هكذا كانت جيوفينيتا دومًا. منذ البداية، كانت لطيفة للغاية معي، أنا التي لا أحد يعلم من أين أتت. كانت تعطيني ثيابها وأشرطة شعرها وتلبسني إياها بنفسها.
لكنني وقتها كنت نحيلة جدًا وأصغر منها بكثير، لذا لم تكن أي من تلك الملابس تلائمني، وبدت كبيرة عليّ وكأنني أرتدي ملابس الكبار المسروقة، مما اضطرني للمشي بخطوات متعثرة. وكانت جيوفينيتا تحب ذلك المنظر، تجده مسليًا.
وفي بعض الأيام، كانت تملأ يديّ بالحلوى أو البسكويت، أشياء لم أتذوقها من قبل في حياتي. كانت تلك الأشياء أفضل بكثير من الثياب الحريرية أو الحلي التي لم تكن تناسبني أو لم يكن لي بها حاجة.
“لذيذة حقًا… لم أذق شيئًا كهذا من قبل.”
كلما كانت تعطيني شيئًا كهذا، كنت أفرح بلا تردد. وحينها كانت تبتسم لي ابتسامة عريضة وتقول:
“يالها من سذاجة… يعجبك شيء تافه كهذا؟”
لم يهتم بي أحد كما فعلت هي، سوى آنّاليزا. لذلك، لم أستطع إلا أن أتبع تلك الآنسة الجميلة والمتكبرة التي دخلت عالمي الضيق فجأة.
لقد كانت جيوفينيتا لطيفة معي… حتى وإن كانت تلك اللحظات مجرد نزوة عابرة من نَزَواتها. حتى وإن كانت تسليَة مؤقتة لتمضية وقتها الممل، إلا أنني لم أستطع إنكار المشاعر الجيدة التي منحتني إياها.
مع استمرار تلك العلاقة، بدأت أتوهم أننا قد نصبح يومًا ما أختين مقربتين بحق.
لكن تلك الأيام الجميلة لم تدم طويلًا. مع مرور الوقت، عُيّن لي معلم خاص، وبدأت أتكيف تدريجيًا مع هذه العائلة.
وهنا تغيرت جيوفينيتا بشكل ملحوظ. فجأة أصبحت باردة معي، وتوقفت عن إحضار الحلوى والملابس كما كانت تفعل.
لم أكن أعلم السبب، ولم أكن أملك وسيلة لإرضائها. علاقتنا كانت دائمًا من طرف واحد، وعطفها عليّ كان تفضُّلًا تمنحه متى شاءت.
كنت أقول لنفسي إن اهتمام الآنسة الكبرى المحبوبة بأختها غير الشرعية كان مجرد مزاج مؤقت، وهكذا تقبلت التغيّر في علاقتنا.
ومع مرور الوقت، ابتعدنا عن بعضنا أكثر فأكثر، وكأن علاقتنا في طريقها للزوال. حتى وقع ذلك الحادث ذات يوم…
السبب كان الفستان الذي أعطتني إياه جيوفينيتا. بعدما كبرت قليلًا مقارنة بيوم قدومي إلى القصر، أردت أن أجرب ارتداء فستان جميل بدلًا من مئزر الخادمات العادي.
“جيوفينيتا، انظري! أصبح هذا الفستان مناسبًا لي الآن.”
كان ذلك الفستان هدية منها، وأردت فقط أن أعبر عن امتناني. رفعت أطراف فستاني مقلدة طريقتها، وفجأة تغير الجو تمامًا.
“لماذا ترتدين هذا الفستان؟”
“لأنكِ أنتِ من أعطاني إياه…”
أصابني الارتباك. لم أفهم قط ما الذي أغضبها بهذا الشكل. وفي النهاية، مزّقت ذلك الفستان بيدَيها وهي تثور غضبًا.
نعم، جيوفينيتا كانت فتاة مزاجية تتقلب مشاعرها عشرات المرات في اليوم. كثيرًا ما يقال إن فهم الآخرين أمر صعب، لكنها بالنسبة لي كانت من أعقد الناس فهمًا.
“حقًا… فتاة لا يمكن فهمها.”
حتى الآن، لا أستطيع فهمها. لماذا كانت تعاملني بلطف تارة، ثم تؤذيني بوحشية تارة أخرى؟ كان الفرق شاسعًا بين الحالتين.
ثم جاء ذلك اليوم، حين دفعتني من أعلى الدرج. بعد تلك الحادثة، قررت أنني لا أريد أن أفهمها بعد الآن. كانت جريمة مؤلمة للغاية، وحتى بعد مرور سنوات، لم أسمع منها اعتذارًا صادقًا.
منذ ذلك اليوم، تدمرت علاقتنا. أنا أصبت بجراح لا تُمحى، وهي باتت تهاجمني كلما رأتني، وكأنني أنا من ارتكبت الخطيئة.
فكرة جيوفينيتا وحدها كانت تخنقني. حقًا، فتاة عجيبة. لديها القدرة على تدمير مزاجي في لحظة، لذا كنت أحاول عادة ألا أفكر فيها كي أحافظ على سلامي النفسي…
“أشعر بالقلق… سنبدأ بالالتقاء كثيرًا من الآن فصاعدًا.”
هذه كانت المشكلة الحقيقية. إن أصبحت من حاشية الإمبراطورة، فلا شك أنها ستصطدم بي كثيرًا، كما يحدث مع سيزار.
جيوفينيتا كانت شريرة القلب، وكانت تستمتع بإيذاء الضعفاء والرقيقين. ماذا لو آذت سيزار؟
“لن أسمح بذلك.”
عقدت هذا العزم، ثم تمددت على السرير أحدق في السقف. ماذا يفعل سيزار الآن؟ قيل إن الطبيب الخاص قد أتى، تُرى كيف يكون شكله؟ أغمضت عيني أفكر بذلك… أو بالأحرى، حاولت إغماضها.
في تلك اللحظة، رأيت شيئًا يتراقص أمام ناظريّ. انتشرت بقعة سوداء كأنها لطخة، ثم غطت كل مجال رؤيتي.
“آه؟”
حتى بعد أن رمشت مرات عديدة، لم يتغير شيء. حتى عندما فركت عيني، بقي الحال على ما هو عليه. داهمني الذعر. هل أصاب بصري مكروه فجأة؟
لم أفهم ما الذي كان يحدث. ثم بدأ شيء ما يظهر في رؤيتي، كأن السراب يتشكل. كان مشهدًا مألوفًا للغاية.
“لا يمكن… هذا المشهد…”
عرفت فورًا أنه أحد مشاهد الكوابيس التي كانت تلاحقني كل ليلة. لطالما حلمت به، حتى أنني بمجرد رؤية جزء منه، أعرف ما الذي سيحدث تاليًا.
لكنني لم أكن نائمة. لم أفهم لماذا كنت أرى مشاهد الحلم وأنا مستيقظة. هل كانت كل كوابيسي السابقة مجرد أحلام يقظة؟
استمررت بالرمش. ما كنت أراه كان منظرًا لجانب البركة. تكرر المشهد كأنه يظهر ويختفي.
“ما الذي يحدث…؟”
شعرت بخوف عميق. كان إحساسًا بأن شيئًا خاطئًا يحدث بشدة. اعتقدت أنني يجب أن أتحرك كي أخرج من هذا الكابوس.
حاولت النهوض، لكن جسدي لم يتحرك، كأنني مصابة بشلل نوم.
ثم تلاشى مشهد غرفتي، وبدأ شيء ما يطفو في رؤيتي. عرق بارد انساب من جبيني. مرت المشاهد كأن الزمن توقف، ولم يكن أمامي إلا أن أشاهدها بلا حول ولا قوة.
في رأسي، تدفقت المعلومات كجريان الماء. هذه المرة، رأيت موقع ذلك المكان. فجأة شعرت وكأن رؤيتي ترتفع، وكأنني أطير في السماء. أردت أن أغمض عيني من الدوار، لكنني لم أستطع.
أطلقت تنهيدة إعجاب في داخلي. شعرت وكأنني طائر يحلق. ومن تحت، ظهر منظر القصر الإمبراطوري. كانت البركة هناك، غير بعيدة عن قصر الزمرد.
أدركت بشكل غامض الطريق الذي يجب أن أسلكه، وكيف أتجنب حرس القصر للوصول إلى هناك خفية.
لم أفهم ما الذي يحدث، لكن المعلومات انهالت على رأسي كالسيل. كان حجمها هائلًا حتى أن رأسي كاد ينفجر.
“أه…”
اضطرب رأسي فجأة من تدفق المعلومات. كانت تلك البركة هي نفسها التي غرقت فيها إحدى الفتيات.
الآن أتذكر… لم أزر الموقع بنفسي، بل اكتفيت بالسؤال عنه، لأن ديلفينا منعتني. ربما ظنت أنني قد أفكر بشيء طائش، لذا لم تخبرني بمكانها.
لكن هذه الرؤية… هذا الحلم… بدا وكأنه يخبرني أن الأمر مهم، وكان يوجهني نحو موقع تلك البركة.
وبعد وقت طويل، عادت رؤيتي إلى طبيعتها. رمشت مرارًا، وحركت أطراف أصابعي. لحسن الحظ، استطعت التحرك من جديد.
نهضت دفعة واحدة، وأطلقت الزفير الذي كنت أكتمه طوال الوقت. لم أتنفس جيدًا، فاضطررت للسعال بقوة.
شعرت وكأنني استهلكت كل طاقتي العقلية. مسحت العرق المتصبب من جبيني، وأخذت ألتقط أنفاسي شيئًا فشيئًا. هذا الحلم… لم يُرني إلا الحقيقة حتى الآن.
لذا، كان واضحًا ما الذي يُراد مني هذه المرة أيضًا.
“يجب أن أذهب هناك بنفسي.”
لحسن الحظ، كانت دلفينا غائبة الآن بعد أن أرسلتها إلى سيزار بناءً على أوامري، مما يعني أنني كنت وحدي في الغرفة. وهذا ما جعل الأمر أسهل.
راودتني فكرة أنني ربما سأكتشف شيئًا جديدًا إن ذهبت إلى تلك البركة.
“بيّق، بياق!”
في تلك اللحظة، بدأ “أب” يصيح بصخب.
“ما الأمر؟”
كان الفرخ الصغير يعض كمّ ثوبي الصغير ويشدّه بمنقاره في حركة سريعة.
“هل تقلق من أن أتركك وحدك؟”
“بياق. بيّق، بياق!”
“سأعود بسرعة، لا تقلق.”
“بياق!”
بدا وكأنه يعترض أو غير راضٍ، لكن… هل يمكن لفرخ صغير أن يُظهر تعابير وجه؟ ربما أُفرط في التفكير.
كان من الصعب عليّ تركه وحيدًا، وهو يقفز أمامي وكأنه يُعلن عن نفسه. ولو تركته يصرخ داخل الغرفة، فربما يظن الخدم أنه تُرك وحيدًا ويتخلصون منه.
“إذن، ابقَ هادئًا هنا، موافق؟”
“بيّق.”
لم يكن أمامي خيار سوى أن أفتح الجيب الداخلي لثوبي.
حينها، فرد جناحيه بضيق ودخل الجيب بسرعة، ثم جلس داخله بهيبة وكأنه زعيم، يصدر صوته المعتاد بـ”بياق” بكل جدية.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 47"