2
الفصل 2
حين استعدتُ وعيي، قرّرتُ ألّا أتصرف بتهوّر بعد الآن.
فلنرتّب الوضع الحالي أولًا.
1. لسببٍ أجهله، أصبحتُ الآن ‘هاينا’، إحدى شخصيات لعبة الضياع.
(ملاحظة: لعبة الضيَاع اختصار لاسم لعبة قصر الذكريات الضائعة)
2. وظيفة إيقاف اللعبة لا يمكن استخدامها ‘بعد’.
3. هاينا تملك قدرة ذهنية سيئة للغاية؛ صدمةٌ بسيطة كفيلة بأن تُفقدها الوعي كما حدث قبل قليل.
حقًّا، كان مأزقًا لا أُحسد عليه.
وأمام هذا الواقع، لم يبقَ لي سوى خيارٍ واحد.
‘عليّ أن أواصل اللعب وأراقب ما سيؤول إليه الأمر.’
فلألتقِ بسائر الشخصيات أولًا.
نهضتُ من مكاني، وحين تلفّتُّ باحثةً عن الطريق إلى حيث يوجد الآخرون، ظهر لي بابٌ غير بعيد.
‘بحسب الإعدادات، هاينا شديدة الخوف. وإن أردتُ ألّا أفقد الوعي مجددًا كما قبل قليل، فلا بدّ من أقصى درجات الحذر…’
أخذتُ أسترق النظر حولي كأرنبٍ مذعور، خطوةً بعد خطوة، بحذرٍ بالغ. لذلك استغرق وصولي إلى الباب القريب وقتًا أطول مما ينبغي.
وأخيرًا، أمام الباب.
مددتُ يدي إلى المقبض، وأدرته ببطء.
دَكّ!
فجأةً، اهتزّ الباب بعنف،
وفُتح على مصراعيه.
[انخفضت القدرة العقلية بمقدار 5.]
أيعقل أن تنخفض القدرة العقلية لمجرّد بابٍ فُتح؟ مهما كانت الشخصية جبانة، فهذا مبالغ فيه!
حبستُ أنفاسي ثم أطلقتُ زفيرًا عميقًا، محاوِلةً تهدئة القلب الذي يخفق بجنون.
لكن، ما إن وقع بصري على الرجل الواقف خلف الباب حتى—
[انخفضت القدرة العقلية بمقدار 5.]
‘اللعنة.’
[تم استهلاك القدرة العقلية بالكامل.]
[عقوبة!]
[ستتعذر الحركة لمدة 5 دقائق.]
ها أنا أرى نافذة الحالة نفسها التي رأيتها قبل خمس دقائق.
‘لم يمضِ وقتٌ يُذكر على استيقاظي… وها أنا أفقد الوعي مجددًا؟’
وبينما كان إدراكي يتلاشى مرة أخرى، دار في خاطري سؤالٌ واحد.
‘بهذا الإغماء المتكرر… هل يمكن أصلًا إحراز أي تقدّم في اللعبة؟’
***
“تفتح الباب فجأةً هكذا، ألا يفزع المرء؟”
“وهل يعني هذا أن الخطأ خطئي؟”
“بالطبع خطؤك. حين تستفيق، ابدأ بالاعتذار فورًا.”
“ومن تكونين حتى تملي عليّ ما أفعل؟”
“ومن أكون؟ يبدو أنك لا تعرف من أنا. أنا…”
قبل أن تُكمل المرأة عبارتها، فتحتُ عينيّ.
“أوه، لقد استيقظتِ!”
ما إن تلاقت نظراتنا حتى أسرعت نحوي بخطواتٍ خفيفة.
شعرها الأحمر، المتّقد كوردٍ تفتّح لتوّه، تموّج كالأمواج. وفي عينيها السماويتين، المحاطتين بنظرةٍ حادّة كعيني قطّة، ارتسم قلقٌ واضح عليّ.
‘إنها روز.’
روز ليبرتون، شخصية ‘مفهوم الضياع’.
في لعبة الضياع، تُعرف بأنها شخصية مُزعِجة، تضع اللاعب في مآزق شتّى.
“هل أنتِ بخير؟”
“نعم… أنا بخير…”
“ذاك الأحمق فتح الباب فجأةً، لا بدّ أنكِ ارتعبتِ كثيرًا.”
“آه…”
“هيه، ماذا تفعل؟ تعالَ إلى هنا واعتذر بسرعة.”
لم أكن قد انتهيتُ من التمتمة بـ’لا’، حتى بادرت روز بنداء الرجل الواقف خلفها.
الرجل الذي استُدعي مرّر يده بخشونة عبر شعره الأزرق الداكن، بلونٍ أشبه بأعماق المحيط.
عيناه، بلون الليل، رمقتاني بنظرةٍ خاطفة، ثم تقلّص حاجباه الغليظان، فانحفر العبوس في ما بينهما.
‘هذا هو تومي.’
تومي، سريع الغضب، اندفاعيّ الطبع، يثور لأتفه الأسباب.
بمجرّد النظر إلى شخصيته، قد يُظنّ أنه سيجلب المتاعب بلا انقطاع، غير أنّ تأثيره داخل اللعبة ضئيل على غير المتوقع.
لذلك، بخلاف سائر الشخصيات، لم يُلحق اسمه بأيّ لقب.
‘مقارنةً بهاينا ملكة الإغماء… لعلّ تومي العادي أفضل.’
“اعتذار؟ عن ماذا؟ تبدو سليمة، ولا أثر لإصابة.”
“إذًا ترفض الاعتذار؟”
“نعم. أرفض. فماذا ستفعلين؟”
“يا للعجب. لم أصادف رجلًا فظًّا مثلك في حياتي.”
“ولا أنا رأيتُ امرأةً متسلّطة مثلكِ من قبل.”
لم تمضِ سوى لحظات على لقائهما، ومع ذلك كان التوتّر بينهما قد بلغ حدّ الشجار.
“أنتما الاثنان، تتشاجران مجددًا؟”
صوتٌ ثالث تسلّل عبر الباب المفتوح، ودخل صاحبه إلى الغرفة.
شعرٌ أشقر لامع كالشمس، وعينان ذهبيتان أفتح قليلًا من لون شعره.
من مظهره وحده، بدا كابنِ أسرةٍ ثريّة مدلّل. كان آخر الشخصيات، صاحب الفم الملعون، ‘زيون’.
ما إن وطئت قدماه المكان حتى اندفعت روز وتومي، وكأنهما كانا بانتظاره، يشكوان بعضهما إليه.
“ذاك الوقح يتطاول عليّ ويستخفّ بي بلا توقف. قلتُ له بلطفٍ أن يعتذر، لكنه تجاهلني تمامًا.”
“وهي تتصرّف وكأنها شخصٌ عظيم فعلًا.”
قطّبت روز حاجبيها وأطلقت ضحكةً ساخرة.
“أنا لا أتصرف وكأنني عظيمة، بل أنا فعلًا أملك ما يؤهّلني لذلك. أنظر إلى ملابسك، من الواضح أنك من عامة الشعب. لو عرفتَ من أكون، لأغمي عليك من شدّة الصدمة.”
رفعت روز ذقنها بكبرياء وأشارت بإصبعها نحو تومي. عندها طحن تومي أسنانه بغيظ. كانت قبضته المرتجفة توحي وكأنه على وشك أن يوجّه لها لكمة في أية لحظة.
لحسن الحظ، تدخّل زيون قبل أن يحدث ذلك.
“حسنًا، حسنًا. أرجو أن يهدأ الطرفان. ليس هذا وقت الشجار.”
كان تصرّفًا يليق بزيون، كما أُعدّ في الإعدادات. هادئ، سريع الفهم لما يجري حوله.
وبفضله، بدا أن تومي وروز هدآ قليلًا، لكن….
“ثمّ، آنسة، من الأفضل أن تعتذري لهذا الشخص عمّا تفوّهتِ به بقسوة.”
“ماذا؟ وأين الخطأ فيما قلتُ؟”
“لا، ليس خطأً. من ملابسه وطريقة كلامه يتّضح أنه عامّي غير مهذّب، لكن التلفّظ بذلك صراحةً أمامه يخالف الآداب.”
“ماذا قلتَ أيها الوغد!”
‘كما توقّعت.’
لم يكن لقب ‘الفم الملعون’ عن عبث.
زيون شخصية تتقدّم لاحتواء الموقف عند وقوع مشكلة، لكنها لا تلبث أن تضيف جملة لا داعي لها، فتزيد الأمور سوءًا.
أما هاينا…
‘يبدو أن الدور سيأتي على هاينا لتقول شيئًا الآن.’
ما إن خطرت الفكرة حتى ظهر أمامي إطار اختيار الحوار. لا، في الحقيقة، لا يمكن تسميته اختيارًا.
[“أ، أممم…… من أنتم؟ وأين أنااا……؟”]
خيارٌ واحد لا غير.
‘كنتُ آمل أن يظهر خيار آخر، لكن…… بما أنني لستُ اللاعب، فلا مجال لاختيار الحوار.’
لماذا جعلتُ هاينا بهذه الشخصية أصلًا؟ حتى ذاك المدّ المزعج في نهايات الكلمات، أودّ التخلّص منه، لكن الأمر ليس بيدي.
وبمرور الوقت، ومن دون أيّ علاقة بإرادتي، انطلق صوتي ينطق بالجملة تلقائيًا.
“أ، أممم…… من أنتم؟ وأين أنااا……؟”
على سؤالي المتردّد، جاء ردّ زيون.
“يبدو أننا في قصر كلورنس.”
قصر كلورنس.
المكان الذي تدور فيه أحداث لعبة الضياع.
قصرٌ بناه كلورنس، الذي كان يومًا أغنى أثرياء الإمبراطورية.
حين كان سكّانه ما يزالون فيه، لم يكن يمرّ يوم دون أن تُقام فيه حفلاتٌ فاخرة. لكن ثروة آل كلورنس لم تدم طويلًا. بعد سلسلة من الأحداث، انهار شأن العائلة، وتُرك القصر مهجورًا لمئات السنين.
واليوم، ورغم ما يلفّه من قِدمٍ وكآبة حتى صار يُعرف بقصر الأشباح….
إلّا أنّه، حتى لحظة مغادرة آل كلورنس، كان يُعتنىً به على أكمل وجه. فلماذا لم ينتقل إلى يد عائلةٍ نبيلة أخرى، وبقي مهجورًا طوال هذه المدة؟
[“قصر كلورنس… أليس هو—ذلك القصر المسكون بالأشباح؟!”]
“قصر كلورنس… أليس هو—ذلك القصر المسكون بالأشباح؟!”
بسبب الشائعات التي تتحدّث عن ظهور الأشباح فيه.
“نعم، هذا صحيح.”
“ولِمَ أنا هنا…؟ ومن أنتم…؟”
ردّدتُ الجملة المقرّرة من النظام مرةً أخرى.
‘آه. لا أستطيع التكيّف مع هذا أبدًا.’
أن أضطرّ للحديث دومًا بهذا الأسلوب المتردّد، مع مدّ مزعج في الكلمات!
مجرد التفكير في الأمر يُشعرني بالاختناق.
“نحن أيضًا لا نعرف. فتحنا أعيننا فوجدنا أنفسنا هنا. ولا أحد منّا يتذكّر ما كان يفعله قبل ذلك. هل تتذكّرين أنتِ شيئًا، آنسة؟”
“لا… لا أتذكّر شيئًا أيضًا.”
هذا الجواب وحده كان صادقًا تمامًا.
‘غريب. لا أتذكّر ما كنتُ أفعله قبل دخول هذه اللعبة.’
“أفهم.”
هزّ زيون رأسه وملامحه مشدودة.
“أوه، وأنتِ أيضًا؟ أنا كذلك.”
“وأنا.”
قالتها روز وتومي في آنٍ واحد بعد سماع كلامي.
“لا أذكر ما كنتُ أفعله قبل أن آتي إلى هنا. أتذكّر فقط أنني ذهبتُ مع أمي إلى متجر الأزياء قبل يومين…….”
“وأنا أيضًا. على الأقل، المؤكّد أننا نحن الأربعة لا نملك أيّ ذكرى عمّا سبق، وأننا عالقون في هذا المكان.”
ما إن أنهى زيون كلامه حتى سألت روز، وقد شحب وجهها.
“ماذا تقصد بالعالقين؟ ألم تخرج لتبحث عن طريق العودة؟”
هزّ زيون رأسه نفيًا.
“الأبواب المؤدّية إلى خارج القصر كانت موصدة. والنوافذ كلّها مسدودة بالألواح.”
“هٰذا… مستحيل.”
جلست روز على الأرض وراحت تتمتم بصوتٍ مرتجف.
“يعني… لن نستطيع الخروج من هنا…؟”
أمام ملامحها التي أوشكت على البكاء، قدّم زيون جوابًا يبعث على الأمل.
“لا. ربما نجد مخرجًا آخر إذا بحثنا. لم نستكشف القصر بأكمله بعد.”
“صـ، صحيح؟”
وبدا أن روز هدأت قليلًا، لكن زيون أضاف جملة أخرى.
“لكن علينا أن نكون حذرين. فهذا القصر هو قصر الأشباح الشهير، ولا أحد يعلم ما قد يظهر، وأين.”
ليس لقب ‘الفم الملعون’ من فراغ. لا بدّ أن يضيف ما لا حاجة له.
كان وجه روز، الذي حاول التماسك بابتسامة متكلّفة، قد تشوّه تمامًا. ثم…
“أمي، أبي، روزيليااا، أهئ…”
اختفى كل ذاك التحدّي الذي واجهت به تومي، وراحت تبكي بانهيار.
“آه، كفى! اصمتي، أنتِ مزعجة.”
“أرجوكما، اهدآ.”
إلى جانب تومي الذي انفجر بالصراخ، حاول زيون تهدئة روز.
‘وكأنّ السبب في بكائها ليس واضحًا.’
وفي خضمّ ذلك، انخفضت قدرتي العقلية مجددًا بمقدار 2.
مرّة حين ذكر زيون أن أبواب القصر موصدة، ومرّة حين بدأت روز بالبكاء.
يبدو أن هذه ‘القدرة العقلية’ ليست قدرتي أنا، بل قدرة ‘هاينا’.
حتى لو لم أتلقَّ أنا أيّ صدمة نفسية، يكفي أن يكون الموقف صادمًا لهاينا، الشخصية، لتنخفض.
‘أظنني قرأتُ يومًا تدوينة تُحصي عدد مرّات إغماء هاينا في اللعبة….’
لا أتذكّر الرقم بدقّة، لكن كُتب أنها تُغمى عليها أكثر من عشر مرّات في كل فصل.
‘جنونٌ محض.’
مجرد تخيّل نفسي محمولة على الأكتاف طوال الوقت بسبب الإغماء يجعل رأسي ينبض بالألم.
التعليقات لهذا الفصل " 2"