أريتُه رسمةً لبَطّين يحتضنان بيضتهما. يبدو أن تلك الصورة كانت شديدة الأثر، إذ إن سيزار لم يرفع عينيه عنها لوقت طويل.
كانت حكاية خرافية شهيرة للغاية، يعرفها الصغار والكبار على حد سواء. حكاية “البطة القبيحة” التي نُبذت من الجميع وتعرضت للإيذاء في كل مكان، لكنها اكتشفت في النهاية أنها بجعة جميلة، فحلّقت نحو السماء.
لسببٍ ما، كانت تلك “البطة القبيحة” تذكرني بسيزار. وربما لذلك اخترت تلك الحكاية له.
كل ما كنت أتمناه شيء واحد فقط:
“نعم، سيزار أيضًا، في يومٍ ما…”
تمتمت بتلك الكلمات أثناء قراءتي للكتاب.
“في يومٍ ما؟”
هو الذي أصبح مؤخرًا يحب التقاط أطراف حديثي، بادرني بالسؤال. نعم، ربما في يومٍ ما، سيتحول سيزار إلى بجعة جميلة كما في القصة.
كنا بحاجة إلى مثل ذلك الأمل.
“همم، لا شيء.”
عدت لقراءة القصة من جديد.
سريعًا ما تحولت القصة إلى سلسلة من معاناة البطة الصغيرة، ثم انقلبت إلى مغامرة صغيرة.
انغمس سيزار في الحكاية بكل جوارحه.
حين تعرضت البطة للإيذاء، قبض على يده بشدة وكأنه كان يحاول الدفاع عنها.
ويبدو أن الحكاية راقت له، فقد اضطررت إلى قراءتها له مرارًا وتكرارًا طوال ذلك اليوم.
ظللنا نقرأ الحكاية، مرارًا وتكرارًا، حتى لفَّ الغروب الثقيل نوافذنا، وتحول إلى ليلٍ حالك، وغطت الظلمة أرجاء المكان.
—
“ذلك ليس ابني!”
حتى أم البط الوحيدة التي كان يثق بها، تخلّت عنه في النهاية.
“كم أنت قبيح!”
حتى الجدة الطيبة، والدجاجة، والقط، جميعهم لم يفعلوا سوى اضطهاد البطة القبيحة.
“يا له من مظهر فظيع!”
ما الذي أخطأ فيه؟
تساءلت البطة القبيحة، وهي تنظر إلى انعكاس وجهها على صفحة الماء.
ما المشكلة؟
هل هو ذاك الريش الرمادي البشع؟ أم ذاك المنقار الغامق؟
نعم، المشكلة كانت في كل شيء.
لو كان بوسعها، لكانت نزعت كل ريشها عن جسدها. كانت حزينة إلى هذا الحد.
“ما الذنب الذي اقترفته لأُخلق بهذا القبح؟”
عندها، همس له أحدهم:
“لا، يا سمو الأمير. أنت الأجمل في هذا العالم.”
لكن كلمات كهذه لم تصل إلى مسامع البطة القبيحة.
“هل يوجد في هذا العالم من قد يحبّ مخلوقًا مثلي؟”
بالتأكيد لا.
ولهذا، بينما كانت تحتقر حياتها، سقطت البطة القبيحة تحت سطح البركة الباردة.
نعم، من قد يحب شيئًا بهذا القبح؟
من، بحق السماء؟
من قد يتزوج… مثل هذا الوحش؟
من الذي قد يتزوج وحشًا كهذا!
جسدها الذي غرق في القاع، علق في الأعشاب.
الظلمة تملأ المكان، والبرد ينخر العظام، والرطوبة تغلف كل شيء.
يا للرعب، كأن الحشرات تزحف فوق كل جسدي. زواج من وحش كهذا؟
كان يفترض أن يكون هذا العرس هو الأجمل، الأعظم في العالم.
آه، لا شك أنني أتعس عروس على وجه الأرض.
سأموت.
حين أموت، سيندم الجميع.
عندها فقط سيشعرون بالشفقة.
حتى أمي وأبي، سيذرفان دموعهما في جنازتي.
كان في هذا القصر الملكي بركة عميقة لا يُرى قاعها.
نعم، سأُلقي بنفسي هناك.
لكن حين وصلت إلى ضفاف البركة، بدأ الخوف يتسلل إلي.
كان الماء الأسود يبدو كأنه سيبتلعني.
الموت كان أمرًا مرعبًا للغاية.
الهواء الليلي كان باردًا جدًا.
كان عليّ أن أرتدي شالًا على الأقل. لم أكن حتى مرتدية ملابس مناسبة.
لو رأتني تلك المرأة، لظنتني فتاة حمقاء متسرعة.
البرد لا يزال قاسيًا، فكم سيكون الماء أكثر قسوة؟
كرهت البرد.
وبينما كنت أفكر هكذا، داهمني الخوف فجأة.
ما الذي كنت أفكر فيه؟
الموت؟ كيف خطرت لي فكرة كهذه؟
نعم، سأعود.
وما إن فكرت بذلك، حتى شعرت بقوة هائلة تدفعني من الخلف.
كان أمرًا غير متوقع إطلاقًا.
فقدت توازني وسقطت إلى الأمام.
غمرني ماء مثلج كالجليد.
صارعت بكل قوتي في محاولة للخروج.
لكن قوة غامضة ظلت تدفع رأسي تحت الماء.
من هذا؟ من الذي يعذبني هكذا؟
توقف، أرجوك.
كان الأمر مؤلمًا ومخيفًا.
رغم محاولاتي المستميتة، تسلل الماء إلى رئتي، حارقًا لدرجة لا تُحتمل.
حتى أنني تمنيت لو ينتهي كل هذا بسرعة.
ما أطول عمر الإنسان…
في تلك اللحظة، سمعت صوتًا مألوفًا جدًا بجانب أذني:
“انهضي.”
أرجوك، دعني أنتهي الآن.
في الماء الأسود، استمر جسدي في التشنج.
“قلت لك، توقفي. توقفي عن هذا الصراع، أيتها اللعينة!”
ذلك الصوت ناداني من جديد.
هذه المرة بنبرة أسرع وأكثر استعجالًا.
“رين، انهضي.”
ذلك الصوت هو من انتشلني من الأعماق.
“هُه، هاااه.”
فتحتُ عينيّ، ألهث من أجل الهواء، ففتحت فمي على مصراعيه.
شعرت بملوحة شديدة تحرق عينيّ.
ولم يستغرق الأمر وقتًا طويلًا حتى أدركت أنها قطرات عرقي.
لكني لم أشعر بالواقع بعد.
تنفست ببطء.
شهيق اخترق صدري وزفير خرج من فمي، حينها فقط بدأت أشعر بالراحة.
اندفعت الأنفاس المحبوسة دفعة واحدة.
كأن سدًا قديمًا انهار بفعل طوفان.
“هاه، هاااه…”
وضعت يدي على صدري بشكل غريزي.
وكما هو متوقع، لم يكن بجسدي أي أثر للبلل.
“رين.”
ثم رأيت عينيّ سيزار تنظران إليّ.
“سي… زار؟”
لم أستطع أن أفرّق بعد إن كنت أحلم أم أن هذا واقع، شعرت بالارتباك.
“آه، آه.”
كان وعيي ضبابيًا، فلم تخرج من فمي إلا أصوات ضعيفة لا معنى لها.
شعرت بشيء مألوف.
نعم، حدث هذا من قبل.
مرة أخرى؟
هذه المرة، حلمت بأنني أغرق.
ما هذه الأحلام؟
كيف يمكن لحلم أن يكون بهذه الواقعية؟
“…هل هذا… مجرد حلم؟”
أن يكون هذا مجرد حلم؟
هذا لا يعقل.
مستحيل أن يكون هذا الألم مجرد حلم.
لا يجب أن يكون حلمًا.
ارتجف جسدي بقوة من القشعريرة التي اجتاحته.
حينها، عانقني سيزار بقوة.
لا أدري لماذا، لكنني شعرت براحة غامرة في هذا العناق.
لذلك، تحولت الدموع المتساقطة إلى بكاء ونحيب.
“لقد… كنت خائفة.”
اعترفت لسيزار، رغم أنني أعلم أنه قد لا يفهم ما أمر به.
ربما كان ذلك جبانًا وقاسيًا أيضًا.
كنت أعلم أنه لا يجب أن أكون هكذا.
كان الشعور بالذنب يخز صدري.
لكن، كي أقاوم هذا الخوف الخانق، كان عليّ أن أقول أي شيء.
“حقًا، كنت خائفة…”
“أعلم.”
هزّ سيزار رأسه برفق، كأنه يفهم كل شيء.
ولهذا، تعلقت به أكثر، وغرقت في نحيب طويل.
“ما هذا الحلم؟ لماذا يحدث هذا لي؟
ما الذي يحدث لي بحق السماء…؟”
تراكمت في قلبي مشاعر من الحيرة، والخوف، والقلق، والارتباك، فخلقت إعصارًا داخليًا هائلًا.
شعرت أن ذلك التيار كان ينهش أعماقي بلا رحمة.
كانت عيناي المتورمتان من البكاء في حالة يرثى لها، لكنني لم أستطع التوقف.
لم أكن لأصمد، لو لم أُفرغ ما بداخلي هكذا.
نطقت بكلمات عشوائية، غير مترابطة، أقرب إلى شهقات ونشيج، أشبه بالعويل.
رغم أنني كنت بهذا الانهيار، استمر سيزار في الإنصات لي بصمت، وقال:
“كل شيء سيكون بخير.”
أثناء استماعه، كان يربّت على ظهري بلطف.
كنت أعلم أنه يقلدني—كما فعلت له ذات مرة.
“همم.”
“لا بأس.”
لكن هذا الحضن كان دافئًا إلى حدٍ لا يُحتمل، وكان مجرد البقاء بين ذراعيه كفيلًا ببعث الطمأنينة في القلب، فلم أستطع إلا أن أبادله العناق. حرارة جسده التي بدت أعلى من المعتاد كانت عزاءً كبيرًا لي.
بقينا هكذا لفترة، نتعانق بصمت، نتبادل السكينة التي كنا في أمسّ الحاجة إليها.
وبعد أن سكبت ما في صدري من خوفٍ وقلق، بدأت دموعي تجف تدريجيًا. وسرعان ما هدأ شهقي وبكائي، لتحلّ محلهما سكينة خجولة، وصمت ثقيل غلّف الأجواء.
كنت أنا أول من كسر ذلك الصمت.
“آه، أتعرف… يعني…”
“همم.”
ويده ما زالت تتابع بحنان تربيت ظهري، حتى خجلت من نفسي. خجلت من وجهي الذي جفّت دموعه، وكأن شيئًا لم يكن.
كنت أبحث عن لحظة مناسبة لأقول إنني بخير، لأخبره أن ما جرى لم يكن سوى كابوس عابر أربكني للحظة.
“أعني، يعني…”
كنت أريد أن أقول: أنا بخير الآن.
ابتعدت قليلًا، فقط بما يكفي ليكون بين وجهي ووجهه مساحة تسمح بمرور ثمرة ليمون.
تقابلت نظراتنا.
لسببٍ ما، بدت عينا سيزار اليوم أكثر عمقًا، أغمق من المعتاد.
“آه…”
لا أدري لماذا ارتبكت فجأة. ربما خجلت من نفسي لأنني بدوت ضعيفة، كطفلة صغيرة.
ربما لأنني كنت فعلًا ضعيفة في تلك اللحظة، لينة كالعجين، بلا مقاومة. ولهذا السبب، ربما، لم أستطع أن أقاوم ما حدث بعد ذلك.
اقترب وجه سيزار ببطء من وجهي.
خرج صوت غريب من بين شفتي دون قصد.
“آه… آه؟”
وأغمضت عيني بشدة.
كان بإمكاني أن أشعر بدقات قلبي تتسارع، كما لو كنت أركض بأقصى ما لدي.
كنت أشعر باقتراب وجهه شيئًا فشيئًا…
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 36"