نظرًا لأن الطاقة المقدسة كانت هائلة جدًا، فقد كان هناك خطر انكشاف الأمر أمام كرسي المبعوث، لذا قامت الإمبراطورة بإخفاء تلك الحقيقة عنهم من خلال نقش علامة خاصة على جسد لوسيا. كانت هذه العلامة تخفي الطاقة المقدسة نفسها، وإذا استخدم الشخص الذي يحملها تلك الطاقة، فسيعاني من ألم يمزق أطرافه. وهكذا، فإن الألم الذي تشعر به لوسيا سيصبح سمادًا يقوي السحر الأسود الذي تستخدمه الإمبراطورة كورنيليا.
«إذا كان الألم شديدًا للغاية، فقد يؤدي إلى الموت.»
بهذه الطريقة، هددت الإمبراطورة إلفيرا.
«لذا، من الأفضل أن تحذري ابنتك جيدًا، أليس كذلك؟»
وهكذا، تم إخفاء الطفلة عن أعين كرسي المبعوث.
قامت إلفيرا بمدّ يدها لتمسح ظهر ابنتها التي كانت تتألم.
“قلت لكِ ألا تستخدمي الطاقة المقدسة.”
“لكنّكِ كنتِ تبكين، أمي.”
كلماتها هذه كادت أن تمزق قلبها.
“لا، لا يا صغيرتي. أنا بخير. طالما أنني أمسك بيدكِ، فإنني لا أشعر بأي ألم على الإطلاق.”
رغم أن الأذى الجسدي والنفسي الذي تعرضت له الأم والابنة نتيجة تعذيب الإمبراطورة قد أهلكهما، إلا أنهما واصلتا العيش مستندتين إلى بعضهما البعض.
في الوقت الحالي، لم تكن لوسيا سوى رهينة تستخدمها الإمبراطورة للسيطرة على الكونتيسة إلفيرا. ومع ذلك، لم يكن هناك ما يضمن أن لا يتحول هذا الشر ليطال لوسيا مباشرة في أي لحظة.
ولذا كان عليها أن تبذل قصارى جهدها، وهي تتمسك بأملٍ في أن تتمكن يومًا ما من الفرار من هذا المستنقع الذي لا مخرج منه.
كانت تشدّ على القلادة التي لم تخلعها لحظة واحدة من عنقها. قلادة تم توارثها في عائلة الكونت جيلًا بعد جيل، وكان هناك جهاز مخفي خلف الجوهرة بداخلها. داخل ذلك الجهاز، كانت هناك قنينة صغيرة بحجم حبة اللوز.
كانت تلك القنينة بمثابة تأمينها، وملاذها الأخير. لم تكن ترغب في استخدامها، لكن ربما كانت الأمل الأخير، والوسيلة الوحيدة للنجاة من هذا العذاب. كانت تحتوي على سم قاتل يكفي لشخصين، يُمكنه أن يضع نهايةً لكل شيء.
****************
في اليوم التالي، أسرعت للقاء ريشار. كان ذلك لمناقشة ما رأيته في حلم البارحة.
“الطفلة التي ظهرت في حلمي الليلة الماضية هي ابنة السيدة إلفيرا. اسمها لوسيا.”
رفع ريشار حاجبيه بدهشة.
“هل لدى الكونتيسة ابنة؟”
سارعت دلفينا بمساعدتي في الحديث.
“سمعت أن للكونتيسة إلفيرا ابنة. ولكن…”
بدت تعابير وجه دلفينا قاتمة، مما اضطرني للسؤال:
“ولكن؟”
“سمعت أن تلك الطفلة كانت ضعيفة جدًا لدرجة أنها توفيت فور ولادتها.”
“حقًا؟”
“نعم…”
“ابنتها… ماتت؟”
استعدت ذكريات الحلم. الطفلة كانت في عمر يسمح لها بفهم ألم والدتها والتحدث معها.
“لا، لا يمكن. أنا متأكدة أن تلك الطفلة ما زالت على قيد الحياة.”
استحضرت تفاصيل الحلم مجددًا.
“أعتقد أنها في مكانٍ ما داخل القصر الإمبراطوري. فغرفة نومها كانت تشبه جناح الزمرد الأخضر خاصتنا.”
هزت دلفينا رأسها، كما لو أنها تذكرت شيئًا.
“سمعت أنه يوجد مكان يجتمع فيه أبناء الإمبراطورة بالتبني.”
“أبناء الإمبراطورة بالتبني؟”
“نعم. صاحبة الجلالة الإمبراطورة ترعى العديد منهم. أغلبهم من أبناء عائلات النبلاء الذين لها علاقات وطيدة بهم. بعضهم يعيشون في القصر ويصبحون أذرعًا للإمبراطورة.”
“ربما تكون ابنة الكونتيسة هناك.”
لكن دلفينا هزت رأسها بحزن.
“عادةً ما يبدأ هؤلاء الأطفال بالعيش في القصر بعد بلوغهم سن الرشد. وإن كانت ابنة الكونتيسة على قيد الحياة، فمن الغريب أن تُرسل طفلة صغيرة للعيش في القصر بمفردها.”
وأضافت أن الحفل القادم الذي تستضيفه الإمبراطورة كان أيضًا لاختيار هؤلاء الأبناء بالتبني. في الحفل السابق، تم اختيار جيوفينيتا كواحدة منهم. الإمبراطورة كانت تنتقي الأطفال الموهوبين من بين النبلاء وتصبح وصيتهم، وهو شرف كبير لأنه يعني دعمًا مباشرا من الإمبراطورة.
“لكن الطفلة التي رأيتها في حلمي لم تكن في مثل هذا الوضع.”
كان علي أن أعثر على تلك الطفلة. ولكن القصر الإمبراطوري كان واسعًا للغاية، فكيف أعثر على فتاة صغيرة فيه؟
“آه، تذكرت…”
عندما تذكرت كيف تدفقت قوة دافئة من يد الطفلة في الحلم، قال ريشار وكأن شيئًا خطر بباله:
“ربما تكون تلك الطاقة هي الطاقة المقدسة.”
“الطاقة المقدسة؟”
بدأ يشرح لي عنها.
“ألم أذكر لك من قبل أن الألم النقي للإنسان هو أفضل وسيلة لتقوية السحر الأسود؟”
“نعم، هذا ما استنتجناه وقت إصابة الكونتيسة في ظهرها.”
“لكن هناك طريقة أكثر فاعلية، بل أكثر كفاءة.”
“هل هي الطاقة المقدسة؟”
هز رأسه بجدية.
“لا يشترط أن تكون الطاقة المقدسة، لكنها أكثر موثوقية.”
“ولماذا؟”
أوضح لي أن الطاقة المقدسة تشبه إلى حد ما القوة السحرية المستخدمة عادة من قبل السحرة، ولكنها تختلف عنها في خصائص معينة. وما زال الجدل قائمًا بين السحرة حول الفرق بينهما.
“لكن الطاقة المقدسة هي القوة السحرية الوحيدة المعترف بها رسميًا من قبل كرسي المبعوث”
“وما الفرق الذي يحدثه هذا الاعتراف؟”
“الفرق كبير. الإيمان الأعمى بحد ذاته يحمل صفات روحية وتوسلية تمنحه قوة خاصة.”
رأى أننا بدأنا نبدو مشوشين من شرحه المعقد، فتنهد وقال:
“ببساطة، إن إيذاء من يمتلك جوهر الإيمان — أي الطاقة المقدسة — يجعل منه مادة لا تضاهى في قوة السحر الأسود.”
وإذا كانت تلك الطفلة بالفعل ابنة الكونتيسة، فلا شك أنها لن تتجاهل ألم والدتها. وإذا كان الشخص المتورط يجيد استخدام السحر الأسود، فلن يُغفل هذا الجانب أبدًا. فإذا تم تحفيز شخص قادر على استخدام الطاقة المقدسة ليشعر بالألم، يمكن تحقيق مكاسب أعظم.
شعرت بأنفاسي تنقطع مع كلام ريشار المتواصل.
“…هل تقصد أن الطفلة مجرد مادة للسحر الأسود؟”
في تلك اللحظة، تذكرت صوتها الصغير في الحلم، ويدها النحيلة الصغيرة. بالكاد تبلغ الخامسة أو السادسة من عمرها.
“كيف يمكن أن يحدث شيء… كهذا…”
كيف يمكن التضحية بطفلة صغيرة كهذه؟ حينها، قال ريشار بوجه قاتم:
“ولهذا يُقال عنه سحر شرير.”
“إذا كان الأمر كذلك، إذن يجب أن…”
كان علي أن أعثر على تلك الطفلة فورًا. بدا ذلك الحل الأمثل.
“ظهور لوسيا في حلمي يعني أنها الخيط الذي سيساعدني على تجاوز العقبات، أليس كذلك؟”
“أجل.”
أومأت برأسي، ثم أعلنت بحزم:
“سأجد لوسيا حتمًا.”
لكن كيف؟ كيف أعثر على طفلة مخفية بعناية داخل القصر؟
عندها، هز سيزار رأسه وقال:
“ربما آبر يستطيع.”
استدعاه على الفور. وفورًا، ظهر نور ذهبي لامع، وظهر آبر في الهواء. وما إن ظهر، حتى فتح منقاره على مصراعيه وقال بصوت صاخب:
“أنا أستطيع!”
“ماذا؟”
بهذه السهولة؟
“إذا استعنت بالأرنب، يمكنني ذلك.”
“الأرنب؟”
هل يقصد برناديتا؟ وقبل أن أطرح سؤالي، اختفى آبر من الهواء. وبعد لحظات، سُمع صوت طرق على الباب، ودخل آبر بوجهه البريء وبرناديتا التي كانت تتدرب على السحر في الغرفة المجاورة.
صعد آبر على رأس برناديتا وقال بثقة:
“نحن نبحث عن من يملك الطاقة المقدسة، أليس كذلك؟ وحدي لا أستطيع، لكن إن أعارتني الأرنب قوتها السحرية، فذلك ممكن.”
“حقًا؟”
هتفتُ بصوت مليء بالحماسة والفرح.
أما برناديتا، فلم تكن تفهم شيئًا مما يجري، بدت حائرة تراقب وجوهنا.
“أوه، نسيت أن أشرح للأرنب.”
فسّرت لها الموقف بطريقة مبسطة.
“هناك أشرار قاموا بحبس طفلة صغيرة.”
“أشرار؟”
“نعم، والطفلة صغيرة جدًا، أصغر منكِ بكثير.”
عندها، بدا على وجهها تعبير جدي، وسألتني:
“هل هذه مهمة سرية؟”
“أه، أهه؟ نعم، مهمة سرية!”
هزت برأسها وأغمزت بعينها ثم قالت بحزم:
“حسنًا، سأفعلها!”
**********
بينما انطلقت برناديتا وآبر للبحث عن لوسيا، توجهتُ إلى الكونتيسة إلفيرا.
في العادة كانت تزور جناح الزمرد في هذا الوقت، لذا لم يكن من الصعب العثور عليها.
لم أستطع تجاهل الأمر بعد أن علمت حقيقتها.
“كونتيسة؟”
ناديتها، وكان ذلك أمرًا نادرًا جعلها تلتفت نحوي مندهشة. فنحن لم نتبادل أكثر من التحايا الرسمية الباردة في المعتاد، مما جعل الجو يسوده بعض التوتر.
“ما الأمر، سموّ الأميرة؟”
سألتني بعينين مليئتين بالريبة.
ترددت قليلًا، ثم أخرجت شيئًا من جيبي ووضعته في يدها.
“خذي هذا.”
“ما هذا…؟”
“مرهم يساعد على الشفاء.”
بدت تعابير وجهها غير مرتاحة، قبل أن تتجمد مجددًا كالعادة وتتحول إلى الجمود.
“ما السبب المفاجئ لهذا؟”
“لا شيء. فقط لأن هذا المرهم من صنع ريشار، وهو فعّال جدًا.”
ربما بدوت غريبة بالنسبة لها. من المؤكد أنها تظن أنني لا أعرف عن إصابتها. كانت تظن أنها أخفت الأمر جيدًا.
بالإضافة إلى أن علاقتنا لم تكن، بأي حال، ودية أو حميمة.
“لا يمكنني قبول هذا…”
حاولت أن تعيد لي المرهم، لكنني سبقتها واستدرت مسرعة، تاركةً المكان.
التعليقات لهذا الفصل " 94"