الفصل 43
كان هناك نوع من الرضا بادٍ على وجه سيزار، شعور غريب لم أستطع تفسيره. ثم، ما لبثت البيضة أن اهتزّت مجددًا. لا أعلم إن كان ذلك من محض خيالي، لكنني أقسم أنني سمعت صوتًا خافتًا.
“لا يمكن أن يكون هذا حقيقيًّا…”
رمشت عدة مرات غير مصدقة، بينما استمر صوت طقطقة خفيفة. لم يطل الأمر حتى أدركت أن ذلك كان صوت قشر البيضة يتشقق.
سرعان ما ظهرت شقوق صغيرة على سطح البيضة، وفجأة، انبعث منها ضوء ساطع مبهر.
“ما…؟”
لم أتمكن حتى من إغلاق جفني قبل أن أسمع صوت تمزق خفيف. فتحت عيني ببطء.
“بيك؟”
لم أصدق ما كنت أراه أمامي، وحدقت بذهول في المشهد.
ما خرج من قشرة البيضة وسط الضوء الساطع كان… فرخًا صغيرًا أصفر، يقف على راحة يدي.
في البداية، لم أفهم ما الذي يحدث. ظللت متصلبة، فمي مفتوح بذهول. ما كان ذلك الضوء؟ هل كنت أتوهم؟
وفي تلك اللحظة، فتح الكائن الصغير منقاره وأطلق صوتًا خافتًا.
“بيك.”
كان صوته أشبه بالتنهيدة. لم أستوعب المشهد، وظللت أرمش بلا وعي. هل أنا ما زلت نائمة؟ أم أنني فقدت صوابي؟
لكن مع وجود قشرة البيضة الثقيلة ودفء الفرخ الرطب على كفّي، بدأت أشعر بأن ما يحدث حقيقي.
لم يكن هذا حلمًا ولا وهْمًا. كان كائنًا حيًا حقيقيًا يتنفس. وأطلق صوته مرة أخرى.
“بيبيك! بيب!”
ظللت أحدق فيه بذهول، وفجأة صرخت بخوف:
“ماذا أفعل الآن؟!”
لم أكن لأتخيل أبدًا أن تفقس بيضة حقيقية. من كان ليتخيل أمرًا كهذا؟
هل من الممكن أن دلفينا أعطتني بيضة على وشك الفقس؟ كيف خرج الفرخ بعد يوم واحد فقط؟ وقبل كل شيء، ماذا عليّ أن أفعل به الآن؟
الكائن الصغير الذي كان على راحتي بدا هشًا للغاية، وصغيرًا جدًا. خفت أن يحدث له مكروه إن أخطأت، فكنت فقط أرتبك ولا أعرف ما أفعل.
نظرت إلى سيزار بنظرات حائرة، فبادلني بابتسامة جذابة وقال:
“ثمرة الحب.”
“هاها… صحيح. ثمرة الحب.”
عندما سمعت هذه الكلمات، كدت أنفجر بالبكاء.
“…ثمرة، حقًا.”
سيزار يضحك، والفرخ يزقزق، وكل شيء بدا لي مربكًا. لم أكن لأتوقع حقًا أن يفقس. لا، لا أحد كان ليتوقع هذا.
لذا، لم أتمكن من فعل شيء سوى أن أواصل الدوران في مكاني بقلق.
الفرخ الصغير بدأ يحتك بمنقاره في راحة يدي. كان مبللًا لا يقوى على رفع رأسه. عندما رأيت رأسه النحيل يتحرك بتثاقل، اجتاحتني موجة من القلق.
“هل هو… هل يشعر بالبرد؟ ماذا أفعل؟”
فأجابني سيزار، وكأنما قال شيئًا عبقريًا:
“ربما نضعه في الماء ليعوم؟”
“آآآه! لا، لا ماء!”
يا لهذا الأحمق! لا يعرف مدى توتري! هذا يصلح للبط، وليس للكتاكيت. الكتاكيت لا تسبح… أليس كذلك؟ على الأرجح لا…
ثم، ومضة مفاجئة ضربت رأسي. أدركت الحقيقة المروعة:
“ماذا يفترض أن أعطيه؟! لا أعرف شيئًا!”
لم يسبق لي أن ربيت فرخًا من قبل. لم أتعلم شيئًا كهذا في أي من دروسي، ولا قرأته في كتاب.
حينها، مدّ سيزار يده نحو الفرخ. فحرك الفرخ رأسه قليلاً، ثم بدأ يتهادى نحو يده.
“أوه، أوه…”
كنت لا أزال مرتبكة ومشدودة، أمسك بغطاء السرير بقلق، في حين احتضن سيزار الفرخ الصغير بخفة.
“بيب.”
بدا الفرخ أكثر استقرارًا في يديه منه عندما كان في يدي. ربما بسبب حرارة جسم سيزار المرتفعة.
تكور الفرخ داخل كفّه وأغمض عينيه وبدأ ينعس.
ريشه المبلل الذي بدا فوضويًا قبل قليل، بدأ يجف ويتحول إلى زغب ناعم منتفخ مثل قطعة من القطن.
“إنه لطيف…”
نعم، لقد كان لطيفًا بحق. بدا ممتلئًا وصغيرًا للغاية، وعيناه كحبّتي فلفل، ومنقاره صغير ولطيف. مظهره كان لا يُقاوم.
لم يكن غريبًا أن نقع أنا وسيزار في سحر هذا الكائن الصغير. ظللنا ننظر إليه لوقت طويل حتى إننا لم ننتبه إلى دخول دلفينا.
“م-ما هذا؟!”
عندما استدرت، رأيت دلفينا تنظر نحونا بدهشة عارمة. شعرت وكأننا طفلان أُمسكنا ونحن نعبث بشيء ممنوع.
“آه، الأمر هو…”
دلفينا، التي لم تستطع أن تطرد مخلوقًا صغيرًا من يد الأمير، بدت عاجزة عن التصرف.
كيف أشرح لها هذا؟ لا يمكنني أن أقول إن هذه… ثمرة حبّنا.
“لا تقولي… البارحة؟”
بدت وكأنها فهمت كل شيء. فهي من أعطتني البيضة، لذا من الطبيعي أن تربط الأمور.
لكن، لم أرد أن يعرف سيزار، فأسرعت ألوّح لها بأن تصمت، واضعة إصبعي على فمي. ولحسن الحظ، فهمتني على الفور.
“آه، آه. وما هذا إذن؟”
“حسنًا، هذا…”
لم أكن أعلم من أين أبدأ الشرح. وبينما كنت أتلعثم، أجاب سيزار بثقة:
“ثمرة الحب.”
شعرت وكأن ماءً مثلجًا صُبّ على ظهري. ساد صمت ثقيل.
ثم، أومأت دلفينا بقوة وقالت:
“آه، إنها ثمرة الحب إذًا.”
الكلمات كانت غير منطقية لدرجة أنني أسرعت لأقول:
“هل… هل صدقتِ هذا؟”
“أنتم ثنائي رائع. أليس كذلك؟”
ابتسمت لي ببراءة. لم أستطع الرد، فاكتفيت بتعليق رأسي قهرًا.
“مم…”
لسبب ما، بدت وكأنها هي وسيزار متفاهمان تمامًا، وهما ينظران إلى الفرخ الصغير.
أصبت بصداع. هذا الوضع بدا منفصلًا تمامًا عن الواقع. وبدأت تهاجمني عشرات الأسئلة.
“ماذا نُطعمه؟”
“الفرخ الصغير حديث الولادة… لا بأس إن لم يأكل فورًا.”
“حقًا؟”
قالت لي همسًا إنها كانت تربي دجاجًا في بيتها عندما كانت صغيرة. لحسن الحظ، كانت تعرف شيئًا عن ذلك. تحدثنا بصوت منخفض بينما كنا نراقب سيزار.
“لكن كيف فُقِس بهذه السرعة؟”
“لا أدري. ربما كان الفرخ داخل البيضة طوال الوقت.”
هزّت رأسها بقلق:
“لكن… لا يمكن ذلك.”
أوضحت أنها اختارت بيضة طازجة حديثة التبييض، معتقدة أنني سأستخدمها للأكل أو لأغراض تجميلية.
“دلفينا، هل الكتاكيت تفقس بهذه السرعة؟”
“مستحيل.”
قالت إن الدجاجة تحتاج عشرين يومًا من الحضن حتى يفقس الفرخ، ولا يمكن أن يحدث ذلك في يوم واحد.
وليس هذا فقط ما كان مريبًا.
في خضم اللحظة، نسيت الأمر، لكنني متأكدة أنني رأيت ضوءًا ساطعًا يخرج من البيضة وهي تنكسر. هل شيء كهذا ممكن؟
“بيب! بيب!”
حينها، ومع رفرفة مفاجئة، سُمع صوت الفرخ وهو يقفز مرفرفًا. قبل لحظات فقط، كان بالكاد يرفع رأسه، لكنه الآن بدا نشيطًا للغاية.
“دلفينا، هل الفراخ تطير هكذا؟”
“أنا أيضًا… لا أعلم.”
في لحظة، كان الفرخ قد تسلق جسد سيزار ووقف فوق رأسه بين خصلات شعره، نافخًا صدره بفخر.
“بيب!”
كأنما كان يحاول قول شيء. نعم، الفرخ.
“لا أريد أن أعرف بعد الآن.”
مع كل هذه الأحداث الغريبة، شعرت أنني بدأت أفقد صوابي.
لذا، قررت أن أقبل هذا الفرخ العجيب كما هو.
حسنًا، إنه مجرد كتكوت. كتكوت مريب وغريب بعض الشيء، لكن الأهم من كل شيء… أنه كان لطيفًا جدًا.
“بييب.”
أصدر ذلك الشيء صوتًا صغيرًا عندما التقت نظراتنا.
“يبدو أنه بحاجة إلى اسم.”
“بيب بيب.”
لم أعد أطيق رؤية سيزار وهو يقدمه للناس على أنه “ثمرة الحب”. لذا كان لا بد من تسميته في أسرع وقت ممكن.
“دعني أفكر…”
مددت يدي نحو الكتكوت الأصفر الجالس على قمة رأس سيزار، فقفز بخفة واستقر في راحة يدي.
لم أتخيل قط أن يأتي يوم أضطر فيه لاختيار اسم لكتكوت.
“هممم… بيبّي؟”
“بيييك!”
“إذًا… ما رأيك في أصفر؟”
“بيب بيب!”
يبدو أن الأسماء التي اخترتها لا تروقه. هل أتوهم، أم أن هذا الكائن الصغير يوبخني بنظراته؟
“بيب بيب! بيب بييب!”
بل وبدأ يدور حول نفسه وهو يطلق صوته نحو سيزار وكأنه يناشده بشيء. هل أنا أتخيل حقًا كل هذا؟
وحتى سيزار… صار يومئ برأسه ويتمتم، كأنه يتبادل الحديث معه!
“بيبّي مناسب تمامًا…”
كنت أتمتم بذلك لنفسي، في تلك اللحظة بالضبط.
التعليقات لهذا الفصل " 43"