الفصل 190
************
“كيف… آه، كم… كم من الوقت انتظرتُ… أنتَ… أنتَ…”
انفجرت السدود التي كنتُ أكبحها بصعوبة، وتدفقت مشاعري دفعة واحدة.
كلمات اللعنة المنقوشة في أعماق قلبي، والرواسب التي كبتُّها بمشقة، بدأت تطفو واحدة تلو الأخرى، لتصبح المياه عكرة كالوحل.
كنتُ قد تحمّلتُ كل ذلك بصبر، وضغطتُ مشاعري في صدري بعمق.
ربما كان هذا آخر ما تبقّى من كبريائي.
لكن سيزار لم يفكر في إفلاتي، بل احتضنني بقوة.
ضربتُ صدره بقبضتي وصحتُ:
“أفلتْني! لا فائدة من هذا الآن!”
ألم يكن سيزار قد أحب جيوفينيتا وارتبط بها بعلامة الحب؟ فهمتُ أنه لا يريد قتلي، لكن ما الذي يبقيه متعلقًا بي؟ لا أفهم.
لم يكن هناك سبب يدعو سيزار ليتصرف هكذا معي.
لقد تخلّى عني بل وخانني أيضًا.
في تلك اللحظة، أفلتَ سيزار احتضانه ونظر إليّ.
دموعٌ كالجواهر تلألأت في عينيه المتوسّلتين، ثم انزلقت على خديه تاركة آثارًا متلألئة.
في تلك اللحظة، انتابتني رغبة لا إرادية في مد يدي ومسح دموعه.
كم من الجراح يجب أن أتلقّاها حتى أستفيق؟ أكره ضعفي أمام دموعه، وأكره نفسي لأنني لا زلتُ هشة هكذا.
لكن هذه المرة، قال سيزار شيئًا لا يُصدّق:
“أنا لا أحب سواكِ.”
علقت كلمة “أحب” في حلقي.
شعرتُ بحرارة تتدفق إلى وجهي، وكأن الطعام الذي تناولتُه للتو سيعود إلى فمي.
سعلتُ بسرعة، محاولة التخلّص من تلك الكلمة المزيفة.
الحب؟ الحب؟ الآن يتحدث عن الحب؟
“ما الذي تعنيه بحق السماء!”
غضبي تصاعد، فصرتُ أصرخ بكل قوتي.
شعرتُ وكأن شيئًا كنتُ أتمسك به بصعوبة ينهار فجأة.
والأكثر سخرية أنني وجدتُ نفسي، في قرارة نفسي، أشعر بالارتياح.
كنتُ أجد عزاءً في أن سيزار لا زال يحمل لي بعض الحب.
هذا الشعور جعلني أشعر بالغثيان من نفسي.
كنتُ جبانة وضعيفة.
كلمة كاذبة واحدة كانت كفيلة بأن تهزّ قلبي.
ربما كنتُ أنتظر طوال الوقت لسماع مثل هذه الكلمات.
لا، بل كنتُ أعرف أنني سأهتز إذا سمعتُها، ولهذا لم أرد لقاءه مجددًا.
كل شيء بدا غير حقيقي.
كأنني لم أستيقظ بعد من كابوس مرعب.
أردتُ أن أصدّق أن سيزار يحبني حقًا.
لكنني لم أعد أثق به، ولا حتى بنفسي.
لقد تحطّمتُ بالكامل، ولم أعد قادرة على اتخاذ قرارات سليمة.
هل يمكنني حقًا أن أثق بسيزار؟
إلى أي مدى يمكنني أن أصدّق كلمات هذا الرجل الذي يبكي وهو يتوسل حبي؟
طوال هذا الوقت، كنتُ أؤمن فقط بحقيقة أن سيزار خاض الحرب من أجلي، وقاتلتُ بمفردي في عزلة طويلة وشاقة.
أأكرر نفس الخطأ مرة أخرى؟
كلمة “حب” واحدة جعلتني أتهاوى، أليس هذا دليلًا على سوء طباعي؟ شعرتُ وكأن السم يسري في جسدي.
وكأن أشواكًا حادة تنبت داخلي، تخترق ليس فقط الآخرين، بل حتى نفسي، مما جعل صدري يعتصر ألمًا.
لم أعد أتحمل، فصحتُ:
“ألم تقل إنك تحب جيوفينيتا!”
قطب سيزار جبينه.
“لماذا تظهر تلك المرأة فجأة؟”
كيف يجرؤ على التنصّل الآن؟ ازداد غضبي.
“سمعتُ كل شيء. جيوفينيتا تحمل طفلك. أنتما الاثنان مرتبطان بعلامة الحب!”
تذكرتُ علامة الحب الواضحة على عنق جيوفينيتا، فدفعني ذلك للبكاء مجددًا.
كانت تلك الدليل الدامغ على حبهما، فما الهراء الذي يقوله سيزار؟
“علامة حب؟ مع جيوفينيتا؟ أنا؟”
قطب سيزار جبينه، وعيناه الواسعتان تدوران في ارتباك.
نعم، الدليل واضح، فلا يمكنه التنصل.
أردتُ أن يعترف بكل شيء، أن يفرغ ما في قلبه لأرتاح.
“إيشيلينور أخبرني. قال إن التنانين تختار رفيقًا واحدًا مدى الحياة.”
نظر إليّ سيزار بنظرة ثاقبة وأومأ برأسه موافقًا.
“وأنك أنت وجيوفينيتا… قد ارتبطتما بتلك العلامة.”
في تلك اللحظة، سمعنا صوت تكسر، وانهار جزء من عمود السرير الذي كان سيزار جالسًا عليه.
لقد حطّم الخشب المتين بقوة يده فقط.
عندما فتح يده، تساقطت نشارة الخشب الناعمة على الأرض.
“…أنا، مع تلك المرأة؟”
كرر سؤاله مرات ومرات، بنبرة جعلتني أشعر بالضيق.
إلى متى سيستمر في تعذيبي؟ سحبتُ ركبتيّ إلى صدري ودفنتُ وجهي فيهما.
أردتُ أن أختفي إلى الأبد.
“لا عجب، كانت تلك المرأة تتفوه بكلام غريب في قاعة الاحتفال…”
مرر سيزار يده على جبهته بنزق.
شعرتُ بأن غضبه يتصاعد.
عيناه تلألأتا بلون أعمق، وكأن شرارة غريبة تتقد فيهما.
نظر إليّ سيزار بنظرة ثاقبة، ثم أغلق عينيه وفتحهما.
بدا وكأنه يكبح غضبه بصعوبة.
لم أعرف ما الذي أثاره في حديثي، لكنني شعرتُ بالخوف فجأة.
ابتلعتُ ريقي بصعوبة.
“…إذن، ماذا قال إيشيلينور أيضًا؟”
كان صوت سيزار يرتجف من الغضب المكبوت.
شعرتُ بضغطه، فأجبتُ متلعثمة:
“قال إنني لستُ رفيقة التنين الحقيقية…”
تنهد سيزار تنهيدة عميقة.
اقترب مني بسرعة، وأمسك كتفيّ بقوة.
لم أفهم شيئًا، ولم أستطع المقاومة، بل استسلمتُ لاحتضانه.
كان جسد سيزار يرتجف بعنف. حرارة جسده كانت كالفحم المشتعل.
تنهد سيزار ببطء.
شعرتُ بأنفاسه الحارة تلامس أذني، فتسللت قشعريرة إلى جسدي. احتضنني وتردد قبل أن يقول:
“أنا لا أحب سواكِ.”
“كذب…”
لكن سيزار فرك وجهه بعنقي وتنهد.
حرارته التي تلامس بشرتي جعلت جزءًا من جسدي يرتجف.
“ألم يقل ذلك القزم شيئًا آخر؟ ألم يخبركِ بمعنى أن التنانين تختار رفيقًا واحدًا مدى الحياة؟”
تمتم بسخرية.
هززتُ رأسي، لا أفهم ما يقصده.
شعرتُ بالتوتر ونبضات قلبي تتسارع.
“هل تعتقدين أنكِ تجهلين حقًا ما يعنيه أن تكوني رفيقة تنين واحدة مدى الحياة؟”
استمررتُ في هز رأسي، لا أفهم ما يرمي إليه.
دفن سيزار أنفه في شعري، واستنشق بعمق.
ثم قال بنبرة قاتمة:
“يعني أن أبتغيك أنتِ وحدك طوال حياتي…”
صعد ببطء فوقي، وألقى بي على السرير، ممسكًا يديّ بقوة حتى لا أتحرك.
عيناه الحمروان تلمعان بحرارة قادرة على إحراق أي شخص.
كنتُ أعرف معنى تلك النظرات.
كانت مليئة بالرغبة.
“إذا مات الرفيق، قد يذبل التنين ويموت حزناً بعده.”
قبّل خدي، ثم انتقل إلى عنقي، وصولًا إلى عظمة الترقوة.
كان يحافظ على مسافة ضئيلة، يلامس بشرتي بشفتيه، مما جعلني أتراجع لا إراديًا.
“آه…”
عينا سيزار تلمعان بالرغبة.
لم أستطع إنكار تلك الرغبة المباشرة التي وجهها إليّ.
شعرتُ بخوف مختلف هذه المرة.
كأن شيئًا خاطئًا يحدث.
شعرتُ وكأن خدي يرتجف.
“هل تعتقدين كم كان صعبًا أن أترككِ وأرحل…”
كانت أصابعه، التي أمسكت بالسيف دون توقف لمدة عامين، خشنة ومليئة بالجروح، وكانت مفاصلها بارزة بشكل واضح.
منذ اللحظة الأولى التي رأيته فيها، علمتُ أنه تغير.
لم يعد سيزار ذلك الفتى الذي عرفتُه.
اختفى ذلك المظهر الصبياني، وحلّ محله رجل مكتمل مملوء بالرغبة تجاهي.
“لا يمكن أن أكون قد ارتبطتُ بعلامة مع تلك المرأة، رين…”
لم أستطع المقاومة.
كنتُ أتنفس بصعوبة، أحاول التقاط أنفاسي.
لامست شفتاه شفتي ببطئ….
التعليقات لهذا الفصل " 190"