احمرّ وجهها وازداد شحوباً، ثم بدأت تقذف الوسائد في وجه جيوفينيتا.
قالت جيوفينيتا، وهي تتراجع راضية:
“كنت على وشك الخروج على كل حال. واضح أنكِ بخير وبكامل صحتك.”
وغادرت القصر الزمردي دون نتيجة تُذكر، لكن بقلب منتشٍ بالانتصار.
في ذلك المساء، تناولت جيوفينيتا العشاء مع والدتها سيليستينا، بعد غياب طويل عن جلساتهما الحميمة. كانت جيوفينيتا في مزاج رائع منذ عودتها من القصر، فسألتها والدتها:
“وكيف حال تلك الفتاة، إيرينيا؟”
ضحكت جيوفينيتا بسخرية:
“لا تُصدقي يا أماه، كانت كالميتة تماماً!”
لكن سيليستينا لم تستطع تصديق ذلك بسهولة، فهي تعرف إيرينيا جيداً:
“غريب… تلك الفتاة القاسية تنهار فجأة هكذا؟”
أجابت جيوفينيتا، وعينها تلمعان بالظفر:
“هي فتاة بلا سند، فلا عجب أن تنهار. كل شيء انهار عليها دفعة واحدة.”
قالت سيليستينا، متأملة:
“ربما عانت في القصر، لكن… لا أدري، هناك شيء مريب.”
ضحكت جيوفينيتا:
“أماه، إنكِ تبالغين.”
لكن القلق بقي على وجه سيليستينا. كانت تُعرف بطبعها الشكاك وحساسيتها المفرطة.
فقالت جيوفينيتا محاولة طمأنتها:
“إن كان الأمر يقلقكِ كثيراً، فسأراقبها كلما ذهبتُ إلى القصر، بل وسأضع من يتعقبها.”
“أتفعلين ذلك من أجلي؟”
“وهل هذا كثير؟ إن كان ذلك يريح قلبكِ، سأفعل كل ما أستطيع.”
نظرت إليها سيليستينا بإعجاب وحنان:
“يبدو أن صحبتكِ للإمبراطورة قد نضّجت تفكيركِ.”
وضحكت الأم وابنتها، وقد ساد بينهما جو من الألفة الدافئة.
لاحقاً، جاء الجاسوس المعيّن لمراقبة إيرينيا بتقرير جديد:
“سمو الأميرة كانت تزور الكاهن يومياً للاعتراف، وتقضي ساعات في المصلى.”
سألت جيوفينيتا بملل:
“وهل هذا كل ما لاحظته؟ ألا يوجد شيء أكثر إثارة؟”
ابتسم الجاسوس ابتسامة ذات مغزى وقال:
“في الحقيقة… هناك أمر غريب.”
اقترب قليلاً وهمس:
“كل ليلة، تخرج من غرفتها وحدها وتتجول في أرجاء القصر.”
“وحيدة؟ دون حراسة؟”
“نعم، يا سيدتي.”
وأخذ الجاسوس بعض القطع الفضية من الخادمة مارثا وهو يواصل:
“تبدو وكأنها تؤدي طقوساً كل ليلة.”
صرخت جيوفينيتا:
“طقوس؟ أي طقوس تقصد؟”
طلب الجاسوس المزيد من المال، فأشارت جيوفينيتا إلى مارثا، التي ناولته المزيد من النقود.
ثم قال أخيراً:
“إنه لأمر محرج أن أذكره، لكن… أعتقد أنها تقوم بأعمال شعوذة.”
“شعوذة؟”
ارتفع صوت جيوفينيتا بفرح لا يمكن إخفاؤه، فقال الجاسوس:
“كانت تذهب إلى بركة الماء، وتُحرق أوراقاً غريبة مطبوعاً عليها رموز تبدو شيطانية. لم أرَ شيئاً كهذا إلا في طقوس الساحرات.”
هنا ارتجف صوت جيوفينيتا من شدة الإثارة. شفتاها ارتسم عليهما ابتسامة، وأنفاسها تسارعت. أخيراً، أمسكت بها. بيدها هذه، ستُطيح بتلك اللعينة.
كم كانت تكرهها. إيرينيا، تلك الفتاة التي ظهرت فجأة في حياتها وسرقت منها كل الاهتمام.
عندما تذكّرت وجهها البارد والجميل، تجهم وجه جيوفينيتا.
دائماً ما كانت إيرينيا تتصرف كأن لا شيء يؤثر فيها، مهما أُهينت أو أُذيت، كانت صلبة وغامضة، وهذا ما كان يُغضب جيوفينيتا أكثر.
لم تكرهها من البداية. حين التقتها أول مرة، حاولت أن تكون لطيفة معها بدافع الشفقة.
كانت قذرة، نحيلة، قبيحة، أشبه بجرذ هارب من مجرور.
رغم اختلاف الأم، كانت تُعتبر أختها، فاهتمت بها. بل شعرت بالأسى لأنها جاءت فجأة لتعيش في قصر غريب. لقد كانت مشاعرها، في ذلك الحين، صادقة.
علمت أن من شيم النبلاء الإحسان إلى من هم دونهم، لذا أحسنت إليها — إلى أن تجاوزت حدودها.
ظنت في البداية أنها مجرد فتاة ضعيفة، لا تستحق الالتفات. لكنها بدأت تتفوق، تتلقى المديح من الأساتذة، تتقن اللغات أكثر منها، تثير إعجاب المعلمين والوالد… حتى أنها ارتدت فستانها ذات مرة، وبدا أن الفستان يناسبها أكثر.
تلك الجرذ الحقيرة… تجرأت أن تتفوق عليها.
لذا كانت تريد فقط أن تُرعبها. لم تكن تنوي أكثر من أن تفاجئها قليلًا وتدفعها بخفة، لكنها، تلك الحمقاء، تدحرجت من تلقاء نفسها على الدرج.
“لم تكن تلك غلطتي حقاً!”
قالت جيوفينيتا وهي تطحن أسنانها غيظًا. نعم، إن كانت ثمّة خطيئة، فهي من نصيب إيرينيا.
من طلب منها أن تئن وحدها في صمت؟ من أمرها بأن تنزوي في زاوية غرفتها بتلك الهيئة الكئيبة، تصمت وتعاند؟ هي من غذّت مرضها بيديها. ثم تأتي لتلومها؟ إنه لأمر مضحك حتى البكاء.
لكن الآن، كل شيء بات على ما يرام. يبدو أن إيرينيا فقدت صوابها أخيرًا، بعدما عجزت عن تحمّل الحياة في القصر الإمبراطوري. وإذا تُركت على حالها، فقد تحظى جيوفينيتا بمشهد مسلٍّ جدير بالمشاهدة.
“لا، لا، لحظة…”
عندها خطرت لها فكرة أشد إثارة، كوميض شيطاني لامع. تلك المجنونة… ما اسمها؟ آه، نعم.
“مارثا! مارثا! أين السيدة مرسيدس أرونتشو؟”
“نعم، آنستي! في الحال!”
بدت مارثا تركض مترنّحة من بعيد، أشبه بخادمة بطيئة لا تُرجى منها فائدة. لو واتتها الفرصة، لسلخت جلدها عن ظهرها ذات يوم.
أما خدي جيوفينيتا، فكانا قد احمرّا بالكامل من فرط الحماسة، وقد علت وجنتيها حمرة نضرة، كأزهار الربيع المتفتحة، غضةً وجمالاً.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 55"