فصل 181
*********
ظهر في عيني إيشيليلنور بريق معدني بلا روح، خالٍ تمامًا من أي مشاعر، ذكرني بعيني الحشرات.
لم يكن لدي ما أجيبه به، فاكتفيت بالتحديق فيه بصمت، ثم فتحت فمي أخيرًا:
“أخبرني عن سبب مجيئك إلى هنا.”
“وفقًا للأخبار، يقال إنك قد أنجبتِ طفلًا من ولي العهد الأول.”
“ماذا، ماذا قلت؟”
سألت بنبرة مندهشة ممزوجة ببعض الحدة.
لقد وقع ذلك الحدث في العام الماضي، والآن فقط يفتحون الحديث فيه؟ كان الأمر وقحًا للغاية، إلى حد لا يُحتمل.
القشرة التي غطّت جرحًا قديمًا لم أجرؤ حتى على الاقتراب منه وكأنني نسيته تمامًا، بدأت تتقشر أخيرًا، وتحتها تفجرت مشاعر قديمة ومظلمة غليت في داخلي.
“هل… تعني الطفل؟”
“نعم، أليس هو نسل التنين؟”
قال ذلك ببرود شديد.
لم أجد ما أجيبه به من فرط الذهول، فاكتفيت بابتسامة خافتة ساخرة.
“لقد مرّ أكثر من عام على ذلك بالفعل.”
فردّ إيشيليلنور باستغراب:
“وماذا في ذلك؟ عادةً ما يُولد الطفل في مثل هذه الفترة…”
تذكرت ما قاله لي ريشار ذات مرة: أن الأعراق التي تعيش لآلاف السنين، مثل الإلف، لديهم مفهوم مختلف للزمن عن البشر.
ربما بالنسبة لهم، فإن سنة واحدة لا تعني سوى شهرٍ بالكاد.
تصرفات إيشيليلنور الآن كانت دليلًا على ذلك المفهوم.
“لا يوجد طفل.”
لم أستطع إخراج كلمة “مات” من فمي، فاستخدمت تعبيرًا ملتفًا، لكن يبدو أنهم فهموا المعنى، إذ ظهرت على وجوههم علامات الحزن، وتنهد الجميع.
“لا يمكن أن يموت نسل التنين بتلك السهولة.”
هززت رأسي بابتسامة ساخرة.
“أكرر لكم، لا يوجد طفل. لذا أرجوكم غادروا هذا المكان.”
لقد تعبت حقًا.
كان الأمر كما لو أن الجميع يهمس لي بأني لا أستحق أن أعيش.
والآن، وجودهم أمامي فقط كان يبعث في نفسي الألم.
لكن ملامح إيشيليلنور باتت جادة ومضطربة على غير العادة.
“هذا… لا يمكن. لا بد أن هناك وسمًا ما بقي على جسدك.”
“وسم؟”
سألت باستغراب من الكلمة التي لم أسمع بها من قبل، فبدأ إيشيليلنور يشرح:
“نعم، الوسم. الأعراق النبيلة مثل التنانين لا تتخذ إلا شريكًا واحدًا مدى الحياة.”
ولكي يتمكنوا من التمييز بين بعضهم، يظهر على أجسادهم ما يسمى بـ”الوسم”، وهو علامة تميز الشريكين.
“الوسم، إذًا…”
تمتمت بذهول.
لم أرَ يومًا على جسدي شيئًا يشبه بقعة أو علامة غريبة كما وصفها.
وفوق ذلك، كنت لا أحب أن يرى الآخرون ندبة ساقي، فلم أسمح لأي خادمة أن تساعدني في الاستحمام، لذا كان من الصعب ملاحظة تغييرات كهذه.
ربما لو كانت ديلفينا موجودة، لاكتشفت الأمر…
بينما التزمت الصمت أفكر، أضاف إيشيليلنور بكثير من الحماسة التي لم أعهدها منه من قبل:
“ربما يكون في مكان يصعب رؤيته. أحيانًا يظهر الوسم في أماكن لا يسهل على المرء رؤيتها بنفسه.”
وفي تلك اللحظة، شعرت بألم غريب يضغط على صدري.
“إذا كان هناك وسم على جسدي…”
“فهذا يعني أنك الشريكة الحقيقية للتنين.”
“الشريكة الحقيقية”… عند سماعي لتلك الكلمات، أخذت نفسًا عميقًا.
لسبب ما، تسللت قشعريرة إلى ظهري من شدة التوتر.
بدأ إيشيليلنور يتحدث عن سيزار بنوع من الانبهار: عن بطولته في أرض المعركة، شجاعته، حكمته، وقوته العظيمة.
“من خلال هذه الحرب، أثبت الأمير سيزار دون شك أنه تجسيد لتيغروش.”
كان الإلف قد نظروا إلى سيزار نظرة ريبة كبيرة قبل الحرب، بل إن إيسيلينور نفسه كان يزدريه.
رؤية هذا التبدل المفاجئ في موقفه كانت تثير السخرية قليلًا.
“ربما يجب التحقق، من يدري؟”
قال إيشيليلنور وهو يمدّ يده نحوي.
“م-ماذا تعني؟”
سألت بصوت مرتعش.
“أقصد الوسم.”
بمجرد أن قال ذلك، تسللت إليّ موجة من الذعر. ماذا لو لم يكن هناك وسم كما يقول؟
“لِمَ هذا الإصرار على الأمر؟”
الإلف الذين رأيتهم من قبل كانوا جميعًا يملكون طباعًا متأملة.
لم أرَ أحدًا منهم يُظهر هذا القدر من التعلق بشيء.
“برأيك، ما هي ميزة البشر كجنس؟”
“عذرًا؟”
لم يمنحني فرصة للرد، بل استرسل في حديثه مباشرة:
“القدرة السريعة على التكاثر. بما أن أعمار البشر قصيرة، فقد تطوروا ليكونوا أكثر قدرة على الإنجاب.”
“الإنجاب…”
لم أستطع تقبّل حديثه كإنسانة.
لكن إيشيليلنور لم يُبدِ أي نية للتوقف.
“التنانين، التي يُعتقد أنها انقرضت، تركت قدراتها على هيئة لعنة. والبشر الذين تقبلوها بقوتهم فقط، هم من ورثوا تلك القوة.
أي أن من يمتلك قوة التنين الآن يمكنه إنجاب نسل كثير يحمل هذه القوة. أليس هذا أمرًا رائعًا؟”
اكتفيت بابتسامة باهتة.
“أتعني القدرة على الإنجاب.”
لم أعد أرى فائدة في الرد، سوى أن شيئًا واحدًا كان يعلق في ذهني: الوسم.
ماذا لو كان ذلك الوسم موجودًا فعلًا على جسدي؟ ألا يعني هذا أنني مرتبطة فعلًا بسيزار؟
نظر إليّ الإلف ثم نادى أحد الإلفيات:
“هل نتحقق من وجود الوسم على جسدك إن لم يكن في ذلك حرج؟”
لكن فكرة أن أُري جسدي لهؤلاء الغرباء كانت مزعجة بشدة.
“سأجعل سانتشا، خادمتي، تقوم بذلك.”
انتقلت إلى الغرفة الخاصة، وخلعت ملابسي أمام سانتشا لأول مرة.
أمضينا عامين معًا.
كانت فتاة هادئة، لكنها لم تؤذني قط، بل بذلت ما بوسعها في مساعدتي رغم الظروف الصعبة في قصر الزمرد.
تفقدت سانتشا جسدي بحذر شديد، بينما استخدمت أنا مرآة صغيرة لتفحص كل زاوية.
جسدي النحيل الباهت كان مرعبًا حتى لي.
كان الأمر مريعًا.
فقط عظام وجلد.
يبدو أن سانتشا صُدمت أيضًا، فقد كانت يداها ترتجفان بشدة وهي تلامس جسدي.
“لا، لا يوجد شيء.”
تفقدتني ثلاث مرات، وأنا كذلك باستخدام المرآة الصغيرة والمرايا الكبيرة.
ولم نجد أي أثر لذلك الوسم.
عندما أخبرت الإلف بذلك، ارتسمت خيبة الأمل على وجه إيسيلينور.
“إذن لست الشريكة الحقيقية للتنين.”
قال ذلك ببرود قاتل.
لكني لم أشعر بصدمة كبيرة، كنت قد تهيأت للأمر منذ البداية.
كنت أعلم أن هذا سيحدث، وما كان من الإلف سوى أن اكتشفوا ذلك قبلي بقليل.
بدأت أشعر بالخدر في أطرافي، لم أعد أستطيع تحريك أصابعي، وحتى فكي كان متيبسًا.
لكنني أومأت بكل طاقتي.
نعم، ربما كان كل شيء بسببي.
بموت الطفل، لم أعد أستحق أن أكون بجانبه.
وفجأة، ساد الاضطراب في الخارج.
صرخات الخدم وصهيل الخيول ملأ الأجواء.
كنت قد سمعت أن جيوفينيتا ستعود من نشاطها التطوعي في الجبهة إلى العاصمة، ويبدو أن هذا اليوم هو يوم عودتها.
تماسكت بصعوبة، وخاطبت إيشيليلنور:
“ربما تكون شريكة سيزار بين هؤلاء. اذهبوا وابحثوا هناك.”
وحاولت جاهدًا أن أبتسم، لكن عضلات وجهي لم تطاوعني، وكأنها مشلولة.
وبعد أن تبادل الإلف النظرات، غادروا المكان.
وبقيت وحدي، جالسة على الكرسي في غرفة الاستقبال أحدق في الفراغ، في سكون خانق.
ثم جاءتني سانتشا وقالت إن هناك من جاء لزيارتي.
“لا أعتقد أن أحدًا قد يرغب بلقائي الآن…”
كان صوتي مشققًا وضعيفًا للغاية.
لكني رفعت رأسي بتثاقل، فأخبرتني:
“الليدي جيوفينيتا جاءت.”
“جيوفينيتا؟ لماذا؟…”
وقبل أن أسمح بدخولها، كانت قد دخلت بخطى واثقة إلى غرفة الاستقبال.
” مضى وقت طويل، إيرينيا.”
رغم السفر الطويل، بدت مليئة بالحيوية، وكان ذلك مثيرًا للدهشة.
أما أنا، فلم أستطع حتى النهوض، فحييتها وأنا جالسة.
لم أكن أستطيع رفع رأسي حتى.
كان جسدي كأن عليه أثقالًا من الرصاص.
“ما الذي أتى بكِ؟”
سألت بشفاه بالكاد تتحرك.
ضحكت جيوفينيتا بمرح وهي تنظر من حولها.
“يا لك من بائسة، إيرينيا. وما هذا الوضع المريع لقصر الزمرد؟ حتى حصون الحرب لم تكن بهذه الفوضى.”
لم أعد أستطيع حتى فتح جفني، واكتفيت بابتسامة ضعيفة بالكاد تُرى، أو لعلها لم تكن ابتسامة، بل مجرد زفير متعب خرج من صدر منهك.
“أخبريني بمهمتك بسرعة.”
كنت مرهقة جدًا بعد لقائي بإيشيليلنور، فلم أعد قادرة على مجاراة جيوفينيتا.
فوضعت يدها على خصرها وضحكت ضحكة طويلة، ثم قالت، وهي تكاد تخفي سعادتها:
“أنا حامل. إنه طفل سيزار.”
التعليقات لهذا الفصل " 181"