لا أعلم تمامًا ما الذي دفعني لفعل ذلك بتلك اللحظة، لكنني لم أستطع كبح نفسي، وفجأة طبعت قبلة خفيفة على خد سيزار.
كانت هذه القبلة من طقوس التحية الرائجة في العاصمة مؤخرًا، لكنها تقتصر عادةً على العلاقات شديدة القرب، كالعائلة أو الأحبة. لم يسبق لي القيام بها من قبل، لذا شعرت بالقلق إن كانت قد بدت غريبة أو غير مناسبة.
بطبيعة الحال، هذه القبلة لا تُنفذ بملامسة فعلية، بل يقرّب المرء وجهه من خد الآخر ويُصدر صوتًا يوحي بالقبلة فحسب. اقتربت كثيرًا منه، لكن حين لم يشعر بملامسة مباشرة، بدت عليه ملامح الحيرة، وحرك وجهه قليلًا في موضع القبلة، فتكوّن على خده غمازة عميقة.
عينيه ثبتتا عليّ تدريجيًا، وصمت ثقيل خيّم بيننا. سيزار لم يكن كثير الكلام، ونادرًا ما يفصح عن مشاعره بالكلمات، لكنه دائمًا ما كان يبوح بكل شيء من خلال عينيه. في البداية لم أكن أفهمه، لكنني الآن أستطيع قراءة مشاعره بوضوح. إن كان يحب شيئًا أو يكرهه، يظهر ذلك جليًا. لم يكن يخفي عواطفه أبدًا.
لذا لم يكن من الصعب أن أدرك ما يشعر به الآن. النظرة في عينيه، والحمرة في وجنتيه، والابتسامة الخفيفة على زاوية شفتيه، كلها كانت تقول شيئًا واحدًا: إنه يحبني.
قالت شفتاي بتوتر:
“ه… هذه مجرد تحية شائعة في العاصمة هذه الأيام!”
شعرت بعطش غريب، وكأن حلقي قد جفّ تمامًا. لذا حاولت التظاهر بأن ما فعلته كان عاديًا. فجأة اقترب سيزار مني بهدوء.
“هاه؟”
قبل أن أتمكن من منعه، طبع قبلة فعلية على خدي. لم تكن قبلة خفيفة مصحوبة بصوت فقط كما فعلت، بل كانت حقيقية.
شعرت بدغدغة على خدي، وتملكني شعور عجيب دفعني للابتسام. ثم، دون تردد، قبّلني على خدي الآخر بصوت أوضح من المرة الأولى.
“إذًا… هكذا تُؤدى التحية، أليس كذلك؟ كيف عرفت أنها تُنفذ على كلا الجانبين؟”
حاولت أن أبتعد عنه قليلًا، وقلت ذلك متلعثمة. نعم، لقد أخبرته عن طريقة التحية، ولهذا هو فقط يقلدني. لكن لا أعلم لماذا لا زال وجهي محمّراً بهذا الشكل.
ربما يعود السبب في هذا الشعور المحرج إلى أن سيزار وسيمٌ بشكل غير طبيعي. في الحقيقة، لم أتعامل من قبل مع شاب في عمري، ولم يسبق لي حتى أن تحدثت مطولًا مع أحدهم. لذا، أقنعت نفسي أن كل ما أشعر به سببه وسامته لا أكثر.
“رين، أحبك.”
“هاه؟”
كنت أعلم أنه لا يقصد الحب بمعناه الرومانسي. هذا الحب الذي قاله كان بريئًا، نقيًا. ومع ذلك، ابتسمت لا إراديًا. لِم كنت متوترة هكذا؟
“وأنا أيضًا أحبك.”
أجبت دون تردد. رغم أن سيزار يخيفني أحيانًا، ويؤذيني أحيانًا أخرى، إلا أنني لا أستطيع إلا أن أحبه.
“أحبك.”
“أحبك.”
رددناها مرارًا كطفلين لا يعرفان سوى هذه الكلمة. شعرت بدفء ينتشر في صدري، ولم أستطع كبح ابتسامتي.
كان الليل لا يزال يلفّ السماء بعتمته.
“يجب أن أعود للنوم…”
كنت أخشى إن أغمضت عيني الآن أن يعود ذاك الكابوس الرهيب. لذا لم أتمكن من مطالبته بالعودة إلى غرفته.
“قلت لك أن تتوقف عن القدوم إلى هنا كل ليلة.”
رغم أن وجوده إلى جواري كان يبعث على الطمأنينة، لم أستطع إلا أن أقول شيئًا غريبًا وجافًا.
“لديك غرفتك الخاصة، سيزار. إن كنت تأتي فقط لأنك تخاف النوم وحدك…”
كانت غرفته قبالة غرفتي مباشرة، لذا لم يكن هناك حاجة لأن يأتيني كل ليلة.
بالرغم من ذلك، لم أكن أعتقد أن منعي له سيجدي نفعًا، لكني شعرت بوجوب قولها، كأنني أذكّره أن حتى بين الأزواج هناك حدود لا يجب تجاوزها.
“… ناديتني.”
“ماذا؟”
“أنتِ ناديتني.”
“أنا؟”
أومأ برأسه. هل يعقل أنني كنت أصرخ في نومي؟ شعرت بالإحراج.
“هل كنت أتمتم بشيء أثناء نومي؟”
“لا.”
إذًا، كيف عرف أنني ناديت عليه؟
“ناديتِني.”
كرر العبارة. أحيانًا، يصعب فهم ما يقصده سيزار.
“حسنًا، يبدو أنني فعلت.”
“هممم.”
رفعت الراية البيضاء واستسلمت. لم يكن أمامي إلا تصديقه.
“إذًا، جئت لإنقاذي، سيزار؟”
تنهد بعمق ثم أومأ برأسه. كانت تلك الإيماءة لطيفة لدرجة أنني ابتسمت من جديد.
“شكرًا لأنك أيقظتني.”
“هممم.”
بقينا معانقين لبعضنا لبعض وقتًا طويلاً. ربما لأنني هدأت، شعرت بالنعاس يعود إليّ. أرخيت جسدي وأرحت رأسي على الوسادة.
شعرت بدفء يتسلل من تحت ذراعيه. لقد اعتدت عليه الآن، حتى أنني سأفتقده إن اختفى.
قبل قليل، كنت أخاف النوم. أما الآن، فشعرت أنني سأكون بخير. وإن راودني كابوس آخر، فسيزار بالتأكيد سيوقظني من جديد.
بهذا التفكير، غفوت بهدوء.
********
عندما استيقظت في صباح اليوم التالي، كانت المساحة التي نام فيها سيزار فارغة. لم يكن الأمر غريبًا، فقد اعتاد على الرحيل فجأة.
ناديت على ديلفينا التي كانت تنتظرني خارج الغرفة لتساعدني في التزين. كالعادة، لم تظهر مرسيدس.
“أين السيدة أرونتشو؟”
ابتسمت ديلفينا ابتسامة مترددة. كنت قد أخبرتها سابقًا أنني لم أعد بحاجة لمساعدة مرسيدس، لكن غيابها التام بعد ذلك لم يكن عاديًا.
“السيدة لم تغادر غرفتها منذ الصباح، على ما أظن.”
“أفهم.”
هذه أول مرة أسمع عنها شيئًا منذ ذلك الموقف.
تأملت في الفراغ. مرسيدس كانت دائمًا تبدو هادئة، متزنة، ورزينة. لكني لاحظت بين الحين والآخر جانبًا مظلمًا خفيًا بداخلها، جانبًا يثير القلق.
بدأت أظن أنها تخفي جزءًا من شخصيتها لا أعرفه.
“ما رأيك في السيدة أرونتشو؟”
توقفت ديلفينا عن غسل وجهي فجأة، وانخفض رأسها قليلًا، مترددة في الإجابة.
“إنها… تحب سمو الأمير كثيرًا.”
كنا جميعًا نعرف ذلك. لذا لم يكن هذا هو الجواب الذي أردت سماعه. نظرت في عينيها، فاهتزتا قليلًا.
“لكن أحيانًا… يبدو أن حبها هذا مفرط، يتجاوز الحد.”
“أفهم…”
حب مفرط. نعم، لقد شعرت بالأمر ذاته. لا بد أن ديلفينا كانت شاهدة على شيء دفعها لهذا الرأي.
“هل سبق وأن فعلت السيدة أرونتشو شيئًا غير اعتيادي؟”
“في الواقع…”
ترددت قليلًا، ثم بدا أنها اتخذت القرار بالكلام.
“قبل أن تأتي سمو الأميرة إلى القصر، كانت هناك خطيبات سابقات للأمير.”
“أجل… صحيح.”
نسيت هذا لوهلة. كانت هناك أربع خطيبات قبلي، كلهن رحلن. وبكلامها، تذكرت أنني كنت الخامسة.
“لم ألتقِ بهن جميعًا، لكنني سمعت عن تعامل السيدة أرونتشو معهن.”
قالت إن الخطيبات السابقات كنّ يُقمن في القصر قبل الزفاف لتلقّي دروس خاصة، وخلال تلك الفترات كنّ يصطدمن كثيرًا مع مرسيدس.
“خصوصًا ابنة ماركيز بيريغرينو، الرابعة، تسببت بفوضى كبيرة يوم الزفاف، ما أغضب السيدة أرونتشو بشدة.”
“فوضى؟”
“قالوا إنها صرخت في القاعة بأنها ترفض هذا الزواج، وسببت بلبلة كبيرة.”
“بيريغرينو…؟”
كانت عائلة بيريغرينو من العائلات النبيلة العريقة، تنافس عائلة فلوريس مكانةً ونفوذًا. لكن الاسم بدا مألوفًا جدًا لي… لماذا؟
«أنا، الابنة الوحيدة لعائلة بيريغرينو، يجب أن أتزوج من أحمق كهذا؟!»
كان ذلك الاسم قد ورد في حلم البارحة دون أدنى شك. وما زاد من رعب الأمر، أن تفاصيل الحلم طابقت تمامًا ما يحدث الآن في الواقع.
فهل يمكن أن يكون ذلك الحلم انعكاسًا لذكريات آنسة بيت فريرينو؟ ولكن، كيف يكون ذلك ممكنًا أصلًا؟
هل يعني هذا أنه لم يكن حلمًا باطلًا أو عابرًا فحسب؟!
“لقد قالت بوضوح… فيرغرينو…”
وما إن أدركت تلك الحقيقة حتى غمرني قشعريرة باردة تسري في جسدي بأكمله. تلاها دوار شديد جعل بصري يظلم للحظات، فصدر عني أنين خافت، بينما راحت قطرات العرق البارد تنهمر من جبيني كالمطر.
“سيدتي، وجهك شاحب للغاية!”
لاحظت ديلفينا اضطرابي الشديد، فأسرعت بإحضار قارورة من الخل وقرّبتها من أنفي. رائحة الخل النفاذة كانت كافية لجعل لساني ينكمش من شدتها. وبالرغم من أنها أعادت إليّ بعض الوعي، فإن الشعور بالضيق الذي غمرني لم يتراجع.
“ش، شكراً لك…”
لقد حدث هذا من قبل.
سبق وأن رأيت مثل هذا الحلم.
رفعت بصري ببطء نحو عيني ديلفينا العسليتين العميقتين.
كان ذلك في الليلة التي سبقت اتهامها الباطل.
ذاك الحلم قادني إلى اكتشاف السارق الحقيقي للمجوهرات بسبب صورة رأيتها فيه.
فهل من الممكن أن…؟
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 31"