3
الفصل 3
امتثالًا لاقتراح زيون بالبدء بالتعارف، شرعنا في تقديم أنفسنا باقتضاب.
كانت روز أول من استهلّ الكلام.
“أنا روز ليبرتون. هذا يكفي، أليس كذلك؟ لا يوجد في الإمبراطورية من يجهل اسم ليبرتون.”
أنهت تعريفها بنبرةٍ متعالية، يصعب تصديق أنها كانت قبل لحظات تنتحب بحرقة.
“ليبرتون… أتعنين عائلة ليبرتون المشهورة بالتجارة؟”
“نعم.”
كانت عائلة ليبرتون تدير أكبر شركة تجارية داخل الإمبراطورية. وليس من المبالغة القول إن معظم الأنشطة التجارية تمرّ عبرها.
“تشرفتُ بلقاء آنسةٍ من بيت ليبرتون.”
ازداد اعتداد روز بنفسها، فشدّت كتفيها بزهو.
“وأنتَ أيضًا، من مظهرك يبدو أنك ابن عائلةٍ نبيلة.”
“آه، لستُ شخصًا عظيمًا مثلكِ، آنسة روز.”
تابع زيون حديثه بابتسامةٍ خفيفة.
“اسمي زيون راغنون.”
وفق الإعداد الذي يخفي حقيقة كونه من الأسرة الملكية، قدّم نفسه على أنه الابن الثالث لمركيزٍ من أطراف البلاد.
ما إن انتهى زيون حتى علّق تومي بجفاء.
“أنا تومي. بلا لقب.”
“إذًا… أنتَ من العامة؟”
“نعم، وهل لديكِ اعتراض؟”
“لا، لا اعتراض.”
تجاوز زيون النبرة الاستفزازية بابتسامةٍ هادئة، ثم اتجه نظره نحوي.
“حسنًا، والآن دوركِ، آنسة. ما اسمكِ؟”
[“أنا… هاينا بلاشيت ….”]
“أنا… هاينا بلاشيت ….”
“بلاشيت….”
ارتسمت تجعيدةٌ خفيفة بين حاجبي زيون، كأنّ الاسم أثار في نفسه شيئًا عالقًا.
‘ما به؟ أيزعجه تعريفي؟’
لم يدم ذلك طويلًا؛ سرعان ما بدّد جديته بابتسامةٍ لطيفة.
“آه، المعذرة. شرد ذهني للحظة. تشرفتُ بلقائكِ، آنسة هاينا.”
أثار تغيّر موقفه المفاجئ شعورًا غير مريح، لكنني آثرتُ التغاضي.
فالتطفّل بالسؤال عمّا كان يفكّر فيه ليس لائقًا.
***
بعد التعارف المختصر، قرّرنا التجوّل داخل القصر.
“لا بدّ من التجوّل فعلًا؟”
لم يبدُ تومي متحمسًا.
“ربما نعثر على طريقٍ للخروج أثناء التفتيش.”
عند كلمات زيون المتفائلة، مسحت روز عينيها الدامعتين واحمرّتا أكثر، ثم أومأت.
“صحيح. لماذا أنتَ سلبيّ في كل شيء؟”
“هاه؟ لا أريد سماع هذا ممّن كانت قبل قليل تنادي أمّها وأباها وهي تبكي.”
“ماذا؟ هذا الوقح…! إن كنتَ لا تريد المجيء فابقَ هنا. أيها الجبان.”
“ومن تصفينه بالجبان؟ حسنًا، تجوّلوا أنتم ألف عام!”
لم تمرّ سوى دقائق حتى عاد تومي وروز إلى الشجار.
‘كلاهما من الشخصيات التي ابتكرتُها بنفسي، ومع ذلك يثيران الأعصاب حقًّا.’
في هذا الموضع، كان يفترض أن يأتي دوري بالكلام.
وما إن خطرت هذه الفكرة حتى ظهر إطار الحوار.
[“أ، أممم… بدلا من ذلك… أليس من الأفضل أن نتحرّك معًا؟ سيكون أكثر أمانًا….”]
“أ، أممم… بدلا من ذلك… أليس من الأفضل أن نتحرّك معًا؟ سيكون أكثر أمانًا….”
“صحيح، يا تومي. لو بقيتَ وحدك وحدث شيء، ماذا ستفعل؟”
أمام إلحاحي وإقناع زيون،
“تسك. حسنًا، سأذهب. هكذا يكفي، أليس كذلك.”
رضخ تومي في النهاية ووافق على التحرك معنا.
“إذًا إلى أين؟”
أجاب زيون، بعد لحظة تفكير، على سؤاله المائل للسخرية.
“ما رأيكم أن نبدأ بقاعة الطعام؟”
قاعة الطعام.
المكان الذي يلتقي فيه اللاعب، بطل هذه اللعبة، ببقية الشخصيات لأول مرة.
***
“الوضع السهل مخصّص لمن لا يجيد ألعاب الرعب أو يخوضها للمرة الأولى، أمّا الصعب فللمحترفين.”
“لكن من الأفضل أن تكون البداية خفيفة في كلا الوضعين، أليس كذلك؟”
“مع ذلك، لا يجوز أن يكون الصعب سهلًا أكثر من اللازم، ينبغي إدخال عناصر رعبٍ مناسبة.”
وأنا أستعيد، على نحوٍ متقطّع، ما سمعته سابقًا من إيم هايون، كنتُ أدعو في داخلي.
يا الهي، أرجو أن يكن وضع اللعبة مضبوطا على المستوى السهل.
لكن، وللأسف، كانت الإعدادات على الوضع الصعب. وحين حاولتُ تغييرها….
[لا يمكن تغيير مستوى الصعوبة بعد تحديده حتى نهاية اللعبة.]
ظهرت هذه الرسالة.
‘تبًّا.’
كان نمط الصعب في لعبة الضياع مرعبًا إلى درجة أن حتى عشّاق ألعاب الرعب يمنحونه خمس نجوم في مستوى الخوف.
كيف يُفترض بي التعامل مع شيء كهذا؟
‘لا بأس. قالوا إن البداية ستكون خفيفة على أيّ حال.’
ذلك الأمل الضئيل لم يلبث طويلًا حتى تحطّم إلى شظايا.
“ما بال هذا القصر مظلمٌ إلى هذا الحدّ؟”
كان ممرّ قصر الأشباح قاتمًا كالمساء المتأخر رغم أنّ الوقت نهار.
أخذت روز تلتفت حولها بلا توقّف، ويبدو القلق جليًّا عليها بسبب الأجواء الكئيبة التي توحي بأن شيئًا قد ينبثق في أية لحظة.
وأنا، التي كنتُ أمسك يد روز بإحكام، لم أكن أقلّ توتّرًا منها، إذ يثقلني الشعور بأن أيّ مكروه قد يحدث في أيّ وقت.
[إنخفضت القدرة العقلية بمقدار 1.]
وفي خضمّ ذلك، انخفضت القدرة العقلية مجددًا.
‘جنون… حقًّا.’
لم يتبقَّ سوى 7 نقاط فقط. إن ظهر شيء ما الآن…
‘سيُغمى عليّ مجددًا.’
ما إن انتهت الفكرة حتى وقع بصري، في أقصى الممرّ، على شيءٍ أبيض شاحب.
“ذ، ذاك… ما هذا؟”
تجمّدت روز في مكانها.
“أين؟”
عبس تومي وهو يتّبع اتجاه إصبعها.
“أليس مجرّد وهج ضوء؟”
حتى في صوت زيون، الذي حاول التماسك، تسلّل ارتجافٌ خفيف.
“…ألا يبدو وكأنه يتحرّك؟”
كان ذلك الشيء الأبيض المجهول يقترب منّا ببطء.
ومع اقترابه، أخذت ملامحه تتشكّل شيئًا فشيئًا.
خمسة أصابع نحيلة. ظهر يدٍ شاحب، بلا دم، تبرز تحته عروقٌ زرقاء بوضوح. يدٌ بيضاء متناسقة، تزحف.
“تبًّا.”
“آآآآه!”
مع شتيمة تومي وصراخ روز، فررنا مذعورين بلا وعي.
اليد البيضاء، بعد أن لاحظتنا، فتحت أصابعها الخمسة كأرجل عنكبوت، وراحت تركض خلفنا وهي تصفع الأرض بقسوة.
مرعب!
اليد البيضاء تطاردنا من الخلف. لكن كان هناك ما يفوقها رعبًا بالنسبة إليّ.
[إنخفضت القدرة العقلية بمقدار 1.]
[إنخفضت القدرة العقلية بمقدار 1.]
[إنخفضت القدرة العقلية بمقدار 1.]
رسائل الحالة كانت تتتابع بلا نهاية أمام عيني.
‘كفى إنخفاضا!’
كانت نوافذ التنبيه تحجب الرؤية باستمرار، فلم أعد أملك حتى فسحة للخوف من اليد نفسها.
وأنا أُسحَب خلف روز وكأنني مُجرورة، كنتُ أتضرّع في داخلي.
رجاءً… لا تجعلني أُغمى عليّ مرة أخرى.
***
هربنا من اليد إلى غرفة قريبة، واختبأنا فيها.
ما إن دخلنا حتى سقطت روز أرضًا، وراحت ترفّ بعينيها الزائغتين من شدّة الفزع، وسألت بصوتٍ مرتعش.
“ذ، ذاك… قبل قليل.… كان… يدًا، أليس كذلك؟”
“…يبدو ذلك.”
“ما ذاك الشيء… هيك… لا، لا أريد…”
وانفجرت دموع روز مجددًا.
“كفى بكاءً.”
تذمّر تومي، لكن روز لم تستطع الردّ كما فعلت سابقًا. وكان ذلك مفهومًا.
‘بعد رؤية يد تزحف في الممر، من يملك طاقة للجدال أصلًا.’
بينما كانت روز ترتجف من الخوف، كنتُ أنا—ملكة الإغماء—أصمد على نحوٍ غير متوقّع.
حين رأيتُ اليد للمرّة الأولى، شعرتُ وكأن قلبي سقط فعلًا… لكن هل لأنني أعرف بعض الإعدادات؟ لم يكن الأمر مخيفًا كما توقّعت.
‘لم أتخيّل أن إلحاح إيم هايون عليّ للاطلاع على الإعدادات سيفيدني إلى هذا الحدّ.’
اليد البيضاء التي رأيناها قبل قليل هي أحد العناصر الشائعة في ممرّات لعبة الضياع، وتُدعى ‘المعصم المبتور’.
تذكّرتُ الشرح الذي سمعته من إيم هايون عن المعصم المبتور.
‘إنه يتجوّل في الممرّ فقط، ولا يؤذي أحدًا… أظنّها كانت هكذا.’
ما إن حاولتُ استحضار التفاصيل حتى ظهر أمامي إشعار.
[تم تسجيل مجموعة جديدة. (1/20)]
هاه؟ ماذا فعلتُ حتى تُسجَّل مجموعة؟
【المجموعات】
المعصم المبتور الباحث عن صاحبه.
يتجوّل في ممرّ الطابق الأول من قصر كلورنس بحثًا عن جسده المفقود.
عند مصادفة شخص، يقترب منه ليتأكّد إن كان هو صاحبه. وبعد الانتهاء من التحقّق، يعود إلى التجوّل في الممرّ.
(في حال مساعدته على العثور على جسده، يمكن الحصول على عنصرٍ خاص.)
ما إن اختفى إطار المجموعة حتى خطر لي أمرٌ آخر.
قصص اللاعبين الذين أعادوا لعب <قصر الذكريات المفقودة> مرارًا بهدف جمع جميع المجموعات.
[هل من أحد جمع 100% من المجموعات؟ ㅠㅠ وصلتُ إلى 97% ولا أعرف أين الأخيرة]
└ [97؟! بعد أن أعدت اللعب 20 مرة، بالكاد وصلتُ 70%]
└ [ألم تجد التي في الطابق الخامس أنت أيضا؟]
└└ [نعم نعم! هل وجدتها أنت؟]
└└└ [لا، أنا أيضًا لم أجدها؛ يبدو أنه لا أحد وجدها، ربما غير مفعّلة أصلًا]
‘إذا جُمعت كلّ المجموعات، يمكن مشاهدة نهاية خفيّة.’
بسبب هذه الشائعة التي انتشرت في وقتٍ ما، بات عشّاق اللعبة يجمعون المجموعات بجنون.
‘لكن لا توجد نهاية خفيّة أصلًا.’
النهايات الرئيسية التي كتبتُها في الفصل الأخير كانت ثلاثًا.
نهاية سيّئة، يفشل فيها اللاعب في الهروب ويتحوّل إلى شبح.
نهاية عادية، ينجح فيها في الفرار دون كشف حقيقة القصر.
ونهاية حقيقيّة، يكتشف فيها كلّ شيء ويتمكّن من الهرب.
إضافةً إلى نهايات موتٍ وجنونٍ متفرّقة.
أمّا النهاية الخفيّة التي يُقال إنها تظهر بعد جمع المجموعات، فلم أكتبها قطّ.
‘بل إنني لا أعرف أصلًا ما هي المجموعات الموجودة.’
صحيح أنّ إيم هايون كانت تحدّثني دائمًا عن إعدادات اللعبة المختلفة، لكنها لم تتطرّق إلى المجموعات تحديدًا.
أو ربّما ذكرتها فعلًا، لكنني لم أُعر الأمر اهتمامًا كافيًا.
على أيّ حال، بحسب علمي، لا توجد نهاية خفيّة في هذه اللعبة.
‘لكن الأهمّ ليس هذا الآن.’
عرفتُ أنّ المعصم المبتور، رغم منظره المرعب، لا يؤذي أحدًا.
صحيح أنّ معرفة ذلك لا تجعل رؤية يدٍ متحرّكة أمرًا عاديًا….
‘لكن على الأقلّ… أشعر أنه أقلّ رعبًا من قبل.’
لعلّ السبب أننا في البداية؟ رغم أنّه الوضع الصعب، إلا أنه ليس مخيفًا إلى هذا الحدّ.
ما إن انتهت الفكرة—
“أ، أممم… آنسة هاينا….”
ناداني زيون بصوتٍ مرتجف. وفي اللحظة نفسها، قفزت روز، التي كانت ملتصقة بي، مبتعدةً عنّي بفزع، وكأنها رأت شبحًا.
‘…شبح؟’
لا.
بلعتُ ريقي وأدرتُ رأسي.
يدٌ بيضاء، أصابعها الخمسة ممدودة، كانت تلوّح في الهواء. كأنها تُحيّي. ثم—
طَق.
أمسكت بذراعي مباشرةً.
هي بلا شكّ يدٌ بشريّة، لكن الإحساس الذي نقلته لا يمتّ لما أعرفه بصلة.
جلدٌ قاسٍ كالعجين المتحجّر، وبرودة كأنها أُخرجت للتوّ من المجمّد.
أصابع جامدة بلا دفء راحت تنزلق على ذراعي، تُصدر صريرًا مكتومًا وهي تطوي مفاصلها.
اجتاح جسدي قشعريرة. وقفت كل شعرة في جسمي، وسرى بردٌ قارس في مؤخرة عنقي.
ألا يقال إن الإنسان، حين يبلغ الخوف ذروته، يصبح هادئًا على نحوٍ غريب؟
لم أصرخ. اكتفيتُ بالرمش بذهول.
‘هذا…’
وفجأة، تذكّرتُ.
ذلك الشعور حين كنتُ جالسةً على المنصّة كالمعتاد في حصة الرياضة، ورأيتُ عنكبوتًا لا أدري من أين سقط، يتجوّل بنشاط فوق ذراعي.
[إنخفضت القدرة العقلية بمقدار 4.]
وصلت القدرة العقلية إلى 0.
في هذه اللحظة تحديدًا، لم أكن يومًا أكثر امتنانًا لكوني ‘هاينا ملكة الإغماء’.
التعليقات لهذا الفصل " 3"