فصل 164

 

**********

 

شعرتُ برعبٍ يقيّد جسدي بأكمله.

 

 ارتعدت أطرافي تلقائيًا من شدة الخوف.

 

 إن انكشف هذا الأمر، فقد تقع أسوأ كارثة كنت أخشاها.

 

“لا، لا يمكن استدعاء طبيب القصر الإمبراطوري.”

 

ما زلت لا أعلم بعد إن كنتُ حاملًا فعلاً أم لا، وإن كشفتُ جسدي لطبيب القصر فقد لا أتمكن من تحمّل العواقب.

 

إن كنتُ أحمل حقًا طفلًا من سيزار، وإن وصل هذا الخبر إلى الإمبراطورة، فمن السهل تخيل ردّ فعلها.

 

 لن أكون وحدي في الخطر، بل سيطال الجميع.

 

“ما، ما الذي ينبغي أن نفعله؟”

 

تبادلنا النظرات بقلق وتوتر. 

 

عندها، صاحت دِلفينا وكأنها تذكّرت شيئًا:

 

“هناك معالِجة أنقذت فيتّوريو من قبل!”

 

تذكّرتها أنا أيضًا. 

 

كانت المعالِجة الريفية التي أنقذت فيتّوريو عندما أصيب أثناء محاولته حمايتي.

 

“ماذا لو استدعيناها إلى القصر؟”

 

تلك العجوز كانت أيضًا من معارف ريشار، لذا كانت شخصًا يمكن الوثوق به.

 

 نظرتُ إلى دلفينا وسألتها بحذر:

 

“هل يمكننا فعل ذلك؟”

 

“نعم، سأذهب إليها وأطلب مساعدتها بنفسي. هي خبيرة في الطب، وستفهم حالة جلالتك جيدًا.”

 

“أ-أجل…”

 

تمتمتُ بصوتٍ خافت. 

 

ربما كل هذا مجرد شكوك متسرعة.

 

 ورغم ذلك، شعرتُ بشيء غريبٍ جدًا.

 

وضعتُ يدي على بطني بحذر وبدأت أمسّده برفق.

 

 كان مسطّحًا تمامًا، لم أشعر بشيء. 

 

لم أستطع تصديق أن بداخله قد يوجد طفل.

 

“ما زال الأمر غير مؤكد.”

 

هززتُ رأسي وكررتُ القول. 

 

كانت مشاعري متضاربة بين الترقّب والقلق. 

 

ما بين “ربما…” و”لكن ماذا لو…؟”.

 

 كلما اجتاحتني أفكار سلبية، ظهرت على وجهي فجأة ابتسامة باهتة.

 

كان كل شيء فوضويًا. 

 

لم أكن قادرة على اتخاذ أي قرار، واضطررت لقضاء الليل أقاوم ألمًا في صدري. 

 

لم أستطع النوم بسهولة.

 

 كنت أحرّك أصابع قدمي محاوِلة إيقاف تيّار الأفكار السلبية. 

 

وفي كل مرة، كنتُ أمسّد بطني من جديد، لطفلٍ قد يكون موجودًا وقد لا يكون.

 

 كان هذا الفعل يمنحني عزاءً. 

 

كانت ليلةً لا يُرتجى منها النوم.

 

وصلت العجوز بعد يومين. 

 

قدّمت نفسها باسم “كونستانتشا”، مدّعية أنها خالة دلفينا، ولم تكن ترتدي ملابسها الرثة التي رأيتها فيها سابقًا، بل كانت ترتدي فستانًا محتشمًا.

 

“دعيني أرى…”

 

تفحّصتني كونستانتشا وأمسكت برسغي لتأخذ النبض، ثم باشرت الفحص بعد عدة أسئلة.

 

 كان الفحص مشابهًا لما اعتدت عليه من طبيب القصر، لكن بعض الأمور كانت جديدة كليًا.

 

بعدها أخرجت من حقيبتها الجلدية أنبوبًا زجاجيًا يحتوي على محلول كيميائي وسماعة طبية طويلة تشبه الأنبوب. 

 

وضعت الحلقات المعدنية في أذنيها، وقرّبت الطرف الآخر من بطني لتصغي إلى الصوت.

 

مرّت لحظات صمت طويلة، ثم نزعت السماعة ووضعتها على الطاولة، وقالت لي:

 

“لم يمضِ شهر واحد بعد.”

 

“ماذا؟”

 

شهر؟ ماذا تعني؟ سألتُها بدهشة، فرأيتُ عينيها ترتجفان بحدة.

 

“بيت الجنين ضعيف، وما يزيد الأمر سوءًا أن جسم الأم واهن للغاية…”

 

نقرت لسانها بضيق، ثم أخرجت ملعقةً فضية من حقيبتها وطلبت مني فتح فمي.

 

 عندما لامست الملعقة الباردة فمي شعرت بطعم معدني لاذع.

 

“هـ-هل هذا يعني أنني… حامل؟”

 

سألتها مرة أخرى، فتنهدت بعمق وهزّت رأسها إيجابًا.

 

“الرجال جميعهم ذهبوا إلى ساحة المعركة، فكيف…؟”

 

قطعت كلامها، وفجأة داهمني صداع حاد جعل رأسي يدور. 

 

هرعت دلفينا لمساعدتي، ووقفنا كلتانا مذهولتين، لا نعرف كيف نتصرف.

 

“طفل، إذًا…”

 

“تقولين أن هناك طفلًا؟”

 

وبينما كنّا في حالة من الارتباك، كانت كونستانتشا تهزّ المحلول الزجاجي بهدوء وكأنها تفحصه، ثم دوّنت شيئًا على ورقة.

 

“يجب الاعتناء بجسدك. جسد الأم ضعيف للغاية، والطفل بالكاد يتمسّك بالحياة.”

 

ما كتبته على الورقة كان مجموعة وصفات بالأعشاب وطريقة تناولها، قائلة إنها مناسبة لحالتي كحامل وتساعد جسدي.

 

“لكن، لا يهم كم دواء تأخذين، فهو يبقى مجرد مساعد. الأهم هو أن تأكلي جيدًا، ترَي أشياء جميلة، وتحافظي على الراحة التامة.”

 

“ن-نعم…”

 

وضعت يدي على بطني المسطح، وقلبي مشوش تمامًا.

 

 طفل… حقًا هناك طفل في داخلي من سيزار؟ لمجرد التفكير بذلك شعرتُ أنني أريد أن أضحك.

 

في تلك اللحظة، أصدرت كونستانتشا صوت تأفف خافت.

 

 كان هناك تغير في لون المحلول الذي كانت تفحصه، إذ تحوّل من شفاف إلى أرجواني داكن. 

 

رمقتنا أنا ودلفينا بنظرة حادة، ثم قالت:

 

“يا له من أمر غريب…”

 

“ما الذي تقصدينه؟”

 

سألتها دلفينا، فتوقفت كونستانتشا عن هزّ المحلول ووضعته على الطاولة، ثم نظرت إليّ وسألتني بنبرة فاحصة:

 

“منذ متى وأنتِ تتناولين حبوب منع الحمل؟”

 

كان وقع كلماتها صادمًا.

 

 لم أكن الوحيدة التي ارتاعت، إذ شحب وجه دلفينا أيضًا.

 

“منع… الحمل؟ هذا مستحيل!”

 

أنا كذلك، لم يخطر لي هذا الأمر مطلقًا. 

 

لم أتناول شيئًا متعلقًا بمنع الحمل، ولا أعلم حتى كيف يُستخدم.

 

راقبت كونستانتشا ردّات فعلنا، وأطلقت تنهيدة منخفضة.

 

“لو كان هناك من دفعك لذلك لغرض ما، فهذا ممكن. أساليب أولئك الأشرار تتجاوز الخيال. ليس غريبًا ألا تعرفي.”قالت إن الدواء ليس بالضرورة أن يُؤخذ عن طريق الفم ليكون فعالًا.

 

“يُمكن أن يُؤخذ عن طريق الأكل، الشرب، الدهن… أو حتى من خلال الرائحة أو ملامسة شخص آخر. الطرق كثيرة أكثر مما تتخيلين. علينا أن نشكّ في كل شيء.”

 

“مستحيل…”

 

جلست دلفينا على الأرض بذهول، وجهها شاحب.

 

 كمسؤولة عن القصر، كان من الصدمة لها أن أتناول مانع حمل دون علمها.

 

“دلفينا…”

 

أسرعتُ نحوها. 

 

كانت على وشك البكاء بوجهٍ مشوش.

 

“الخادمات الجدد، خصوصًا في المطبخ، هن الأكثر إثارة للشبهة. إن لم نطردهن فورًا…”

 

كانت تنوي طردهن على الفور، لكنني هززتُ رأسي بسرعة.

 

“دلفينا، إن كان هناك من فعل هذا بي، فهو شخص واحد فقط.”

 

“الإمبراطورة…”

 

مجرد ذكرها جعل دلفينا ترتجف خوفًا. 

 

وضعتُ يدي على يدها المرتعشة.

 

“بل هذا لصالحنا، دلفينا. من الأفضل أن تواصل الإمبراطورة اعتقادها بأنها تتحكم بنا بهذا الشكل.”

 

“لـ-لكن هذا فظيع! ماذا لو تضرر الطفل بسبب ذلك…؟!”

 

اهتزت كتفاها غيظًا، لكنني هززت رأسي.

 

 إن طردنا الخادمات أو أحدثنا ضجة، فسيؤدي ذلك إلى عواقب أكبر.

 

اقتربت منا كونستانتشا وأمسكت بيدي بإحكام. 

 

من بين تجاعيد عينيها برزت نظرة حادة.

 

“يا له من طفل قوي. حتى بعد تناول دواء شديد المفعول، لا يزال يقاوم.”

 

صُدمت بكلماتها ولمستُ بطني.

 

 لم أستوعب بعد أن هناك حياة بداخلي.

 

 كان كل شيء لا يزال ضبابيًا.

 

‘إن حملتِ… ستكونين في خطر.’

 

تذكرت فجأة كلمات سيزار التي قالها ذات مرة. 

 

كانت منطقية ومُرة في آن واحد.

 

لكن رغم الخوف والقلق، كانت هناك مشاعر أقوى.

 

كانت الفرحة. 

 

طفل من سيزار؟ كيف سيبدو وجهه؟ هل سيكون شعره مثل شعري الأشقر، أم مثل شعر والده الأسود؟ كيف سيكون لون عينيه؟ من المؤكد أنه سيكون جميلاً كوالده.

 

 إن كان صبيًا، فسيكون قويًا وأنيقًا، وإن كانت فتاة، فقد تشبهني تمامًا.

 

خفق قلبي بقوة جنونية. 

 

مجرد فكرة واحدة: أنني أحتضن حياة جديدة، كانت كافية لتجعلني أرتعش. لا سيما أنها ثمرة حبّي.

 

“حين يعلم سيزار بهذا الأمر…”

 

تسارعت أنفاسي فجأة حتى شعرتُ بالاختناق. 

 

سكنت كتلة حارة ومؤلمة في صدري، وارتجف جلدي من فرط الفرحة.

 

 كبَتُّ قلبي المضطرب بكفي البارد.

 

آه… لماذا لا يكون سيزار هنا الآن؟ هل سيفرح حين يعلم أنني حامل؟ هل سيشعر بالسعادة والبهجة كما أشعر الآن؟