عندما استدرتُ، كان إيان واقفًا هناك مرتديًا الزي الرسمي للوفد، وشعره مصفف بعناية للخلف – مظهر مختلف عن المعتاد.
جعلته جبهته المكشوفة يبدو أنيقًا للغاية.
‘لماذا عليه أن يبدو وسيمًا لهذه الدرجة، حتى في وقت كهذا؟’
هل كان يبذل جهدًا إضافيًا لأننا كنا في الخارج؟
مع أنني لم أرغب في الخوض في الأمر، إلا أنني انبهرت بوجهه، وأنا أحدق فيه بنظرات خاطفة.
بينما كنتُ مشتتة، كان إيان يمشط شعري برفق، حتى أنه أعاد خصلة من شعري خلف أذني.
خرج من شفتيّ أنين خفيف.
“…ما هذا؟”
“شعرة طائشة تتساقط من مكانها.”
“كانت فيفي قد اعتنت بها بالفعل.”
“هل تقصدين تلك الخادمة؟”
أشار إيان بذقنه.
تتبعتُ نظراته، فلاحظتُ أن فيفي، التي كانت تقف بجانبي سابقًا، قد اختبأت الآن في زاوية بعيدة من الغرفة.
كانت تُغطي فمها، و هي تنظر إلينا، وعيناها تلمعان باعجاب مثل عيون الجمهور المُتحمس.
‘فيفي، لقد وثقتُ بكِ. كيف هربتِ هكذا؟’
لكنني شعرتُ أن قول أي شيء سيكون بلا فائدة، لذلك اخترتُ الصمت.
في هذه الأثناء، لم يبدُ على إيان ميلٌ لإبعاد يده عن خدي.
برودة يده وهي تلامس بشرتي جعلت أطراف أصابعي ترتجف لا إراديًا.
لم أستطع تمييز ما إذا كان خدي دافئًا على غير العادة أم أن يده باردة جدًا.
“…..”
“…..”
في صمتٍ مُطبق، شدّتُ تنورتي بتوتر. رفعتُ نظري ببطء، وسألته
“… هل ما زلتَ تُصفف الشعر المتطاير؟”
“كما ترين.”
جاء رده الهادئ.
زعم أنه لن يلمس شخصًا لا يُحبه، ومع ذلك ها هو ذا، يتركني مرتبكة و متوترةً هكذا.
عضضتُ شفتي بتوتر، وأدرتُ لساني على فمي الجاف.
التقت نظراته، التي بقيت قرب أذني، بعينيّ.
انفرجت شفتاه.
“هل أنتِ متوترة؟”
“…نعم.”
“كنتِ تقولين ان كونكِ مركز الاهتمام لا يُزعجك على الإطلاق.”
هذا ليس ما قصدته.
مع أن الخطاب سيُلقى في مكانٍ فخمٍ كملعب سانجام لكأس العالم، إلا أنني كنتُ قد انتهيتُ من التدريب أمس، ولم يُخيفني التحدث أمام الجمهور.
“…فقط.”
كنتُ على وشك الاعتراف بأنني كنتُ متوترةً لأسبابٍ أخرى، لكنني تمالكتُ نفسي.
شعرتُ وكأنني أحفر قبري بيدي وأنا أقول ذلك بصوت عالٍ.
ربما أساء إيان فهم صمتي، فحدّق بي وقال بعفوية
“سمعتُ أن مقاعد كبار الشخصيات في الصف الأمامي. سأجلس هناك أيضًا.”
“وماذا في ذلك؟”
“إذا شعرتَ بالتوتر من النظر إلى الحشد، فلا تترددي في النظر إليّ.”
مع أن نبرته كانت ثابتة، إلا أنها حملت نبرة مرحة خفيفة.
أطلقتُ ضحكة خفيفة.
“أليست هذه مجرد فكرة تتمنى حدوثها؟”
“لن أنكر ذلك. ففي النهاية، لم تترددي يومًا في قول ما تشائين أمامي.”
ضيقت عيناي.
“…هل تحاول تهدئة أعصابي، أم أنك تستغل هذه الفرصة لمضايقتي؟”
“ما رأيك؟”
“من المفترض أن تُجيب بما أنني سألتكَ أولًا.”
حدّقتُ به، وقطّبتُ حاجبيّ، لكنه اكتفى بإطلاق ضحكة خافتة.
“يمكنكِ تفسيرها كما يحلو لك.”
إيان، الذي كان يومًا ما بلا تعبير كالآلة، يبتسم الآن أكثر، ونبرته غالبًا ما تكون ممزوجة بمزاح خفي.
بعد أن حكّ أذني للمرة الأخيرة، سحب إيان يده وقال
“وبعد انتهاء الخطاب، لنزر التل الذي ذكرته. سينتهي جدولك المزدحم أخيرًا.”
أكّد على كلمة “المزدحم”.
في الحقيقة، كان إيان أكثر انشغالًا مني خلال الأيام الخمسة الماضية، لكنني أرهقت نفسي في تجنّبه.
“…تقصد ذلك المكان السياحي؟”
“نعم. عندما سألتُك إلى أين ترغبين بالذهاب، لم تُجيبي، فأخذتُ حرّية الاختيار.”
“….”
لم يكن لديّ ما أقوله.
لماذا كان دائمًا يُسكتني بطرحه نقاطًا صحيحة؟
لم أكن ممن يخسرون عادةً في المعارك الكلامية، ومع ذلك ها أنا ذا.
تجنبتُ نظراته، وتمتمتُ بهدوء
“…سنرى.”
“سأعتبر ذلك موافقة منك.”
هزّ إيان كتفيه بخفة، ثم أمسك يدي وطبع قبلة على ظهرها.
وحتى وهو يفعل ذلك، ظلت عيناه مثبتتين على يدي، كما لو كان يُعلن الحرب مجددًا.
أثار شعور شفتيه على يدي سخونة في أذني.
في تلك اللحظة، دخل كايل وتوقف فجأةً عند رؤيتنا.
“صاحب السمو. العربة جاهزة… آه، هل أعود للخارج للحظة؟”
فزعتُ، فسحبتُ يدي بعيدًا وهززتُ رأسي بسرعة.
“لا داعي لذلك.”
نظر كايل بيني وبين إيان، رافعًا حاجبه بخبث.
“للحظة، فكرتُ جديًا في تأجيل الجدول.”
ماذا يقول هذا الثرثار أصلًا!
من النظرة المرحة على وجهه، كان يمزح معي بوضوح.
بحركة مبالغ فيها من عباءته، تنحى كايل جانبًا بشكل دراماتيكي.
“حسنًا، هلا سمحتِ لي بمرافقتكِ؟”
ثم أتبع ذلك بغمزة وقحة.
“آه ، المتزوجون حديثًا….”
هذا الرجل…!
❖ ❖ ❖
كان الطريق إلى أكاديمية بيبلوس أكثر ازدحامًا من المعتاد.
يبدو أن احتفال الذكرى المئوية سمح بدخول الغرباء، وبدا أن معظم العربات متجهة إلى هناك.
لحسن الحظ، كان هناك طريق مختصر مخصص لكبار الشخصيات، وبتوجيه من طاقم الأكاديمية، وصلنا إلى الساحة الخارجية دون تأخير.
بينما خرجت من العربة ممسكةً بيد إيان، اقتربت السيدة إيفرمور كما لو كانت تنتظر.
“صاحب السمو، الدوق الأكبر إيان كلاود من إمبراطورية ليفانت، وصاحبة السمو، الدوقة الكبرى إيلويز كلاود، أهلاً وسهلاً.”
“حسنًا سيدتي، سأتوجه إلى مقعدي الآن. سأكون في أكثر الأماكن وضوحًا، فلا تقلقي.”
“متى شعرت بالقلق بشأن… لا بأس، حسنًا.”
“الدوقة الكبرى، من هنا من فضلك.”
أفلت إيان يدي على مضض، وتبعتُ السيدة إيفرمور نحو الكواليس.
على عكس تدريب الأمس، حيث لم يكن هناك سوى عدد قليل من الحضور، كان الموظفون اليوم في حالة نشاط.
كان صوت الطبول يُعلن بدء الفعالية مُسموعًا من الأعلى.
“من هنا إلى غرفة الانتظار، سموكِ.”
ما إن دخلتُ غرفة انتظار كبار الشخصيات، حتى جلستُ بينما أرتني السيدة إيفرمور ورقة الإشارات وشرحت لي بعض التعليمات.
“تم شرح معظم هذا خلال التدريب. اليوم، سيكون هناك حجر لتضخيم الصوت في منتصف المسرح. يُرجى الوقوف أمامه عند إلقاء خطابك.”
“سأفعل.”
بعد أن أخبرتني السيدة إيفرمور بإمكانية استدعائها عند الحاجة، غادرت لتهتم بأمور أخرى، تاركةً إياي وحدي في غرفة الانتظار.
ألتفتُ حولي.
على الأريكة الفخمة التي جلستُ عليها، كانت هناك كرات إضاءة سحرية، وطاولة صغيرة، وبعض المرطبات والشاي المُعدّ.
بينما كنتُ أتأمل المكان، نقرتُ على مسند الكرسي بأطراف أصابعي.
“همم، سيصلون قريبًا.”
وكأنهم كانوا ينتظرونني، سمعت طرقٌ على الباب، أعقبه صوتٌ من الخارج.
“سيدتي، لقد وصلت المديرة لرؤيتك.”
‘ها هم.’
“ادعُهم.”
بعد إذني، دخلت المديرة غرفة الانتظار برفقة سكرتيرتها.
وقفتُ برشاقة وانحنىتُ لها بأدب.
“سيدتي المديرة، شكرًا لكِ على وقتكِ الثمين والمجيء إلى هنا.”
“لا داعي للشكر. جئتُ لأُلقي التحية.”
ابتسمت المديرة بحرارة وتبادلت معها المجاملات المعتادة حول الخطاب.
لكن هذا ليس سبب انتظاري لها. دون تردد، دخلتُ مباشرةً في صلب الموضوع.
“إذن، هل فكرتِ في اقتراحي؟”
اتسعت عينا المديرة قليلاً، وكأنها مندهشة من صراحتي، لكنها سرعان ما أومأت برأسها.
“أجل، لقد فكرتُ في الأمر ملياً…”
“….”
“صاحبة السمو مُحقة. لا يُمكننا مُخالفة مبادئ مديرنا المؤسس. سأضمن إرسال دعوة القبول إلى “راين” في أسرع وقت.”
ارتسمت ابتسامة عريضة على وجهي.
هذا أقرب إلى الواقع.
“أحترم قرارك الصعب. الآن يُمكنني إلقاء خطابي بصدق.”
كنتُ قد أعددتُ خطاباً يتماشى مع المبادئ التأسيسية للأكاديمية. لو أن تصرفات المديرة تناقضت مع تلك القيم، لكان خطابي سيبدو فارغاً.
في تلك اللحظة، سُمع طرقٌ آخر على الباب.
“صاحبة السمو، حان وقت صعودكِ على المسرح.”
“مفهوم. أيتها المديرة، أراك قريبًا.”
“بالتأكيد، سموكِ.”
بعد وداع قصير، تبعتُ الموظف نحو المسرح.
“إذا صعدتِ هذا الدرج، ستكونين على المسرح. هو لا يختلف عما تدربتِ عليه، فلا تتوتري كثيرًا.”
أومأتُ برأسي وصعدتُ الدرج.
بينما صعدتُ إلى المسرح، انسكبت عليّ أشعة شمس الظهيرة المبهرة، مما جعلني أفتح و أغلق عيوني.
مشيتُ إلى منتصف المسرح، إلى الحجر السحري المضخم للصوت، ونظرتُ إلى الجمهور.
تجمدتُ في مكاني.
مهلا…
مع أنني رأيتُ مقاعد الجمهور أثناء التدريب، إلا أنها بدت لي الآن غريبة تمامًا.
لأنها كانت فارغة بالأمس. الآن، ملأها عشرات الآلاف من الناس، و جميعهم كانوا يحدقون بي مباشرةً.
في تلك اللحظة، كان عليّ أن أتراجع عما قلته عن عدم شعوري برُهاب المسرح.
هذا عددٌ كبيرٌ جدًا!
انقطعت الأفكار عن ذهني تمامًا.
في تلك اللحظة، انخفضت نظرتي قليلًا، ورأيت إيان يحدق فيّ.
التعليقات لهذا الفصل "127"