كان وضع النظافة في القصر مزريًا للغاية. صحيح أن غرفة نومي كانت أفضل حالًا بعض الشيء، لكنها لم تكن سوى ترتيبٍ ظاهري على عجل. وكيف عرفتُ هذا؟
“يبدو أنهم نظّفوا الأماكن الظاهرة فقط.”
لقد علمني ذلك الأمير المغطى بالغبار وكأن كل تراب الدنيا اجتمع عليه، حين جلس على أرضية السرير المتّسخة.
بدأت أنفض الغبار عن ملابسه، ثم سارعت بإخراج منديل من جيبي لأمسح ما علق به، لكن المنديل الأبيض تحول بسرعة إلى سواد قاتم، حتى أيقنت أنه لا فائدة من المنديل وحده.
“خذ.”
ناولي “سيزار” حينها الوسادة التي رماها قبل قليل، وضمّها إليّ برفق. وبمجرد أن أمسكتها، خرج من فمي ضحكة خفيفة لا إرادية.
“آهها.”
لم يكن الأمر يستحق الضحك، ومع ذلك انفجرت ضاحكة، ولم أستطع التوقف. أمسكت بطني وضحكت طويلاً حتى نظر إليّ سيزار بحيرة، وهو يميل برأسه عدة مرات.
“آه، آسفة… فقط، الأمر مضحك جدًا…”
كان منظره وهو مغطى بالغبار بائسًا لدرجة لا توصف، ومضحكًا بنفس القدر. لم أستطع كبح ضحكتي حتى امتلأت عيناي بالدموع.
وسط غيوم الحزن التي كانت تغطي قلبي، اقتحم الأمير المغطى بالرماد عالمي، بمظهره المتهالك والمتّسخ، بلا مظهر ملكي يليق به. الغريب أنني لم أستشعر منه النفور، بل على العكس، كان ذلك يبعث في داخلي شعورًا دافئًا يصعب تفسيره.
منذ أن جئت إلى القصر الإمبراطوري، لم أذق طعم الراحة قط. الملابس الضيقة، الأحذية القاسية، النظرات التي تخترقني كما لو كنت مخلوقًا غريبًا، العيون التي تلاحقني في كل مكان… لو استمريت في التركيز على تلك النظرات، لذبلت يومًا بعد يوم.
كأن فخامة المكان كانت تهمس لي: مهما ارتديتِ من حرير وتحلّيتِ بالجواهر، فلن يليق بك هذا البذخ. هذا المكان ليس لمن يشبهكِ، فتاة مشوّهة من أصل وضيع، لقيطة منسية. ولذلك، فإن ما تتلقينه من ازدراء هو أمر مستحق، وعليكِ أن تكوني ممتنة فقط لبقائكِ حيّة.
شعرت بالضيق يتسلل إلى صدري، وكأن الهواء انقطع، وتقلصت رئتاي. كنت على وشك أن أتقيأ من التوتر. حتى أني كنت ألصق فمي بالمكان الذي يتسلل منه الهواء لأتنفس بصعوبة.
تارةً، كنت أشعر برغبة عارمة في الصراخ من أعماقي، وتارة أخرى، يتحول ذلك الاندفاع إلى خوف يجمد أطرافي بالكامل.
كان الأمر أشبه بالمشي على حبل مشدود بين جرفَين، وإن أخطأتُ خطوة، سأسقط في الهاوية.
لكن حينها، أوقفني ذلك الشيء الصغير الذي ناولني إياه سيزار — وسادة بسيطة، لكنها أوقفت سقوط قلبي من علٍ.
كان يحمل طين الأرض وغبارها، متحررًا من كل القوانين والأعراف… ومع ذلك، كان شعورًا رائعًا بطريقة يصعب تفسيرها. شعرت بأن الغيوم السوداء داخل قلبي بدأت تتفرق، وضحكة خفيفة بدأت تذيب شيئًا من سواد روحي.
“مع ذلك، لا يمكننا ترك الأمر هكذا.”
رغم أنني كنت أتفهم ما حدث، إلا أن الوضع كان أكثر قذارة مما يمكن احتماله.
“عليّ أن أظهر له بمظهر لائق.”
النظافة من أول معايير الانطباع الأول، لذلك رفعت شعره الأشعث قليلًا إلى الخلف. وانكشفت جبهته الوسيمة، وحاجباه العريضان المستقيمان، وعيناه الحمراوان الساحرتان تتبعان حركة يدي. أنفه المرتفع يلقي بظل أنيق على وجهه المتناسق تمامًا، وعيناي بدأت تشعر بالحرارة على وجنتيّ. سارعت إلى شد الحبل لاستدعاء إحدى الخادمات.
“صاحب السمو الأمير هنا؟”
كانت “ميرسيدس” قد دخلت الغرفة، وبدا أنها بحثت عنه طويلًا قبل أن تتنفس الصعداء برؤيته.
“أعتقد أن وقت الاستحمام قد حان.”
“استحمام؟!”
“نعم.”
“لكن…”
بدا الشحوب على وجه ميرسيدس.
“ألا ترين كم هو متّسخ؟”
“لكن…”
حينها لم أنتبه لترددها، ولم يمض وقت طويل حتى عادت مع عدد من الخدم وهي تحمل ملامح حاسمة.
“إلى اللقاء، سيزار.”
ودّعته وأنا ألوّح له ببشاشة. كان يلتفت إلي بين الحين والآخر، كأن عينيه تستنجدان بي، لكني ظننت أن الأمر لا يتعدى حمامًا بسيطًا. فهل من مشكلة في ذلك؟
“…أليس كذلك؟”
تمتمتُ بلا وعي، لا أدري إن كنت أتحدث لنفسي أم له.
لكن لم يطل الوقت حتى أدركت أن إحساسي السيء لم يكن في غير محله.
صرخة مدوية. ثم صوت تحطّم شيء ما. تبعها أنين الخدم، وصوت ارتجاج الأرض، كما لو أن حيوانًا ضخمًا، كخنزير بري أو دب، كان يركض نحونا.
دقّات ثقيلة ترددت عبر الممر، تقترب تدريجيًا، ثم فجأة، اصطدمت بالباب المغلق وفتّته إلى نصفين.
“هاه؟”
ومن كان غير سيزار، الذي اقتحم الغرفة عاريًا تمامًا، دون خيط يستر جسده!
“آآه؟ كياا!”
اندفع نحوي كطائر القاوند الذي ينقض على فريسته، متجهًا مباشرة إلى السرير الذي كنت أجلس عليه.
بدا وكأنه خرج للتو من الحمام، جسده دافئ ومبلل، وكانت رائحته تنبعث بخفة.
تجمدت في مكاني، عاجزة عن الحركة، وهو يحتضنني. وما هي إلا لحظات حتى سمعت خطوات مسرعة تقترب.
“صاحب السمو!”
كانت ميرسيدس، لكنها توقفت فجأة حين لاحظت ذراعيه تشتدّان حول خصري، ويداه ترتعشان.
“آه… هذا…”
كان الموقف محرجًا للغاية. حاولت تغطيته بقطعة من الكتان فوق السرير، لكن القماش المبلل لم يساعدني كثيرًا.
تفاديت النظر إلى جسده قدر الإمكان، لكن نظري انجذب إليه قسرًا، كما لو أن شيئًا ما يجذبني نحوه. كانت المرة الأولى التي أرى فيها شابًا بعمري عاريًا هكذا.
حين كنا أطفالًا، لم يكن الأمر غريبًا بين الخدم أو أبناء العائلة، لكن بعد أن كبرنا، لم أر شيئًا كهذا مجددًا.
جسده، الذي كان أكبر من جسدي مرتين، بدأ يأخذ هيئة الرجولة بعد أن غادر مرحلة الفتيان.
عضلاته المتماسكة تنقبض وتنبسط مع كل نفس، ما جعلني أقاوم بشدة رغبة جامحة في لمسه.
أما لون بشرته، فكان ناعمًا بلون العاج الكريمي، والقطرات على جلده كانت تلمع كأحجار كريمة…
يا إلهي، ما الذي أفكر فيه الآن؟ بدأت أتمتم آيات من الكتاب المقدس محاوِلة استعادة رباطة جأشي.
“رباه الرحيم، خلّصنا من الخطيئة، ولا تدعنا نقع في غواية الشيطان…” (استغفر الله بس🐈)
“يبدو أن الاستحمام أمرٌ مرهق جدًا لسموه.”
قالت ميرسيدس وهي تضع كتانًا على جسده.
“لننهي الأمر هنا.”
ثم بدأت بتجفيفه استعدادًا لإلباسه من جديد.
“لحظة واحدة.”
“نعم؟”
“لكنه لم يغتسل جيدًا بعد.”
“لكن…”
ترددت نظراتها. كنت أتابعها بصمت.
“إذا كان يرفض بهذه الطريقة…”
“مع ذلك…”
نظرت إليّ للحظة، ثم قالت وقد بدا شيء ما قاسيًا في عينيها:
“ماذا لو ساعدتهِ سموّكِ؟”
“ماذا؟”
هل تطلب مني أن أساعد سيزار في الاستحمام؟
“بما أن سموكِ ترغبين في استحمامه، فالأولى أن تبادري بذلك. لا يمكن تركه مبللاً هكذا، سيصاب بالبرد.”
صحيح أنه لا يمكن تركه على هذا الحال، لكن…
“لم أفعل شيئًا كهذا من قبل.”
صحيح أنني غسلت الثياب من قبل، لكنني لم أساعد أحدًا على الاستحمام، ولا أعرف حتى كيف يُفعل ذلك. وجودي لن يفيد، بل قد يسبب المتاعب.
لكن ميرسيدس هزّت رأسها بثقة، وقالت:
“الاهتمام بالزوج هو من واجبات الزوجة. وجودك بجانبه سيكون دعمًا كبيرًا.”
“…حسنًا.”
لم يكن أمامي خيار. وافقت، وبدلت إلى ملابس بسيطة، ثم رافقته إلى الحمّام.
بالرغم من أن القصر قديم، إلا أنه يظل القصر الإمبراطوري. وقد صُدمتُ من منظر الحمام الكبير المجهز تجهيزًا مذهلًا. وأكثر ما أدهشني هو الماء الساخن الذي يخرج من الأنابيب المعدنية.
عندما قام بعض الخدم بصب ماء التهيئة والضخ باستخدام المضخة، سرعان ما سُمِع صوت “غروك، غروك” من خلف الأنبوب، ثم تدفقت المياه الساخنة إلى حوض نحاسي واسع.
قيل إن القصر حين تم تصميمه أول مرة، تم إدخال عدة تجهيزات سحرية مبتكرة. ومن بين تلك التجهيزات السحرية كان هذا الأنبوب الذي يخرج منه الماء الساخن.
ويُقال إن من اخترعه هو كوسيمو فلوريس، كبير السحرة ومؤسس عائلة فلوريس، وهو أحد أسلاف والدي.
أنا أعلم تمامًا كم من الجهد يتطلب الحصول على ماء ساخن. فلابد من إشعال الحطب طوال اليوم لغلي الماء، ثم حمله إلى الغرف يتطلب الكثير من المال والجهد.
لذا، فإن استخدام الماء الساخن بحرية، حتى بين العائلات النبيلة، يُعد ضربًا من الترف الكبير. إنه حقًا أحد أوجه استعراض الثراء الفاحش.
قضيت وقتًا أتجول في المكان أتأمل تلك الأداة السحرية المذهلة وألمسها بفضول، وبينما كنت أُعجب بها بشدة وأفتح فمي تعبيرًا عن الدهشة، بدا أن التحضيرات للحمام قد اكتملت.
فإذا بسيزار قد ارتدى بالفعل رداء الحمام. وكم كنت ممتنة لأنه لم يكن عاريًا بعد الآن!
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 17"