سقط الملقط المعدني على أرضية الرخام محدثًا ضجيجًا معدنيًا صاخبًا. وبسبب ذلك الصوت، انكمشت الخادمات جميعًا وألصقن وجوههن بالأرض.
ارتجف جلد الإمبراطورة الشاحب قليلاً، وبرز عرق أزرق على عنقها.
“زوجة ولي العهد، ماذا فعلتِ بحق السماء؟”
“صاحبة السمو زوجة ولي العهد… قامت، هي، بإرسال رسالة إلى الفاتيكان… بنفسها.”
الخادمة التي نقلت الخبر بدأت ترتجف وهي تبكي، إذ أنه من الواضح أن من أغضب الإمبراطورة كانت زوجة ولي العهد إيرينيا، ولكن لم يكن من المعروف بعد على من سينصبّ غضبها المتفجر.
أغمضت الإمبراطورة عينيها وزفرت ببطء نفسًا خشنًا. شميرسيت، وقد تأثر بمشاعر سيدته، أخذ يزمجر بقلق ويجول هنا وهناك في كل الاتجاهات، ولم تستطع أرجل الخدم أن تستقيم من شدة الرهبة.
“… إذن؟”
عندما كسرت الإمبراطورة الصمت الطويل وتكلمت، انحنت رؤوس الخادمات بعمق.
“إذن من هؤلاء الذين يقال إنهم سيأتون من الفاتيكان، ولماذا سيأتون؟”
الخادمة التي كانت قد نقلت المعلومة إلى كورنيليا بدأت تشرح ببطء مجريات الأمر.
“الوفد الذي كان يقترب من العاصمة لم يكن وفدًا عاديًا، بل كان ما يعرف بـ “فرقة التحقيق في المعجزات”، وهي مشهورة حتى داخل الفاتيكان.”
فالمعجزات الحقيقية يصعب تفسيرها في إطار الفهم البشري البحت، ولهذا السبب، كان من الطبيعي أن تحقق الكنيسة بدقة في أي ظاهرة يُشتبه بكونها معجزة.
وأحيانًا، كانت بعض الأراضي تبتدع هذه المعجزات لجني الأرباح. فيتم تصنيع قديسين مزيفين، ويعرضون جثثهم أو مقتنياتهم على أنها مقدسة، ويتقاضون المال لقاء عرضها، وهي ممارسات تجارية منتشرة.
لذلك أنشأت الكنيسة فرقة تحقيق خاصة للغاية تتكوّن من كهنة ذوي تقوى عظيمة، وكان ذلك ما يُعرف بـ “فرقة التحقيق في المعجزات”.
“كيف لي أن أجهل أمرًا بهذه الأهمية؟!”
الفاتيكان كانت دولة مدينة مستقلة، ذات سلطة تعادل سلطة ملوك الدول. وكانت فرقة التحقيق في المعجزات مؤلفة بمشاركة ستة عشر أبرشية تحت لوائها، حيث تقوم هذه الفرقة بالتحقيق في المعجزات المزعومة في أنحاء البلاد بعد اختيار دقيق من قبل الفاتيكان.
وإن ثبت أن هذه الظاهرة معجزة حقيقية، تُقدّس على أنها ذخيرة مقدسة، أو يُعترف بصاحبها كقديس تُقام له مراسم إعلان القداسة.
وكانت هذه الفرقة الآن تتوجه إلى قصر اللازورد للتحقيق في معجزة نسبت إلى تمثال القديسة المنصوب في ساحة نافورة القصر.
ولم تكن بيد كورنيليا أي وسيلة لمنع ذلك.
************
“سيزار، استمع جيدًا.”
هزّ سيزار رأسه موافقًا على كلامي.
“قالوا إن لوسيا موجودة في الطابق السفلي من قصر اللازورد”
“نعم. الطابق السفلي من قصر اللازورد.”
“هل أنت قادر حقًا على فعلها؟”
حينها نظر إليّ سيزار بنظرة حزينة بعض الشيء.
“ربما…”
في تلك اللحظة، أمسكت خديه بكلتا يديّ وقلت بحزم:
“‘ربما’ لا تكفي. هل تستطيع فعلها حقًا؟”
“نعم.”
هزّ سيزار رأسه مؤكدًا. وبسماعي للإجابة الحاسمة، اطمأن قلبي أخيرًا. فهذه المهمة كان لا بد أن يكون سيزار محورها الأساسي.
“بحسب ما قاله ريشار، فإن سبب عدم قدرة لوسيا على استخدام القوة المقدسة هو تدخل الإمبراطورة.”
“نعم.”
أجاب بشكل جيد حقًا. فقمت بقرص أنفه بلطف.
“إذن، ما هو دورك يا سيزار؟”
“بينما يصرف رين الأنظار، أبحث عن لوسيا وأحرر قوتها المقدسة.”
ردد سيزار المهمة التي تم تكرارها عدة مرات من قبل. فربتُّ على شعره بخشونة.
“صحيح، أحسنت.”
“حقًا؟”
“نعم، إذا لم تفعلها هذه المرة، فسيحدث أمر خطير جدًا.”
أضفت نبرة جدية على الجزء المتعلق بالخطر. وبعد سماعه لذلك، بدا سيزار وكأنه توتر قليلًا وسعل لتصفية صوته.
“سيزار سيفعلها بإتقان.”
ربتُّ على شعره مرة أخرى.
“وإذا نجحت هذه المرة، ماذا ستحصل؟”
“أ… أأه؟”
“ماذا تريد مكافأة؟”
“أ… شيء جيد، ربما؟”
“وما هو الشيء الجيد؟”
في تلك اللحظة، راودني شعور غريب. فقد اعتاد في الماضي أن يكتفي بلمسة على الرأس كمكافأة، أما الآن فهو يطالب بجزاء ملموس، مما يدل على أنه كبر ونضج. لعل هذا ما يشعر به الأهل عندما يشاهدون نمو طفلهم. ومع ذلك، فالنمو الحقيقي لا يتحقق فقط بالمكافآت.
“حسنًا… ذلك يعتمد على مدى إتقانك لما ستفعله، أليس كذلك؟”
لكن إصرار سيزار كان لافتًا.
“إذن إن فعلت ذلك جيدًا، هل ستعطيني شيئًا جيدًا؟”
كان يسألني وكأنه يضعني في الزاوية. فلم يكن لدي خيار سوى الرد:
“أه، نعم. إذا نجحت المهمة، سأحقق لك شيئًا واحدًا من الذي تريده.”
اضطررت لإعطاء ذلك الوعد. ولكن هذه المرة، مدّ سيزار إصبعه الخنصر نحوي.
“إذن فلنُبرم وعدًا.”
“هاه؟”
كان ذلك ما علّمتُه إياه منذ زمن بعيد، وكنت أظن آنذاك أنه لا يعرف حتى ما يعنيه ربط الإصبع الصغير.
ولكنك كنت تتذكر كل شيء يا سيزار؟
أجبتُ وأنا أختنق بعاطفة غامرة:
“حسنًا، سيزار، سأفعل لك أي شيء!”
ولم يكن هناك شك أن هذه الكلمات أصبحت لاحقًا سببًا في ندمي العميق.
**ملاحظات المترجمه ** (ولدنا الظاهر حيجيب فيها العيد 😭)
**************
باشرت فرقة التحقيق في المعجزات التابعة. للفاتيكان عملها داخل القصر الإمبراطوري للتحقيق في المعجزة المزعومة.
خادمة أظهرت يدها وقالت عن معجزة تمثال القديسة:
“لقد شُفيت جراح يدي بفضل هذه المعجزة!”
قالت إنها عندما صلّت، أزالت القديسة الألم بنفسها، بل وأكدت أنها رأت القديسة وسَمِعَتْ صوتها.
كانت تكرر الكلام وهي تذرف دموعًا غزيرة، وكأنها شعرت بالفعل بالمعجزة.
“عندما اقتربت من التمثال، اختفى الصداع المزمن الذي كنت أعاني منه دائمًا.”
وكانت خادمة أخرى أكثر منطقية. كانت تقوم دائمًا بتنظيف الأرضية، مما يسبب لها ألمًا في الرقبة والرأس.
ولكن عند اقترابها من التمثال، اختفى الصداع فجأة وأصبحت تشعر بصفاء في ذهنها. وكانت هناك خادمات أخريات، إحداهن شُفيت من ألم الأسنان، وأخرى اختفى ألم حيضها، وحتى سيدة ادعت أنها أنجبت بفضل التمثال.
“ما رأيك، أيها الكاهن جيليانو؟”
كان الكاهن أمبروسيو، أحد أعضاء فرقة التحقيق، راهبًا مسنًا يرتدي رداءً رماديًا وقد حلق رأسه وفقًا لطقس التونسورا (الحلق الشعائري في أعلى الرأس). فسأل زميله وتلميذه جيليانو. رغم أن الأخير لم ينل بعد سر الكهنوت، إلا أن قوته الروحية كانت هائلة.
كانا ينظران إلى التمثال بينما أيديهما مشتبكة على صدريهما.
“لا أعلم، هناك أمر غير طبيعي في هذا. لكن لا أظن أن شهادات هؤلاء النساء كاذبة.”
“أفهم، بما أنك تقول ذلك يا كاهن جيليانو.”
أقرّ أمبروسيو بذلك. ثم اقترب جيليانو من التمثال ولمسه بيده.
“لكن هذا الوضع غريب للغاية. لو كان تمثال القديسة قد أحدث المعجزة، لكان من المفترض أن نشعر بالقوة المقدسة.”
“همم…”
دار الكاهنان حول التمثال يتفقدانه من زواياه.
“كما توقعت.”
“هل تشعر بالأمر نفسه؟”
نظر الكاهنان إلى بعضهما البعض وهزّا رأسيهما.
“هذه ليست معجزة.”
قالا ذلك بثقة تامة. ركّز جيليانو مرة أخرى ولمس وجه التمثال بيده.
“أشعر بآثار طاقة سحرية خفيفة على وجه التمثال.”
سعل أمبروسيو وسأله:
“من الذي قام بتدبير هذا الأمر…؟ لا أستطيع فهم السبب على الإطلاق.”
“لا نعلم الدافع، ولكن أفضل طريقة لمعرفة الحقيقة هي سؤال مرسل هذه الرسالة.”
وفي تلك اللحظة، أعلن المرافق قدوم صاحبة الرسالة.
“صاحبة السمو، زوجة ولي العهد الأولى للإمبراطورية أستيريا قد وصلت.”
وكانت هناك امرأة تقترب وهي تترنح، تتكئ على خادمة. كانت شقراء باهتة ترتدي ثوبًا بلون هادئ. رغم زينتها البسيطة، كانت فاتنة الجمال.
لكن ما كان يلفت الأنظار أكثر هو هالتها الحزينة والباهرة في آن واحد، حتى أن الكهنة المتعففين فُوجئوا بجمالها.
” يشرفني لقاؤكم، أيها الكهنة.”
كانت نظراتها الذكية مليئة بالفطنة. وبمجرد أن رآها الكاهن المسن أمبروسيو، شعر بالطاقة الطيبة المنبعثة منها.
“بركات الرب عليكم، إنه لشرف لنا لقاؤكم، يا صاحبة السمو.”
ناولها جيليانو الرسالة وسألها:
“صاحبة السمو، هل حقًا رأيتِ المعجزة كما ورد في هذه الرسالة؟”
رمشت زوجة ولي العهد مرة بعينيها، ثم تنهدت بخفة. وفي تلك اللحظة، انقبض صدر الكاهن الشاب.
ثم انساب صوتها الرطب والناعم، يدغدغ آذانهم:
“نعم، هذا صحيح.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 97"