بسبب طوله الذي يفوقني بمراحل، لم أتمكن من الوصول إلى قمة رأسه، لذا إن أردت أن أجفف شعره، كان لابد من إجلاسه.
“اجلس هنا.”
جلس على الكرسي بهدوء كما طلبت منه. بدأت أجفف خصلات شعره التي ازدادت تجعدًا بعد أن تشبعت بالماء، مستخدمةً المنشفة برفق.
عندما يبتل الشعر، يصبح أثقل، وقد انساب للأسفل ليغطي عينيه بالكامل.
“أما كانت تزعجك عيناك هكذا؟ لا بد أن الأمر كان مزعجًا.”
“نعم.”
“يبدو أن علينا أن نقص شعرك في المرة القادمة، أليس كذلك؟”
الاستحمام وحده كان مرهقًا، فكيف سيكون قص الشعر؟ أدوات حادة مثل المقصات أو شفرات الحلاقة ستقترب من وجهه، هل سيكون مرتاحًا لذلك؟ بدا لي أن قص الشعر أصعب من الاستحمام نفسه.
“لا أعتقد أن أي أحد يستطيع التعامل مع شعرك.”
فمثل هذا العمل يتطلب مهارة فائقة، حتى أن البعض يستعين بمصففين محترفين خصيصًا لذلك.
أنا شخصيًا لم أجرب قص الشعر من قبل، لذا ربما من الأفضل أن يقوم بذلك شخص معتاد عليه. لكن، لا أحد متاح حاليًا.
“بخلاف هذا…”
لحسن الحظ، كانت أدوات النظافة الأساسية متوفرة في الحمام، من شفرات حلاقة إلى مقصات أظافر ومبردات.
“هممم…”
خطرت لي فكرة فجأة.
“أظن أنني أستطيع قص أظافرك على الأقل، أليس كذلك؟”
“هاه؟”
نعم، تلك الأظافر المدببة! كم مرة تسببت في جروح؟ أخرجت مقص الأظافر من مكانه.
“دعني أقصها. من الغريب أن تتركها بهذا الشكل الخطير في كل مرة.”
“مممم…”
كما هو متوقع، أبدى سيزار رفضًا قويًا. أمسكت بيده اليسرى — تلك التي لم ألمسها من قبل — بإحكام.
ظننت أن يده ستكون خشنة، لكنها كانت دافئة ومريحة أكثر مما توقعت. مررت أصابعي بلطف على أظافره الطويلة والحادة كالشفرة.
“سأبدأ، حسنًا؟”
أمسكت بمقص الأظافر، والذي كان يشبه الملقط من حيث الشكل، مقدمته عريضة ومستديرة ومزود بشفرتين، وخلفه مقبضان معززان بالجلد ليمنحاه ثباتًا.
ثبتّه على أطراف أصابعه وقلت له أن يضغط عليه. أومأ برأسه، وعلى وجهه علامات التوتر.
لكن حينها ظهرت المشكلة.
“مستحيل…”
كانت أظافره قاسية بشكل غير طبيعي. مهما ضغطت على المقص، لم يتحرك.
“ظننت أنه سيكون أطرى بعد الاستحمام.”
“لا، لا أحب هذا.”
أوه، إذًا أنت أيضًا لا تحبه؟ وأنا كذلك. لكنني لم أكن أملك القوة الكافية لقصها، فلم يكن أمامي سوى أن أعطيه المقص.
“أنت أقوى مني، جرّب بنفسك.”
أصابتني نوبة عناد، فدفعت المقص إلى يده اليمنى بقوة. نظر إلي بارتباك، لكنه أمسكه.
“أمسك هنا واضغط بكل قوتك.”
“حسنًا.”
ضغط على المقص، فصدر صوت “طَق”، وتحركت الشفرة.
ومع صوت “طَق” آخر، انتفض جسده فجأة بينما تطايرت قطعة من ظفره في الهواء.
نظرت إلى وجهه سريعًا. بدا عليه شيء من الحزن، لكنه كان بخير.
“تابع، لا بأس.”
ركّزت نظري على أظافره، والتي بدا أن كل واحدة منها أطول من عقلتين! ما زال أمامنا طريق طويل. نظر إلي بقلق، وكأنه يتساءل: هل علي حقًا أن أستمر؟
“مممم…”
ارتخت حواجبه، وظهر الذهول في عينيه. فمسحت على مقدمة شعره لطمأنته.
“أحسنت، عمل رائع.”
“…نعم.”
لم يكن ما قلته مناسبًا لرجل ضخم مثله، لكنني استمريت في مداعبة شعره وكأنني أثني على طفل صغير.
راقبت رد فعله، ويبدو أنه انسجم مع الأمر. انطلق صوت “طَق” مجددًا، وقُصت قطعة أخرى من أظافره.
“أنت مذهل!”
وبينما كنت أمرر يدي على شعره، دغدغت خده قليلاً. بدأ يتمايل بحذر، يراقبني بعينيه، وكأنه يحاول فهم ما أفعله.
وبعد مئات المرات من قول “أحسنت”، انتهينا أخيرًا. رغم أن القص لم يكن متناسقًا تمامًا، إلا أن الحدة والتهديد في أظافره زالت.
“انظر! تبدو جيدًا، لماذا لم نفعل هذا من قبل؟”
بدأت أنعم سطح أظافره بالمبرد، رغم أن سيزار كان يرتجف في كل مرة يلمسه المبرد.
لكنني استمريت بقول أشياء مثل “أحسنت” و”سأعطيك جائزة عندما ننتهي”، فكان يغلق فمه بصبر ويحاول التحمل.
وملأ صوت المبرد وثنائي المبالغ فيه أرجاء الحمام.
“جميل، أنيق جدًا.”
مررت بأطراف أظافره المصقولة. استغرق الأمر وقتًا أطول مما توقعت.
“هل نعود الآن؟”
“نعم.”
في ذلك المساء، تناولنا عشاء بسيط: طائر سمان مشوي وجبة خفيفة من الحساء بالخضار والعدس، وقطعة خبز يابس مع نبيذ مخفف بالماء.
بالنسبة لي، هذه الكمية كانت كافية. منذ كنت أعيش في الشوارع، تعودت على الجوع. حتى بعد انتقالي إلى قصر دوق فلوريس، لم يكن غذائي يتجاوز خبزًا أسود وعصيدة شبه خالية من الملح.
وكانت تلك الوجبات تعتبر ترفًا حينها. كنت ممتنة فقط لأنني لم أمت جوعًا.
لكن سيزار كان مختلفًا. ألم يلتهم دجاجة كاملة بمفرده في السابق؟
“هل تريد نصيبي؟”
دفعت إليه قطعة السمان خاصتي. تناولها دون تردد، وأمسكها بيده، ثم ابتسم وبدأ يأكلها، كاشفًا عن أنيابه الحادة.
بدأ يقرقش العظام، فشعرت بالدهشة.
“قلت لك لا تأكل العظام.”
“حسنًا.”
بدأ يزيل العظام بدقة. لا أعلم لماذا، لكنني شعرت بالشبع لمجرد رؤيته يأكل.
“من الجيد أن شهيتك بخير.”
لكنني فكرت بأنني يجب أن أعلّمه آداب المائدة يومًا ما. سمعت أن حفلات الاستقبال الملكية تشمل وجبات.
“لا يمكنك الأكل هكذا هناك.”
فكرت أنه ما زال هناك الكثير لأعلمه إياه. أنهينا تلك الوجبة البسيطة بذلك.
ميرسيدس، التي خرجت في وقت سابق، لم تظهر مجددًا. لكن وجهها الحزين ظل عالقًا في ذهني، مما أزعجني طوال الليل.
“هل ستكون بخير؟”
تقلّبت طوال الليل، ولم أنعم بنوم مريح. وفي صباح اليوم التالي، اكتشفت أمرًا غريبًا.
هل هذا… حقيقي؟
“ما هذا بحق السماء؟”
نمت وحدي ليلًا، لكنني استيقظت لأجده في فراشي، نائمًا بجانبي تحت نفس الغطاء، وحتى أنه يعانقني من خصري.
لكن ما أثار قلقي أكثر من هذا كله… كانت أظافره.
“ماذا… ماذا حدث؟”
أمسكت به قبل أن ينهض، وسألته.
“هم؟”
نعم، تلك الأظافر التي بردتها بعناية بالأمس… قد عادت اليوم لتكون حادة ومدببة كما كانت!
“هل تنمو بهذه السرعة؟!”
كيف نمت بهذه السرعة؟! لم يكن لدي وقت لأندهش أكثر، إذ سُمع طرق على الباب — كانت ميرسيدس.
“سيديّ، هل أنتما مستيقظان؟”
“نعم، نحن مستيقظان.”
كنت أظن أن لقاءنا سيكون محرجا بعد ما حدث أمس، لكنها دخلت حاملة ماء الغسل وكأن شيئًا لم يكن.
“صباح الخير لكِ.”
فبادلتها التحية بسرور.
آه، لو أن أظافر سيزار بقيت كما كانت بالأمس! كنت لأريها لها بكل فخر. ربما كانت ستنظر إليه نظرة مختلفة.
لذا، وأنا أراقبها، حاولت الحديث في موضوع يعجبها.
لهذا أخبرتها أنني بالأمس… قمت بقص أظافر سيزار.
“ماذا… قلتي إنك فعلتِ؟”
“أتحدث عن البارحة. سيزار استحمّ بنفسه، وجرّبت أن أقصّ أظافره.”
“…”
“لكن، سيدتي، هل تعلمين شيئًا؟ لقد نمت أظافره مجددًا! تخيّلي، في ليلةٍ واحدة فقط!”
كنتُ منشغلة تمامًا بسرد تلك الأمور العجيبة، كاستحمام سيزار بنفسه أو نمو أظافره الطويلة مجددًا بين ليلة وضحاها، فلم ألاحظ أن وجه مرسيدس قد شحب تمامًا. لم أنتبه حتى لارتجاف جسدها كمن أصابه الذعر.
“يا ترى، كيف يعمل جسده؟ أليس ذلك غريبًا فعلًا؟”
لهجتي المرحة لم تكن سوى ستار؛ محاولة يائسة لردم هوّة صغيرة نشأت بيننا دون أن أدري.
كان يجب عليّ أن ألاحظ تعابير وجه مرسيدس حينها.
وجهها أشرق بشكل غريب… كأنني أنظر إلى حقل أزهار ربيعية في ذروة تفتّحها.
لكن بين كل ذلك الجمال، كانت هناك صدع خفيّ، لم أتوقعه قط.
“…”
مرسيدس التزمت صمتًا خانقًا.
ذلك الشق كان أشبه بما قد يظهر في أرض حقل؛ صغير جدًا، بحيث يسهل على البعض تجاهله أو القفز فوقه دون أن يلتفتوا له.
لكنني لم أكن مثلهم.
نشأتُ في القاع، وأعرف كيف يمكن لتلك الأخاديد الصغيرة أن تسقطك أرضًا إن لم تنتبه.
وشعرتُ وقتها… أن قدمي علقت بالفعل بذلك الشرخ الصغير.
“مرسيدس؟”
ناديت اسمها، فقط لأقيس عمق ذلك الصدع الذي بدأ يمتد بيننا.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 22"