بدا إيان، من ناحية أخرى، غير منزعج. ألقى نظرة خاطفة على المناظر الطبيعية الممتدة أسفلنا.
“يبدو أنكِ قد مللتِ من الأماكن المزدحمة في إمبراطورية نوموس.”
“….”
“ألم تقولي انك تكرهين التعب؟”
ألقى عليّ نظرة خاطفة.
“بالتفكير في الأمر، لم يكن لدينا وقت خاص لنا لوحدنا حقًا، أليس كذلك؟ و هذه الرحلة سمحت لنا جلالتها بها لنقضي الوقت سويًّا.”
لسبب ما، بدت نبرته مشوبةً بمزاح خفي.
لم أستطع أن أقابل النظرة التي شعرت بها تلتصق بخدي، فتمتمت بصوت خافت.
“لا أذكر أنني علّمتك هذا النوع من الأمور…”
“بدا و كأنك كنتِ مستاءة عندما كنت أتبع ما تعلمته منك فقط.”
ردّ إيان بخفة، بعظ أن سمع تمتمتي بوضوح.
أصابني تصرفه بالدوار. قبل فترة وجيزة، كان يتصرف كما لو أن المشاعر غريبة عليه – فلماذا هو على هذا الحال الآن؟ هل كان ذلك بسبب جو هذا التلّ الهادئ على غير العادة، أم أنه كان يُفقدني توازني؟
لكي لا أسمح لنظري بالانجراف نحوه، رفعت رأسي عمدًا وحدقت في السماء البريئة. لكن حتى ذلك لم يدم طويلًا. كانت النظرة المُلحّة المُثبّتة عليّ لا تُطاق.
في النهاية، أدرت رأسي خلسةً إلى الجانب، والتقت عيناي بعيني إيان، الذي كان يراقبني طوال الوقت.
“….”
“….”
كانت الشمس التي تغرب، المائلة بزاوية، حمراء بشكل لا يُصدق. ومضت ظلال طويلة داكنة على وجه إيان، واضحة وجلية.
‘جدًا…’
هل كان يحاول إغوائي عمدًا؟
كم من الوقت وأنا أحدق في عيني إيان، اللتين كانتا تلمعان بمزيج غريب من الأحمر والأزرق؟ دون أن أنتبه، فتحت فمي.
“…لماذا أُعجبتَ بي؟”
قبل أن أتمكن من كبح جماح نفسي، انزلقت الكلمات. فوضعتُ يدي على فمي بسرعة، لكن الضرر كان قد وقع.
للأسف، حتى الريح لم تسلب صوتي هذه المرة.
“لا، هذا للتو…”
قبل أن أتمكن من القول انه كان خطأ، عبس إيان. لم يكن تعبيره استياءً، بل انزعاجًا طفيفًا. فأمال رأسه.
انسكبت أشعة غروب الشمس القرمزية على شعره الفضي الناعم، مما جعله يتمايل في فوضى.
“…لماذا تسألين هذا الآن؟”
كانت نبرته مليئة بالحيرة، كما لو أنه وجد سؤالي سخيفًا.
أُصبتُ بالذهول بينما كنت أحدق فيه بنظرة فارغة. كم مرة رمشت في صمت؟ أطلق إيان تنهيدة خافتة من بين شفتيه المفتوحتين.
“لم أظن أنني سأحتاج لشرح شيء كهذا لكِ.”
“ظننتُ أنك لم تجد للمشاعر الشخصية أي ضرورة.”
كان من المفترض أن يُحب إيان كلود ديانا لورانس. هذه هي الفرضية التي بقيت ثابتة سواء كنتُ مجرد قارئة لهذه الرواية أو عندما وجدتُ نفسي فجأةً في جسد إلويز.
لم يكن هذا ممكنًا إلا لأنني لطالما رأيته كـ”البطل الذكر” للقصة.
لكن إيان أمامي الآن…
“أنتِ من أريتني أن الأمر ليس كذلك.”
شعرتُ أنه قريب جدًا من أن يكون مجرد شخصية خيالية. قريبٌ جدًا، جعلني جشعة بما يكفي لأرغب في التمسك به.
“….”
جفّ فمي، عاجزة عن النطق بكلمة.
حتى وأنا مترددة، ارتسمت نظرة إيان على وجهي من عينيّ إلى أنفي، ثم إلى طرف أنفي، ثم إلى شفتيّ، ثم عادت إلى الأعلى.
للحظة، انفرجت شفتاه المطبقتان بإحكام.
كان صوته منخفضًا على غير العادة.
“…إذا كانت أفعالي لا تعجبكِ أو تُزعجكِ، فلكِ حرية رفضي في أي وقت. كان هذا جزءًا من شروط زواجنا.”
اخترق ضوء غروب الشمس الخافت، واقترب مني خطوة.
“لكن حقيقة أنكِ لم ترفضي…”
انكمشت المسافة بيننا.
“هل أفترض أن هذا يعني أنكِ أيضًا مُتأثرة بي يا سيدتي؟”
شعرتُ بدوارٍ شديدٍ بسبب قرب رائحته.
رغم أن عقلي كان يُكافح جاهدًا لإيجاد طريقة للهروب من هذا الوضع، شعرتُ بقدميّ ثابتتين، لا أستطيع الحركة قيد أنملة.
بالرغم من أن نظرته لم تكن مُهددة، إلا أنها بدت تهديدًا غريبًا، كشيء غامض.
مدّ يده ولمس خدي برفق. كانت أنفاسه قريبة جدًا لدرجة أنني شعرت بها، وبينما بدا أن غروب الشمس القرمزي المُعلق على شبكية عينيّ قد خُسف بظله…
“…انتظر لحظة.”
وكأنني أستعيد وعيي قبل أن تتلامس شفاهنا، أدرت رأسي بسرعة. ارتجف كتفي، الذي كان يضغط الآن على صدره، غريزيًا.
إيان، الذي كان يُحدّق بي بعينين نصف مغلقتين، خافتتين، تراجع ببطء.
“آسفة”
همستُ بصوت بالكاد يُسمع. فعقد حاجبيه قليلًا.
“لماذا؟”
“فقط…”
حتى أنا لم أكن متأكدة من سبب اعتذاري. هل كان لرفضي قبلته، أم لذنبٍ آخر يثقل كاهلي؟
الشيء الوحيد الذي كنت متأكدة منه هو أنني إذا سمحت له بتقبيلي في تلك اللحظة، فلن يكون هناك عودة.
‘اهدئي. ما الذي تفعلينه بترك نفسكِ تنجرف هكذا؟ لا يمكنكِ السماح بحدوث هذا.’
شعرت بجفاف في حلقي، كما لو أن ماءً سُكب فيه فقط ليقطع أنفاسي، ويتركني عاجزة عن الكلام.
للحظة، لم أشعر إلا بنظراته تراقبني من الأعلى. ثم جاء صوته بعد لحظة.
“لا داعي للاعتذار. لقد أخبرتك، أليس كذلك؟”
“إذا كنتِ لا تريدين هذا، فلن ألمسك.”
“أنت تتذكر جيدًا.”
بقيت تعابير وجهه غامضة، وكلماته تبدو صادقة، وهو يتراجع خطوة إلى الوراء.
اختفى الدفء الخانق و رائحته المسكرة، و حلّ محلهما برودة هواء المساء المبكر التي ملأت الفراغ بيننا.
“….”
أبقيتُ نظري منخفضًا، أحدق في قدميّ، قبل أن أبتعد تمامًا.
“لنعد.”
مشيتُ دون أن أنظر إلى الوراء ولو لمرة واحدة. في طريقي إلى العربة، كان عليّ أن أضمّ يديّ المرتعشتين بإحكام، خشية أن يستهلك الحماس والشوق المتراقصان القلق الهادئ الكامن تحتهما.
❖ ❖ ❖
ظننتُ أن الأمور ستصبح محرجة بعد رفض قبلة إيان، لكنني كنتُ مخطئة.
أمضى الأيام الخمسة المتبقية كما لو لم يحدث شيء، مما سمح لي بالتصرف وكأنني نسيتُ تلك اللحظة أيضًا.
وكأن الزمن قد جرفنا للأمام، مرّ الجدول في لمح البصر. وبحلول وقت عودتنا إلى الدوقية، كنتُ منهكة تمامًا.
حتى الرحلات الترفيهية تبقى رحلات.
بمجرد عودتنا باستخدام دائرة كايل السحرية للانتقال الآني، انزويت في غرفتي تحت عذر شعوري بارهاق السفر. مدّدتُ جسدي المتألم، وتمتمتُ في نفسي.
لم تكن الأيام الخمسة الماضية مرهقة، ولكن ما إن وطأت قدماي المنزل حتى اجتاحني الإرهاق كالموج. من الواضح أن الرحلات الطويلة لا تناسبني.
“آه، أخيرًا، أستطيع الاسترخاء.”
استلقيتُ على سريري، أحدّق في السقف بعينين نصف مغلقتين.
لم أتخيل يومًا أنني سأفتقد جدارية السقف هنا، ولكن ها أنا ذا.
المنزل لا يزال منزلا، في النهاية.
‘الآن وقد انتهت هذه الرحلة، كل ما تبقى هو مقابلة الإمبراطورة بشأن حق إيان في الخلافة، وإرسال رسالة إلى السيدة ماري، وإنهاء الإجراءات المتبقية.’
إذن، يمكنني أخيرًا أن أتنفس…
غمغمتُ في نفسي، وأغمضت عينيّ ببطء.
“الآن يمكنني أخيرًا أن أستريح…”
ولكن ما إن أوشكتُ على النوم، حتى استيقظت فيفي، التي كانت مشغولة بتفريغ الأمتعة في زاوية الغرفة، فجأةً وهرعت نحوي.
“سيدتي، ماذا تقصدين بذلك؟”
“…ماذا؟”
“ماذا تقصدين أنكِ تستطيعين الراحة؟ أنتِ على وشك الانشغال كثيرًا. لا تقولي لي إنكِ نسيتِ!”
“هاه؟”
عن ماذا كانت تتحدث؟
شعرتُ بالقلق، ففتحتُ إحدى عينيّ لأنظر إليها.
“بماذا سانشغل؟”
شهقت فيفي بانفعال، وهي تضم يديها إلى صدرها.
“آه لا، سيدتي! لقد كان لديكِ الكثير من المشاغل مؤخرًا…”
نظرت إليّ بشفقة عارمة، وقبضت قبضتيها بعزم. ما قالته بعد ذلك جعلني أغفو تمامًا.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات