الفصل 37
ثم شعرت بملمسٍ يلامس خدي. فتحت عيني عند صدور صوت “تْشُك”.
“هاه؟”
لقد قبّل سيزار خدي. لسببٍ ما، اندفعت الدماء إلى وجهي. وبعد قليل، لامست شفتيه خدي الآخر.
“آه… آه…”
أدركتُ أن ملامحي ربما بدت غبية للغاية، عندما رأيت سيزار يبتسم على وسعه.
لقد كان مجرد قبلة على الخد، تلك التي علمته إياها من قبل، لكن لماذا كنتُ أتوهم شيئًا آخر؟
“آه، آه…”
شعرت بدوار حتى كاد رأسي أن يطيش. ولم أكن حتى أدرك أن كلمات غبية كانت تخرج من فمي.
“هيهي.”
“ها، بفتتتت”
انفجرنا بالضحك. وظللنا نضحك ونحن ننظر إلى وجوه بعضنا بعضًا. تلاشت القوة من جسدي.
تمدّدت في مكاني، ودفنت وجهي في الوسادة. كان كتفي يهتزّان من الضحك الذي لم يتوقف عن الخروج.
“رين…”
ربما بدوت غريبة لأنني كنت أبكي ثم أضحك. سيزار أيضًا استلقى بجانبي بوجهٍ يملؤه القلق.
ولسببٍ ما، داعبني حسّ المزاح، فقرصت أنفه برفق.
“أوه.”
سيزار عبس أنفه. بدا ذلك لطيفًا، فانفجرت ضاحكة مجددًا.
**********
بعد ذلك، راودتني الكوابيس مرات عديدة. كان محتوى الحلم يتغير في كل مرة، لكنه دومًا كابوس. أحيانًا كانت المشاهد جديدة علي، وأحيانًا كانت تتكرر مرارًا.
لكن الشيء الوحيد الذي كنتُ أعرفه من ذلك الحلم هو: أنني أصبحت مرشحة لعرش الإمبراطورية، ثم قُتلت على يد أحدهم.
“هاه، هاه…”
أخذت أتنفس بصعوبة. ثوبي المبلل بالعرق كان يلتف حول عنقي مثل حبلٍ يخنقني. كان ذلك إحساسًا مزعجًا للغاية.
“هل أنتِ بخير؟”
“آه، نعم، أنا بخير.”
وكالعادة، من أيقظني كان سيزار. كانت عيناه الحمراوان تظهران في مجال رؤيتي. لا أعلم لماذا، لكن عندما أنظر إلى عينيه أشعر وكأنني أعود إلى الواقع فورًا.
كانت تلك العيون الحمراء تهمس لي، مرة تلو أخرى، أن ما رأيته لم يكن سوى حلم، وأن مكاني الحقيقي هو هنا.
عندما أكون محاصرة في كابوس، كان يأتي دائمًا ويوقظني. ربما لهذا السبب بدأت أشعر بالراحة في هذا المشغل (مكان الإقامة).
“شكرًا لك.”
“همم.”
وبعد أن أستيقظ، كان دومًا يعانقني بشدة. ولم يكن هذا كل شيء. كان شيء دافئ يلامس خدي. يبدو أنه أساء فهم القبلة على الخد التي علّمتها له.
ربما لأن البداية كانت خاطئة، أصبح يرى أن هذه الطقوس لا بد أن تتم بعد إيقاظي. حاولت تصحيح الأمر عدة مرات، لكنه لم يكن سهلًا.
كانت تصرفاته محرجة بعض الشيء، لكن بمجرد أن يلامس شفتيه خدي، كانت كل المشاعر السيئة تتلاشى.
“شكرًا، لقد هدأت قليلًا.”
لكن يبدو أن سيزار لم يكن ينوي تركي.
في النهاية، اضطررت للاستلقاء مجددًا داخل ذراعيه، دون قدرة على المقاومة. راودتني فكرة أن رائحتي قد تكون سيئة بسبب العرق، لكن تلك الفكرة ذابت وسط أنفاسنا المتداخلة. عاد تنفسي المنتظم، وتباطأت ضربات قلبي العنيفة تدريجيًا.
“…لماذا أستمر في رؤية هذه الأحلام؟”
خطرت لي هذه الفكرة فجأة، فتمتمت بها. هل كانت هذه الأحلام تمثل شيئًا حقيقيًا؟ أم أنها مجرد هلوسات من خيالي؟
لكن لم يكن هذا هو السؤال الوحيد. كيف يعرف سيزار في كل مرة أنني أرى كابوسًا فيوقظني فورًا؟
“كيف تعرف دائمًا؟”
درت بجسدي داخل أحضانه. فتقابلت أعيننا.
“هاه؟ كيف تعرف أنني رأيت كابوسًا وتوقظني؟”
هل كنتُ أصرخ في نومي؟ لكن سيزار اكتفى بالابتسام ببراءة. وبعد قليل، قال:
“فقط، أعلم.”
“فقط؟”
عندما سألته، هزّ رأسه مبتسمًا بثقة. كيف يمكنه أن “يعلم” فحسب؟
كعادته، من الصعب فهم ما يقوله سيزار. بينما كنت أحدق فيه، شعرت أنني الوحيدة التي تأخذ الأمر بجدية، فتنهدت.
“حسنًا… ربما هو يعرف فحسب.”
أغمضت عيني بعد أن تخلّيت عن محاولة الفهم. عندما أغلقت عيني، اجتاحتني موجة التعب المتراكم. مؤخرًا، أصبحت أخاف حتى من النوم.
بسبب الكوابيس المتكررة، لم أعد أستطيع النوم بعمق، فصرت مرهقة دائمًا. وخلال النهار، كلما أتيحت لي الفرصة، كنت أغفو. لكن الكوابيس لم تفرّق بين ليل ونهار، بل أصبحت أكثر تكرارًا بمرور الوقت. ومع ذلك، كان وجوده بجانبي يبعث على الطمأنينة. لأنني أعلم أنه سيوقظني، كنت أشعر براحة نسبية.
لكن الإحساس البارد الذي يصعد في عمودي الفقري لم يتلاشَ بعد. ربما لأن محتوى الحلم نفسه كان ثقيلًا للغاية. الشيء الوحيد الذي عرفتُه من تلك الأحلام المتكررة هو:
“لقد قُتِلت…”
إذا لم أكن مجنونة. إذا كانت هذه الأحلام، مثل تلك التي كشفت السارق، تعكس الحقيقة…
ربما، كانت مرشحات عرش الإمبراطورية الأربعة جميعًا قد قُتلن على يد أحدٍ ما.
وكانت هذه الأحلام تخبرني كيف حدث ذلك. أيدٍ كانت تضغط على الوسادة فوق وجههن، أو يدٌ دفعت إحداهن بوحشية، أو من دسّت رأسها في بركة الماء، أو من ناولتها طعامًا مسمومًا.
الموت. ميتات عديدة، مؤلمة إلى حد لا يُحصى. موت لا مفر منه، لم يكن هناك وقت للهروب.
“…من الذي ارتكب هذه الأفعال؟”
كنّ جميعًا في عمري. في ظروفٍ مماثلة. كانت لهن أحلام وطموحات. لكنهن انتهين في ريعان الشباب بمصير مأساوي.
شعرت بألمهن، فعانيت. كنّ يردن الحياة. لكن يد شريرة واحدة سلبتها منهن. من كان؟ من ارتكب هذه الجرائم؟ ولماذا؟
“لا بد أن الأدلة اختفت الآن…”
حدثت الوفاة داخل القصر الإمبراطوري. لو كان هناك أي دليل، لكان القاتل قد كُشف منذ زمن.
“لكن الجميع اكتفوا بوصف ما حدث بأنه لعنة…”
حتى أنا، كنت أعتقد ذلك. لم يتم اتخاذ أي إجراء سوى ترديد كلمة “لعنة”. وهكذا طُمست الحقيقة.
“حتى لو كان هناك شاهد واحد فقط…”
وفي تلك اللحظة، ومضة اجتاحت ذهني. كان هناك شاهد. أمامي مباشرة.
رفعت رأسي بسرعة ونظرت إلى سيزار. كان يحدق بي بهدوء.
“سيزار؟”
“همم؟”
“هل تتذكر؟”
مال برأسه بصمت، وكأن كلامي لم يكن واضحًا. أدركت أنني تحدثت بشكل مبهم دون مقدمات، فغيّرت سؤالي.
“أقصد… مرشحات العرش السابقات.”
لكنه ظل يبتسم ابتسامة لطيفة دون أن يجيب.
لكن إن كان حلمي صادقًا، فإن الشخص الذي كان بجوارهن لحظة موتهن… لم يكن سوى سيزار.
“أعني… مات شخص هنا. أشخاص تعرفهم، مرشحات العرش الإمبراطوري.”
ثم فتح فمه ببطء:
“نساء؟”
وفجأة، اجتاحني إحساس بارد لا يمكن وصفه، وسرى في ظهري. أومأت برأسي بحذر وسألت مجددًا:
“نعم، صحيح. نساء. هل تتذكر؟”
“ماتوا؟”
طريقته في الحديث لم تكن تختلف كثيرًا عن عادته في تكرار كلماتي. لكنني لم أستطع التراجع بعد أن وجدت أول خيط، فواصلت سؤاله.
“صحيح، قُتلن على يد شخص شرير.”
“شرير؟”
“نعم، إنه أمر سيء جدًا.”
وقبل أن أشعر بخيبة الأمل، قال:
“تشبونغ تشبونغ، في الماء.”
في تلك اللحظة، تسللت قشعريرة خفيفة إلى عنقي.
“نعم، في الماء!”
لم أستطع منع صوتي من الارتفاع. ربما سيزار رأى الفتاة التي غرقت في البركة.
“تشبونغ تشبونغ.”
ابتسم بعينيه. ربما، ربما كان شاهدًا على لحظة الموت. بدأت أتوتر، فأمسكت بذراعه وبدأت أهزّه، مستعجلةً إياه ليكمل كلامه.
“صغار البط التي كانت ترفرف بالماء، تبعت أمها وهي تصيح: كواك كواك.”
“…هاه؟”
العبارة التي نطق بها سيزار الآن، لم تكن غريبة عليّ. لقد كانت جزءًا من القصة الخيالية التي قرأتها له مرارًا وتكرارًا.
“كواك كواك.”
ثم ابتسم ابتسامة واسعة، مفعمة بالثقة والرضا. وجهه بدا وكأنه قد حقق إنجازًا عظيمًا. لم أتمالك نفسي، فانفلتت ضحكة باهتة من بين شفتيّ.
“هاها… بط صغير.”
كم كان رجائي عظيمًا، وكم كان خيبتي فادحة. تسلل الرجفان إلى صوتي دون أن أشعر.
“إذًا… كانت قصة البط، لا أكثر.”
يا لي من حمقاء. ماذا كنتُ أتوقع بحق السماء؟
لكن، في تناقض صارخ مع خيبة أملي، واصل سيزار بترديد مقاطع أخرى من نفس القصة بلا انقطاع.
“البطة القبيحة نظرت إلى وجهها المنعكس على سطح الماء، وتنهدت بأسى.”
قبل قليل، كان يقرأ من أول القصة، والآن هو في منتصفها. حتى الترتيب لم يبالِ به.
وبالنظر إلى هذا، صار واضحًا لي أن انتظار إجابة واضحة منه كان أشبه بالوهم.
وفجأة، دفن سيزار رأسه في صدري، وبدأ يتمسح به مثل طفل صغير.
“ما ذنبي أنا، لأُولد بهذه القباحة؟”
كان صوته مكتومًا، تاه في طيات ملابسي، فخرج مشوشًا. ومع أنه لم يكن إلا يردد كلمات من قصة للأطفال، إلا أنني شعرت وكأن شيئًا من أعماقه الحقيقية تسرب إليّ. شعور ثقيل خيم على قلبي.
لذا، لم يكن بوسعي إلا أن أجيبه…
التعليقات لهذا الفصل " 37"