ابتلعت أنفاسي و أومأتُ برأسي ردًا على سؤال إيان الخافت، الذي نزل عليّ بهدوء.
لقد بكيت كثيرًا حتى أن جفنيَّ كانتا تحرقانني، وكان أنفي مسدودًا لدرجة أنه أصدر صوتًا أنفيًا.
كتف إيان، الذي كان يحملني طوال الوقت، أصبح مبللًا تمامًا منذ مدة.
“….”
هل بكيتُ كثيرًا؟
لم أكن متأكدة مما جعلني منزعجة جدًا من كلماته عندما قال”أنا أصدقكِ”، ولكن مهما حاولتُ، ظلت الدموع تنهمر.
في النهاية، هذا إيان كلاود.
سيجد أي شخص كلماتي سخيفة ويضحك عليها، لكنه صدقني دون أدنى شك. كنت أعرف كم كان ذلك صعبًا عليه.
‘ظننتُ حقًا أننا سنفترق هكذا…’
وعندما وصلت أفكاري إلى تلك النقطة، بدأت الدموع التي توقفت أخيرًا بالتدفق مجددًا.
كان من المثير للاهتمام تقريبًا أن لديّ دموعًا متبقية لأنزلها بعد كل ذلك البكاء.
عندما شهقتُ مجددًا، شعرتُ بإيان ينظر إليّ.
“سيدتي؟”
“…همف.”
كما لو أنني لم أغرق كتفه بدموعي ومخاطي، لم أستطع أن أزيد الأمر سوءًا.
كتمتُ الغصة التي كادت أن تنتفخ مجددًا في حلقي ورفعتُ رأسي.
من خلال رؤيتي المشوشة بالدموع، استطعتُ رؤية وجه إيان. لم أستطع تمييز تعبيره، لكن بالنظر إلى ذراعيه اللتين لا تزالان ملتفتين حولي، أدركتُ أنني لستُ بحاجة للقلق أكثر.
“…آهه.”
عندما غمرني الإحراج متأخرة، أدرتُ رأسي بخجل. حينها أمسك خدي ومسحه بإبهامه برفق.
بسبب جفوني الساخنة، شعرتُ ببرودة يده عندما لمسني.
حدّقتُ به بنظرة فارغة وسألته
“هل يبدو وجهي بشعًا الآن؟”
بوجه منتفخ كقطعة زلابية رطبة، لم أستطع إلا أن أشعر بالخجل لمجرد سؤالي.
أمال إيان رأسه.
“…هممم.”
التردد في إجابته أكّد كم أبدو بائسة.
حسنًا، لكان الأمر أغرب لو لم أفعل بعد أن بكيتُ بحرقة هكذا.
شعرتُ بالحرج، فحاولتُ تجنّب نظراته وإخفاء وجهي، لكنه رفع يده الأخرى وأمسك بخدي.
قبل أن أتمكن من قول أي شيء، طبع قبلة خفيفة على شفتي.
“إيان؟”
“ما زلتِ جميلة.”
“… الآن، أصبحتَ تتقن الكذب دون أن ترمشَ حتى.”
“لماذا تعتقدين أنها كذبة؟”
“لأن…”
حتى دون النظر في المرآة، استطعتُ تخيّل شكلي بوضوح.
لكنني لم أشعر بالحاجة لشرح ذلك.
قبل أن أُنهي فكرتي، مال نحوي بابتسامة ماكرة، وطبع قبلة على شفتيّ مجددًا بقبلة مسموعة.
“لا.”
قبلة.
“إيان، دعني أتحدث—”
قبلة.
“ها…”
قبلة.
آه، إذًا كان ينوي إسكاتي تمامًا هكذا.
نادرًا ما أتأمل في نفسي، لكنه لم يمنحني أي فرصة الآن.
في النهاية، نسيتُ دموعي و مخاطي تمامًا وأنا أدفع وجهه بيأس بكل قوتي.
“انتظر يا إيان. دعني أتحدث.”
“هل ستتجاهلين صدقي مرة أخرى؟”
“ليس تجاهلاً، أنا فقط…! عليّ أن أشرح.”
“آه.”
عندما صرختُ بإلحاح، أطلق أخيرًا تعجبًا خفيفًا، كما لو أنه تذكر شيئًا ما.
مع ذلك، شعرتُ بترددٍ في طريقة ابتعاده البطيئة.
بعد أن تحررتُ من وابل قبلاته، صفّيتُ حلقي بحرج.
“لكن ساقاي تؤلماني. هل يمكننا الجلوس بينما أشرح؟”
“بالتأكيد.”
كاد إيان أن يحملني إلى الأريكة في مكتبه.
المشكلة أنه حتى بعد الجلوس، لم يُبدِ أي نيةٍ للتخلي عني.
نتيجةً لذلك، انتهى بي الأمر بشرح كل شيء وأنا جالسةٌ تقريبًا في حجره.
بدأتُ بإخباره عن رواية كان هو بطلها، ثم انتقلتُ فجأةً إلى جسد إلويز، و عن خطتي الأولية لربط البطلين الأصليين، والأحداث العديدة التي وقعت منذ ذلك الحين، و الدلائل المحيطة باختفاء “إلويز”، وظهور المرأة العجوز الغامضة، وأخيرًا قصة الدوق روجر.
كان إيان يعقد حاجبيه قليلًا بين الحين والآخر، كما لو أنه وجد أجزاءً منها غير مفهومة، لكنه لم يقاطعني قط.
بالطبع، عندما ذكرتُ دوق روجر في النهاية، تغيّرت تعابير وجهه استياءً.
“…إذن، هذا ما حدث.”
“بمعنى آخر، لضمان عدم خسارتي لكِ، علينا أن نعرف المزيد عن “عقدة” تلك التعويذة.”
“أجل. قالت العجوز ان هذا العالم أصبح مشوهًا لأنني غريبة.”
“غريبة…”
تمتم إيان بصوت خافت.
نظرتُ إليه بهدوء قبل أن أضيف على عجل.
“حسنًا، قد تظن أنها قصة سخيفة تمامًا… لكن بطريقة ما، لا أعتقد أن العودة إلى ما كنتُ عليه هو الحل الوحيد.”
إيان، الذي كان يخفض جفنيه، رفع عينيه الزرقاوين لينظر إليّ.
“إلويز… لا بد أنها كانت متأكدة من أمرٍ ما عندما خاطرت بحياتها لأداء تلك التعويذة.”
“متأكدة من أمرٍ ما؟”
“أجل. كما تعلم يا إيان… لم تكن متهورةً بما يكفي لتراهن بحياتها على تعويذةٍ لمدة عامٍ واحد. لقد كانت ذكية.”
نعم، نبعت قناعتي من هذه الحقيقة.
إلويز التي أعرفها لم تكن ممن يُخاطرون بكل ما يملكون لمجرد شراء عامٍ من الهرب.
لا بد أنها كانت متأكدة – متأكدة من قدرتها على التخلص من جميع الواجبات التي أرادتها للهروب و بدء حياةٍ جديدة.
أجاب إيان
“هذا يبدو مثلها. لم تكن أبدًا من النوع الذي يُخاطر بخسارة صفقة.”
“…صحيح؟”
“أجل.”
تحدث كما لو كان يعرفها جيدًا، لكن نبرته كانت هادئة، شبه خالية من المشاعر.
وجدتُ الأمر غريبًا بعض الشيء.
أدركتُ أنه صدقني حقًا، واعتبرني أنا و إلويز شخصين منفصلين.
“سأجد طريقة. مع أنني لا أملك الكثير من المعلومات الآن. هذا السوار… حسنًا، قبل أن تُلقي عليّ العجوز تعويذة ما، كنتُ أرى “إلويز” أحيانًا في أحلامي، كما لو كانت تسكن جسدي. أظن أنها كانت على دراية بي أيضًا.”
هززتُ معصمي، الذي بدا عاريًا لكنه يحمل ثقلًا غير مرئي.
مع أنني لم أرَ أي لمحة من ذلك العالم الآخر منذ أن أعطتني العجوز السوار، إلا أنني كنتُ متأكدة من وجود طريقة لإعادة الاتصال.
“إذن، لهذا كنتِ تبحث في أمر السحر سرًا مع كايل.”
“…نعم. مع ذلك، لم أتوقع أن يُقبض عليّ بهذه السرعة.”
بينما خفضتُ رأسي وأجبتُ بصوتٍ خافت، ضحك ضحكة خفيفة. ثم، شدني إيان من خصري وأدار وجهي نحوه، وأضاف
كانت عيناه الزرقاوان العميقتان، اللتان تلمعان في قربه، جديتين للغاية.
“أشعر بنفس شعوركِ. لا أريد أن أخسرك.”
“….”
“هيا بنا نجد حلاً. لا، سنجد حلاً حتمًا. سأستخدم كل الوسائل والموارد المتاحة لي.”
وجدت نفسي أومئ ببطء تحت تأثير صوته الثابت.
عندما كنت أبحث عن حل بمفردي، كنت أخشى دائمًا أن ينتهي بي الأمر بتركه.
لكن الآن، لم أشعر بأي قلق.
“…أصدقك.”
❖ ❖ ❖
…أو على الأقل، هذا ما قلته.
لكنني لم أتوقع هذا.
“ما كل هذا…؟”
في صباح اليوم التالي، عندما نزلتُ إلى الطابق السفلي لأبحث عن إيان، الذي غادر باكرًا، لم أستطع إلا أن أُحدق في المنظر أمامي.
كان ذلك لأن القاعة الضخمة للمبنى الرئيسي للدوقية الكبرى كانت مليئة بالكتب والصناديق الخشبية والتحف الغريبة وأشياء متنوعة.
وفوق ذلك، كان الخدم و بعض الاشخاص ذو الوجوه الغريبة يتحركون في جنون.
في خضم كل ذلك، وقف إيان بهدوء وذراعيه متقاطعتان، يراقب المشهد.
“إيان…؟”
عندما أدار رأسه عند سماع صوتي، تقدم نحوي وجذبني بقوة.
“لماذا لم تنامي لفترة أطول؟”
“حسنًا، أولًا وقبل كل شيء… أعتقد أنني بحاجة إلى تفسير لهذا.”
“كما ترين، إنها مواد وأغراض متعلقة بالسحر.”
“…بهذا القدر؟”
عندما بحثنا أنا وكايل بكل جهدنا، لم نجد سوى بضعة كتبٍ بسيطة.
“أصدرتُ إعلانًا الليلة الماضية. باسم دوقية كلاود الكبرى. وعدتُ بمكافأةٍ لمن يُحضر موادّ ذات صلة، ومع بزوغ الفجر، انهالت علينا الردود.”
… آه، بالطبع.
فقط الدوق الأكبر قادرٌ على فعل شيءٍ كهذا.
بالنظر إلى الكمّ الهائل من المعلومات هنا، لا بدّ أن الخبر انتشر ليس فقط في جميع أنحاء إمبراطورية ليفانت، بل عبر البحار أيضًا.
هل يُمكن أن يحدث شيءٌ كهذا بين عشية وضحاها؟ بينما كنتُ أتساءل، فكّرتُ في كايل وسحبتُ السؤال بسرعة.
بالنظر إلى كيف أذلّ إيان كايل حتى النخاع، كان الأمر أكثر من معقول.
كون كايل غائبًا عن الأنظار في هذه القاعة الفوضوية جعل من السهل تخيّل مدى معاناته في أماكن أخرى.
“لقد استعنتُ أيضًا بعدد من السحرة المعروفين قرب العاصمة. سيجرون التقييمات الأولية، وسنراجع المعلومات التي يجمعونها.”
“آه، لهذا السبب توجد وجوهٌ كثيرة غير مألوفة….”
بينما كنت ما زلت محتضنة من قِبله، نظرتُ حولي في القاعة قبل أن أعضّ شفتي بخفة وأنظر إليه.
“لكن يا إيان، ألن تنتشر الشائعات بين النبلاء الآخرين؟ إذا حدث ذلك، ألن يضرّ بسمعة الدوقية…؟”
كان الوضع الآن مختلفًا تمامًا عما كان عليه عندما كانت إلويز تُجري تحقيقاتٍ سريةً في السحر بمفردها.
ومما زاد الطين بلة، أنه لم يمرّ شهرٌ واحدٌ منذ أن تنازل إيان عن العرش. إذا انتشرت شائعاتٌ عن هوس الدوق الأكبر بالسحر الفارغ…
وعندما اكتسى وجهي خجلاً من الفكرة، مدّ يده ووضع شعري خلف أذني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات