نظرت من حولي. الأشياء المحطمة كانت مبعثرة في كل مكان، والفوضى تعم المكان. كل شيء كان يوحي بالاضطراب والارتباك.
هززت رأسي بقوة. لا، لا يمكن لهذا أن يكون. لا يليق بهذا المكان أن يكون حيث يوجد سيزار. لا ينبغي له أن يكون محاطًا بكل هذه الأشياء الخطرة والحادة. كان يستحق مكانًا أكثر إشراقًا ودفئًا. كان بحاجة إلى ذلك. لأن ذلك وحده ما يمكن أن يسمى بالحياة الإنسانية الحقيقية.
لذا، كنت مضطرة لتذكير نفسي مرارًا وتكرارًا، كأنما أُقنع نفسي، بأن ما نمر به الآن أمر لا بد منه من أجل سيزار. لا يمكنه أن يقضي حياته كلها منكمشًا في هذا المكان الضيق. ما نفعله هو طقس عبور لا غنى عنه ليحظى بالسعادة.
وبعد أن حزمت أمري، فتحت شفتيّ ببطء:
“هل… هل أخفتك كثيرًا؟”
“…أه…”
بمجرد أن خرج صوتي، انكمش جسده بشدة.
“لا بأس…”
قلت ذلك بنبرة بطيئة وثابتة في آنٍ معًا.
ثم شرعت بتنفيذ ما فكرت به طوال هذا الوقت. أخرجت ببطء ما كنت أخفيه في حضني.
“سيزار، تعال إلى هنا.”
وهبت نسمة هواء جعلت الستارة تتحرك برفق، لتدخل أشعة الشمس وتضيء المكان للحظات. الجوهرة الملونة المثبتة في الشيء الذي أخرجته عكست الضوء وخلقت توهجًا مبهرًا.
كان ذلك الخنجر الذي أعطتني إياه جيوفينيتا.
وعندما ارتد ضوء فضي على عينيه، عبس سيزار، إذ كانت حالته الحساسة تجعله يتأثر حتى بأصغر مصدر للضوء.
ثم سمعت صوتًا كضرب الطبول، لكن لم يكن ذلك طبلًا، بل كان صوت نبضات قلبي المجنونة، تنبض بسرعة وقوة وتنقل الدم إلى أنحاء جسدي.
نبضاتي كانت عالية لدرجة أني شعرت بها تصك أذنيّ، وكأن قلبي سينفجر ويخرج من صدري.
“…لقد فكرت كثيرًا.”
تنفست بعمق، ثم بدأت أرفع تنورتي ببطء. كانت يداي ترتجفان بشدة، حتى أنني بالكاد أتمكن من الإمساك بالقماش. ومع ذلك، كان لا بد من ذلك.
“أه… أأه…”
أخيرًا رفع سيزار رأسه، لكن لم يكن لديّ وقت لأتأمل وجهه. كنت في حالة طارئة لا تسمح بأي تشتت. كل تركيزي كان منصبًا على نقطة واحدة.
“ليس لدينا وقت… الآن فقط…”
بدأت أعد داخليًا، ثم فتحت غمد الخنجر ببطء. رغم مظهره المزخرف، كان نصل الخنجر حادًا بشكل مرعب. لمعانه البارد جعلني أشعر وكأنه قادر على شق قلبي. ارتجف جسدي من الخوف، وبلعت ريقي بصعوبة.
عشرة، تسعة، ثمانية، سبعة… العدد الذي بدأ من الثلاثين استمر في الانخفاض. عضضت على أضراسي كي لا يصدر أي صوت للخارج.
لم أتصور يومًا أنني سأضطر للقيام بشيء كهذا بيدي. ومع ذلك، كان لا بد من ذلك.
…أربعة، ثلاثة، اثنان، واحد.
“آه!”
خرج صوت أنين من فمي دون إرادة، ووقع الخنجر على الأرض بصوت معدني، بينما ألم حارق جارح مزق ساقي.
عند ذلك، انتفض سيزار ورفع رأسه فجأة. لكن لم أكن أملك ترف النظر إليه. كل ما استطعت فعله هو عض يدي كي أكتم أنيني.
بدأ سيزار يقترب نحوي ببطء، كما فعل في لقائنا الأول، زاحفًا على أطرافه الأربعة. كانت حركته بطيئة، لكن مقصده كان واضحًا.
بدأ الدم الأحمر يسيل من ساقي إلى كاحلي.
ما كان يشغلني طوال الوقت هو أين يجب أن أجرح نفسي. لم يعد بمقدوري إيذاء يدي. كان بالإمكان إخفاؤه بالقفازات، لكن في نهاية المطاف، كان سيُكتشف الأمر.
لذا، الخيار الوحيد كان ساقي المصابة. وحتى هذا الجسد عديم الفائدة كانت له ميزة واحدة: إن جرحت ساقي، يمكنني التظاهر بأنني سقطت لا أكثر. لم يكن من الغريب أن يسقط شخص أعرج ويجرح ساقه. ولم يكن من غير المألوف أن يتألم بسببها. إذ كنت دائمًا أشعر بألم خافت فيها على أي حال.
ولهذا السبب، لم أرتدِ الجوارب اليوم، وقد أعددت نفسي لهذا.
لكن هذه الأفكار تلاشت مع شعور الألم الحارق الذي انساب على ساقي.
“هيا… بسرعة.”
أدركت اقترابه مني، فرفعت التنورة أكثر. لم يكن هناك أي تردد. أغمضت عيني.
أول ما شعرت به كان أنيابه. كنت أعرف أنه سيكون جائعًا، إذ لم يشرب الدم منذ أيام. ارتجف كتفيّ من الألم.
“آه…”
الدموع سالت من عيني من شدّة الألم. أحسست بأنفاسه الدافئة على ساقي، حتى كدت أفقد وعيي. صوت مضغه وامتصاصه للدم كان واضحًا للغاية. تعرّق جبيني وتقلّب بين البرودة والسخونة.
بكيت بصمت. لو أن الدموع تقدر على تخفيف الألم، لسمحت لها أن تنهمر بلا توقف. هذا ليس بشيء. حقًا ليس كذلك. أو هكذا كنت أُقنع نفسي.
“آه!”
جاء ألم جديد فجأة، وكأنه يعاقبني على تفكيري الساذج. أنيابه التي شقت الجرح زادت من حدة الألم.
لكني لم أكن أستطيع أن أُظهر بكائي. الجنود الحساسون الموجودون خارجًا قد يقتحمون المكان إن شعروا بوجود خطر. لذا، لم يكن أمامي إلا كتم الصوت وكبح البكاء.
كان نفسي يضيق، ولم أعد أعرف كيف أتنفس. فتحت عيني قليلاً ونظرت إلى سيزار. الدموع المتجمعة في عيني سالت على خدي.
ما رأيته كان مفاجئًا. أمير هذه الإمبراطورية منكبّ تحت قدمي. أو بالأحرى، شاب في مثل عمري يلعق ساقي.
كان شعورًا غريبًا للغاية. لولا الألم الفظيع، لربما وصفته بشيء غامض أو حتى حميم.
لم أظن يومًا أن أحدًا قد يلمس هذه البقعة من جسدي. البعض كان ينفر حتى من مجرد ملامسة جسدي. لطالما كان عليّ إخفاء هذه الساق القذرة والنجسة.
ولكنه لمسها. احتاجني. جاء إليّ بشغف. ومع هذا التفكير، أصبح الألم أكثر احتمالًا.
كان حلقه يتحرك وهو يبتلع دمي بلا توقف. مددت يدي لأمسح شعره بهدوء.
“سـ… سيزار…”
خرج صوتي متحشرجًا، مليئًا بالاهتزاز والتوتر. عندها، رفع رأسه ببطء.
“لنـ… لنكتفِ بهذا.”
“نكتفي؟”
قالها بشفاهه التي احمرّت بفعل الدم. نعم، يجب أن نتوقف. أومأت برأسي بقوة.
“أنا أتألم.”
“حسنًا.”
لكنه، رغم إجابته، لعق الدم الذي انساب من ساقي إلى كاحلي مرة أخرى. كانت حركته بطيئة جدًا، لكنها أرسلت قشعريرة في عمودي الفقري.
“لا، بحقك، كفى…”
حاولت التراجع، لكن لم أستطع. سيزار أمسك بكاحلي بإحكام. اضطررت لتغيير الأسلوب. ضغطت بيدي على رأسه أكثر.
“هل أصبحت أفضل الآن؟”
“أفضل؟”
بدا وجهه أكثر هدوءًا من قبل. نعم، يبدو أنه كذلك.
“إذًا، أنت بخير الآن؟”
كررت طلبي بالتوقف. ومع ذلك، كان سيزار لا يزال ينظر إلى ساقي بشوق. الدم توقف عن النزف، ما لم يعضني مجددًا.
“أمم…”
بدا عليه التردد، لكنه اتخذ قرارًا ما في النهاية.
“سيزار!”
يبدو أنه لم يكن ينوي الاستماع إلى كلامي على الإطلاق. حاول مرة أخرى أن يغرس رأسه هناك.
أسرعت إلى تغطية فمه.
“قلت لك… توقف.”
طبعًا، لم يأتِ أي رد من فمه المحجوب. فقط أنفاسه الحارة تسربت بين أصابعي كاهتزاز صغير، ثم ما لبثت أن شعرت بلمسة دافئة لحمية تبلل راحتي، مما جعلني أرفع يدي دون أن أدري.
“آه يا إلهي…”
هذه المرة، انشغل سيزار بلعق راحة يدي وكأن لا شيء في هذا العالم يهمه سواها. لسانه راح يمر على مفاصل أصابعي واحدًا تلو الآخر، حتى بتُّ غير قادرة على التركيز.
“توقف، سيزار، هذا يسبب لي دغدغة.”
حقًا، زوج لا يمكن السيطرة عليه. ومع استمرار ذلك اللسان الملاحق، كان عليّ أن أستعيد انتباهه إليّ.
“أتعرف…”
حين ناديت عليه، بدا أنه ينصت أكثر مما كان عليه قبل قليل. لذلك، قررت أن أخبره بما سنقوم به قريبًا.
“بعد ثلاثة أشهر… سنحضر حفلة.”
“حفلة؟”
لم أكن أتوقع أنه سيفهم، لكنني واصلت شرح الأمر بهدوء. قلت له إننا سنشارك في حفلة تقيمها الإمبراطورة.
“ستكون ممتعة. هناك الكثير من الطعام اللذيذ… والكثير من الناس أيضاً…”
“ممتعة؟”
عندها ابتسم سيزار بخفة وألصق جبهته بي. على ما يبدو، فإن “الشيء الممتع” في نظره هو أن أُربّت على جبينه.
“نعم، ستكون ممتعة… جداً.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 26"