أطلق هايدن روجر صرخة مؤلمة وسقط أرضًا.
“نجح الأمر!”
لم أضيع الفرصة، ونهضتُ بسرعة، مسرعة نحو الباب.
خلفي، سمعتُ أنين الدوق المتألم.
“يا لكِ من مجنونة -! آه!”
“ماذا، هل ظننتَ أنك الوحيد المسموح له بالجنون؟ حاول أن تكون ألطف قليلًا؟”
ركلتُ الهواء في اتجاهه وصدمتُ كتفي بالباب.
لحسن الحظ، ارتطم الباب، المصنوع من الخشب القديم، بالأرض محدثًا صوتًا قويًا، تاركًا كتفي ينبض من الألم.
“آه، هذا مؤلم!”
لكن لم يكن هناك وقت للتفكير في الألم الحاد. كان عليّ أن أركض للأمام عبر ممر الغابة دون أن أنظر إلى الوراء.
ليس بعد. إذا أُلقي القبض عليّ، فسأموت لا محالة.
“آه! أمسكوا بتلك الفتاة المجنونة!”
لم أكن قد ابتعدت أمتارًا قليلة عن المستودع المتهالك حتى دوى صوت روجر الغاضب في الغابة.
سرعان ما سمعتُ وقع أقدامٍ تقترب مني.
حتى دون أن ألتفت، أدركتُ أنها خطواتٌ متسارعةٌ لرجالٍ أقوياء.
“يجب أن أجد مكانًا للاختباء. في أي مكان…”
إذا أُلقي القبض عليّ، فسأموت.
نظرت حولي بيأس و أنا أركض بكل قوتي، لكن جسدي لم يُطِعْني.
“ها، ها، آه!”
ما زلتُ أعاني من صدمة حادث العربة، وأُثقلت بالألم الذي تحملته، فخفّفتُ من سرعتي.
في تلك اللحظة، أمسك أحد الرجال، الذي أصبح قريبًا مني، بشعري.
“إلى أين تظنين نفسكِ ذاهبة أيتها الحقيرة الوقحة؟”
“آه! افلتني أيها المجنون!”
سحبت إحدى يديه شعري بقوة بينما أمسكت الأخرى بذراعيّ، المقيدتين خلف ظهري، بقوة ساحقة.
لماذا يستمر هؤلاء الناس في إمساك شعري؟!
“قلت لك أفلتني!”
“كفّ عن التلوي، هلا فعلتِ؟”
قاومت بقوة، لكن دون جدوى.
بينما كنتُ أقاوم بشدة، شعرتُ بوضوح بسواري ينقطع، و فروة رأسي تحترق كما لو أن شعري يُنتزع.
“يا صغيرة، هل تعتقدين أنني سأتساهل معك لمجرد أنكِ سيدة نبيلة؟ سأريكِ-“
طقطقة
“…هاه؟”
تجمدتُ في مكاني عند سماعي صوتًا خافتًا قادمًا من الجانب الآخر.
“…إيان؟”
لقد جاء لإنقاذي.
لقد نجوتُ.
في اللحظة التي خطرت ببالي فيها هذه الفكرة، تلاشت القوة التي كانت تُبقيني أركض، وسقطتُ أرضًا.
“أنا حقًا… بأمان….”
ولكن بعد ذلك…
أنا مستعدة الآن.
دون سابق إنذار، تردد صدى صوت مألوف في ذهني بقوة.
“آه!”
في الوقت نفسه، تشوّشت رؤيتي، واجتاحني صداعٌ مُبرح.
قبل أن أتمكن من الرد، انهار جسدي عاجزًا .
“إلويز!”
وهكذا، كان آخر ما رأيته شخصية بيضاء تندفع نحوي قبل أن يُظلم العالم.
❖ ❖ ❖
كنتُ نصف نائمة و متعبة، فحركتُ جسدي، وأخيراً تمكنتُ من فتح عينيّ. كانت رؤيتي ضبابية.
استلقيتُ هناك بلا حراكٍ لبعض الوقت حتى لاحظتُ ضوء الشمس يتلألأ على وجهي من خلال فجوة الستائر.
وعندما استعدتُ وعيي ببطء، بدأتُ أرى مشاهد مألوفة تتبلور واحدةً تلو الأخرى.
سقف أبيض، ومصباح بجانب السرير لا يزال مضاءً، وأصوات خافتة من الصباح الباكر تتسلل من النافذة نصف المفتوحة.
إنها غرفتي.
بعد أن رمشتُ لأُزيل الضباب لأكثر من عشر دقائق، نهضتُ أخيراً بصعوبة.
“آه، رأسي….”
هل نمتُ طويلاً؟ كانت كتفاي متيبستين، ورأسي ينبض.
ما الأمر؟ شعرتُ وكأنني كنتُ أحلم بشيءٍ ما.
“…لا أتذكر.”
كم من الوقت نمتُ؟
بينما كنت جالسة هناك، نصف جالسة و نصف نائمة، مددت ذراعيّ فوق رأسي –
رنين.
شعرت بشيء يعلق في يدي اليسرى.
“هاه؟”
التفتُّ لأنظر، فرأيت سوارًا مكسورًا، وخرزًا متناثرًا، وخيطًا أزرق متناثرًا على يدي وعلى السرير.
“…ما هذا؟”
هل نمتُ وأنا أرتدي سوارًا الليلة الماضية؟
لا، مهلا. أنا لا أملك سوارًا كهذا حتى…
عقدتُ حاجبي، والتقطته وتفحصته عن كثب.
“…هل اشتريتُ هذا في وقتٍ ما؟”
بالتأكيد هذا ليس ذوقي، ولكن لسببٍ ما، يبدو مألوفًا.
بينما ما زلتُ نصف نائمة، حدقت في السوار و بحثت عن هاتفي على طاولة السرير.
“آه، هذا يقودني للجنون. لا أتذكر شيئًا حقًا. ماذا فعلتُ بالأمس…؟”
في اللحظة التي ضغطتُ فيها على زرّ التحقق من شاشة هاتفي، اختفى كل تفكيري المُريح، ونهضتُ مُسرعة.
“آه! لقد تأخرتُ!”
لا عجب أنني استيقظتُ دون مُنبه! لديّ محاضرة في الحصة الأولى اليوم!
أظهرت الساعة على شاشة القفل أنها الثامنة والنصف صباحًا.
دون تفكير، وضعتُ السوار والخيط اللذين كنتُ أُمسكهما على المكتب بسرعة، واندفعتُ إلى الحمام.
ولكن ما إن دخلتُ الحمام وواجهتُ المرآة، حتى تجمدتُ مجددًا.
“…هل كان وجهي هكذا دائمًا؟”
لا شعوريًا، لمستُ خدي و همستُ.
كان انعكاسي في المرآة هو أنا بوضوح – شعر متوسط الطول يلامس عظمة الترقوة، وجفنيّ مزدوجان باهتان، وحتى غمازة على أحد جانبي عينيّ.
كان وجهًا مألوفًا جدًا بالنسبة لي، ومع ذلك بدا غريبًا بعض الشيء.
“عيناي….”
متى أصبحتا سوداوين؟
أليس لونهما أزرق مخضر؟
خطرت في بالي فكرة مفاجئة، واتسعت عيناي من الصدمة.
“ما هذا بحق الجحيم، هل جننت؟ هل أنا نوع من الأوتاكو؟ عيون زرقاء مخضرة، حقًا….”
ضحكتُ ضحكة خفيفة على الفكرة السخيفة، لكن صوتي خفت تدريجيًا.
الآن بعد أن فكرتُ في الأمر، لم أشعر بالغرابة في وجهي فحسب، بل في كل شيء من حولي.
أولًا، الحمام الذي كنت أقف فيه.
لم يكن هناك أي شيء جديد أو غريب في شكله، لكنه بدا غريبًا كما لو أنني أُلقيت في عالم غير مألوف.
شعرتُ بالدوار، فخرجتُ من الحمام وتجولتُ في غرفتي.
وقفتُ ساكنة لوقتٍ طويل، أُرمِشُ بعينيّ في ذهول.
“غرفتي….”
هل هذه هي حقًا؟
❖ ❖ ❖
كان يومًا غريبًا بلا شك.
عندما استجمعتُ قوتي للحصول على توبيخ أستاذي، دخلتُ محاضرتي في الفترة الأولى، لكنني وجدتُ قاعة المحاضرات فارغة.
لولا مساعد تدريس عابر سألني إن كنتُ قد أخطأتُ بين الجدول وجدول العام الماضي، لكنتُ وقفتُ هناك طوال الوقت.
لم يكن هذا كل شيء – عندما أخرجتُ هاتفي أخيرًا و وجدتُ جدولي الزمني الحقيقي، لم أجد فيه أي شيء مألوفًا.
وفوق ذلك –
“لماذا تبدين غريبة اليوم؟ هل أنتِ بخير؟”
“هاه؟ أوه، أجل.”
بعد انتهاء الحصة، ربت أحدهم على كتفي في الردهة، فالتفتُّ لأرى وجهًا مألوفًا.
…من هذا؟
عرفتُ أنني أعرفها، لكن اسمها لم يخطر ببالي.
بينما كنتُ أحدق بها بلا تعبير، ركضت فتاة أخرى نحونا ضاحكة، و دفعتنا مازحةً.
“لقد أغمي عليها بعد شربها الكحول أمس، وما زالت لم تتعافى بعد!”
“…شربتُ؟ أمس؟”
“يا إلهي، انظروا إليها.”
عند سؤالي المذهول، ازدادت ملامح الفتاة جدية.
“…ماذا؟ ألا تتذكرين حقًا؟”
“أخبرتكِ ألا ندعها تشرب! لم يمر عام على حادثها.”
“مهلاً، لم أجبرها! هي من قالت لنا أن نشرب لأنها أفسدت واجبها!”
“مع ذلك، لقد بالغت في شرب الكحول أمس….”
“انتظرا، انتظرا. مهلا أنتما.”
تداخلت أصواتهما في رأسي، مما أصابني بالدوار.
رفعت يدي بإلحاح لأوقفهما بعبوس، فصمتت الفتاتان.
“… آسفة، ولكن.”
رفعت نظري ببطء.
“لقد تعرضت لحادث قبل عام؟ متى؟ وعن أي واجب تتحدثين؟”
عند أسئلتي المربكة والمتشعبة، تبادلتا نظرات مصدومة.
بحسب قولهما، شربتُ معهما أمس، ويبدو أن كان لديّ واجب.
لكنني لم أستطع تذكر أي شيء.
كان الأمر كما لو أن أحدهم اقتطع جزءًا من ذاكرتي.
ثم وقع الحادث – الآن وقد فكرت فيه، شعرت وكأن شيئًا ما قد حدث، لكنني لم أستطع فهمه.
قبل أن أفكر أكثر، أمسكت يد قوية بذراعي.
“هاي! هل أنتِ بخير؟ هل هذا نوع من الآثار الجانبية لحادث سيارتكِ؟”
“يا إلهي، هل تركناها تشرب كثيرًا؟ أخبرتكِ أن عبء عمل البروفيسور كيم الجنوني هو-“
“انسي هذا، علينا نقلها إلى المستشفى. أم يجب أن ترتاح بدلًا من ذلك؟ هل تناولتِ أدويتكِ في المنزل؟”
طغت عليّ أصواتهم العالية، وبالكاد استطعتُ استيعاب ما كان يحدث قبل أن تدفعني الفتاتان بقوة نحو فكرة الذهاب إلى المستشفى.
في النهاية، عاجزةً عن الجدال، عدتُ إلى شقتي الصغيرة و وجدتُ نفسي أحدق في مكان مألوف ولكنه غريب بعض الشيء.
“هذا غريب جدًا…”
ما الذي يحدث بحق الجحيم؟
أبى الشعور بالقلق أن يفارقني، ولكن في كل مرة أحاول فيها استيعاب الأمور، شعرتُ وكأن ضبابًا يحجب أفكاري، يمنعني من استيعاب الأمر.
في النهاية، انهرتُ على سريري، ممسكةً برأسي المؤلم.
حتى حينها، شعرتُ بغرابة الفراش، الذي كنتُ متأكدة أنه فراشي.
السرير الذي أتذكره كان أنعم وأوسع من هذا.
“ألم أفق بعد؟ هل هذا نوع من فقدان الذاكرة الناجم عن الكحول؟”
بينما أغمضتُ عينيّ بإحكام، عاجزة عن التخلص من الانزعاج، دوى صوتٌ فجأة.
—إذن، كيف الحال؟
فتحتُ عينيّ غريزيًا على اتساعهما.
“ماذا…؟ من هناك؟”
اندفعتُ بدافعٍ لا إرادي –
“آه! شبح!”
كانت امرأةٌ ترتدي فستانًا تجلس بجانب سريري، تحدق بي باهتمام.
التعليقات