الفصل الجانبي 7
عاد موكب ولية العهد بالطريقة التي جاء بها — عبر بوابة سحرية.
قالوا إن السبب هو تجنّب لفت الأنظار باستخدام عربات فاخرة تدخل وتخرج باستمرار من مقر إقامة الدوق الأكبر.
كان حذرهم شديدًا إلى درجة أنني شعرت وكأننا نصوّر فيلم تجسس سويًا، من لحظة وصولهم حتى مغادرتهم.
“بصراحة، إنهم دقيقون للغاية في مثل هذه الأمور.”
مع أنه من المحتمل أن السبب هو اهتمام ولية العهد الشخصي.
بعد أن ودعتهم في الحديقة، عدت إلى المبنى الرئيسي للمقر، وكنت بالكاد ألتقط أنفاسي عندما حدث ذلك.
لم أشعر حتى بوجود أحد، لكن شخصًا ما عانقني من الخلف ووضع شفتيه بقوة على مؤخرة عنقي.
“إلويز.”
“يا إلهي!”
شهقتُ من المفاجأة و ارتجفت.
ولا حاجة للقول، الجاني كان إيان. بطريقة ما، عاد دون أن ألاحظ، وكان يحمل برود نسيم الربيع المبكر.
‘متى عاد؟ لم أسمع حتى صوت العربات.’
لو كان أي يوم عادي، ربما كنت سأضحك أو أرد على لفتته بعاطفة. لكن هذه المرة، كان قلبي ينبض لأسباب مختلفة تمامًا.
‘هل رآهم؟ هل رأى كل شيء؟’
كانت قد مضت بالكاد عشر دقائق على مغادرة مجموعة ولية العهد. كنت متجمدة في حضنه وقلبي يدق بجنون، لكن صوته الهادئ وصل إلى أذني مجددًا.
“إلويز؟”
“ن-نعم؟”
“هل تشعرين بتوعك؟”
“هاه؟ لا؟”
“تبدين متيبسة بشكل غير معتاد.”
نبرته القلقة جعلتني أبتسم ابتسامة متكلفة دون أن ألتفت إليه.
“هاها، لا، فقط تفاجأت لا أكثر.”
‘تفاجأت لأني أخفي شيئًا، أيها الأحمق.’
“بالمناسبة، متى عدت؟ لم ألاحظ دخولك.”
“الآن فقط.”
“…هل صادفت أحدًا في طريقك؟”
عندما سألته بخوف، مال إيان برأسه قليلاً كأنه لم يفهم السؤال.
شعره الفضي الناعم، الذي يحمل برودة الجو، لامس خدي و أذني برقة.
“هل زار أحد القصر اليوم؟”
‘لم يرَهم!’
احتفلت بصمت و تنهدت براحة. أخيرًا بدأ قلبي يهدأ بعد تلك الضربات المجنونة.
“أوه، لا، ليس تمامًا. فقط بعض صائغي المجوهرات والتجار جاءوا للتحضير للزفاف.”
أجبتُ و أنا أتظاهر باللامبالاة، فضحك إيان بخفة، وأنفاسه الدافئة دغدغت مؤخرة عنقي.
“كنتِ تتظاهرين بعدم الاهتمام، لكن يبدو أنكِ تتشوقين للزفاف.”
“…طبعًا. إنه زفافي الأول، حتى لو كان زفافك الثاني.”
في الحقيقة، كنتُ متحمسة أكثر لعرض الزواج الذي أخطط له، أكثر من الزفاف نفسه.
انجذب إيان إلى نبرتي المرحة، و عانقني بإحكام أكثر.
“مع ذلك، آمل ألا ترهقي نفسك. تبدين مشغولة و متعبة في الآونة الأخيرة.”
“مستحيل، لستُ مرهقة بقدر ما أنت عليه.”
استدرت في حضنه لأواجهه. وجنتاه كانتا محمرتين قليلاً، و عيناه الزرقاوان العميقتان جذبتني فورًا.
حدقت فيه للحظة، ثم دفعتني نزوة لأن أمسك وجهه بكلتا يديّ و أضغط على خديه بلطف.
“انظر إليك! وجهك أصبح نحيفًا مجددًا. من الذي يجعل زوجي الوسيم يعمل بهذا الجهد؟”
تظاهرت بالغضب و أنا أتذمر. اتسعت عينا إيان للحظة، ثم رفع حاجبًا بابتسامة ماكرة.
“هل تنوين الانتقام من أجلي؟”
“ولمَ لا؟ أي شخص يُصعّب عليكَ حياتك لن أدعه يفلت من دون حساب و أنا موجودة.”
أجبت بثقة مصطنعة. أمسك إيان يديّ برفق، و ابتسامته ازدادت دفئًا بينما كان يحدق في وجهي بنظرة ثابتة.
“كلماتكِ مريحة حقًا.”
ثم، وكأنه يريد تأكيدا لكلامه، بدأ بتقبيل أطراف أصابعي واحدًا تلو الآخر، ولم يرفع عينيه عني أثناء ذلك.
“…رائحتك حلوة.”
“……”
ها هي مجددًا — تلك النظرة الماكرة الساحرة في عينيه. أحيانًا ينظر إليّ بهذه النظرة التي تذيب القلب، وكل مرة يجعلني عاجزة عن الرد.
كان يعلم أنه جذاب — يعلم ذلك جيدًا، وهنا تكمن المشكلة.
شعرت بالحرارة تتصاعد إلى عنقي، فتراجعت قليلًا بخفة.
“آه، ذاك… أكلت كثيرًا من المقبلات في وقت سابق.”
كنت أتناول وجبات خفيفة طوال اليوم، أشعر بانخفاض في السكر أثناء الاجتماعات.
ورغم أنني تهربت من نظرته و تلعثمت في أعذاري، إلا أن إيان لم يتركني. بل زاد من إحكام قبضته قليلًا، وجذب يدي إلى شفتيه مرة أخرى.
“إ-إيان؟”
تجمدت من الدهشة و حدّقت فيه بعينين متسعتين.
“ما الذي تفعله؟”
“أنتِ لم تنظري إليّ.”
كلماته جعلتني عاجزة عن الرد، فمي أخد يفتح و يغلق مثل سمكة خرجت لتوّها من الماء.
‘يا لهذا الثعلب الماكر!’
بعد بضع ثوانٍ من الصمت المرتبك، تمكنت أخيرًا من سحب يدي و تلعثمت وأنا أتمتم بينما وجهي كان أحمر كالشمندر.
“أ، أ-ألم تقل انك ستغادر باكرًا غدًا؟ أليس من الأفضل أن ترتاح قليلًا…؟”
“هل تفضلين ألّا أذهب؟”
“لا!”
‘هل فقد عقله؟’
مع غيابه، لديّ جبل من المهام التي يجب إنهاؤها!
صرخت فجأة بصوت أعلى من اللازم، حتى أنا تفاجأت بنفسي، فنظر إليّ إيان بابتسامة خافتة قبل أن يضحك بهدوء.
“كنت أمزح. إنها مناسبة مهمة، لا يمكنني تفويتها.”
“……”
“لكنني أعترف، يبدو أنكِ متحمسة جدًا لطردي. أشعر بالخذلان قليلًا.”
بالطبع، ملامحه لم تكن تعكس أي خذلان — بل كان مستمتعًا تمامًا.
تصرّفه المرح جعلني أتنهد بضيق، و قبل أن أتمكن من الرد، قاطعنا صوت آخر.
“أحم! أحم!”
“آه!”
صدر سعال مبالغ فيه من مدخل القاعة الرئيسية، جعلني أرتجف و أبتعد فورًا عن إيان.
وعندما التفتُّ، رأيت كايل يقف هناك، مستندًا إلى ساقه، و تعلو وجهه نظرة استياء واضحة.
…صحيح. ما زلنا في القاعة الرئيسية، أمام أعين الجميع.
مع وتيرة إيان، نسيت تمامًا أين كنا.
وبينما ارتسمت الحمرة على وجنتي من الإحراج، أطلق كايل تعليقًا ناقدًا
“حتى لو كنتما داخل المقر، هل يمكنكما مراعاة الأشخاص من حولكما؟”
“نزع عينيك سيكون أسرع.”
أجاب إيان بلا مبالاة، وكأن الأمر لا يستحق التفكير.
‘حقًا؟ تهدد مساعدك باقتلاع عينيه؟ أي نوع من الأدب هذا؟’
“إيان!”
ضربت ذراعه بلطف احتجاجًا، لكنه بالطبع تجاهلني تمامًا. ازداد استياء كايل وعبّر عنه بتنهيدة مرهقة.
“آه، يا للحياة… أكثر من عشر سنوات من الولاء، و في النهاية، يُهددني سيدي الوحيد باقتلاع عيني.”
“كايل إلزير…”
“آه، لا بأس، سأنسحب الآن. أتمنى لكما أمسية ممتعة.”
غيّر كايل نبرته فورًا عند سماعه اسمه الكامل، وصوته كان مليئا بالتظاهر بالاستياء.
“وبالمناسبة، إن كان هناك وريث صغير في الطريق، فذلك سبب للاحتفال. سأشجعكما بكل قوتي!”
“ماذا…!”
قبل أن أتمكن من استيعاب تعليقه الجريء، أدّى كايل تحية زائفة و اختفى وسط وميض من الضوء.
“ما كان ذلك بحق السماء؟!”
شعرت بالأحراج ، و وجهي يزداد احمرارًا بينما التفتُ إلى إيان.
أما هو، فكان في منتهى الهدوء — بل وكأنه لا يشعر بأي حرج إطلاقًا.
‘هل يعرف هذا الرجل معنى الإحراج أصلاً؟’
وبينما كنت ألعن رباطة جأشه في صمت، استدار نحوي فجأة و حملني بين ذراعيه بلا أي إنذار.
“…إيان؟”
‘لماذا الآن؟’
كنت بالفعل في قمة التوتر، فلم أستطع إلا أن أحدق فيه بذهول.
“انسِ ذلك الهراء. دعيني أوصلكِ إلى غرفة النوم.”
“آه، إيان، لديّ ساقان كما تعلم.”
“لقد أخبرتكِ، أنتِ تبدين مرهقة.”
من الواضح أنه لم يكن ينوي إنزالي.
بعد أن صعد بي إلى غرفة النوم في الطابق الثاني، وضعني برفق على السرير، و انحنى ليقبّل جبهتي بلطف.
“إلويز.”
“نعم؟”
“مهما كان الأمر، لا تُجهدي نفسك. أنا سعيد بكل شيء كما هو الآن.”
ربما كانت كلماته تلك بمثابة تعويذة سحرية.
****
في صباح اليوم التالي، وبعد أن ودعتُ إيان عند الفجر، هرعتُ إلى المطبخ — لأجد نفسي محبطة تمامًا.
رئيس الطهاة، الذي كان من المفترض أن يكون بانتظاري، لم يكن موجودًا. بدلًا منه، كان مساعد الطباخ و عدد من المساعدين واقفين بقلق، و يبدون في حيرة.
“…هل أنتم تقولون ان رئيس الطهاة ليس هنا؟”
سؤالي الذي حمل الكثير من الدهشة قوبل بإيماءة محرجة من مساعد الطباخ، الذي تجنّب النظر في عيني وهو يرد بصوت خافت
“نعم، في الواقع، كان يركض هنا وهناك في الصباح الباكر، وهو يقول إنه سيساعدكِ… لكنه تعثر و أصاب ظهره إصابة بالغة…”
شعرت و كأن مقلاة ثقيلة سقطت على رأسي.
“وماذا عن كعكتي؟!”
التعليقات لهذا الفصل " 196"