النافذة لأستنشق الهواء البارد. كانت عربات الخيل تتوافد الواحدة تلو الأخرى، والخَدَم يتحرّكون بسرعة.
ضَحِكاتٌ مَرِحَةٌ تَتَدَافَعُ بِلا تَوَقُّف.
يبدو أن النبلاء يعيشون مثل هذه الحفلات كـروتينٍ يومي. يا لهم من فارغين!
رأسي كان يؤلمني أكثر مع ارتفاع حرارتي، ورؤية كلّ هذه الفوضى من حولي جعلته ينبض بألمٍ أشد.
أغلقتُ النافذة، فقالت مارلين.
“إذا كنتِ متعبةً جدًا، يمكنكِ الخروج لاستنشاق الهواء. إذا كان الضجيج يزعجكِ، سأرشدكِ إلى مكانٍ هادئ.”
“هل ستفعلين ذلك؟”
“نعم، بما أنكِ لستِ بصحّةٍ جيدة، حتى لو كان الجو دافئًا، لفّي الوشاح حولكِ، يا آنسة.”
كانت كلماتها مريحة.
أخبرتني مارلين عن مكانٍ هادئٍ يمكنني الاسترخاء فيه، وسلّمتني ساعة جيب. ثم لفّت الوشاح حول كتفيّ وذكّرَتني بأنه يجب أن أعود بحلول الساعة الثامنة.
عندما غادرتُ الغرفة وتجوّلتُ في الممر، بدأتُ أسمع همساتٍ قادمةٍ من زاوية الطريق المؤدي إلى المكان الذي أرشدتني إليه. في الواقع، كانت أقرب إلى النميمة منها إلى الدردشة.
غريزيًا، شعرتُ أن الحديث كان عني، فاختبأتُ خلف عمود.
“أين كان يعيش دوق شولتز حتى الآن؟ لا بد أن له علاقةٌ بتلك الفتاة العاميّة، أليس كذلك؟”
كان صوتها أكثر خفوتًا عند نطق كلمة ‘عاميّة’.
ردّ صوتٌ آخر.
“بالطبع، برؤية أنهمت ظهرا معًا.”
“ربما انخدع بتلك المرأة الماكرة التي لا تملك نقاءً. ألا يقولون إن العامّة يبيعون أجسادهم للصعود اجتماعيًا؟”
من الواضح أن هؤلاء يعتقدون أن العامّة مجرد متسوّلين في الشوارع.
في الواقع، لدى العامّة مجتمعهم الخاص، من بينهم مَن يعمل بجدٍّ، آخرين أغنياء بالفعل أيضًا.
لكن الحديث استمر، وهذه المرّة بصوتٍ أعلى وأكثر حدّة.
“لابدّ أنها عاهرة. سمعتُ أن تلك العامية جميلةٌ جدًا، وهذا ليس مستبعدًا.”
هذه إشاعةٌ خاطئة.
“ومع ذلك، لا أعتقد أنه سيتزوّجها. إنه قدوةٌ للنبلاء، أليس كذلك؟”
لسوء حظّك، هذا صحيح، سيتزوّجني، أيّتها النبيلة المجهولة.
لا أعرف كيف يمكن لكلّ كلمةٍ يقولونها أن تكون بعيدةً عن الحقيقة.
أليس هؤلاء هم مَن يجب ألّا يقتربوا من القمار أبدًا؟
“ربما غيّر رأيه. الرجال لا يستطيعون مقاومة المرأة الجميلة.”
ضحكت إحدى السيدات بغباء، وشعرتُ بالجو يتجمّد حتى خلف العمود.
“كلام السيدة كيلغر منطقي، لكن دوق شولتز ليس من النوع الذي ينخدع بسهولة. إنه دوق عائلة شولتز، بعد كلّ شيء.”
انضم صوتٌ جديدٌ إلى المحادثة، صوتٌ هادئٌ ويافعٌ مقارنةً بالسيدات السابقات.
ساد صمتٌ بين السيدات لبعض الوقت. ثم عاد صوتٌ آخر، هذه المرّة متّفقًا مع الصوت اليافع.
“هذا صحيح. لا أعتقد أنه سيرفض الزواج الذي رتّبه الإمبراطور له.”
“دوق شولتز ليس من النوع الذي ينخدع بامرأة.”
“كم بذلت آنسة عائلة الماركيز هاتسفيلد من جهدٍ لترتيب هذا الزواج …”
كلّما استمعتُ أكثر، ازداد شعوري بالغثيان.
لكن إذا استدرتُ الآن ودخلتُ الممر، لا مفرّ من مواجهتهن.
سيُكشَف أنني استمعتُ إلى حديثهن، وسيكون الموقف محرجًا للغاية.
أو ربما لا، فهن لا يعرفنني.
لكن من الأفضل تجنّب المواجهة. إذا حاصَرنني، لن أتمكّن من إعطاء إجابةٍ مقنعة.
ليس لديّ خيارٌ إلّا الهروب.
استدرتُ على الفور. يمكنني الذهاب إلى مكانٍ آخر.
* * *
‘أكان على اليمين…؟’
لم أتذكّر جيدًا إذا كان الرواق الذي أرشدَتني إليه مارلين على اليمين أم اليسار.
لكن حدسي عادةً لا يخونني.
‘على عكس اليسار، اليمين مظلم، حتى الأنوار مطفأة…’
حتى إن نظرتُ من أيّ زاوية، كان الجانب الأيمن مهجورًا.
بعد المشي قليلًا، ظهر الرواق. شعرتُ ببرودة رخامه الحليبي الذي تشبّع بهواء الشتاء.
عندما جلستُ خلف عمود، خفّ ألم رأسي قليلًا.
لكن عندما فتحتُ عينيّ للتحقق من ساعة الجيب، أدركتُ أن حدسي خانني.
أمسك أحدهم بمعصمي بقوّة. انتُشِلتُ كما يُنتشَل السيف من غمده، ونظرتُ إلى الرجل الذي أمسك بي بعينين مصعوقتين.
عيونٌ ضيّقة، أنفٌ حاد. لم أتعرّف على وجهه، لكنه لم يشعرني بالغرابة.
تفحّصني الرجل بنظرةٍ مُشبَعةٍ بالفضول. انزلقت عيناه الباردة على جسدي المكشوف بعد أن انزاح الوشاح عن كتفيّ.
عندها ابتسم بخبث.
“فراشةٌ ربيعيّةٌ حطّت في رواق السادة. هنا الشتاء. هل أضعتِ طريقكِ؟”
“أفلِتني. ماذا تظن نفسكَ فاعلًا…؟”
“أم أنها خِدعة؟ هل تحاولين إيقاع أحدهم في الفخ؟”
زاد الرجل من قبضته على معصمي.
“همم… وجهٌ جديد. من أيّ عائلةٍ أنتِ؟ ممنوعٌ على السيدات الدخول هنا. هذا مكانٌ سريٌّ لا يدخله إلّا المدعوّون.”
“لم أكن أعلم. لقد ضللتُ طريقي يا سيد.”
كان المكان مظلمًا، ورائحة الكحول تفوح من الرجل بشدّة.
حتى لو صرخت، لن يسمعني أحدٌ في ضجيج الحفل.
كان من الأفضل عدم استفزازه. أنا مَن دخلت مكانًا محظورًا. إذا أحدثتُ ضجة، سيزداد الأمر سوءًا.
محوتُ بسرعةٍ تعابير الخوف التي ظهرت على وجهي.
أحمرّ وجه الرجل من الثمالة، وبدأ يتمتم لنفسه.
“إذا كنتِ مدعوّةً كثيرًا إلى قصر إيفانشتاين، فمن المستحيل أن لا تعرفي الطريق. كنتِ ستعرفين أن هذا رواق السادة.”
نظرتُ إلى أسفل.
هل أهرب؟ حذائي ذو كعبٍ عالٍ.
على أيّ حال، هذا الرجل لن يعترف بأنه يعرفني حتى إذا وقفتُ بجانب يوهانس. لا أعرف كيف، لكن هذا ما شعرتُ به.
ماذا لو خلعتُ حذائي وهربت؟
ربما كان إضاعة الوقت حتى الساعة الثامنة هو الحل الأكثر واقعية. إذا لم أعُد، ستبحث عني مارلين لأنها قلقةٌ من أن أُفسِد الحفل.
“أيّتها الجميلة، أخبريني فقط. همم؟”
“ما الذي تتحدّث عنه؟”
عندما سألتُه بهدوء، بدا وكأنه فقد الاهتمام. ثم أشرقت عيناه مرة أخرى.
“أنا أعرف أن العائلة الإمبراطورية لم تتمّ دعوتهم، ربما تكونين جاسوسةً للعائلة الإمبراطورية أُرِسلتِ لاستغلال انفتاح قصر إيفانشتاين؟”
“هذا مستحيل.”
أجبتُه بحزم، لكنه تجاهل كلامي.
“إذن يمكنكِ أن تلعبي معي كشريكةٍ بدلًا من أن أُبلِغ عنكِ. لا يمكن أن تكوني تلك العاميّة التي أحضرها دوق شولتز، أليس كذلك؟”
ساد صمتٌ للحظة.
عندما لم أُجِب، صنع الرجل تعبيرًا غريبًا.
شعرتُ فجأةً بأن شيئًا ما خطأ. يجب أن أهرب.
“هل هذا صحيح؟”
“…لا.”
حدث كلّ شيءٍ في لحظة. أمسك الرجل بعنقي بيده الأخرى ودفعني نحو العمود. اختنقتُ من قوّة قبضته.
عندما تقلّصتُ وكِدتُ أختنق، أمال رأسه.
“بالنظر إلى تعبيركِ، يبدو أنكِ تكذبين.”
أصبح تنفّسي أسرع. لقد صرّ على أسنانه بغيظ، وكان واضحًا أنه لن يتركني.
“ماذا أفعل بكِ؟ بسببكِ، ستدفع عائلتي الكثير من المال. تدخّلت البحرية وبدأت تفتيش كلّ شيء، مما جعل القضية تسير بشكلٍ سيء.”
“مـ ماذا…؟”
“لقد غرقنا في الديون.”
ازداد الضغط على عنقي. لم أفهم ما كان يتحدّث عنه.
بسببي سيدفعون المال؟ هل سأموتُ هنا؟ سُحقًا.
عندما كنتُ على وشك الإغماء، سمعتُ صوتً
ا مألوفًا في الرواق.
“لم أكن أتصوّر أن هيبة عائلة شولتز قد انخفضت إلى هذا الحد.”
كان صوته جافًّا كالمعتاد.
لا، بدا أنه غاضبٌ قليلًا.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 19"