إن مضى كل هذا الوقت الطويل، فربما، ليس من المبالغة القول إن سيزار قد نسي أمري.
أفكار سوداوية أخذت تزحف حولي كحشرات تمشي على الجلد، محيطة بي بهدوء.
السؤال الذي ظل يتكرر في رأسي حتى الآن تجسد أخيرًا في صورة جملة واضحة:
“لماذا لم يرد سيزار عليّ؟”
الافتراض القاسي الذي ظل يراودني طوال فترة غيابه، ظل يدور في رأسي بلا توقف، وكأنه تحول إلى خنجر حاد يمزقني إربًا.
“ربما تخلّى عني سيزار.”
في الواقع، كان من الطبيعي أن أفكر هكذا.
لقد ظللت حتى الآن أرفض هذا التفكير متعمدة، محاولًة إنكاره.
لكن ربما، تلك الافتراضات التي قد تكون حقيقية كانت تزداد واقعية، وتضغط على صدري بثقل الحقيقة.
فجأة شعرت أن صدري ينقبض، ولم أعد أستطيع التنفس كما ينبغي.
أمسكت بطرف ملابسي وانحنيت على الأرض متقيئة.
ارتجعت عصارة المعدة الحامضة حتى أنفي فأحرقتني، ولم يكن في بطني شيء تقريبًا، لذا لم ينزل سوى سائل صافٍ لزج يتساقط على الأرض.
“هاه… أوغ…”
الألم كان يلتف حولي بإحكام.
الحرارة تجمعت في وجهي، وصار التنفس مستحيلًا.
شعرت وكأن الماء يغمر رئتي حتى أطرافها.
وصل السائل إلى طرف أنفي، ولأتمكن من التنفس، اضطررت لأن أفتح فمي بشدة كما لو أنني أطفو فوق سطح الماء.
“ههك…”
عندها فقط أدركت أنني كنت أحبس أنفاسي.
شعرت وكأن حلقي انغلق، فاختنقت.
بدأت أتنفس بصعوبة بالغة، ومع كل نفس يعود لي بعض الإدراك، وتبدأ الأفكار السوداء بالتلاشي واحدة تلو الأخرى.
كنت أعلم حقيقة واحدة في هذا العالم: كل شيء له بداية لا بد أن تكون له نهاية.
حتى الجبل الشامخ، مع الوقت، يتآكل ويتفتت ويصبح رمالًا ناعمة، ثم يختفي.
كل شيء يمر بهذه العملية، فيتغير شكله، ويتحول، ثم يزول في النهاية.
وليس قلب الإنسان استثناءً من ذلك.
بل، إن قلب الإنسان أضعف وأرهف من أي شيء آخر.
القلب يتغير حتى بأبسط الأشياء.
رأيت مثل هذه الحالات كثيرًا.
حتى العشاق الذين غنوا الحب يومًا ما بحماس، ينتهي بهم المطاف إلى وداع بارد ووحيد.
ربما، علاقتي بسيزار لم تكن مختلفة.
ربما كانت نهاية كل شيء قد بدأت منذ زمن.
بل ربما انتهت مشاعرنا حتى قبل أن أُدرك أنا ذلك.
هل كنت أنا فقط من ظلّ متمسكًا بذكريات ذبلت وجفت وتشققت؟
حين واجهت هذه الحقيقة شعرت بالبرد.
بردٌ شديد في ظهري جعلني أتقوقع على نفسي.
برودة أوائل الخريف كانت قاسية بشكل مؤلم.
تمنيت لو أنني أختفي الآن.
إن كان بإمكاني أن أختفي دون أن أتحقق من أي حقيقة.
لو أنني فقط أستطيع إغلاق غطاء هذه المشاعر القبيحة والقذرة، وأسقطها في أعماق البحر.
“هُه…هُهك…”
ربتُّ على بطني بيد مرتجفة.
في يوم ما، كان هناك حياة جديدة تنمو في هذا المكان.
حينها، كانت مجرد تلك الحقيقة كافية لتملأني بالفرح.
وكأن شعلة صغيرة أُضيئت في صدري، لتنير بقعة مظلمة في قلبي.
مهما كانت الظروف قاسية، كنت أستطيع أن أتحمل.
لكن حتى ذلك الأمل قد انطفأ الآن.
لم أعد أملك الثقة بنفسي.
هذا البطن المسطح لم يعد قادرًا على احتضان أي حياة.
لم أستطع حتى أن أحمي طفل الرجل الذي أحببته، وصرت الآن امرأة لا يمكنها أن تُنجب أبدًا.
قالت لي كونستانشا ألا أفقد الأمل، لكنني كنت أعلم.
كنت أعلم أنه لم يتبقَ أي أمل.
عدم القدرة على الإنجاب كان عيبًا كبيرًا في المرأة.
بل هو سبب كافٍ لبطلان الزواج.
كنت أعلم تمامًا لماذا أصبح الجميع في القصر الإمبراطوري يشيعون أن سيزار وجيوفينيتا يشكلان ثنائيًا مثاليًا.
لأنني لم أعد أستطيع أن أنجب.
في الحقيقة، زواجنا، أو بالأحرى هذا الاقتراح، لم يكن مناسبًا لي.
كيف يمكن لامرأة مثلي، وضيعة كهذه، أن تليق بها مكانة زوجة أمير؟ لذا، ألم أكن قد عقدت العزم منذ لحظة الزواج، على الموت الذي سيأتي حتمًا مع هذا الانقلاب في المكانة؟
رغبتي في البقاء بجانبه رغم معرفتي بكل هذه الحقائق، لم تكن إلا طمعًا قذرًا وأنانيًا.
حين أدركت هذه الحقيقة، تجمعت الدموع في عيني، وانسابت على خدي.
جلست ببطء على مقعد التسريحة.
كان هناك كتاب على الطاولة، هو الكتاب الذي كنت أقرأه مع سيزار.
قرأته في السابق حتى حفظت كل جملة منه تقريبًا، لكن غلافه الآن تمزق حتى أصبح باليًا وقذرًا.
شعرت أن ذكرياتنا تلطخت، فآلمني قلبي.
حين فتحته، وجدت مقطعًا مألوفًا:
“يا له من مظهر مروع!”
رفعت رأسي ببطء ونظرت في المرآة.
رأيت امرأة بعينين غائرتين وخدين غائرين، أشبه بالهيكل العظمي.
شعري فقد بريقه بالكامل، وملابسي التي كانت تناسبني قد تهدلت وصار جسدي هزيلًا، منظري بائسًا ومثيرًا للشفقة.
“هل كانت هذه الفروات الرمادية القبيحة هي السبب؟ أم أن هذا المنقار الأسود هو السبب؟
بأي ذنب وُلدتُ بهذا القبح؟”
بكيت وأنا أنظر إلى المرآة.
أنا، تلك الابنة غير الشرعية التي كانت تؤدي الأعمال المنزلية كخادمة، العار الذي جلبته لعائلتها، المصابة بعرج في ساقها، والتي لا تستطيع حتى الآن أن تنجب طفلًا، امرأة ميتة من الداخل.
“هل يمكن لشخص ما أن يحب إنسانة مثلي؟”
من يمكنه أن يحبني وأنا بهذه الحقارة؟ وسط هذه الأفكار السلبية التي لم تتوقف عن تعذيبي، تذكرت صوت سيزار اللطيف.
“أحبك، رين.”
“قال سيزار إنه يحبني…”
وفي اللحظة نفسها أدركت أنني لم أجب يومًا على اعترافه بذلك الحب.
فانهرت بالبكاء.
كنت غبية.
لماذا لم أرد على مشاعره النقية؟ لماذا كنت أنانية وعاطفية إلى ذلك الحد؟ كان عليّ أن أقول له،
“أنا أيضًا أحبك، أكثر من أي أحد، في الواقع، أنت أغلى من حياتي.”
ربما، لو كنت قد أجبت حينها، ربما كان بإمكاني أن أحتفظ بك إلى جانبي…
في تلك اللحظة، انقطع نفسي فجأة.
شعرت أن حتى ذكرياتي قد تدنست بطمعي الأناني.
وما تبقى لي في المستقبل هو فقط هذه الذكريات الباهتة المتهالكة.
لم أستطع تحمل تدنيسها.
رميت بالكتاب على الأرض.
كان صدري يتجمد ويتألم.
لكن هذه كانت الحقيقة.
الحقيقة دائمًا تؤلمني وتجرحني، وتدفعني إلى اليأس، وتُسقطني إلى الهاوية.
كنت قد نسيت ذلك مؤقتًا.
كنت أحلم في حلم لطيف، ونسيان مرارة الواقع.
لذا، حتى إن استيقظت من الحلم، فهذا ليس سوى عودة إلى الحياة الحقيقية.
ومع أنني كنت أعلم ذلك، تمنيت لو أن الوقت يتوقف عند هذه اللحظة.
اللحظة التي لم تحسم فيها الأمور بعد، أردت أن أحتفظ بها.
أن أغرق في سبات أبدي وأنا أعانق الذكريات المضيئة من الماضي.
**************
لم يمض وقت طويل حتى جاء ضيف إلى قصر الزمرد، حيث كنت أقيم.
وكان الضيف هو ليس سوى زعيم غابة هيفيليوم، إيشيليلنور.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 180"