في صباح اليوم التالي، لم أعبأ إن كانت الخادمات العجائز قد جئن لأخذ فراشنا أم لا، وانطلقت غاضبة أبحث عن ريشار. كنت أنوي أن أوبخه وأطالبه بتفسير لما فعله بسيزار. وكما هو متوقع، تبعني سيزار.

“سأتحدث مع ريشار وحدي، لذا ابقَ هنا يا سيزار!”

وتحت ضغط حزمتي، لم يستطع إلا أن يومئ برأسه بتعبير خائف.

اندفعت إلى ريشار، لكنّه ببرود واجهني بسؤال مستفز:

“إذًا، في النهاية لم تفعلاها، أليس كذلك؟”

“هـ-هذا…”

نظر إليّ كمن يرى شخصًا تافهًا، ولم يبدُ عليه أي تغيّر في تعبيره، وكأنه لا يكترث بهذه الأمور على الإطلاق.

“هـ-هذا لأن…”

“لماذا لم تفعلاها؟ كان من المفترض أن تكون هذه المسألة مهمة لكِ أيضًا.”

قالها بنبرة جادة كأنها نصيحة. لكنني لم أستطع البوح بأن السبب هو أن ما لدى سيزار كان… كبيرًا جدًا. لذا همست له بذلك، فجاء رد فعله غير متوقّع:

“كم هو مثير للشفقة. معظم النساء البشريات يُفضّلن ذلك النوع، أليس كذلك؟”

“ماذا؟!”

“كلما كان الرجل _”

“آآآآآآه!!!”

أيها الساحر المجنون! لم أستطع الاستماع لكلماته أكثر من ذلك، فصرخت في وجهه بأعلى صوتي.

“ما الذي يجري؟”

اقتربت برناديتا، وقد سمعت صراخي الحاد، وأطلت برأسها من الباب. خفت أن تتعرض لأي من ألفاظ هذا الساحر المنحرفة، فأسرعت إلى التظاهر بالهدوء.

“ل-لا شيء! لا شيء أبدًا! أنا بخير تمامًا!”

“أختي، وجهك شاحب، هل أنتِ حقًا بخير؟”

“نعم! أنا بخير تمامًا!”

مددت ذراعيّ وساقيّ بتصنع لأبدو بصحة جيدة، ورفعت صوتي بمرح. نظرة ريشار المحتقرة جعلتني أشعر بالخجل.

ثم تنهد باستياء وتوجّه إلى برناديتا وسألها:

“كيف تسير التدريبات؟”

قالت له إنها بدأت تتقن التحكم بالماء، وكانت تتدرّب على تكوين قطرات الماء.

“انظر، أصبحت هذه القطرة بهذا الحجم الآن.”

مدّت يدها، وشكلت كرة من الماء بحجم رأس إنسان بالغ. بدا ذلك مذهلًا.

“إنها تجمع الرطوبة من الجو وتُشكّلها بهذا الشكل. حتى في السحر، لا يمكن خلق شيء من العدم تمامًا.”

أخذت تثرثر بمعلومات لا أعرفها، فأحسست بالفخر بها، وربّت على رأسها بلطف.

“أرنبتي الصغيرة، أنتِ رائعة فعلًا.”

وبينما كان ريشار يراقبنا بسخرية، استأذن للحظة ودخل مختبره. فاستغللت الفرصة وسألت برناديتا:

“كيف هي الدروس؟ هل يتصرّف بقسوة؟”

“لا، المعلم لطيف جدًا.”

“ريشار؟!”

“إن لم أفهم شيئًا، يشرح لي حتى أفهم تمامًا.”

رغم أن من الصعب تخيّل ريشار وهو لطيف، لم أستطع تكذيب كلمات برناديتا.

“حقًا؟ سعيد لسماع ذلك.”

“نعم، تعلم السحر ممتع جدًا.”

ربما لم يكن الأفضل لي، لكنه كان معلمةً جيدة لبرناديتا. وذلك كان مريحًا، فقد كنت قلقة حين قرر تولي تعليمها.

عندها، خرج ريشار من مختبره وسلم لي علبة صغيرة.

“خذي هذه.”

“ما هذه؟”

سألته وأنا أتناول العلبة الصغيرة. فقال وهو يتنهد:

“دواء شفاء.”

“عفوًا؟”

“أعتقد أنك ستحتاجين إليه كثيرًا في الأيام القادمة. يساعد على شفاء الجروح. إنه أكثر فعالية من أي علاج تقليدي، فاحتفظي به.”

“…”

نظرت إلى العلبة ثم إلى وجه ريشار.

عندها، وخزتني برناديتا وهمست:

“قلت لك، كنت على حق، أليس كذلك؟”

ضحكت فجأة، دون أن أتمالك نفسي.

“ريشار…”

اقتربت من نصف الجني بوجهه البارد، وقبل أن ينطق بشيء، عانقته بشدة.

“وأنا أيضًا، أنا أيضًا!”

ثم انضم إلينا سيزار الذي كان ينتظر بصمت. وحين رأتنا برناديتا، هرعت إلينا بسرعة.

“آه…”

عندما عانقناه نحن الثلاثة دفعة واحدة، بدا وجه نصف الجني متقلصًا بشدة. كان يكره أي تماس جسدي، لذا كان رد فعله طبيعيًا.

“هاها…”

ولم أستطع سوى أن أضحك بصوت عالٍ.