فعلاً، لم يمضِ بعد أسبوعان كاملان على مغادرة سيزار، فليس من المعقول أن يكون قد أرسل رسالة بالفعل.
“هذه الرسالة من الآنسة بيرناديتا.”
كانت الرسالة المصنوعة من الرّق قد أرسلتها أختي الصغرى بيرناديتا، وقد كتبت فيها أنها التحقت بأكاديمية السحر بسلام، وأنها تتأقلم جيداً هناك.
ابتسمت بينما كنت أقرأ الرسالة.
يبدو أن بيرناديتا سمعت أيضاً نبأ إعلان الإمبراطورية الحرب المفتوحة على قبائل الشياطين.
معظم محتوى رسالتها كان يسأل عن سلامتي، متسائلة ما إذا كنت في خطر داخل القصر الإمبراطوري.
وذكرت أيضاً أن بعض طلاب السنوات العليا وبعض أساتذة الأكاديمية قد شاركوا في هذه الحرب.
وبطبيعة الحال، بقيت بيرناديتا في الأكاديمية لأنها ما زالت طالبة في الصفوف الأولية.
تنهدتُ بارتياح.
“الرسالة الأخرى من السيدة القديسة لوسيا.”
أما الرسالة الثانية، فقد كانت من لوسيا، ابنة الكونتيسة إلفيرا، والتي تم ترسيمها حديثاً ككاهنة رسمية في الفاتيكان.
هي أيضاً بدأت رسالتها بذكر إعلان الإمبراطورية الحرب على قبائل الشياطين، باعتبار أن هذه الحرب لها صلة وثيقة بالكنيسة البابوية.
سألت عن أحوالي وأخبرتني بإيجاز عن أوضاعها، وكتبت أن الراهبين اللذين رافقاها حتى الفاتيكان قد اعتنوا بها جيداً، فشعرت بالاطمئنان.
غير أن أكثر ما أشعرني بالارتياح لم يكن ذلك، بل تعهدها بأن تستخدم نفوذها كقديسة لتسهم في إرسال فرقة الفرسان المقدسة إلى الجبهة.
في تلك اللحظة، امتلأ قلبي بالمشاعر الجياشة.
أمسكت بالرسالة هامسة:
“شكراً… شكراً لكِ، لوسيا.”
فرقة الفرسان المقدسة، بصفتها فرقة تستخدم القوة المقدسة، سيكون لوجودها وحده تأثير كبير على ترجيح كفة النصر في الحرب.
فالقوة المقدسة هي أكثر ما تهابه الشياطين وتؤثر فيهم بشدة.
وفي نهاية الرسالة، كتبت لوسيا أنها ستزور العاصمة بنفسها قريباً من أجل إرسال فرقة الفرسان المقدسة.
لم يكن هناك خبر أسعد من هذا.
فبعد أن تلقيت أخبار شخصين كنت أقلق عليهما، وحصلت أيضاً على نتائج “بصيرة العناية”، امتلأت بالحماس.
لذا، بعدما تناولت الطعام الذي أحضرته دِلفينا واستعدت نشاطي، أخرجت ورقاً فاخراً وريشة كتابة لأبدأ في كتابة رسالة إلى سيزار.
كان قد مضى وقت طويل منذ كتبت رسالة آخر مرة، ولم يكن لدي من أراسله سابقاً.
بدا ملمس ريشة الكتابة غريباً، فشغلت نفسي بسكين صغير أشحذ به الرأس بلا فائدة.
“لا أعرف كيف أكتب رسالة لسيزار.”
بدأت أشعر بالقلق.
فقد كنا دوماً معاً، لذا لم نكن معتادين على تبادل الحديث بالكتابة.
لو فكرت في سيزار كما كان في الماضي، لوجب عليّ أن أكتب كلمات بسيطة يسهل فهمها كأنني أخاطب طفلاً، لكن سيزار الآن قد تغيّر، وهذا جعل الأمر أكثر تعقيداً.
كيف أبدأ الحديث؟ وماذا أكتب؟
“إنه أمر صعب…”
كأني باحث يواجه أصعب مسألة في عصره، تمتمت وأنا أقرر البدء من الأساس: التحية.
“مرحباً، سيزار.” بدا هذا بسيطاً جداً، بل أقرب إلى الطفولي.
وإن كتبت “إلى سيزار العزيز” بدا ذلك محرجاً للغاية.
بعد تردد طويل، اخترت بدء الرسالة ببساطة: “إلى سيزار.” لكن حتى هذا جعلني أتردد من جديد.
ألا يبدو بسيطاً أكثر من اللازم؟
في النهاية، وبعد محاولات عديدة وشطب متكرر، أضفت عبارة واحدة في بداية السطر:
“إلى سيزار الذي أشتاق إليه.”
شعرت أنها أفضل ما يمكنني كتابته في حالتي الحالية، لأنني فعلاً أشتاق إليه رغم أن غيابه لم يتجاوز الأسبوعين بعد.
“أنا بخير.”
وبعد أن استقرّ المطلع، تدفقت الكلمات بسلاسة.
لكن فجأة شعرت بالارتباك.
كيف يمكنني الادعاء بأنني بخير؟ فشددت على القلم، وشطبت الجملة بقوة حتى تناثرت قطرات الحبر.
“بسبب رحيلك المفاجئ، أنا في غاية الألم―”
وما إن كتبت ذلك حتى شطبت السطر كله ومزقت الورقة.
لا أعلم كم ورقة متجعدة باتت تتكدس تحت مكتبي.
بعد أن استجمعت نفسي من جديد، كتبت التالي:
“أنا بخير. بعد رحيلك، فكرت كثيراً. سأواصل إرسال الرسائل إليك. لا بأس إن لم تتمكن من الرد بسرعة، فأنت في ساحة معركة خطيرة وظروفك صعبة.”
ثم شرعت في كتابة تفاصيل ما رأيته في “بصيرة العناية” بأقصى ما أستطيع من دقة.
رسمت خريطة طبوغرافية لوادي رودريون، وحددت مواقع كمائن العدو، وطرحت اقتراحات عدة للهروب من المأزق.
ومع كل هذا، تجاوزت الرسالة خمس صفحات.
حين وصلت إلى نهاية الرسالة، كتبت بعد تردد طويل:
“أتمنى أحياناً، عندما تقرأ هذه الرسالة، أن تتذكرني.”
وما إن كتبت “أن تتذكرني” حتى شعرت بالخجل، فشطبتها فوراً.
أن أطلب منه تذكري؟ بدا الأمر كما لو كنت أرملة تنتظر زوجها في ساحة الحرب.
لكن سرعان ما أدركت أن حالي لا يختلف كثيراً عن ذلك، فانتابني حزن عميق.
أخيراً، أنهيت المسودة بعد منتصف الليل.
جمعت الأوراق الممزقة بصعوبة، ثم نسخت الرسالة في ورقة جديدة بعناية.
ووضعتها في مظروف أضفت إليه بضع بتلات من زهرة الخزامى (اللافندر) التي أستخدمها عادة في صابون الاستحمام، حتى تعبق الرسالة بعطر مألوف.
في الوقت الذي تسابق فيه النبلاء المجربون من أصحاب الخبرة للانضمام إلى هذه الحرب المقدسة، وشرعت الأرامل النبيلات في تنظيم حملات دعم ومواساة، كان إرسال رسائل المواساة إلى الجنود في الجبهة أحد أفعال الدعم النبيلة.
حتى لو كانت رسالتي ضمن مئات أخرى، فلن تبرز كثيراً ولن يفتحها أحد ليطّلع على ما فيها.
زد على ذلك، أن سيزار أصبح ممثل الإمبراطور الرسمي، فلن تكون هناك مشكلة في تسليمها إليه.
أرسلت الرسالة مع دِلفينا، وأمرت أن تُسلم خصيصاً إلى أحد خدم القصر الإمبراطوري، مترجية أن تصل هذه الرسالة، وهذا القلب، إلى سيزار، كأنها الوسيلة الوحيدة لإنقاذه.
*************
شعرت براحة كبيرة بعد إرسال الرسالة.
صحيح أنني لا أستطيع الوصول إليه مباشرة، لكنني سعيدة لأنني تمكنت من إيصال مشاعري بهذه الطريقة.
كان من حسن الحظ أن لدي شيئاً يمكنني فعله.
أن أعمل لأجله بهذه الطريقة أشعرني بالسعادة.
وربما، إذا واصلت هكذا، فإن سيزار…
“جلالتك؟”
فتحت عينيّ ببطء على صوت دِلفينا، التي حضرت بطبق طعام أعدته بعناية، وكان طعمه ناعماً وشهياً.
كنت جائعة، ففرحت بذلك.
“أشعر أنني أرغب في النوم دائماً هذه الأيام.”
“لأنك كنت ترهقين نفسك كثيراً.”
وضعت دِلفينا الطبق على الصينية.
كانت وجبة لحم خروف ولحم خنزير مفرومة بلطف مع زهور اللافندر والقرنفل، وهي من الأطعمة التي أتناولها عادة لأنها سهلة الهضم.
كان عبير الزبدة والبهارات يملأ الأنف، لكن فجأة شعرت بالغثيان.
أمسكت بمنديل وضغطته على فمي وأنا أُصاب بقيء مفاجئ.
“آه، هذا… أُوغ.”
رغم أنني أحببت هذا الطعام دومًا، إلا أن رائحته الآن بدت لي مقززة بشدة.
شعرت بحموضة المعدة وصعد الغثيان إلى حلقي.
أحضرت لي ديلفينا حوضًا خشبيًا بسرعة، فتقيأت فيه.
وبعد فترة، انهارت قواي فأسندت ظهري على الكرسي.
قدمت لي ديلفينا ماءً بالليمون لأغرغر به.
“جلالتك…”
“هممم؟”
“أليس من الممكن… أن تكوني حاملاً؟”
في دهشة، نظرت إلى تعبير وجهها.
كانت عيناها البنيتان جادتين للغاية.
“حامل؟… هذا غير ممكن.”
لكن ديلفينا هزّت رأسها.
“لديّ العديد من الإخوة، ورأيت والدتي وهي حامل كثيراً، لذا أعلم جيداً الأعراض.”
عضضت شفتي السفلى.
صحيح، لم تكن هذه المرة الأولى التي أشعر فيها بالغثيان من الطعام.
كنت أظن في البداية أن السبب هو صدمة رحيل سيزار، لكن… أن أكون حاملاً؟
كلما تذكرت الأعراض، بدت مشابهة تمامًا لما تعلمته عن الحمل: تعب دائم، خمول، آلام حادة في أسفل البطن والظهر، نوم ثقيل، وارتفاع طفيف في الحرارة ليلاً.
“لا، لا… لا يمكن الجزم بعد…”
“جلالتك، متى كانت آخر مرة جاءتكِ الدورة الشهرية؟”
حتى هذا، لم أكن متأكدة منه.
لطالما كانت دورتي الشهرية غير منتظمة.
“لا… لا أعلم…”
ارتجف جسدي من الخوف.
كنت أنا ودِلفينا نعلم جيدًا ما الذي تعنيه هذه الفكرة.
إن كنت الآن أحمل طفل سيزار، وإن كان هذا صحيحاً، فلن تقف الإمبراطورة كورنيليا مكتوفة اليدين أمام ذلك.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 163"