وكأن ذلك اليوم كان نقطة تحول، استمرت الأحداث الغريبة في الحدوث.
كل بضعة أيام، كنت أغفو فجأة كما لو أن فتيلًا قد انفجر.
وعندما كان يحدث ذلك، كنت أحلم – أحلامًا متفرقة وغريبة.
بصراحة، لم أستطع التمييز بين ما إذا كانت أحلامًا أم هلاوس أم حتى ذكريات.
في المشاهد الضبابية، كنت أرى إلويز تفعل شيئًا ما.
أحيانًا، كنت أرى العالم من منظورها، كما لو كنت إلويز نفسها.
كنت أتساءل عن سبب حدوث هذه الأشياء، لكنه كان سؤالًا بلا إجابة.
لأكثر من أسبوعين، بقيت عالقة في هذا الغموض.
“…سيدتي! سيدتي!”
بينما كنت واقفة بلا تعبير، استعدت وعيي في لحظة متأخرة عند سماعي الصوت بجانبي.
كانت فيفي تقف خلفي بخطوة، تنظر إليّ بقلق.
“سيدتي، هل أنتِ بخير؟”
“…نعم، أنا بخير. لكن…”
توقفتُ عن الكلام، وعقدتُ حاجبي.
“لماذا أتيتُ إلى هنا؟”
كنتُ أتمشى بعد الغداء كالعادة.
ظننتُ أنني أسير في طريقي المعتاد، لكن عندما استعدتُ وعيي، وجدتُ نفسي في حديقة الراعي المنعزلة خلف ملحق الدوق الأكبر – مكان لم أزره من قبل.
‘هل يوجد مكان كهذا أصلًا؟’
بينما كنتُ أنظر حولي في حيرة، أمالت فيفي رأسها و هي تراقبني بفضول.
“ما الخطب؟”
“كيف انتهى بي المطاف هنا…؟”
استوعبت فيفي همسي بطريقة ما، ورمشت بسرعة ردًا على ذلك.
” دخلتِ هذه الحديقة يا سيدتي، فظننتُ أنكِ ترغبين في رؤية زهور إبرة الراعي مرة أخرى. كنتِ تأتين إلى هنا كثيرًا، وتقولين إنكِ تُحبين رائحتها.”
“…هل أحببتُها؟”
كان صوتي لا يزال ناعسًا، وللحظة وجيزة، خيّم شبح على وجه فيفي قبل أن يختفي.
“آه سيدتي، بالطبع فعلتِ. لمدة عام تقريبًا بعد زواجكِ، كنتِ تأتين إلى هنا باستمرار. مؤخرًا، بدا أنكِ مولعة بحديقة الورود، لذا لم تزوريها كثيرًا.”
ترك رد فيفي المرح تعبيرًا غريبًا في وجهي.
بصفتي قارئة للرواية، كنتُ أتردد على حديقة الورود بعد أن حصلتُ عليها لأنها كانت مكان ديانا المفضل.
وبطبيعة الحال، وصف العمل الأصلي تفضيلات ديانا فقط. و لأن إلويز شخصية ثانوية عابرة، لم تُذكر أماكنها المفضلة.
لذا، لم يكن من الممكن أن أعرف أين كانت إلويز تمشي عادةً.
ومع ذلك، دون أن أُدرك، انتهى بي المطاف هنا.
‘هل هذا… امتداد لتلك الرؤى؟’
تمتمتُ بهدوء، هدوءٌ لم تسمعه فيفي.
الآن، لم يكن الأمر مجرد وعيي – بل شعرتُ و كأن جسدي يتبع ذكريات إلويز.
‘كما لو أن هذا الجسد لا ينتمي لي إطلاقًا…’
عاد الشعور بعدم الارتياح الذي كنتُ أحاول كبتهُ، مُسيطرًا على كياني بأكمله.
خيّم ظلٌّ على وجهي.
عندما استرجعتُ ذاكرتي، أدركتُ أن الأمر كان على هذا النحو منذ بداية امتلاكي لهذا الجسد.
دون أن أحاول، كنتُ أجلس بوضعية مثالية أو أتبع آداب المائدة التي لم أتعلمها قط.
في عيد ميلاد الأميرة، رقصتُ حتى مع إيان، رغم أنني لم أتعلم الرقص قط.
‘ظننتُ أنها مجرد ذاكرة عضلية…’
تمتمتُ بهدوء، لكنني توقفتُ عندما لاحظتُ شيئًا غريبًا.
لكن ذلك كان دائمًا في نطاق إدراكي.
حتى تلك اللحظة، كنتُ أرجع ذلك إلى عادات إلويز المتأصلة.
لكن هذه المرة كانت مختلفة.
‘أن أمشي كل هذه المسافة إلى هنا…’
التفتُّ لأنظر إلى الوراء.
كان الطريق من المبنى الرئيسي إلى الملحق طويلًا ومعقدًا، متعرجًا حول القصر، مارًا بغرف الخدم.
ومع ذلك، لم أكن أدرك حتى أنني أسير، ناهيك عن تذكر الرحلة – كان الأمر كما لو أن الذكرى قد قُطعت تمامًا.
هل يمكن أن نسمي هذا “ذاكرة عضلية”؟
“…همم، سيدتي؟ هل أنتِ بخير حقًا؟”
لاحظت فيفي تعابيري المتصلبة، فاقتربت نصف خطوة ونظرت إليّ بقلق.
سرعان ما غطيتُ وجهي بابتسامة.
“نعم، أنا بخير. لقد كنتُ مشتتة مؤخرًا، هذا كل شيء.”
رغم ردي الهادئ، لم يخف قلق فيفي.
“هل أطلب من القسم الطبي تحضير دواء لكِ؟ لم تكن صحتكِ جيدة مؤخرًا يا سيدتي. أصبحتِ تغفين كثيرًا وتبدين شارد الذهن أحيانًا…”
مع أنني حاولت إخفاء ذلك، بدا لي أنني لم أستطع الهرب من نظرات فيفي الحادة لانها بجانبي و تخدمني دائما.
“همم، لا بد أن ذلك بسبب إرهاق السفر.”
“هل أطلب منهم تحضير دواء في النهاية؟ أو ربما أتصل بالطبيب…؟”
“لا داعي للطبيب.”
كنت على وشك رفض الدواء أيضًا، لكن هذا سيزيد من قلق فيفي. بدلًا من ذلك، ذكرتُ عرضًا أنني سأحصل على بعض المكملات الغذائية، منهية بذلك الحديث.
“إذن، هل نؤجل زيارة السيدة زيد اليوم؟”
تنهدت تنهيدة قصيرة.
“هل زيارة السيدة زيد اليوم؟”
“أجل، ستأخذ القياسات مع السيد اليوم.”
“…آه، صحيح.”
قبل فترة وجيزة، كُلِّفتنا الأميرة أنا وإيان بمهمة خاصة.
في احتفال عيد الميلاد القادم، أمرتنا بارتداء ملابس متطابقة.
بدا أن الأميرة تستغل عيد ميلادي كذريعة لتُقرِّبنا من بعضنا البعض بأي وسيلة ممكنة. كانت كمعجبةٍ تأمل أن يبدأ الثنائي الذي تدعمه بالمواعدة.
“مع ذلك، نحن متزوجان بالفعل….”
لكن أمام نظراتها النارية الحازمة، افتقرتُ إلى الشجاعة لأرفضها رفضًا قاطعًا.
بدا أن إيان أيضًا لم يجد الاقتراح مُزعجًا.
نظرتُ إلى فيفي نظرة خاطفة وهززتُ رأسي قليلًا.
“لا، لا بأس. كم من الوقت بقي لنا؟”
❖ ❖ ❖
وصلت السيدة زيد إلى منزل الدوق الأكبر بعد ساعة بالضبط.
عادةً ما كانت تأتي حاملةً رُزمًا من القماش في يديها رغم صغر حجمها، لكنها اليوم وصلت بعربة مستأجرة.
عندما سمعتُ أنها أحضرت عربة، شعرتُ بالحيرة، ولكن عندما سمعتُ حديث فيفي عن لفات القماش التي لا تنتهي و هي تخرج منها، لم أستطع إلا أن اقفل شفتيّ في صمت.
بدا أن السيدة زيد التي كانت غير قادرة على كبح حماسها، قد بالغت، خاصةً وأنها كانت المرة الأولى التي تصنع فيها شيئا لنا أنا و إيان معًا.
عندما نزلتُ إلى غرفة المعيشة بعد أن أُبلغتُ بأن كل شيء جاهز، استقبلتني السيدة زيد، وهي تكاد ترتجف من شدة الحماس.
“تحياتي للدوق الأكبر والدوقة الكبرى!”
“لقد مرّ وقت طويل يا سيدة زيد.”
“لا أستطيع أن أصف لكِ كم كنتُ أتطلع إلى هذا اليوم!”
“وجهكِ يُخبرني بما فيه الكفاية -ما رأيك أن تحاولي أن تهدأي قليلًا”
عند ملاحظتي، غمزت السيدة زيد وهزت كتفيها.
ماذا أفعل بهذه المرأة غريبة الأطوار؟
على عكسي أنا التي كنت معتادة على هذا، بدا إيان مندهشًا من حماسها الجامح.
هززت كتفيَّ و همستُ بهدوء.
“إنها تشبه الأميرة.”
“…آه.”
خرجت من شفتي إيان تعجبٌ خفيف.
عندما تحول تعبيره بسرعة إلى نظرة جامدة، أدركتُ أنه أدرك تمامًا شخصية السيدة زيد.
‘لقد فهم بسرعة….’
في هذه الأثناء، اقتربت منا السيدة زيد، التي أعادت ترتيب العارضات والأقمشة التي تملأ غرفة الجلوس بدقة، بعيون لامعة.
‘حتى أنا أجدها مخيفة بعض الشيء.’
ألقيتُ نظرة خاطفة على إيان، الذي بدا متوترًا، على غير عادته.
خياطة قادرة على إثارة توتر سيد السيف – مثيرة للإعجاب حقًا بطريقتها الخاصة.
“حسنًا، هل نبدأ بقياسات سموه؟ من الأفضل البدء بمجموعة قياسات جديدة.”
“آه، هذا يبدو مثاليًا.”
اغتنمت الفرصة، وضربت إيان برفق بينما أجبتُ السيدة زيد.
أدار إيان رأسه لينظر إليّ في صمت.
رفعت حاجبيّ، مشيرة إليه أن يُسرع برسالة ضمنية: هيا.
“…”
“انطلق.”
“سأذهب أنا أولًا؟”
حتى بدون أي تعبير واضح على وجهه، استطعت أن أعرف من عينيه فقط.
لم يُرد فعل هذا حقًا.
أجبتُ بنبرة جادة وأنا أكتم ضحكتي: “أجل. السيدة زيد أمهر خياط اعرفها. حتى أنها طرزت منديلك، أتذكر؟ لقد أعجبنا به معًا.”
عند ردي البهيج، عبس إيان قليلاً.
“إذن أسرع.”
“…سأعود قريبًا.”
لن تعود قريبًا.
أضمن لك ذلك – سيستغرق الأمر 30 دقيقة على الأقل.
أتذكر زيارتي الأولى لمتجر السيدة زيد، فضحكت في داخلي بينما تم سحب إيان على مضض.
شعرت براحة أكبر، فجلست على الأريكة.
على الطاولة أمامي، رتب الخدم تشكيلة رائعة من الشاي والوجبات الخفيفة.
“حسنًا، إذن، سأستمتع ببعض الشاي بينما أنتظر.”
همهمتُ بهدوء، و رفعتُ فنجان شاي إلى شفتيّ.
عندها انتابني الدوار، و اصبح نظري ضبابيا.
وسُرعان ما سمعت صوت إلويز الخافت.
– أشعر وكأن الولادة لعنة.
التعليقات لهذا الفصل "132"