أخرجني شعورٌ خافتٌ بقرب أحدهم من نومي المُغفّل.
متى غفوتُ…؟
تذكرتُ بشكلٍ غامض عودتي بعد العشاء، وأنا أُنقّب بين أكوامٍ من الوثائق المتعلقة بالسحر، وألقي نظرةً خاطفةً على أوراق الطلاق في نوبةٍ من القلق…
لا بد أنني غفوتُ دون أن أُدرك، عاجزةً عن مقاومة الإرهاق.
لو كنتُ درستُ هكذا في المدرسة الثانوية، لكنتُ التحقتُ بجامعة سيول الوطنية…
بينما كنت لا أزال نصفَ نائمة، حركتُ جسدي المُتيبّس، وأنا أتأوّه بخفةٍ بينما أجلس ببطء.
شعرتُ بشيءٍ غريب. لمع ظلٌّ قريبًا، وعندما رفعتُ رأسي، رأيتُ شخصًا مألوفًا جالساً على المكتب.
“…إيان؟”
لماذا كان إيان هنا؟
هل أنا أحلم؟
حدّقتُ به بنظرة فارغة، وعقلي نصف المستيقظ يحاول استيعاب الموقف. تسلل شعور خفيف بالوخز إلى ظهري من جلوسي المتراخي لفترة طويلة، مما جعلني أرمش ببطء.
لم يكن حلمًا.
“إيان، متى وصلت إلى هنا؟”
سألته بابتسامة نعسانة، لكنه لم يُجب.
بينما كنتُ أتمدد مع أنين خفيف، تجمدتُ فجأة.
…انتظر.
هناك خطب ما.
ماذا كان على مكتبي للتو؟
صدمني الإدراك كموجة برد، فنظرتُ بسرعة إلى مكتبي.
“ما هذا؟”
نزل صوته كثقل فوق رأسي، مما جعل جسدي يتجمد في مكانه.
بحركات جامدة، أدرتُ عينيّ ببطء نحوه.
وقف إيان متكئًا قليلًا على المكتب، ينظر إليّ. كانت نظراته الزرقاء المعتادة أكثر قتامة وهدوءًا.
لكن لم تكن هذه هي المشكلة الحقيقية.
ما كان في يد إيان كان شيئًا لم يكن ينبغي له أن يراه أبدًا.
قال بنبرة هادئة و باردة، وعيناه تتجهان نحو الورقة التي في يده
“يبدو أن هذا شيء لم يكن من المفترض أن أجده”.
“…آه.”
اتسعت عيناي إلى أقصى حد.
لماذا كان هذا في يده؟
لا، والأهم من ذلك، لماذا هو في مكتبي فجأة من الأساس؟
لم أستطع إلا أن أحدق فيه، وفمي مفتوح قليلًا، عاجزة عن الكلام.
إذن هذا ما يقصدونه عندما يقولون أن تصدم لدرجة لدرجة تمنعك من الكلام.
“زوجتي.”
“….”
“سألت ما هذا.”
مع صوته الذي عاد ، اختفت آخر آثار للنعاس.
كانت نبرة إيان المنخفضة، خالية من أي دفء.
لم أستطع رؤية تعبيره بوضوح بسبب ظلال الضوؤ، لكن كان هناك شيء واحد كنت متأكدة منه.
لقد وقعت في ورطة.
“زوجتي.”
حثني مرة أخرى على الإجابة، فتمتمت بصوت خافت ضعيف.
“حسنًا… كما ترى، إنها أوراق طلاق.”
“أوراق طلاق.”
انبعثت من شفتيه ضحكة قصيرة، حادة وباردة.
عندها بدأ عقلي المتجمد بالانفعال.
ماذا أفعل؟
لكن مهما فكرتُ، لم أجد حلًا.
انعقد لساني، ولم أستطع سوى التلعثم عندما عادت نظرة إيان إليّ.
“لم أتطفل لأنكِ بدوتِ مشغولة بأمور شخصية في مكتبك….”
“….”
“لكن هل كنتَ تُحضّرين شيئًا كهذا؟”
“لا…”
أردت أن أشرح أنني لم أكن أستعد للطلاق، لكن كان من الواضح أنه لن يسمعني.
عجزتُ عن إعطاء أي ردّ واضح، فأطبقتُ شفتيّ. ازداد تعبير إيان تجهمًا.
حدّق بي للحظة قبل أن يُعيد الأوراق إلى المكتب.
بينما نهض من مكانه، ازدادت الظلمة عليّ.
لم أستطع سوى أن أُلقي نظرةً عليه بتوتر، وعيناي تراقبان تحركاته.
وأخيرًا، وقف إيان أمامي مباشرةً، وتحدث.
“اشرحي.”
“اشرح…ماذا؟”
“بينما كنتُ أحتضنكِ و أُقبّلكِ و أعترف لكِ…”
توقف قليلًا، وأخذ نفسًا عميقًا كأنه يُهدئ نفسه قبل أن يُكمل بصوتٍ خافتٍ مُتأنٍّ.
“…هل كنتِ تُخططين لتركي طوال الوقت؟”
“لا، ليس الأمر كذلك-“
“هل سئمتِ مني فجأة؟ أم أن كل ما قلته لي كان مجرد أكاذيب؟”
بدا صوته الخالي من الدفء لدرجة غريبة، مجروحًا بطريقة ما.
“إن لم يكن الأمر كذلك، فهل لأنني لم أكن لطيفًا معك بما يكفي؟ هل كنتِ تشعرين بعدم الأمان؟ أم بسبب ديانا لورانس…؟”
“إيان، انتظر لحظة”
ناديته غريزيًا وأنا أعض على شفتي.
…كيف لي أن أشرح هذا؟!
كنت أفقد صوابي.
كيف لي أن أخبره أن هذا عالم خيالي، وأنني لست إلويز الحقيقية بل مجرّد”غريبة”، وأن وجودي هنا قد يُزعزع هذا العالم؟
و قد أضطر في النهاية إلى تركه، رغماً عني، بطريقة أو بأخرى.
الأهم من ذلك كله، أنه مُقدّر له أن يُحبّ شخصًا آخر، ولا أحد يستطيع التنبؤ بكيفية تغيّر مشاعره في المستقبل.
إذا أفصحتُ بكل ذلك، فسينظر إليّ كالمجنونة.
حتى أنا ظننتُ أن الأمر يبدو سخيفًا، فكم سيبدو أسوأ لإيان؟
لكن الآن و قد رأى تلك الأوراق، لم أستطع تجاهل الأمر وكأن شيئًا لم يكن.
…أعتقد أنني سأضطر لإخباره في النهاية.
مع أن هذا لم يكن ما خططتُ له.
في الواقع، كنتُ أنوي طرح الأمر بعد أن أن افكّر فيه فيه مليًا، و أعدّ نفسي، و أجد حلًّا لهذا المأزق.
لكن ما يحدث الآن لم يكن قريبًا حتى من الخطة.
في النهاية، أغمضتُ عينيّ، مُتجاهلةً كل الكلمات التي أردتُ قولها.
“إيان، همم…”
“….”
“هل يمكنكَ…ختمها الآن؟”
ماذا أقول الآن؟
“معذرةً، ماذا قلتِ للتو؟”
أجل، أنا لا أمزح.
كان جوابي مربكًا للغاية، وبصراحة، صُدمتُ من نفسي أيضًا.
مع أن عينيّ لا تزالان مُغمضتين، و لم أستطع رؤية وجهه، لكنني لم أكن بحاجة للنظر لأعرف نوع التعبير الذي كان عليه.
“اسمع، أنا لا أقول انه يجب علينا الطلاق الآن.”
توقفتُ عند هذا الحد، و أخذتُ نفسًا عميقًا.
كنا قد خرجنا في نزهة هادئة معًا بالأمس – أم كان ذلك في وقتٍ سابق اليوم؟ – ممسكين بأيدي بعضنا البعض ومبتسمين.
و الآن، كنتُ أُلقي أوراق الطلاق في وجهه.
بالطبع، لم يكن ذلك منطقيًا.
لكن للأسف، توقف عقلي عن العمل من شدة الذعر، مما جعلني عاجزة عن إيجاد ردّ أهدأ.
“أتذكر ما تحدثنا عنه عندما تزوجنا؟ بعد عام، إن أردت…”
“…ستمنحيني الطلاق بكل سرور. هل هذا ما تقصدينه؟”
“نعم، هذا.”
“وماذا؟”
“كانت هذه الأوراق… جاهزة في ذلك الوقت. لا أحد يعلم ما قد يحدث، لذلك فكرتُ أنه من الجيد تجهيزها. لكن الآن، وقد مرّ نصف عام بالفعل…”
“إذن، بعد نصف عام آخر، تُخططين للحصول على الطلاق مني؟”
ارتجفتُ.
“ليس هذا ما قصدته تمامًا،”
همستُ، مُتجنبةً نظرته.
لم يُجب إيان فورًا، تاركًا إياي عاجزةً عن فهم تعبيره.
امتد الصمت لما بدا وكأنه إلى الأبد.
ثم التقط إيان أوراق الطلاق من على المكتب.
و مزّقها بصوتٍ عالٍ.
تجمدتُ في مكاني، وعيناي مفتوحتان على اتساعهما . نسيتُ حتى أن أرتجف.
لماذا هو…؟
لم يتوقف بعد.
كان يمزّقها مرارًا وتكرارًا حتى تمزقت الأوراق إربًا، وتركها تسقط على الأرض كقطع حلوى ملونة.
سقطت البقايا المتطايرة على الأرض بصمت.
حدّقتُ به و أنا مصدومة، قبل أن أرفع نظري لألتقي بنظراته.
“أعتقد أنني يجب أن أوضح الأمر”
قال، وعيناه الزرقاوان كانتا تلمعان بشدّة لظرجو يصعب قراءتها وهما تنظران بتحدٍّ في عينيّ.
“سواءً بعد ستة أشهر أو عشر سنوات، لا أنوي ترككِ. لقد أخبرتِني بنفسك، أليس كذلك؟ المحبّ الحقيقي هو من يصبح الشخص الوحيد لشريكه.”
“الحب الحقيقي هو أن تحب شخصًا واحدًا فقط. لا يوجد حب أجمل من ذلك.”
عادت إلى ذهني كلماتي القديمة. قلتُ ذلك وأنا أروي قصة الكونت أولسن و زوجته.
بالطبع، كنتُ أتحدث آنذاك عنه وعن ديانا، و ليس عنّا انا و هو .
لكن لم يكن لم استطع تفسير ذلك الآن، وحتى لو استطعتُ، فلن يُغيّر ذلك شيئًا.
“إن كنتِ تفكرين في النهاية…”
اقترب مني، مُمسكًا بخدي و اخد ينحني حتى شعرت بأنفاسه تلامسني.
“إذن ما كان يجب عليكِ أبدًا أن تنظري إليّ بتلك العيون أو أن تعترفي لي بذلك الوجه.”
انتقلت يده من خدي إلى رقبتي، ثم إلى ذراعي، قبل أن يُمسك بيدي أخيرًا.
دون أن يقطع التواصل البصري، طبع قبلةً قوية على راحة يدي، و شفتاه تلامستا قبل أن يُعضّ بشرتي الرقيقة برقة.
ارتجفتُ.
“إيان؟”
لمعت عيناه الزرقاوان كما لو كانتا تُثبّتاني في مكاني.
“…تحمّلي المسؤولية إذن”
اكمل بهمس
“أنتِ من جعلني هكذا “
التعليقات لهذا الفصل " 155"