“أخشى أن تدهور النظافة في هذا المكان قد يضر بصحة سمو الأمير.”
يبدو أنها توقعت أن أرفض الإقامة هنا وأُثير ضجّة.
لكن ردّي غير المتوقع جعل ابتسامة الكونتيسة إلفيرا المتقنة ترتجف قليلاً.
“سيتولى خدم القصر إدارة هذا المكان قريبًا، لم نكن نتوقع هذا الأمر حقًا.”
“حسنًا، أرجو أن تنقلي لجلالة الإمبراطورة شكري لاهتمامها.”
ودّعت الكونتيسة بابتسامة حتى النهاية.
في هذا القصر الواسع، لا بد أن هناك أماكن كثيرة صالحة للسكن، ومع ذلك اختاروا لي هذا الركن المعزول. كان ذلك نوعًا من الإهانة، محاولة لإضعافي وتذكيري بمكاني.
“هاه…”
لكن، لأكون صادقة، هذا النوع من المعاملة لا يُقارن بما عانيته في منزل آل فلوريس.
حقًا، هو تافه إلى درجة تُضحك. ووقاحة نواياهم لم تكن لتخفى حتى لو أرادوا ذلك.
“لا يبدو هذا المكان مختلفًا كثيرًا.”
وصلت الخادمات المُعينات لقصر الزمرد لإخباري بأن الحمّام جاهز.
“سموّك، جئنا لخدمتك أثناء الاستحمام.”
أومأت برأسي نافية، متجنبة النظر إليهن. لم أرد لأحد أن يرى آثار ما تعرضت له.
“من الآن فصاعدًا، لا حاجة لأن ترافقنني أثناء الاستحمام.”
انسحبن بهدوء، وبعد أن تأكدت من رحيلهن تمامًا، غرقت في الماء الدافئ. شعرت أن جسدي المرهق بدأ يذوب ببطء.
خرجت لأجدهن بانتظاري.
“العشاء جاهز، يا مولاتي.”
“وأين الأمير؟”
“سيصل قريبًا.”
كانت الكونتيسة قد أبلغتني بأنني سأشارك قصر الزمرد مع سيزار. على الأقل، وجوده بجانبي سيمنحني بعض الحماية.
مهما قيل عنه، فإنه لا يزال من الدم الإمبراطوري.
جلست إلى المائدة الطويلة في انتظاره.
ولم أحتج وقتًا طويلًا لأدرك كم كنت ساذجة.
“يا إلهي!”
كان يجب أن أدرك الأمر من صوت سلاسل الحديد.
قفزت واقفة بدهشة. سيزار جُرَّ مجددًا إلى الداخل وهو مكبل بالسلاسل ويُسحب كالحيوان.
“أه… آااه!”
وكان فمه مكممًا بقطعة جلد، فأي كلمات تصدر منه تُخنق داخل ذلك القناع.
جسده المقيّد كان مغطى بالجروح، ولم تكن هناك أدنى علامة على تلقيه للعلاج.
أي مهانة هذه؟!
“أي إنسان يُعامل هكذا؟!”
هرعت إليه، لكن أحد الحراس أوقفني.
“ارجعي، يا مولاتي. قد يؤذيكِ.”
في تلك اللحظة، رفع سيزار رأسه فجأة.
عيناه كانتا مشعتين بالغضب، كأنهما تطلقان شررًا.
أنفاسه كانت ثقيلة وصوته أقرب إلى زمجرة.
تحركت يده اليسرى، الأغمق من اليمنى، فانبثقت منها عروق سوداء، وسلاسل الحديد المتينة بدأت بالتمدد ثم تكسرت بصوت مريع.
“اللعنة!”
تحرر جزئيًا، والحراس استعدوا سريعًا بالعصي الخاصة بالقمع، وهي قضبان معدنية تنتهي بأداة شبيهة بحافر الحصان.
سيزار، كمن يوشك على الهجوم، صار أكثر حذرًا.
“آآه…!”
فقد سيزار صوابه تمامًا، وعيناه المحمرتان تلمعان بجنون.
اندفعوا عليه وضربوه بتلك العصي حتى سقط أرضًا.
وبينما كان عاجزًا عن المقاومة، وضع أحدهم قطعة قماش على فمه.
تشنج، قاوم، ثم بدأ جسده يخمل.
“أه…”
ربما احتوت القماشة على مخدر، إذ بدأ يترنح ثم سكن تمامًا.
شاهدت ذلك كله بعينين مذهولتين، والحراس يرفعونه بلا مبالاة ويعيدونه إلى الكرسي، موثقًا مجددًا بالسلاسل.
قال أحدهم وهو يمسح عرقه البارد:
“ننصح بعدم لمس السلاسل أو القناع.”
“إلا إن كنتِ تريدين التخلص من أصابعك.”
ناولني زجاجة صغيرة فيها ما بدا أنه نفس المخدر.
“لأمانكِ، يا مولاتي. إن حدث شيء، ارميها على وجهه.”
غادروا المكان مسرعين.
ثم دخل الخدم حاملين الطعام ووضعوه على المائدة، دون أن يتبادلوا معي نظرات أو كلمات.
بقيت وحدي، أنا وهو، في صمت مطبق.
“ما هذا…؟”
نظرت إلى الطعام، ثم إليه، متسائلة كيف يُتوقع أن يأكل وهو بذلك القناع.
لكن اللغز لم يدم طويلًا. القناع لم يكن مغلقًا تمامًا، بل كان به فتحات شبكية يمكن تمرير الطعام من خلالها.
وكيف عرفت؟
لأن الطعام أمامه قُدّم مع ملقط، لا بأدوات طعام معتادة.
قطع لحم صغيرة، وملقط… كان الغرض واضحًا.
“ما هذا الجنون؟”
هززت رأسي رافضة. لم يكن بينهم من يفكر في معاملته كإنسان؟
نظرت حولي، ولم أجد من ألجأ إليه. شعرت كمن يطفو في محيط بلا شاطئ.
“سيزار…”
قررت إيقاظه. هذه هي المرة الثانية التي أفعلها.
ربما في ليلة الزفاف أُخمد بنفس الطريقة.
اقتربت منه، ما يزال فاقدًا للوعي.
“آه…”
تنهدت بعمق. نظرت إلى وجهه المليء بالكدمات والخدوش.
“يا إلهي…”
حتى هذا الصباح، لم تكن هذه العلامات موجودة. لا بد أنها ظهرت مؤخرًا، وكانت شديدة الوضوح.
“هذا جنون…”
أشعر بدوار. تذكرت الطريقة التي سُحب بها قبل قليل، ولم أحتج كثيرًا لأفهم أن أولئك الحراس هم الجناة.
“مهما يكن، لا يجوز أن يُعامل أحد هكذا!”
حتى لو كان ملعونًا، إنه أمير. هناك حدود دنيا من الكرامة.
لكنهم عاملوه كحيوان، بل أسوأ.
شعرت بغصة خانقة. أعرف تمامًا كم هو قاسٍ أن تُعامل وكأنك لا تملك قيمة.
“…آه… أُه…”
جسده بدأ يتلوّى بصوت تأوه ضعيف.
مددت يدي بحذر ولمست كتفه، فارتعد فجأة كأن يدي كانت نارًا، وبدأ يرتجف.
“آه… أواه…”
كان من الطبيعي أن يفاجئني منظره من جديد، لكن لسببٍ ما، لم أعد أشعر بالخوف منه. أنفاسه المتقطعة كانت تتسرب من بين فتحة الكمامة.
“…سيزار.”
ناديت اسمه ببطء. شعرت أن أحدًا ما كان عليه أن يفعل ذلك على الأقل. تنفس سيزار بصعوبة، لاهثًا.
“آه…”
تلاقت نظراتنا.
حين نظرت في عينيه، شعرت بانقباضٍ في صدري، وبألمٍ خافت في قلبي.
لقد فهم كلماتي ليلة البارحة، أنا متأكدة من ذلك. لذا ربما… هذه المرة أيضًا، سيكون الأمر على ما يرام.
مددت يدي بحذر، محاوِلة تقليل حركتي قدر الإمكان.
“سأنزع هذا الآن.”
في الحقيقة، كنت خائفة. سيكون كذبًا إن أنكرت ذلك. لم تكن عيناه مثلما كانت بالأمس، بل كانتا متوهجتين بالكراهية، تقذفان شرر العداء. ذلك التعبير المفعم بالرفض، وكأنه مستعد للانقضاض على أي شيء يقترب منه، كان مرعبًا بحق.
لكنني فكرت… لا، لا يصح هذا. مهما حدث، لا ينبغي معاملة إنسان بهذه الطريقة.
لهذا السبب، وضعت يدي ببطء على القفل المتصل بكمامته.
وما إن اقتربت، حتى ارتجف جسد سيزار بعنف. ومع كل حركة، كانت سلاسل الحديد تُصدر صريرًا حادًا يخترق الأذنين.
طَق. صدر صوت خافت مع انفكاك القفل. ولما أدرك سيزار أن القيود التي كانت تكبل وجهه قد تراخت، هزّ رأسه بقوة، كما تفعل الكلاب الكبيرة عادة.
كان مشدودًا بشدة حتى تركت القيود أثرًا على وجهه. ومع زوال ما كان يسد فمه، بدا وكأن عبئًا ثقيلاً قد أُزيح عنه.
“غرر…”
ظهر مجددًا، يكشف أنيابه ويُصدر صوتًا منخفضًا أشبه بالزئير. لكنني ما زلت أذكر… أذكر وجه سيزار ليلة البارحة، ذلك الوجه الهادئ الدافئ.
أما الآن، فهو ليس إلا شخصًا مذعورًا. ولهذا، ناديت اسمه مرة أخرى.
التعليقات لهذا الفصل " 7"
مستحيللل وش هالوصخين!!! ليه يعاملوه كدا صح انه كلب بالمعنى الحرفي بس حتى الحديد يلين يمديهم يعدلوه! معقول محد طاوعه قلبه