الفصل 33
أصدر قائد الفرقة صوتًا مزعجًا وهو يلعق شفتيه. للحظة، شعرت بدوار شديد. كان أكثر ما يؤلم هو أن كلماته بدت معقولة بشكل مرعب.
في نهاية المطاف، إن متُّ الآن، فلن يراني أحد سوى امرأة أخرى أُضيفت إلى قائمة ضحايا الأمير الملعون.
بصراحة، وجودي على قيد الحياة في حد ذاته كان يبدو غريبًا. موتي كان يجب أن يكون أمرًا متوقعًا، كأن اختفائي أمر طبيعي لا يثير الشك.
كما فعل الأمير الملعون من قبل، ها هو يضيف ضحية جديدة، ولن يفكر أحد في الأمر أبعد من ذلك.
لا عائلة تبحث عني، ولا أحد يهتم لأمري. لن يتخذ أحد أي إجراء، ولن يعرف أحد بموتي، ولن يسأل أحد عني.
ألم آتِ إلى هنا بتلك النية؟ أن أموت على الأقل وأنا أحمل لقبًا نبيلًا؟ كنت أعلم هذا جيدًا.
بدأ جسدي يرتجف بشدة. أولئك الذين راقبوا المشهد ابتسموا جميعًا بابتسامات خبيثة.
فرقة فرسان الصليب الأبيض. فرقة مؤلفة بالكامل من أبناء النبلاء ذوي الألقاب الوراثية. وبالنسبة لهم، أنا لا شيء، مجرد ابنة غير شرعية من عائلة دوقية.
“أو ربما، هل تحاولين حقًا أن تختفي دون أن يشعر بك أحد؟”
كانت عيونهم الباردة تقول كل شيء، لم يكن تهديدهم مجرد كلمات. في اللحظة التي بدأ فيها الرجال يحيطون بي، شعرت بخطر حقيقي.
“غَررر…”
وقف سيزار أمامي، مزمجرًا، حائلًا بيني وبين الفرسان. بدا كقطة نفرت كل شعرة في جسدها، لكن حتى هذا الوصف لم يكن كافيًا. فقد كانت هالته أكثر شراسة من أي حيوان مفترس.
دائمًا ما كان هناك توتر بين سيزار وفرسان الصليب الأبيض، توتر هش أشبه بجليد رقيق، وقد بدأ ذلك الجليد بالتشقق الآن.
في لحظة التوتر القصوى، وضع الفرسان أيديهم على مقابض سيوفهم.
“لا، لا تفعل!”
لم أكن قد انتهيت من الصراخ حتى انطلقت الأحداث بسرعة مذهلة. اندفع سيزار من حضني بجسده المرن، قافزًا نحوهم.
ارتبك الجميع، وصوت الحديد المتصادم علا في المكان. لكن سيزار سبقهم جميعًا. كان أسرع مما تخيلت، لدرجة أن أيًا من الفرسان لم يستطع التصدي له.
“آه! أُغخ، كح!”
قفز مباشرة على جسد القائد، ممسكًا بعنقه ليخنقه.
اندفع الفرسان نحوه محاولين جره بعيدًا، لكن حتى مع عددهم وقوتهم، لم يستطيعوا زحزحته.
“أبعدوه حالًا!”
ضربوه وجرّوه ومزقوا جلده، لكنه لم يتخلّ عن قبضته.
“آه… كخخ…!”
بدأ وجه القائد يتحول إلى لون أرجواني قاتم، كأنّه خوخ ناضج، ولسانه خرج من فمه، وزبد أبيض ملوث سال على ذراعه.
“سيزار!”
إن استمر الوضع على هذا الحال، فقد يقتل سيزار ذلك الرجل حقًا. لا يمكن أن أسمح بذلك.
اندفعت نحوهم، رغم ساقي التي بالكاد تتحرك، واقتربت حتى تمكنت من عناق خصر سيزار.
“سيزار، لا تفعل!”
لا أعلم ما الذي دفعني لذلك، لكني لم أتحمل رؤية سيزار يقتل إنسانًا.
استدار إليّ فورًا، وعندما التقت أعيننا، هززت رأسي بشدة.
كانت عيناه متوهجتين، مشبعتين برغبة قاتلة.
لم أكن أعرف هذا الوجه من سيزار. كانت وحشيته، التي تجاهلتها طويلًا، واضحة تمامًا الآن.
ظننت أنني أعرفه جيدًا. لكن… هل كنت مخطئة؟ هل غروري جعلني أعتقد أنني فهمته؟
تلك الفكرة التي طالما أخفيتها في قلبي بدأت تطفو مجددًا. لكن لم يكن هناك وقت للتفكير.
نظرت مجددًا في عينيه، أرجوك لا تفعل، لا تقتل أحدًا.
لم أردك أن تكون ما يقولون عنه… وحشًا.
“رجاءً، لا تفعل!”
لكن نظرته المميتة لم تتغير. شعرت بقشعريرة باردة تسري في ظهري كأن دلوا من الماء الجليدي سكب عليّ.
“آخ، كخ… كغغ…”
قائد الفرقة كان يحتضر فعليًا. وإن استمر هذا المشهد أكثر، ستكون النتيجة مروعة.
ماذا أفعل؟ كيف أوقف سيزار؟
“أرجوك، سيزار…”
كل ما استطعت فعله هو التوسل. شددت على خصره، وبدأت بالبكاء.
سقطت دموعي واحدة تلو الأخرى على جسده.
ثم حدث شيء غريب. بدأ جسده بالتراخي، وانحلت عضلاته المتوترة.
“كخ، كخخ! كح، كحكح!”
تراجع سيزار أخيرًا، وانطلق صوت السعال العنيف من القائد.
سارع الفرسان بجذبه بعيدًا.
أما أنا، فلم أتخلَ عن سيزار، خشية أن يعود ويهجم من جديد.
“اللعنة…”
“أيها الوحش اللعين!”
صرخ الفرسان شاتمين سيزار.
“غَررر!”
زمجر مجددًا مهددًا إياهم.
“هيا، ارحلوا!”
صرخت بغضب. إن بقوا أكثر، سيشتعل القتال من جديد.
لكنهم، وقد رأوا قائدهم يُضرب، لم يجرؤوا على الرد. بل تراجعوا وهم يحملونه، مرتبكين.
“هاه، ها… غَررر…”
بقينا وحدنا أنا وسيزار. لكنه ظل يتنفس بحدة، جسده يرتجف.
ربّتُّ بهدوء على ظهره.
“انتهى الأمر. لقد ذهبوا.”
“هاه… هاه…”
بدأت أنفاسه تتباطأ تدريجيًا.
“جيد.”
مع الهدوء، بدا أنه يستعيد توازنه. تابعت التحدث معه برفق وأنا أربّت على ظهره.
جلسنا معًا على الأرض، محتضنين، حتى هدأ تمامًا.
مرت دقائق طويلة قبل أن يعود إلى حالته الطبيعية.
وأخيرًا، تنفسه صار منتظمًا، وقلبي هدأ قليلًا.
لقد هدأ دون أن يشرب دمًا… هذا بحد ذاته كان إنجازًا.
“سيزار.”
ناديت اسمه بهدوء، فارتجف قليلًا.
لكنه لم ينفجر كالسابق، لذا تابعت وتحدثت.
“…شكرًا لك.”
مسحت على شعره.
رفع رأسه من حضني ونظر إليّ، وفي عينيه بريق يخبرني أنه فهم.
“تشكرينني؟”
لو أردت تعداد ما أشكره عليه، فالقائمة طويلة.
بدأت بالكلمات التي ازدحمت في صدري.
“نعم، أشكرك لأنك استمعت لي…”
كنت خائفة فعلًا عندما اقترب مني الفرسان، وتوقعت أن يحدث أمر فظيع.
نظرة قائدهم كانت مرعبة. كان ينوِي إيذائي بالفعل.
“وأيضًا… أشكرك لأنك غضبت لأجلي.”
“نعم.”
كان من الواضح أن ما حدث هذه المرة كان بسببي. لا زال جسدي متخشبًا من التوتر، كأن شيئًا ثقيلًا يثبّتني في مكاني.
“لك، لكن، لا يجوز أن تؤذي الناس بهذه الطريقة.”
عندها مال سيزار رأسه إلى الجانب بتعجب.
“لماذا؟”
“لماذا؟”
هل أبدأ بشرح أبجديات مثل: لا يجوز قتل الناس، ولا يجوز ضربهم؟ يبدو أن عملية “تحويل سيزار إلى إنسان” ستكون شاقة للغاية، وهذا السؤال البريء وحده كافٍ ليثبت ذلك.
لكن كان لا بد لي من أن أُعلّمه هذه الأمور البديهية. لذا قررت أن أكون حازمة هذه المرة، وأوضح له الأمر بجدية.
“لا، هذا لا يجوز أبدًا.”
“حقًا؟ لا يجوز؟”
“نعم، لا يجوز.”
“لماذا؟”
“مرة أخرى… لماذا؟”
بدا وجهه وكأنه لا يستطيع فهم الأمر مطلقًا، وكان ذلك يربكني.
“أه… حسنًا، السبب هو…”
فجأة وجدت نفسي متلعثمة. لماذا لا يجوز إيذاء الناس؟ يجب أن أشرح له بطريقة يفهمها… لكن حتى أنا لم أكن واثقة تمامًا من الإجابة.
بل، في الحقيقة، رؤية قائد الفرقة يتعرض لذلك جعلني أشعر برضا غريب في داخلي… لا، لا. حتى لو شعرت بذلك، فهذا لا يعني أنه أمر مقبول.
تنحنحت قليلًا لأستعيد رباطة جأشي.
“أنا فقط… لا أريد رؤية سيزار وهو يؤذي أحدًا.”
عندها عبس سيزار بتجهم شديد، كأنما الأمر معقد جدًا عليه، وأخذ يُميل رأسه يمينًا ويسارًا عدة مرات، ثم قال أخيرًا:
“لكن… هو جعل رين تتألم.”
(**ملاحظات المترجمة: ايوا كده زلمتي اجلدهم كلهم لعيون زوجتك👆****)
*************
التعليقات لهذا الفصل " 33"