بمساعدة الخدم، قمت بنفسي بترتيب ممر من الشموع، وزينت الحديقة الخلفية بالفوانيس الزيتية، وحتى أنني غيرت ملابسي إلى فستان يناسب مناسبة عرض الزواج، بمساعدة فيفي. وبحلول الوقت الذي انتهينا فيه، كانت الشمس قد غربت تمامًا، وحلّ الظلام.
“ومع ذلك، كل شيء يبدو رائعًا!”
قالت فيفي، ويديها على خصرها، وهي تنظر إلى الحديقة الخلفية المزينة بألف وردة حمراء والشموع غير المشتعلة، وعلى وجهها تعبير مليء بالرضا.
رغم أن الرؤية كانت صعبة في هذا الظلام الخافت، إلا أنه ما إن يبدأ الخدم بإشعال الشموع أثناء العشاء، فسيبدو المشهد أخّاذًا بالفعل.
نظرتُ إلى السماء و أومأت بخفة.
“نعم، رغم أن الطقس لا يزال غائمًا بعض الشيء…”
الغيوم الداكنة التي خيمت على السماء طوال فترة بعد الظهر لم تبدُ وكأنها ستتبدد، مما جعل السماء مظلمة بشكل غير طبيعي، دون أثر لضوء القمر.
‘سيكون الأمر على ما يرام، أليس كذلك؟’
دافعة شعور القلق المتسلل إلى الخلف، أسرعت نحو بهو الطابق الأول. و لم يمضِ وقت طويل حتى عاد إيان إلى مقر إقامة الدوق الأكبر.
‘بالحديثٌ عن التوقيت المثالي.’
كيف انتهينا من كل شيء تمامًا في الوقت المناسب لوصول إيان؟ لو كنا تأخرنا قليلاً، أو لو عاد هو أبكر، لكانت النتيجة كارثية.
عندما أسرعتُ لاستقباله عند العربة و لففتُ ذراعيّ حوله، أمسك بي بخفة في حضنه.
“إيان، مرحبًا بعودتك.”
“هل كنتِ تنتظرينني؟”
“نعم، اتفقنا أن نتناول العشاء معًا.”
“كان يجب أن أعود أبكر.”
ما الذي يقوله هذا الفتى؟ لقد عدتَ بعد عشر دقائق فقط من انتهاء كل التحضيرات.
نظرت إليه مبتسمة وقلت
“لا، لقد وصلتَ في الوقت المثالي للعشاء. تفضل بالدخول.”
أخذت بيده و قدتُه إلى قاعة الطعام. ومن اللحظة الأولى، شعرت بتوتر غير مألوف في الجو.
الطاولة كانت فخمة بشكل مبالغ فيه، والموسيقى رومانسية أكثر من اللازم، و الخدم بدوا متوترين للغاية.
ثم كان هناك مساعد الطاهي في آخر القاعة، الذي التقت نظراتنا و أرسل لي إشارة إعجاب بإبهامه.
‘سأنهار حالاً.’
الجو المتكلف كان واضحًا جدًا لدرجة أنني نظرت إلى إيان بتوتر. وكما توقعت، لم يظهر على وجهه أي ارتباك أو ملاحظة لما يجري.
استمر العشاء بشكل طبيعي. وربما لأن الطاقم بذل جهدًا إضافيًا، كان الطعام ألذّ من المعتاد، رغم غياب رئيس الطهاة.
المشكلة أنني كنت متوترة جدًا لأستمتع به حقًا.
‘لماذا أشعر بكل هذا القلق، وأنا أعلم أنه لن يرفض عرضي؟’
لم أعد أعرف إن كنت أتناول الطعام بفمي أم بأنفي، وظللت أختلس النظر نحوه طوال الوقت.
“هل هناك ما تودين قوله لي؟”
تجمدت في مكاني.
“…ماذا؟”
“لقد كنتِ تنظرين إليّ منذ مدة.”
سؤال إيان المفاجئ كاد أن يجعلني أختنق بقطعة لحم.
“آه، لا، فقط… بدا أنك تبدو وسيمًا على نحو خاص اليوم؟”
“حقًا؟”
نظر إليّ لبرهة، ثم ابتسم ابتسامة دافئة.
“وأنتِ يا إلويز، جميلة كعادتك.”
…أنا من يجب أن أقدم عرض الزواج، لكنه هو من يأسرني بكلماته.
حاولت استعادة هدوئي وسعلت قليلًا.
حان وقت تهيئة الأجواء.
“إيان، إن لم تكن مشغولًا بعد العشاء، هل ترغب في الخروج بنزهة قصيرة؟ الطقس جميل.”
“نزهة؟”
عند اقتراحي، نظر إيان إلى خارج النافذة نحو عقار الدوق الأكبر المظلم.
وهنا حدث ما لم يكن في الحسبان.
رعد! وميض!
من العدم، أضاءت السماء العتمة بوميض برق، تلاه دوي رعد بعيد.
وفي اللحظة نفسها، عازف الكمان الذي كان يعزف لحنًا هادئًا، ضرب نغمة نشاز مفاجئة.
“……”
“……”
للحظة، خيم صمت جهنمي على المكان.
‘أنا في ورطة.’
…هل عليّ فقط التراجع عن كل شيء الآن؟
أصابني الدوار من عبثية الموقف، فعضضت شفتي بغيظ.
“ها، هاها. هذا غريب. كان الطقس جيدًا منذ لحظة فقط.”
“لنخرج في النزهة.”
“ماذا؟”
تجمدت بسبب الكذبة التي تبخرت بفعل العاصفة، و نظر إليّ إيان بنظرات ثابتة.
“أنا أحب الطقس الغائم قليلًا. فكرة النزهة تعجبني.”
نبرته الهادئة زادتني ارتباكًا أكثر من أي وقت مضى.
….لقد سمعنا للتو صوت الرعد.
منذ متى أصبح الرعد والبرق يُعتبران غيومًا خفيفة؟
ومع ذلك، لم يكن بإمكاني إظهار ارتباكي وسط هذا الجحيم من المواقف، فاخترت أن أومئ برأسي بصمت.
“حسنًا إذًا.”
تابع إيان تناول طعامه دون أن يتأثر، بينما بقيت أعاني بصمت طوال العشاء المؤلم.
و عندما خرجنا أخيرًا بعد انتهاء الوجبة، وهو يرافقني، اجتاحتني موجة جديدة من الندم.
“…الريح… قوية جدًا.”
“بالفعل.”
وكأن الطبيعة مصممة على تخريب عرض زواجي، بدأت الرياح تعصف بلا رحمة، أخدت تعبث بفستاني وشعري حتى بالكاد كنتُ أستطيع الرؤية.
ناهيك عن الظلام الحالك، فلم يكن هناك سوى بعض أعمدة الإنارة المتناثرة، مما جعل من الصعب علينا حتى أن نجد طريقنا.
‘ألسنا في أوائل الربيع، لماذا الرياح قوية هكذا؟ هل هذا طبيعي أصلًا؟’
هل يجب أن أعض لساني و أنهار هنا فقط؟
نظرت إلى إيان بتوتر، ووجهي به مزيج من الإحباط والذهول والقلق. لكنه، وكما هو متوقع، ظل غير مبالٍ تمامًا، وتعبيره لم يتغير رغم العاصفة التي تدور حولنا.
وأخيرًا، التفت نحوي.
“إلى أين نحن ذاهبان في هذه النزهة؟”
“أه، حسنًا…”
“…”
“إلى الحديقة.”
أغمضت عينيّ بقوة و همست بصوت مرتجف.
“سأقودك.”
لماذا يتصرف و كأن شيئًا لم يحدث طيلة هذا الوقت؟
رغم أن الوضع غريب بشكل واضح، أمسك إيان بيدي برشاقة، و قادني نحو الحديقة.
لحسن الحظ، خفت الرياح قليلًا عندما وصلنا إلى مدخلها.
*…حسنًا، الأمر ليس بهذا السوء.*
أرجوك، فقط ليكن عاديًا—ليس فخمًا، لا بأس إن لم يكن مثاليًا، أريده فقط مقبول.
كنت قد تخلّيت منذ زمن عن فكرة عرض الزواج المذهل. في هذه المرحلة، كنت فقط أرجو أن أتمكن من إعطائه الخاتم المخبأ في جيب فستاني دون المزيد من الكوارث.
‘طالما أن الشموع والورود لا تزال في مكانها، يمكنني إنقاذ الأجواء.’
لكن ما إن دخلنا الحديقة، حتى أصابني الذهول لدرجة أنني بقيت صامتة.
“……”
الحديقة، التي كان من المفترض أن تتلألأ بضوء الشموع و الفوانيس، لم تكن سوى فوضى قاتمة و مظلمة، تنيرها أعمدة الإنارة القليلة فقط.
‘ما الذي حدث بحق السماء؟’
تفحصت المكان بتعبير جامد، وسرعان ما أدركت السبب.
‘الرياح أطفأت كل الشموع.’
في هذه اللحظة، كنت على وشك البكاء.
“إلويز؟”
“…لحظة فقط.”
و أخيرًا، استوعبت خطورة الموقف، فعضضت شفتي و كتمت تنهيدة.
‘ما الذي يحدث بحق الجحيم؟’
عرض الزواج المثالي الذي تخيلته تحول إلى حطام. ومع ذلك، لم يكن هناك مجال للتراجع الآن—ليس و الخاتم لا يزال في جيب فستاني.
عندما فتحت عيني بحذر، كان إيان لا يزال ينظر إليّ بتركيز.
وكأنه شعر بتوتري، قال بصوت رقيق
“إلويز، هل هناك شيء تريدين قوله لي؟”
“حسنًا…”
تزاحمت كلماته مع تنهيدتي، فخرج صوتي بشكل خاطئ تمامًا.
‘نعم، عليّ فقط أن أعطيه الخاتم الآن. كلما توغلنا أكثر في الحديقة، ازداد الظلام، فلا فائدة من التأخير. سأفعلها هنا.’
رغم محاولتي لإقناع نفسي، بدأت دموعي تتجمع من شدة الإحباط.
هذا لم يكن ما أردته على الإطلاق.
“…إيان.”
جمعت شجاعتي وتحدثت أخيرًا—
قطرة.
قطرة… قطرتان.
…هاه؟
سقطت قطرة ماء باردة على رأسي، تبعتها أخرى، ثم أخرى.
وقبل أن أدرك، فتحت السماء أبوابها، و انهمر المطر بغزارة.
في لحظة، تبلل شعري تمامًا، و كل ما تبقى من رباطة جأشي جرفته الأمطار.
…مطر؟ الآن؟ من بين كل الأوقات؟
لأول مرة، بدا إيان و كأنه فوجئ قليلًا. توقف و نظر إلى السماء، ثم خلع سترته بسرعة و وضعها فوق رأسي.
“إلويز، علينا العودة إلى الداخل.”
ومع هذه الكلمات، لف ذراعه حول كتفي، وكان دفء لمسته واضحًا رغمَ القماش المبلل.
“…إلويز؟”
عندما لم أتحرك، ناداني إيان باستغراب.
وفي تلك الأثناء، شعرت أن ملامحي تتلوى كزلابية انفجرت، وانهارت دموعي أخيرًا.
“شهقة…”
“إلويز، هل أنتِ تبكين؟”
“آه… كل شيء تدمر…”
لقد دُمّر بالفعل – كل شيء قد دُمّر.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 198"