في قسم كبار الشخصيات الأقرب إلى المسرح، جلس إيان منتصب القامة، بوقفة مثالية.
بدا أنه كان جادًا عندما قال انه سيجلس في مكان ظاهر، إذ كان يجلس في المقعد الأوسط حيث يمكنني رؤيته فورًا إذا نظرتُ إلى الأسفل.
التقت أعيننا، فأمال رأسه قليلًا، ولم يتغير تعبيره الهادئ المعتاد، كما لو كان يريد تذكيري بوجوده.
‘بجدية…’
ومن الغريب، أنه في اللحظة التي رأيت فيها هدوئه، بدأ قلبي الذي كان ينبض بشدة في صدري يهدأ، كما لو كان ذلك بفعل سحر.
‘هذا ما كان يقصده إذن.’
كتمتُ ضحكتي المتصاعدة، ونظفتُ حلقي، محاولةً الحفاظ على رباطة جأشي.
ظلت نظراتي ثابتة على إيان.
“يشرفني أن ألقي خطاب التهنئة بمناسبة الذكرى المئوية لأكاديمية بيبلوس، قمة التعليم المعترف بها عالميًا.”
ما إن بدأتُ خطابي، حتى دوى التصفيق من حولي.
رغم عدم وجود هتاف واحد، إلا أن العدد الهائل من الناس الذين ملأوا القاعة الخارجية زاد من حدة التصفيق.
ألقيتُ الخطاب الذي أعددته بعناية، بنبرة صوت ثابتة ومدروسة.
“سمعتُ أن دوق بيبلوس الأول أسس هذه الأكاديمية لتوفير منصة متساوية للشباب الطموح ذوي المواهب الاستثنائية، دون تمييز و بغض النظر عن ظروفهم.”
شددتُ على عبارة “دون تمييز”، من أجل تذكير بعض الطلاب الذين بين الحضور.
لمحتُ المديرة جالسةً بجانب إيان، تُصفّي حلقها بصعوبة.
‘لو لم تسمح بقبول براين ميري، لكان خطابي بلا معنى.’
بدا أنها فهمت أخيرًا ثقل كلماتي قبل صعودي إلى المنصة.
في هذه الأثناء، سمح لي تركيزي على إيان طوال الوقت بتلاوة خطابي المُعدّ سلفًا دون تردد.
جعلتني مراقبته لي بهدوء أشعر بالألفة، كما لو كنا نتبادل أطراف الحديث المعتاد.
‘لم أتوقع أن يُهدئ هذا أعصابي إلى هذا الحد.’
ارتسمت على شفتيّ ابتسامة خفيفة.
“طلاب أكاديمية بيبلوس، أتمنى أن تحلموا بجرأة وتتعلموا كل ما تتمنون، متذكرين مبادئ المدير المؤسس. لقد أعدّت لكم الأكاديمية كل ما تحتاجونه لتحقيق طموحاتكم.”
بصوتي الواضح، لمعت شرارة في عيون بعض الطلاب الجالسين في الصفوف الأمامية.
“نموكم فخر بيبلوس، ونجاحكم رقيّها. ما دام أعضاء هيئة التدريس المتفانون والطلاب المتحمسون يُقدّرون هذه الأكاديمية، فلا شك لديّ أن بيبلوس ستواصل ازدهارها.”
ألقيتُ نظرة سريعة على الحضور قبل أن أُعيد تركيز نظري على إيان.
ارتسمت ابتسامة رقيقة على شفتيه.
‘ما هذا التعبير؟ كأنه يشعر بالفخر أو ما شابه.’
بعد دقائق قليلة، انتهى الخطاب. في السطور الأخيرة، رفعتُ رأسي وخاطبتُ الحشد بأكمله.
“…وأخيرًا، أتمنى دوام النجاح والازدهار لأكاديميتكم الموقرة.”
حالما انتهيتُ، دوّت الهتافات والتصفيق.
“رائع!”
‘يا إلهي، مستحيل أن أفعل هذا مرة أخرى.’
مع أن إيان خفف من توتري، إلا أن الوقوف أمام حشد بهذا الحجم في قاعة خارجية واسعة كهذه كان كافيًا لجعل ساقيّ ترتجفان. نزلتُ بسرعة من المسرح، تاركة الجمهور خلفي.
“لقد أبدعتِ يا صاحبة السمو”
رحبت بي السيدة إيفرمور.
“…لم تكن هناك أي مشاكل، أليس كذلك؟”
“لا شيء على الإطلاق. كان أدائكِ رائعًا.”
كانت السيدة إيفرمور تنتظرني عند أسفل الدرج، ورفعت إبهامها لي وقادتني نحو المخرج خلف المسرح.
هناك، كانت فيفي تنتظرني بالفعل، تتحرك في المكان جيئة وذهابًا بقلق.
انتظر، أليس من المفترض أن تكون بين الجمهور؟ كيف وصلت إلى هنا بهذه السرعة؟
“فيفي؟”
“سيدتي! أنا هنا!”
لوّحت فيفي بذراعيها بحماس و اندفعت نحوي، كأنها تقفز في مكانها.
“كنت أشاهد من الأسفل، وفي اللحظة التي نزلتِ فيها من على المنصة، ركضتُ نحوكِ! سيدتي، كان خطابكِ مذهلاً!”
“إنه خطاب تهنئة يا فيفي، وليس خطابًا عاديًا.”
“آه، أهذا صحيح؟ على أي حال، كنتِ رائعة! مهيبة وأنيقة للغاية! الآن فهمتُ لماذا أرسلتكِ جلالتها كرئيسة للوفد!”
استمعتُ إلى سيل فيفي المتواصل من الإطراءات، ولم أستطع إلا أن أضحك.
“شكرًا، لكنني كنتُ متوترةً جدًا لدرجة أنني بالكاد استطعتُ التفكير. لم يكن هناك شيء يستحق كل هذا الثناء.”
“لا، حقًا، كنتِ مذهلة! سيدتي هي الأفضل! آه، وهذا سر، لكنني سمعتُ حتى بعض الطلاب خلفي يمسحون أنوفهم أثناء خطابكِ!”
ربما يكونون مجرد أطفال مصابين بنزلات البرد.
كدتُ أُضيف تعليقًا ساخرًا، لكنني قررتُ ألا أُفسد حماس فيفي. بدلًا من ذلك، هززتُ كتفي.
“حسنًا، شكرًا لكِ.”
“أحضرتُ لكِ بعض الماء وحذاءً مريحًا لتبدئي به. تفضلي.”
لاحظت فيفي أن كعبي العالي وغير المريح يُزعجني، فوضعته أمامي بسرعة. أضحكني تفكيرها مجددًا.
“أنتِ حقًا تعرفين ما أحتاجه بشدة.”
بينما مددتُ يدي لأربت على رأس فيفي، تغير تعبيرها البشوش فجأة. نظرت من خلف كتفي، ثم انحنت برأسها بسرعة.
استدرتُ و رأيتُ إيان يقف على بُعد خطوات قليلة، وكأنه وصل دون أن يُلاحظه أحد.
“…إيان؟”
“نعم.”
عند مناداتي لاسمه، أومأ برأسه سريعًا واقترب.
بعد أن ارتديتُ الحذاء المريح، صفيتُ حلقي ونظرتُ إليه.
“…لقد ساعدني ذلك، على نحوٍ مُفاجئ.”
حتى دون أن يكون له موضوع مناسب، بدا وكأنه يفهم قصدي وأطلق ضحكة خفيفة.
“أخبرتك، أليس كذلك؟ أنتِ دائمًا تتحدثين بفصاحة عندما أكون أمامك.”
“….”
“لقد أحسنتِ صنعًا. كما تفعلين دائمًا.”
كانت نبرته غامضة، مما جعل من غير الواضح ما إذا كانت مجاملة صادقة أم مزاحًا مرحًا.
“…أنت لا تسخر مني، أليس كذلك؟”
“بالتأكيد لا.”
مدّ إيان يده الجميلة و الأنيقة نحوي فجأة.
“…ما هذا؟”
“لقد انتهى جدول أعمالك لبقية اليوم. إلا إذا كنت، بالطبع، تخططين للبقاء حتى نهاية الفعالية التذكارية مع الطلاب.”
عندما كنت على وشك سؤاله عما يعنيه، لمعت في ذهني لمحة سريعة من حديثنا السابق.
“وبعد انتهاء خطابك، دعينا نذهب إلى التل الذي ذكرته. أنتِ حرة الآن بعد أن انتهى جدولكِ المزدحم، أليس كذلك؟”
“…آه.”
خرجت تنهيدة خفيفة من شفتيّ لا إراديًا تقريبًا.
هل هو جادٌّ حقًا بشأن الذهاب إلى هناك؟
نظرتُ إليه بتعبيرٍ صرخ: “هل تمزح معي؟”، لكنه أمال رأسه ببساطةٍ بلا مبالاة، غير منزعج.
لقد رأيتُ هذا التعبير من قبل.
نفس النظرة التي رمقني بها ذات ليلةٍ في القصر الصيفي، عندما اقترح علينا التنزّه.
وجهٌ يوحي تقريبًا: “لا يوجد شيءٌ آخر نفعله على أي حال، فلماذا لا نذهب بهدوء؟”
فتحتُ فمي قليلًا بصمت قبل أن أهزّ رأسي في ذهول.
“ظننتُ أنكَ قلتَ ان الأمر يعود لي…”
“إذا كنتِ تنوين الرفض مجددًا، فمن الأفضل أن يكون لديكِ سببٌ مقنعٌ بما يكفي لتغيير رأيي. إلا إذا كنتِ تتجنبينني كما فعلتِ في المرة السابقة.”
كما هو متوقع، أوضح موقفه أنه لن يتراجع أبدًا.
أليس هو من اعتاد رفض أي شيء غير مُلزم؟ منذ متى أصبح عنيدًا لهذه الدرجة في هذه الأمور؟
نظرتُ إلى أسفل وحدقتُ في يده الممدودة بنظرة فارغة قبل أن أمسكها أخيرًا بتنهيدة استسلام.
وكما هو متوقع، تشبث إيان بها كما لو كان يتوقع ذلك.
“هل نذهب؟”
بدا غير مبالٍ تمامًا بالنظرات التي وجّهت إلينا وهو يشق طريقه بثقة بين الحشد.
أنا من احمررت خجلاً من الاهتمام غير المرغوب فيه، متخلفة عنه بنصف خطوة.
بينما غادرنا منطقة الكواليس متجهين نحو العربة التي تنتظرنا، أبطأت خطواتي فجأة.
‘انتظر….’
ماذا حدث للتو؟
هل رأيتُ للتو… شخصًا يشبه ديانا؟
وسط صخب عمال المسرح والفنيين وموظفي الأكاديمية، ظننتُ أنني لمحتُ شخصًا بشعر وردي باهت يشبه شعر ديانا بشكل غريب.
توقفتُ تمامًا والتفتُّ لألقي نظرةً أفضل، لكن من كان قد اختفى بالفعل.
هل تخيلتُ ذلك؟
ظهر عبوس طفيف على وجهي وعقدتُ حاجبيّ في حيرة.
“سيدتي؟”
انتشلني صوت إيان من أفكاري. التفتُّ لأجده يراقبني.
“هل هناك خطب ما؟”
“…آه، لا.”
تجنبتُ نظراته للحظة قبل أن أهز رأسي.
لن يُجدي ذكر ديانا هنا نفعًا.
“لا بأس. هيا بنا.”
❖ ❖ ❖
كان التل الذي ذكره إيان يبعد حوالي ساعتين بالعربة عن أكاديمية بيبلوس.
ظننتُ أنه قريب، لكونه على مشارف المدينة، لكن اتضح أنه على الجانب الآخر تمامًا.
بحلول وقت وصولنا، كانت شمس ما بعد الظهيرة تميل إلى الأسفل، مُلقيةً بظلالها الذهبية على المشهد.
“لقد وصلنا في الوقت المناسب تمامًا،”
قال إيان، وهو يُلقي نظرة من نافذة العربة لينظر إلى السماء قبل أن ينزل أولًا.
مدّ لي يده، وبمساعدته، نزلتُ على الأرض، وأطلقتُ شهقة دهشة وأنا أتأمل المنظر أمامي.
“…يا إلهي.”
كان المشهد الذي يتكشف أمامي آسرًا.
المباني القديمة التي بدت مهيبة من وسط المدينة، بدت الآن كصور مصغرة دقيقة متناثرة في أرجاء المكان.
الوقوف على قمة التل المكشوفة منحني إحساسًا وكأنني أنظر إلى الأسفل من فوق السحاب، والمدينة بأكملها مُرتبة كلوحة فنية خلابة.
انبهرتُ بالمنظر الرائع لدرجة أنني لم أفكر حتى في إغماض شفتيّ المفتوحتين. و لكن سرعان ما تسلل إليّ شعور خافت بالقلق، فنظرتُ حولي.
“…لكن مهلا لحظة، أليس من المفترض أن يكون هذا مكانًا سياحيًا شهيرًا؟ لماذا لا يوجد أحد هنا؟”
في هذا الوقت من اليوم، ألا يكون المكان عادةً يعج بالزوار؟
باستثناءنا نحن الاثنين والسائق الذي أحضرنا، لم يكن هناك أحدٌ في الأفق.
أجاب إيان، الذي كان يراقبني طوال الوقت، بلا مبالاة
“لقد استأجرتها.”
“…عفواً؟”
ماذا سمعتُ للتو؟
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل "128"