كنت أتحرك ببطء نحو قصر اللازورد مستندة إلى دلْفينا. كان سيزار قد انطلق بالفعل لإنقاذ لوسيا، والآن حان دوري لكسب الوقت.
وصل كاهن من الفاتيكان في توقيت مناسب تماماً، وكان يحقق أمام تمثال القديسة موضوع القضية.
وكان هناك حشد غفير من الناس بالإضافة إلى كاهن لجنة التحقيق. لقد انتشرت أخبار المعجزة المنسوبة لهذا التمثال في أرجاء القصر الإمبراطوري، وزادت المسألة تعقيداً مع مجيء وفد من الفاتيكان، وبالتحديد من
“لجنة التحقيق في المعجزات”.
ارتسمت على وجهي ابتسامة واثقة. جميع هؤلاء الناس الذين اجتمعوا هنا سيكونون شهوداً على ما سيحدث لاحقاً.
سألت آبر، الذي كان مختبئاً بين أطراف كمّي:
“ما الجديد عن تحركات الإمبراطورة؟”
كان هذا الفرخ العجيب يتمتع بقدرة مذهلة على التنقل خلسة داخل القصر، مما جعله مثالياً للتجسس السري.
قال وهو يرفرف بجناحيه كأنه يسخر:
“كانت غاضبة بشدة. كانت تصرخ وتحطم الأشياء.”
تمتمت قائلاً: “الآن لم يبقَ سوى أن ينجح سيزار…”
فأجاب آبر مشجعاً:
“لا تقلقي، سيدتي، سيقوم بالأمر على أكمل وجه!”
“شكراً، آبر.”
نعم، كنت على يقين من أن سيزار سينجح. كنت أؤمن به. والآن حان دوري لأشغل هؤلاء الناس.
اقتربت من الكهنة. سلّم عليّ كاهن مسن حليق الرأس وكاهن شاب.
قال الكاهن المسن:
“سمو الأميرة، هل صحيح أنك شهدتِ المعجزة كما ورد في هذه الرسالة؟”
أجبت بعد لحظة من التردد:
“نعم، هذا صحيح.”
سألني الكاهن المسن مرة أخرى:
“يا لها من مصادفة، سموّك، ولكن لا نشعر بأي طاقة مقدسة تنبعث من هذا التمثال.”
وأضاف الكاهن الشاب:
“بل نشعر، إن صح القول، بأثر من السحر بدلاً من الطاقة المقدسة.”
بدأ الناس الذين تجمعوا حول التمثال في الهمس والضجيج عند سماع ذلك.
“أتقصد أن ما رأيناه لم يكن معجزة؟”
“لا، لا يمكن! لقد رأيت المعجزة بعيني!”
“لكن كهنة الفاتيكان قالوا ذلك. لا يمكنهم الكذب!”
بدأت الفوضى تنتشر. بعض الناس انهمروا بالبكاء في تلك اللحظة.
سرتُ ببطء حتى وقفت أمام تمثال القديسة.
قلت بصوت مسموع: “في الفجر، سمعتُ الصوت.”
التفت الجميع إليّ، وانتظرت بصبر أن يصمتوا ويصغوا إليّ.
ساد صمت تام، ولم يعد أحد يتحرك، وكلهم ينتظرون كلماتي.
“بينما كنت نائمة بعمق، سمعت صوت الحاكم. كان صوتاً واضحاً ومدوياً كالرعد، جعلني أفزع من نومي!”
خرجت همسات تعجب من بين الحشود. بدت الدهشة على وجهي الكاهنين، لكنهما لم يكن باستطاعتهما مقاطعتي، فمكانتي كأميرة ولي عهد تفوقهما.
تابعت الخطاب الغريب قائلة:
“في البداية، ظننت أن أحدهم يصرخ في الخارج. هكذا كان الصوت مرتفعاً وعظيماً. لكن لم يكن هناك أحد. كانت الليلة ساكنة، والصوت وصل فقط إلى أذني! لقد كان حديثاً خاصاً من الحاكم لي وحدي!” ((استغفر الله العظيم 🫠))
قد تبدو هذه الكلمات مثيرة للسخرية، لكنني كنت بحاجة إلى كسب الوقت. كلما ازداد انشغال الناس بكلامي، كان ذلك أفضل. فسيزار يمكنه إنهاء مهمته في تلك الأثناء.
رفعت الإنجيل والصليب عالياً فوق رأسي.
آه، يا للحرج!
“نعم، كان صوت الحاكم ! لقد مسح رأسي بالزيت وقال لي: (يا خروفي الأمين، اقتربت نهاية كل شيء، فاستعد وكن متيقظاً، وصلّ!) فجمعت يديّ بسرعة وصليت. ثم قال لي الحاكم: (عندما تشرق الشمس، توجّهي إلى القصر المرصع بالجواهر الزرقاء، وبيّني قوتي!)”
ثم تابعت: “وبالفعل… رأيتُ هنا معجزة الحاكم…”
انحنيت قليلاً وانهمرت دموعي. لم يكن من السهل الاستمرار في هذا التمثيل، لكنني كلما تذكرت الطفلة الصغيرة التي تعاني في الأسر، امتلأ قلبي حزناً واندفاعاً.
“لقد شاهدتُ بعيني! رأيت كيف شفى المرضى وأزال معاناة البشر! سمعت كل تلك النداءات العظيمة، كالرعد! كيف يمكنكم القول إن هذه المعجزة كاذبة؟!”
ارتفع صوتي في ساحة النافورة، يجلجل بقوة.
“أرجوك، سيزار، أنقذ لوسيا بسرعة! لم أعد أحتمل هذا الحرج!”
في تلك اللحظة، أعلن أحد الخدم وصول شخصية:
“تحيا الإمبراطورة الجليلة لدولة آستيريا! حامية الصليب الخشبي والوردة، ممثلة الرحمة والنقاء، جلالة الإمبراطورة كورنيليا! على الجميع أن يقدموا التحية!”
لقد حضرت الإمبراطورة. حسناً، هذا أفضل. لم أعد مضطرة للاستمرار في هذا التمثيل الهزيل.
خلف الإمبراطورة، ظهرت الكونتيسة إلفيرا، بوجه شاحب متصلّب، واليوم أيضاً لم تستطع إخفاء توترها.
اصبري قليلاً بعد، لوسيا ستنقذ قريباً.
قالت الإمبراطورة كورنيليا بابتسامة باهتة:
“ما كل هذه الضوضاء؟”
اقتربت منا بخفة، ووجهها ملئه الابتسامة، لكنني كنت أعرف الحقيقة القبيحة خلف هذا القناع الجميل.
قال الكاهنان بسرعة:
“لتكن بركة الرب معك، جلالة الإمبراطورة.”
أجابت بإيماءة بسيطة ثم اقتربت مني.
“سمعت أن الأميرة شهدت معجزة، هل هذا صحيح؟”
فتحت عينيّ بأكبر قدر ممكن، ونظرت إليها بوجه تغمره الفرحة.
ارتبكت للحظة، لكنها تابعت.
“هل أنتِ متأكدة من أن ذلك كان صوت الحاكم؟”
قلت:
“قداسة اعترافي يمكنه تأكيد صدقي. كيف يمكنكم الشك في نداء الحاكم؟”
نظرت إليها بثبات، فتراجعت خطوة. كان ما أقوله غير معقول، لكن من الصعب إنكار من يدّعي أنه سمع صوت الحاكم أمام كهنة الفاتيكان.
ثم فجأة، اهتزت الأرض بصوت قوي، تلاه صوت زجاج يتحطم.
“ما الذي يحدث؟!”
“آآااه!”
“هل هذه هزة أرضية؟!”
أحاط الحرس الإمبراطوري بالإمبراطورة، يحمون رأسها بالعباءة، ويحذرون من أي خطر.
بدأ الناس يركضون، وفتح الكهنة أعينهم بدهشة أمام هذا الحدث الغريب.
كان صوت التحطم ناتجاً عن انفجار النوافذ الزجاجية، ثم، عندما ساد الصمت، غمرنا ضوء ذهبي لامع يكاد يعمي الأبصار.
في تلك اللحظة، عرفت أنه قوة القداسة التي حررها سيزار من لوسيا.
لقد اختفى ألم كاحلي الذي كان يزعجني من طول السير في لحظة واحدة.
كانت معجزة حقيقية، ليست خدعة مثل تلك التي اختلقتها.
وقف الجميع مبهورين، يتلقّون الضوء الذهبي المتساقط كغبار النجوم على أجسادهم.
“ما، ما هذا الضوء؟”
“إنها معجزة!”
شعر الناس بأن آلام أجسادهم الصغيرة اختفت، بقوة تفوق بكثير ما شعروا به عند تمثال القديسة.
لقد كانت حقاً قوة قداسة حقيقية.
حتى الكهنة أصيبوا بالذهول، وفتحوا أفواههم من الدهشة.
“أبونا جيليانو؟”
“م، ما هذا بحق السماء؟!”
كانوا يريدون معرفة مصدر هذه القوة الهائلة.
أراد جيليانو استخدام أداة سحرية لكشف الطاقة، لكنه توقف. لم تكن هناك حاجة لذلك.
حتى الناس العاديين الذين لا يعرفون شيئاً عن السحر صرخوا بأنها معجزة، فما فائدة الأداة؟
قال أمبروزيو، وهو يرتجف من التأثر، مرسوماً علامة الصليب:
“إنها قوة قداسة، بل هائلة جداً.”
“يا إلهي، أمبروزيو. هذه أول مرة أرى فيها هذه القوة العظيمة بعيني.”
عندما تلاشى الغبار، ظهرت صورتان لشخصين.
رجل طويل القامة، وطفلة صغيرة ضعيفة البنية.
لكن جسديهما كانا يتلألآن كلياً بالذهب، ولم يكن من السهل النظر إليهما مباشرة.
راح الجميع يضيّقون أعينهم محاولين تمييز هويتهما.
التعليقات لهذا الفصل " 98"