لم يكن التظاهر بالجهل سهلاً. لم أكن بارعة في الكذب.
في هذه الأثناء، شعرتُ بنظرة إيان الثاقبة وكأنها تُحدث ثقوبًا في خدي. لم يقل شيئًا، لكنني عرفتُ غريزيًا أنه إذا أجبتُ بإجابة خاطئة الآن، فقد تسوء الأمور.
“حسنًا، همم… قد أكون مشغولة حينها ولن أتمكن من الذهاب إلى جيسيث معك…؟”
“….”
” وبما أن الربيع قادم هنا، فجيسيث – كونها في نصف الكرة الجنوبي – ستكون باردة حينها، أليس كذلك؟ أنا لا أحب بحر الشتاء أصلًا…؟”
حتى بالنسبة لي، بدا هذا العذر يائسًا.
ألقيتُ نظرةً أخرى على إيان، فالتقت عينيه الضيقتين بعينيّ.
“على أي حال، ما قصدته هو، لا تُبالغ في التخطيط لهذا الأمر. لن نعرف الوضع حتى يحين الوقت.”
حككت خدي وضحكتُ ضحكةً مُحرجة.
هل بدا ذلك طبيعيًا بما فيه الكفاية؟
لكن إيان حدّق بي بهدوءٍ بتعبيرٍ غير مفهوم. ثم، شدّ ذراعيه حولي، وأدارني بسرعةٍ وأجلسني على المكتب.
تغير منظوري فجأةً، واتسعت عيناي مُستغربةً.
“إيان؟”
انحنى للأمام، و يداه مُثبتتان على المكتب على جانبي. ومع انسياب ضوء الشمس عبر النافذة خلفه، شعرتُ بنظرةٍ حادة.
“إن لم ترغبي بالذهاب، فلا بأس ألا ترافقيني إلى جيسيث…”
توقف إيان عن الكلام، ثم سحب الوثائق من يدي، و وضعها جانبًا، واقترب أكثر.
الآن، كانت المسافة بيننا صغيرة جدًا لدرجة أنني سمعت أنفاسه.
…لا أستطيع التنفس!
عندما حدقت في وجهه الوسيم عن قرب، شعرت بالاختناق. لم أستطع النظر بعيدًا، فاتسعت عيناي من الصدمة.
ثم ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتي إيان و هو يغمض عينيه.
“لكن من الصعب عليّ ألا أخطط للأمور معكِ يا سيدتي.”
كان من السخيف أن أشعر بالعجز أمام وسامته ، لكن كلمات إيان أوضحت بجلاء أنه يلومني على هذا.
وقعت في شباك نظرته، فتملكني التوتر وأخذت أشيح ببصري هنا وهناك. لاحظ إيان ذلك، فتنهد ضاحكًا بخفوت، ودفء أنفاسه لامس وجهي.
“مهما كان الأمر، يبدو أنكِ تُبالغين في التفكير مجددًا.”
ماذا، هل يستطيع قراءة الأفكار الآن أيضًا؟
منذ الوجبة التي ذكر فيها ديانا، شعرتُ وكأن إيان يستطيع كشفي.
لكنني لم أكن أمتلك المهارة الكافية للمراوغة أو مجاراته، لذا فضّلت الصمت باستسلام.
لا بد أنه اعتبر صمتي علامة على الموافقة، إذ إنه تراجع إلى الخلف، و أزال يديه عن المكتب ليترك مسافة بيننا.
“على أي حال، سنؤجل رحلة جيسيث حاليًا. إذا كنتِ لا ترغبين في الذهاب، فلن أصر على اصطحابك.”
“لا إيان، ليس الأمر أنني لا أريد الذهاب. أنا فقط… لا أعرف بعد…”
توقفتُ عن الكلام دون أن أُكمل الجملة بشكل صحيح.
من يعلم كيف سيكون وضعنا حينها.
عودة ديانا الوشيكة، و الأشهر الخمسة المتبقية، وكل شيء لا يزال معلقًا، أثقل كاهلي.
علاوة على ذلك…
“ما إن يمضي هذا الوقت، لن يكون هناك مجال للعودة.”
طاردتني الكلمات المكتوبة في الكتاب الملعون، مما جعلني أسترخي.
لا شعوريًا، عضضت على شفتيّ.
“إلويز.”
عدتُ إلى الواقع فجأةً عندما شعرتُ بأصابع إيان تضغط برفق على شفتيّ، وتمسحهما. نظرتُ إليه.
“هل أنتِ بخير؟”
“آه.”
“قد تتأذى شفتاك لو واصلت ذلك.”
“أنا بخير. كنتُ فقط… غارقة في أفكاري.”
“لا يبدو أنكق على استعداد لمشاركتي هذه الأفكار.”
بالضبط، أيها الرجل الذكي.
حدقت به للحظة، ثم ارتسمت على وجهي ابتسامة متعمدة وأنا أهزّ كتفي بلا اكتراث.
“… سأخبرك إن غيرت رأيي.”
❖ ❖ ❖
بعد أن أمطرني إيان ببضع قبلات أخرى، عدتُ إلى المكتب و وجدتُ نفسي غارقة في أفكار عميقة.
لا أستطيع الجلوس هنا دون فعل شيء.
التحدث مع إيان أوضح لي أمرًا واحدًا.
عليّ أن أتحرك.
لم يكن هناك أي فائدة من إضاعة الوقت بالقلق. في وضعي الحالي، لم أكن حتى أعرف ما الذي سيحدث لي خلال الأشهر الخمسة القادمة.
إلويز، الهروب، الكتاب الملعون، الغريبة…
لم تكن المعلومات المتفرقة التي جمعتها حتى الآن كافية لفهم الموقف تمامًا.
سواء عادت ديانا و تبعت الأحداث القصة الأصلية أم لا، فإن مفتاح حل هذا الموقف بين يدي.
بعد أن جمعت كل الاحتمالات في ذهني، نهضت من مقعدي أخيرًا بعزم.
“فيفي؟”
“نعم سيدتي؟”
“يجب أن أخرج. استعدي.”
“…الآن؟”
تبعتني فيفي وهي تبدو في حيرة من أمرها بينما اتجهت نحو الزقاق الذي زرته سابقًا. كلما ابتعدنا عن صخب الشوارع، ازدادت تعابير وجه فيفي قلقًا. وعندما وصلنا إلى الزقاق، بدا التوتر واضحًا على وجهها.
“سيدتي، لماذا نحن هنا مجددًا…؟”
“لديّ أمر عليّ إنجازه. فيفي، هل يمكنكِ البقاء هنا للحراسة حتى أعود؟”
“ماذا؟ هل ستذهبين وحدكِ؟”
لم أستطع اصطحابها لرؤية العجوز التي ذكرت الغريبة، أليس كذلك؟
كتمت الكلمات التي لم أستطع نطقها بصوت عالٍ و ابتسمت.
“لن أتأخر.”
“سيدتي، لا أعتقد أن هذه فكرة جيدة…”
“فيفي.”
عندما نظرتُ إليها بنظرة حازمة، تنهدت فيفي، التي كانت قلقة ومتوترة.
“…عودي بسرعة، حسنًا؟ لقد شعرتُ بشعور سيء تجاه هذا المكان منذ المرة الأخيرة.”
“فهمتُ. ثقي بي، حسنًا؟”
زمّت فيفي شفتيها بإحكام، وكأنها لم تصدقني تمامًا.
إذن، أنتِ لا تثقين بي. يا للعجب!
لكن ماذا بإمكاني أن أفعل؟ كنت سأدخل وحدي على أي حال.
“سأعود قريبًا.”
بعد أن ربتت على كتفها المتوتر مطمئنة إياها، دخلت الزقاق.
في المرة الأخيرة التي طردتني فيها العجوز بالقوة، اختفى الممر عندما حاولت العودة. لذا، لم أكن متأكدة تمامًا من نجاح الأمر هذه المرة.
لكن لدهشتي، في اللحظة التي دخلت فيها الزقاق، ظهر الممر أمامي، كما لو كان يدعوني للدخول.
إذن، لم ينجح الأمر من قبل، والآن يعمل؟
ضحكت ضحكة غير مصدقة وتبعت الطريق إلى الأمام، مسترشدة بحدس إلويز.
بعد حوالي خمس دقائق من المشي، وصلت إلى الباب الخشبي المألوف. أخذت نفسًا عميقًا، ودفعته لفتحه. أصدر الباب القديم صريرًا مزعجًا عندما انفتح.
خلف الباب، كما في السابق، كانت صورة ظلّ المرأة العجوز بثوبها الأسود، جالسةً وسط ضوء الشموع الخافت.
ابتسمت وهي تنظر إليّ.
“لقد أتيتِ.”
“…يبدو أنك توقعتِ عودتي.”
“ظننتُ أنك قد تعودين ولو لمرة واحدة.”
انتشر ضحكها الخافت في أرجاء الغرفة.
“دعيني أرى الآن… لقد عرفتِ كم تبقى لكِ من الوقت، أليس كذلك؟”
أومأت برأسي و أنا أسحب الكرسي المقابل لها وأجلس.
“أجل، أعلم أنه بمجرد مرور الوقت، لا يوجد مجال للعودة إلى الوراء.”
“آه..اهو.”
صدر عنها صوت اهتمام خافت، بالكاد يمكن تمييزه من تحت غطاء عباءتها.
لا تزال مزعجة كما كانت.
لا بد أن إلويز كانت لديها موهبة في العثور على أشخاص كهؤلاء.
“على أي حال، لقد جئت لأسأل عن ذلك. ماذا تعني عبارة ’لا عودة للوراء’؟ أنتِ تعرفين، أليس كذلك؟ ماذا يجب أن أفعل؟”
مع أنني أطلقتُ أسئلتي كالرصاصات، إلا أن العجوز لم تتفاعل، محتفظةً بابتسامتها المرحة وهي تُسند ذقنها على يدها.
هل هي هنا فقط لتراقبني وأنا أتخبط؟
“كما قلتُ سابقًا، ليس لديّ الكثير لأخبركِ به.”
“ها.”
“لكن مراقبتكِ مُسليةٌ جدًا، لذا سأُعطيكِ بعض التلميحات.”
فرقعت أصابعها في الهواء، فظهرت لوحةٌ دائريةٌ مُرصّعةٌ بأحجارٍ كريمةٍ زرقاء على الطاولة حيث لم يكن شيءٌ من قبل.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات