اقتربت غاضبة، قبضت على القضبان بيدين هزيلتين حتى صدر صوت ارتطام.
“حقًا، رائع. لا أعلم ما الذي جئتِ لسماعه مني، لكنك لن تسمعي شيئًا جيدًا. غادري! لا تدعي نظري يقع عليك!”
لم يبقَ شيء من كرامتها السابقة، ولم يظهر عليها أي اتزان.
رغم أنها كانت تصرخ بغضب، لم أشعر بأي تهديد.
لم أصدق أنني كنت أخاف نظراتها ذات يوم وأسعى لكسب رضاها.
الآن أصبحت مجرد ظل لما كانت عليه.
كانت ضئيلة، ضعيفة.
تجمعت الدموع في عينيها، ثم بدأت في النحيب.
لم أستطع إلا أن أشعر بوجع في قلبي، رغم أنني لم أكن أعرف السبب.
“سترين! حياتك الآن ستكون طريقًا مليئًا بالأشواك! أتظنين أن منصب الإمبراطورة سهل؟! بقدر ما هو منصب نبيل، سيكون هناك من يطمع فيه، ومن يحسدك، ولن تستطيعي حتى حمايته بسهولة. لقد نلتِ ما تستحقين! ارجعي من حيث أتيتِ، إلى ذلك العرش الملعون!”
صاحت وأشارت إليّ.
لكن الغريب في الأمر، أن كلماتها، رغم أنها بدت كلعنات، شعرتُ وكأنها تخفي قلقًا عليّ في طياتها.
“دوقة…”
نظرتُ إليها بنظرة شفقة دون وعي.
وفجأة، تغيرت ملامحها.
عضّت شفتها السفلى وصرخت بغضب من جديد:
“اذهبي! ألا تسمعين؟ أيها الحارس! الحارس!”
أخذت ترمي الأشياء من حولها بعنف.
دخل الحارس وديلفينا على عجل بسبب الضجيج.
صرخت سيليستينا كمن أصابها مسٌّ:
“أبعدوا هذه عن ناظري! لا أريد أن أراها مجددًا!”
احتضنتُ بطني وتراجعت مع ديلفينا.
لكن هناك شيء بقي عالقًا في قلبي.
وجهها الغاضب بدا حزينًا للغاية.
ربما ما بقي من مشاعر في قلبي نحوها، جعل صوتي يخرج حادًا بشكل مفاجئ.
“ظننتُ أنك تغيرتِ ولو قليلًا… لكنك كما أنتِ. وهذا، في الحقيقة، أمر مريح.”
“أجل! لن أتغير! وما شأنك أنتِ؟!”
استمرت في الصراخ والإشارة إلي.
وعندها، اختفى حتى آخر أثر للضيق في نفسي.
فالشرير يظل شريرًا.
من لا يعرف الندم، سيظل على حاله.
بحزمٍ أخير، ودّعتها:”إذن… إلى اللقاء.”
ثم استدرت وغادرت المكان.
كما قالت، لن أعود إلى هنا مرة أخرى.
انتهت علاقتي بها عند هذا الحد.
***************
أخذت سيليستينا نفسًا عميقًا، كتفاها يرتفعان مع كل شهيق.
أن تتمكن من رؤية ابنتها إيرينيا للمرة الأخيرة، كان معجزة بحق.
لقد عاشت عمرها في الخطايا وسحق الآخرين، ومع ذلك أُهديت هدية لا تُصدق.
لكن الواقع الذي فرض عليها أن ترفض تلك المعجزة، كان مؤلمًا.
جلست تبكي بحرقة، نادمة على سنوات قضتها هباءً.
“نعم… هذا يكفي. لتذهبي هكذا…”
ضربت صدرها بقبضتيها، لا تدري كيف تفرّغ مشاعرها.
تنهيداتها العميقة كانت مشبعة بالحزن..
دموع الندم سقطت على خديها.
“إيرينيا…”
لم تنادها يومًا باسمها الحقيقي.
لم تلمس خدها الرقيق، ولا قالت لها كلمة دافئة واحدة.
أي أمّ تلك التي تفعل ذلك؟
ابنتها أصبحت إمبراطورة بدون مساعدة من أحد.
إنسانة نبيلة وقوية.
طريقها الآن، سيكون تاريخًا مقدسًا بحد ذاته.
“لذلك، لا مكان لأمٍّ حمقاء مثلي في حياتك. تخلصي مني وواصلي طريقك. عائق مثلي لا يجب أن يوجد.”
تذكرت الحقيقة المؤلمة:
أنها لم تحب يومًا لا ابنتها الحقيقية، ولا ابنتها المزيفة كما يجب.
حين علمت أن جيوفينيتا ليست ابنتها الحقيقية، شعرت بشفقة غريبة.
كانت ابنة عدوتها اللدودة، ابنة أناليسا، ومع ذلك، كانت لا تزال تحنّ إليها وتحبها.
فهمت متأخرة أن العلاقة التي تُبنى على التربية، لا الدم، هي الأمومة الحقيقية.
ولذلك لم تستطع حتى رؤيتها.
أحبتها كثيرًا، ولم تشأ أن تجرحها بالحقيقة القاسية.
“نعم، كل هذا خطئي. فلتكرهيني، فلتلعنيني. هذا هو أول وآخر شيء يمكنني فعله كأم.”
جلست عند النافذة، تراقب ظهر الإمبراطورة إيرينيا وهي تغادر البرج.
راقبتها حتى أصبحت نقطة صغيرة واختفت عن الأنظار.
لن تنسى هذا المشهد ما حييت.
حتى نهاية حياتها، ستظل تحتفظ بصورة ظهر إيرينيا وهي ترحل.
بعد ذلك، قضت سيليستينا ثلاثة أشهر في البرج.
أضربت عن الطعام والشراب، ثم وُجدت جثتها الباردة ذات يوم.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 207"