الفصل 53
“إذن، تقصد أن جدي الأكبر، كوزيمو فلوريس، قد ألقى تعويذة على دمه لكبح لعنة التنين الضوئي؟”
“وإلا، لما وُجد تفسير لاستقرار حالة سموه.”
“أنا أمتلك مثل هذه التعويذة…؟”
“نعم. طاقتك السحرية بالكاد تُشعر بها، ومع ذلك، هناك أثر غامض لقوة تنين كامنة فيك. تلك الأحلام، والإيحاءات، والرؤى التي شهدتها — جميعها على الأرجح من قدرات التنين المعروفة باسم ‘بصيرة السُنن’.”
“قدرات التنين… بصيرة السُنن؟”
أومأ ريشار برأسه. إن كان الأمر كذلك، فكل تلك الرؤى التي رأيتها حتى الآن لا بد وأنها مرتبطة بتلك اللعنة.
“أن أمتلك مثل هذه القدرة… هذا لا يُصدق.”
“بصيرة السُنن هي القدرة على اختراق حجب الزمان والمكان. وإن تطورت هذه القدرة، فقد تصل بك إلى مرتبة الحقيقة المطلقة.” (استغفر الله 🫠)
أضاف ريشار أن بلوغ الحقيقة هو الغاية الأسمى لكل عالم وساحر.
“الحقيقة…؟”
بدا لي حديثه شديد التجريد والتعقيد، مفاهيم مثل السُنن، والبصيرة، والحقيقة شعرت أنها بعيدة كل البعد عني.
“هل هذا يعني أن كل الرؤى التي رأيتها كانت حقيقية؟”
كنت أشك في الأمر، لكني رغبت بسماع تأكيد صريح منه. فأومأ برأسه قائلاً:
“إن كانت رؤى لما جرى بالفعل، فبلى، هي حقيقة. لكن…”
“لكن؟”
رفع عينيه نحو السقف وكأن فكرة خطرت بباله، ثم استأنف قائلاً:
“إن كانت رؤى للمستقبل، فالأمر يختلف.”
هذه الرؤى، أو بصيرة السُنن كما سماها، لم تظهر لي من قبل شيئًا عن المستقبل. فهل من الممكن أن تُريه أيضًا؟
“المستقبل أمر خاص. لأنه دائمًا يحمل احتمالات لا متناهية، فهو غير ثابت، ومتغير.”
“المستقبل متغير؟”
“القدر يمكن تغييره. لكن تغيير القدر يعني مقاومة السُّنن، وهذا لا يأتي إلا بثمن ومعاناة.” (استغفر الله ×٢)
“يمكن تغيير القدر…؟”
لمعت عينا ريشار البنفسجيتان بحدة. كأن نظراته تلك تقول لي:
ربما… ربما أنت من يستطيع تغيير هذا المصير بقوته الخاصة.
“لذا، إن تمكنا من فحص دمك…”
توقف قليلاً، وكأن طلبه نفسه كان ثقيلًا. فحص الدم بدا لي شيئًا مريبًا.
“وما الذي قد نعرفه من فحص دمي؟”
“ربما نكتشف طريقة لكسر اللعنة.”
“حقًا؟”
صرخت بدهشة، فإن كنا قادرين على كسر اللعنة، فهل هذا يعني أن سيزار قد يعود إلى طبيعته؟ التفت بسرعة ناحيته.
“رين…”
ابتسم وهو يمسك بيدي. إذا كانت لعنة التنين الضوئي التي أُصيب بها سيزار يمكن كسرها… فهل يعني هذا أنه يمكن أن يكون سعيدًا مجددًا؟
وفجأة، شعرت برعشة تسري في جسدي كله وكأن خلاياي قد اشتعلت. خفق قلبي بشدة، ولم أتمالك نفسي، فاحتضنته بقوة.
“سيزار، قال إنه يمكننا فك لعنتك!”
“…لعنة؟”
بحسب ما قالته مرسيدس، كان سيزار منذ صغره طفلًا نابغًا لا يُضاهى في ذكائه.
“نعم، سيعود إلى حاله الطبيعي.”
“طبيعتي…؟”
مال برأسه باستفهام، لكني كنت أعلم أن تدهور إدراكه بسبب اللعنة، فإذا زالت، فلا بد أن يعود كما كان.
“هيهي.”
ابتسم سيزار ببراءة، وكأنه فهم ما قلته. مجرد احتمال فك اللعنة عنه، جعلني أطمح لحلم كبير: أن يصير أجمل وأروع أمير في هذا العالم… لا، لا شك في ذلك.
وفي قلبي، بدأت براعم الأمل تتفتح شيئًا فشيئًا.
***************
في مكانٍ آخر…
لم تستطع مرسيدس كبح ابتسامتها المنتشية.
“لقد أوقعت بتلك الحقيرة تمامًا.”
فكلما تذكرت الأمر، انفجرت بالضحك من جديد. كانت تضحك بسخرية لا تنتهي.
لكن أمرًا واحدًا كان يزعجها: فشل إيلدا. كيف لها أن تُخفق في أمرٍ بهذه الأهمية؟
“أيعجز أحدهم عن التخلص من خادمة عرجاء تافهة؟”
لو أن إيلدا نفذت الخطة كما طُلب منها، لكانت قد ضمنت إزاحة تلك الفتاة، وأصبحت جيوفينيتا زوجة ولي العهد. لكن إيلدا خذلتها.
هزّت مرسيدس رأسها: يبدو أن وقت التخلص من إيلدا قد حان. فقد عرفت الكثير بالفعل.
“ومع ذلك، جيوفينيتا كانت دومًا إلى صفي.”
تذكرت ما حدث في النهار. كانت قادرة على إيقاع العدوة بفضل دعم جيوفينيتا. تلك اللحظة التي أُحكم فيها الخناق على “تلك المرأة” معًا كانت من أعذب اللحظات.
“ها، هاهاها…”
بقي القليل فقط. القليل حتى يتحقق كل شيء. لو تم هذا، فالجميع سيعيش بسعادة.
فقط لو قضت على تلك الشريرة التي فرّقت بينها وبين سيزار…
سيعود سيزار ليبتسم لها كما كان من قبل.
“ولدي بخير، هو فقط مخدوع بتلك المرأة اللعينة.”
كان عليها أن تشد الخناق أكثر.
“أنا والدة سيزار، ومن واجبي تطهيره من تلك الحشرة.”
كانت مستعدة لفعل أي شيء. حتى لو سقطت في جحيمٍ مستعر.
**********
وفي تلك الليلة…
أخذت أفكر بكل ما حدث.
“جيوفينيتا تواطأت معهم، والخادمة التي طردتها حاولت قتلي…”
تراءى لي وجه مرسيدس البارد وهي تدافع عن الخادمة وتدفعني نحو الهاوية. كنت أعلم أنها تبغضني، لكني لم أتخيل أن تذهب بعيدًا لهذه الدرجة.
“أجل، كانت وراء سقوط الأخريات أيضًا… ربما هي من دفعت إيلدا لذلك.”
حين كدت أغرق في البحيرة، لا زلت أرتجف كلما تذكرت. لو لم يأتِ سيزار حينها…
“يجب أن أجد حلاً لمواجهة مرسيدس…”
رغم أن إيلدا هي من قامت بالفعل، إلا أن الخطر الحقيقي كان مرسيدس.
لكن الوضع ليس في صالحي. تحت رقابة الإمبراطورة، ومع تدهور حالة سيزار، أشعر كأنني أمشي على حبل مشدود فوق هاوية.
وفوق كل ذلك، اقترب موعد الحفل الذي ستقيمه الإمبراطورة.
كل ذلك أشعرني كأن حبلاً يضيق حول عنقي.
“لكن أكثر ما يقلقني… هو تحالف جيوفينيتا مع مرسيدس.”
عدوتي اللدودة، التي تعرفني جيدًا، تتحالف الآن مع من تسعى لقتلي.
هذا التحالف يبعث في نفسي الرعب.
“هاه…”
بينما أنا غارقة في الأفكار، ناداني سيزار.
“رين، هل أنتِ غاضبة؟”
“هاه؟”
لامس جبيني بإصبعه السبابة. حينها فقط أدركت أن وجهي كان يعبّر عن الغضب.
وغالبًا ما شعر هو أيضًا بالتوتر بسببي.
“لا، لست غاضبة.”
ابتسمت له رغمًا عني.
“إذًا، أنتِ بخير؟”
“نعم، بخير.”
ثم فتحت له ذراعي واحتضنته.
كنت قد اعتدت على دفئه، وعلى حرارة جسده التي تفوق حرارة أي إنسان عادي.
وعندما كنا نحتضن بعضنا بهذه الطريقة، كنت أشعر وكأن كل الأفكار السوداء تتلاشى.
“هل يشعر سيزار بالمثل؟”
هل يحس بنفس الطمأنينة؟
قال ريشار إن سحر دمي القديم هو ما خفف من أثر اللعنة عليه.
لذا، قررت أن أتعاون معه في دراسة دمي، ذلك الذي قال إنه يريد تحليله. فلربما، إن تمكّن من كشف أسرار تعويذة الساحر الأعظم، أمكننا حينها أن نجد طريقة لفك لعنة سيزار بقوة هذه القدرة.
غير أنني، حتى الآن، لا أعلم ما الذي ينبغي عليّ فعله تحديدًا.
“ليس بعد…”
لو أنني فقط أستطيع معرفة الطريقة، لكان الأمر رائعًا. سيعود سيزار إلى حالته الطبيعية، لا كما هو الآن، بل كما أتمنى دائمًا أن يكون… الإنسان الذي لطالما رغبت برؤيته.
يا له من أمر رائع سيكون لو تحقق ذلك! مددت يدي لأداعب خصلات شعره الأمامية، ثم سرحتها قليلًا نحو الخلف.
“إنه وسيم حتى الآن، فكيف سيكون حينها؟ كم سيكون مدهشًا؟”
رغم ذلك، لم أستطع أن أتخيله بوضوح. فما شكل سيزار حين يكون في قمة وسامته؟ لم يسبق لي أن تأملت رجلًا رائع الطلعة عن قرب، ولا خطر لي مثل هذا المشهد من قبل، لذا كانت الفكرة صعبة عليّ.
“هل سيصبح سيزار سيدًا في فن المبارزة؟ فارسًا مغوارًا يجوب الآفاق؟”
أقرب ما خطر ببالي كان صورة فارس من روايات الحكايات الشعبية؛ فارسًا يجوب القارة، يساعد المظلومين والمعذبين، ويمدّ يد العون للمقهورين.
تخيلت سيزار، كما لو كان بطلًا من إحدى تلك القصص، ينطلق في مغامرة، مرتديًا درعًا لامعًا وعباءة أرجوانية داكنة، يمسك سيفه بكل حزم، وتبدو عليه ملامح الوقار والشجاعة. حين تخيلته على ذلك النحو، لم أتمالك نفسي من الابتسام.
سيزار، الذي يحب حكاية “البطة القبيحة”، ويضحك حين أطبع قبلة على وجنته… في هيئة فارس مهيب؟!
“لا… لا تليق به إطلاقًا!”
ثم انفجرت ضاحكة، ممسكة بطني من شدة الضحك.
—
التعليقات لهذا الفصل " 53"