الفصل التاسع عشر
في تلك اللحظة، نفض سيزار الماء عن يديه. كانت ردة فعله هذه المرة أهدأ بكثير مما كانت عليه من قبل.
ربما ليس لديه نفور فعلي من الماء نفسه؟
قررت أن أجرب مجددًا، وهذه المرة رششْت القليل منه على صدره. فابتلَّ الرداء الأبيض والتصق بجسده، وتعمقت التجاعيد على القماش، لتكشف من خلالها عن بشرته.
قطرة ماء انزلقت بين صدريه، وعندها فقط عدت إلى وعيي.
يا إلهي… في تلك اللحظة، شعرت أنني أفعل شيئًا خاطئًا، فاستدرت سريعًا. تسارعت ضربات قلبي، وشعرت بحرارة تملأ وجنتيّ.
عند التفكير بالأمر، أن تعلّمه كيف يستحم يعني أنه لا بد أن يرى الجسد عاريًا، أليس كذلك؟
“ما الذي عليّ فعله الآن…”
ربما كنت ساذجة. هل من طريقة لأعلّمه كيف يغتسل من دون أن يراني عارية؟ هل هذا ممكن أساسًا؟
“رين؟”
حين بقيت متجمدة في مكاني دون حراك، اقترب سيزار مني وجذب ياقة ردائي.
وعند تلك اللحظة، انفرج الرداء من الأمام، فظهرت كتفه، وتدلّى القماش إلى وضع حرج.
كتمت صرخة بالكاد، وأبعدت نظري نحو السقف. وبصوت مرتجف، طلبت منه:
“سيزار، لا، لا تخلع هذا الرداء أبدًا، مفهوم؟”
“لا أخلعه؟”
نعم، كان ذلك أمرًا مصيريًا في رحلتنا القادمة مع الاستحمام. سواء فهم كلامي أم لا، شددت على كلامي وأنا أعيد ترتيب الرداء المُنفرج بعناية.
“فهمت؟ عليك أن تمسكه جيدًا بيدك حتى لا ينفك!”
“حسنًا.”
أجابه بسرعة. رغم ذلك، شعرت بالقلق، فأعدت عليه الطلب مرات عديدة.
“تمسك به جيدًا ،مفهوم؟”
“نعم.”
حسنًا، ربما تمكنت من حلّ المشكلة الأولى، لكن الطريق أمامي ما زال ضبابيًا.
في المرة السابقة خلال الطعام، لم يأكل حتى رآني أتناول بنفسي.
فهل يمكن أن يكون الأمر نفسه مع الاستحمام؟ إن شاهدني وأنا أغتسل، فهل يفهم حينها؟
“لكن، هذا… محرج للغاية.”
أن يُشاهد أحدهم لحظة اغتسالك، هذا أمر بالغ الإحراج.
لكن نظرات سيزار البريئة والمركّزة نحوي جعلتني أعجز عن تجاهله.
“لا أعرف حقًا…”
جمعت شجاعتي. بدأت أولًا بدخول الحوض لأريه.
نعم، كل هذا…
“فقط من أجل التعليم.”
هكذا أقنعت نفسي، مزوّدة بعذر تلو الآخر.
ولأن الدخول إلى الحوض برداء خارجي أمر مستحيل، وضعت يدي على حزام الشريط المثبّت على صدري لأفكّه.
عندها، شعرت بنظرات سيزار تتوجه مباشرة نحوي. تلك النظرات الفضولية المبالغ فيها.
ربما لم يكن يقصد بها شيئًا، لكن أن يتبع عينيه حركة يدي، كان أمرًا محرجًا بحد ذاته.
سعلت بخفة، ثم قلت له بحذر:
“انظر، فقط أدر ظهرك قليلًا.”
وكما هو متوقع، نفذ الطلب فورًا. أومأ برأسه، ثم استدار بجسده.
ارتطم طرف فستاني بالأرض، وأخذت أُصارع قليلاً مع الجوارب الرقيقة المبللة التي بات من الصعب خلعها.
“حسنًا… يمكنك أن تنظر الآن.”
فاستدار سيزار على الفور، وكأنه كان بانتظار الإذن.
لم أُظهر ساقي العارية لأحد منذ زمن بعيد. وبعد الحادث، تشوّهت وتغير لونها.
كان ذلك جزءًا كنت أخفيه دومًا خوفًا من السخرية. لم يكن مرضًا، بل حادثة.
وقعت تلك الحادثة بعد فترة قصيرة من انتقالي إلى قصر فلوريس.
سليستينا، زوجة والدي، كانت تنظر إلي كأنني حشرة مقززة.
“جمعناك من الشوارع، ومع ذلك لا تعرفين الامتنان؟”
في ذلك المكان، لم تكن معاملتي جيدة أبدًا.
سليستينا وابنتها لم تتوقفا عن إيذائي يومًا.
ربما لو كان والدي البيولوجي، غاسبارو، منحني الحماية، لكان الحال أفضل.
لكنه بالكاد كان يظهر في المنزل، عدا عن حفلات العشاء الأسبوعية. كان غافلًا عن كل شؤون البيت، غارقًا في ملذاته.
“آآآااه!”
وذات يوم، حدث الأمر.
جيوفينيتا فلوريس، الابنة الكبرى، دفعتني لأتدحرج على الدرج.
لا أذكر السبب. ربما كان شجارًا بسيطًا، لكنني سقطت بقوة وأُصبت إصابة بالغة في كاحلي.
“أنتِ من سقطتِ بإهمال!”
قالتها بوقاحة وهي تخرج لسانها.
ظللت أتألم لعدة أيام، وأمسك بكاحلي المعوج، دون أن يرسلوا لي طبيب العائلة.
وعندما لاحظ والدي غيابي الطويل، زارني أخيرًا ومعه الطبيب، لكن الوقت كان قد فات.
ومنذ ذلك الحين، أصبحت أعرج. للأبد.
لم يُعاقب أحد. قالوا فقط إنها كانت زلّة مني، وسارت الأمور هكذا.
جسد مشوه، ألم لا ينتهي، إساءة دون مفر، ولا مبالاة الأب… لا أعلم أيها كان الأشد قسوة.
كنت أبكي بصمت كل ليلة في علّيتي المظلمة، أغرق وسادتي ذات الرائحة الكريهة بدموعي.
“لماذا جلبتموني إلى هنا أصلاً؟”
كان هذا سؤالي الدائم.
إن كنتم ستعاملونني بهذا الشكل، لِمَ لم تتركوني أموت جوعًا في الشارع؟
كان علي أن أراقب حتى أنفاسي، وآكل على استحياء، وأعيش كأنني غير مرئية.
لقد كنت الدليل الحي على الخطيئة، وصورة من كل شيء قذر وخاطئ في هذا العالم.
ابنة غير شرعية، عرجاء، وجودي بحد ذاته كان يزعج الجميع.
الواقع القاسي كان يمزقني بلا رحمة.
لكي أحمي نفسي من ذلك، كان عليّ أن أكون صلبة.
أخفيت قلبي اللطيف والعطوف في أعماقي.
درعي الذي صنعته من الوحدة والتصميم بات أكثر صلابة بمرور السنين.
لكن في بعض الأحيان، كانت كلماتهم تخترق هذا الدرع وتمزقني.
بقي في داخلي جزء هش وضعيف يعذبني.
ذلك الجزء لا يقسو مهما حاولت تقويته، وكلما تعرض للطعن، نزف دون رحمة.
“عرجاء.”
“لا تلمسوها، قد تنقل لكم إعاقتها.”
في كل مرة أعرج فيها، كانت الهمسات والسخرية تتبعني.
كأنني فيروس قذر.
حتى من يعرفون أن هذا ليس مرضًا مُعديًا، كانوا يتجنبون ملامستي.
وكان هناك كثيرون من هذا النوع حولي.
ولهذا، كانت أصابعي تنكمش تلقائيًا وترتعش.
رؤية ساقيّ كانت أكثر إحراجًا من الوقوف بملابس خفيفة.
خشيت أن ينظر إليّ سيزار ويشعر بالقرف أو التقزز.
لا أعلم إن كانت حرارة وجهي من بخار الحمام أم من الخجل.
راقبته بطرف عيني، لكنه بدا وكأنه لا يفهم أصلًا ما أقلقني.
كان مشغولًا بملابسي الملقاة، يحاول شمّها.
“أيها الغبي، لا تشمّ تلك!”
لوّحت بيدي لأوقفه، فصرف انتباهه أخيرًا.
حقًا، من الصعب إبعاد عينيّ عنه.
“انظر، سأدخل الآن.”
رفعت تنورتي بحذر، ودخلت إلى الحوض، ووضعت قدميّ في الماء الدافئ.
كان شعور الماء الساخن مريحًا، وخصوصًا عند ملامسته لكاحلي المتألم.
خرج أنين خافت من بين شفتيّ.
“آه، كم هو مريح.”
جلست على حافة حوض الاستحمام، وبدأت أرفرف بالماء بقدمي ببطء، مستشعرة مقاومة الماء، فانسكب القليل من الماء على الأرض. نظرت إلى سيزار الذي كان يتأمل المشهد بدهشة، فابتسمت قليلاً.
ثم أخذت قليلاً من الماء بكفي ونثرته برفق. وكأنني أقول له:
“هذا لا يؤذي”.
وكما توقعت، بدأ يظهر اهتمامه. أخذت زجاجة من الزيوت العطرية الموضوعة في السلة بجانب الحوض. وما إن فتحت الزجاجة حتى انتشر عبير عشبي منعش.
قطرت منها قليلاً على سطح الماء، فتسرب العطر في الماء وانتشرت رائحة الأزهار العشبية في الأجواء. اقترب سيزار من سطح الماء، وشمّه وهو يصدر أصوات فضولية.
“ما رأيك؟”
لكنه لم يدخل بعد. فقط ظل يحدق في سطح الماء ويشمه.
لذا بدأت أنزل جسدي ببطء حتى غمرته بالكامل داخل الحوض. فاندفعت المياه بفعل وزن جسدي وانسكبت على الأرض مُشكّلة جدولاً صغيراً.
تراجع سيزار للخلف بفعل اندفاع الماء، وأثار ذلك في نفسي رغبة للمزاح، فرششت عليه الماء مرة أخرى، هذه المرة على وجهه.
ما إن لامس الماء وجهه حتى بدا الارتباك في عينيه الحمراوين، وأثار ذلك في داخلي دافعاً لا أستطيع تفسيره، فرششت عليه الماء مرة أخرى.
“فوه، هاها.”
“أووو…”
تدلّت زاوية عيني سيزار قليلاً، وكان شكله في تلك اللحظة لطيفاً بشكل لا يُحتمل، فلم أتمالك نفسي وجذبته من يده.
“تعال إلى هنا.”
لم أستخدم قوة كبيرة، ومع ذلك انساب جسده نحوي ببطء، وفجأة اندفعت المياه في الحوض إلى الخارج مرة أخرى.
التعليقات لهذا الفصل " 19"