بينما تترقرق الدموع في عينيها، توجهت جيوفينيتا إلى مقر إقامة الأمير الثاني، ماتياس.
لم يتوقف نحيبها الذي دام لأيام، مما جعله مزعجًا للغاية حتى أن ماتياس ظل يتجنبها طوال تلك الفترة.
إلا أن شيئًا ما قد تغيّر اليوم.
قال بيرتوتشيو، المرافق المقرب للأمير الثاني، حين ظهر أمامها:
“صاحب السمو الأمير الثاني يأذن لك بالدخول.”
“صاحب السمو؟!”
أخيرًا، استجاب ماتياس لرجائها.
دخلت جيوفينيتا مقر إقامته على الفور.
لقد كانت تبحث عنه بهذه الحرقة لأن ولي العهد، الأمير الأول سيزار، قد قاد جيشًا عظيمًا جُمِع من مختلف الدول إلى جبهة الحرب في اليوم السابق.
كان ماتياس، الذي تذرع بمرضه، جالسًا على السرير بوجه شاحب عندما استقبلها.
قال بلطف: “مرحبًا، جونيت؟”
لكن جيوفينيتا لم ترد التحية، بل انفجرت تعاتبه:
“ماتي! لماذا لم توافق على لقائي؟! سمو الأمير سيزار أصبح قائدًا لهذه الحرب!”
وما إن قالت ذلك حتى أجهشت بالبكاء.
حاول ماتياس تهدئتها بلطف:
“آه، جونيت… أنا آسف حقًا. كانت لدي أسبابي الكبيرة لذلك.”
“أسباب؟! أوه، الآن وأنا أنظر إليك… ماتي، هل أنت بخير؟”
عندها فقط بدأت جيوفينيتا تقلق بشأن حاله.
ماتياس سخر منها في داخله وابتسم ابتسامة مريرة.
“لا تقلقي عليّ. في الواقع، كنت أعاني من المشكلة نفسها التي تؤرقك.”
ضغط بأصابعه على أسفل عينيه كمن يشعر بالإرهاق.
تأثرت جيوفينيتا من قوله إنه يعاني من نفس الهمّ.
“أشعر بالأسف لأني لم أرك طوال تلك المدة. لكني لم أكن أتجنبك عن عمد. في الحقيقة، كل ما فعلته كان من أجلك أيضًا.”
سألته بلهفة:
“مِن أجلي؟!”
أومأ برأسه.
فابتسمت بسعادة؛ لم تعرف ماذا فعل بالضبط لأجلها، لكن مجرد أنه يهتم بها كصديق مقرب أسعدها.
قال:
“الأمر يتعلق بالأمير الأول، أخي سيزار.”
“حقًا؟! بخصوص الأمير سيزار؟”
أحبت جيوفينيتا أن ماتياس تناول الأمر الذي كان يؤرقها بشدة.
فهي لم تتوقع قط أن يكون سيزار هو من يتصدر الجبهة.
أفصح لها ماتياس بنبرة مخلصة:
“نعم، توسلت إلى جلالة الإمبراطورة مرارًا. حتى أنني قلت إني مستعد للقيادة بدلًا من أخي.”
حين قرر سيزار التقدم في الصفوف الأولى عقب إعلان الحرب على الشياطين في مؤتمر الدول الثلاث، واجه القرار اعتراضات شديدة من مختلف الجهات.
وذلك لأن الغالبية بين النبلاء كانت تعتقد أن الأمير الثاني ماتياس سيُعيّن وليًا للعهد خلال ذلك المؤتمر.
ولا سيما أن حزب الأمير الثاني المدعوم من الإمبراطورة كان يعتقد جازمًا أن هذه فرصته، لكن مع قيادة سيزار، أُلغي حفل التنصيب.
ولو كان ماتياس قد تقدم للمعركة، لكان الموقف أفضل على الأقل من الناحية الشكلية، لكن ما حدث أن سيزار تقدم، لا هو.
ضحك ماتياس بسخرية وهو يتذكّر:
“نعم، أردت أن أتقدم بدلًا من أخي الذي لا يزال غير مستقر نفسيًا. ولكن…”
رفع معصمه ليُريها قطعة من النحاس متصلة كدعامة مهترئة تصدر صريرًا باهتًا.
“قال لي الطبيب إنه لا أمل من هذا اليد بعد الآن. فارس لا يستطيع أن يحمل سيفًا أو درعًا… لا يُرجى منه شيء. في حالتي هذه، لن أكون سوى عبء في ساحة القتال.”
ارتجف جسده غضبًا وقهرًا.
مدت جيوفينيتا يدها نحوه بتأثر، فقبض على يده الأخرى السليمة بقوة.
“الحرب ضد الشياطين كانت حلمًا طويل الأمد للعرش… ومع ذلك، في هذه اللحظة الحاسمة، لا أستطيع أن أفعل شيئًا. هذا مؤلم حقًا…”
نظرت إليه جيوفينيتا بعينين معذبتين.
قالت بتوتر:
“أنا… أنا قلقة حقًا.”
“هذا طبيعي، فلا أحد يعلم متى ستنتهي هذه الحرب.”
كان الحديث يدور حول نفس الموضوع، لكن وجهتي نظرهما بدتا مختلفتين قليلًا.
“وإذا لم يرجع الأمير سيزار؟ ماذا سنفعل؟”
“على الأرجح، ستكون حربًا شاملة. معارك ضارية لا محالة.”
“إذا حدث ذلك… إذا حدث حقًا… فماذا سنفعل؟”
تساءلت بصوت مرتجف.
أدار ماتياس رأسه وهو يبتسم بمرارة:
“يقال إن أخي يمتلك قوة مختلفة عن الآخرين. ليس أمامنا سوى أن نثق به.”
“هل هذا صحيح؟!”
“سمعت أنه تمكن من كبح لعنة التنين المجنون واكتسب قوته.”
ما زال ماتياس يتذكّر تلك اللحظة بوضوح؛ القوة التي أحاطت بسيزار لم تكن بشرية على الإطلاق.
ذلك الضغط، ذلك العنف الذي كسر به معصمه… لقد كان وحشًا حقيقيًا.
“لذا، لا تقلقي كثيرًا، جونيت.”
“لكن، ماتي… ما زلت أشعر بالخوف.”
ابتسم ماتياس وهو يهدئها.
لكن في داخله، تساءل: حتى لو كان سيزار وحشًا، ماذا لو واجه وحوشًا حقيقية في الميدان؟
ابتسم ابتسامة عريضة.
كل ما عليه الآن هو الانتظار بهدوء.
عاجلًا أم آجلًا، سيعود خبر وفاة الأمير الأول، ربما حتى دون جثمان، ويُكتفى بأشلاء درعه أو خرقة من ثوبه.
ستبكي أختا فلوريس حينها، وسيحصل هو على الاثنتين، أو ربما على ما هو أكثر من ذلك.
وهو ينظر إلى جانب وجه جيوفينيتا وهي تنتحب في حضنه، تذكّر الأميرة إيرينيا، زوجة ولي العهد.
تذكّر ملامح وجهها الغريبة التي يصعب وصفها، كالبهجة الماكرة التي تُشبه قطة، وخديها اللذين تنتصب فيهما الزغب، واحمرار عينيها حين تدمع فتلوح على بشرتها الشاحبة مسحة وردية.
“كل شيء سيكون على ما يرام، جونيت.”
“هل، هل هذا حقيقي؟”
نعم… كل ما عليه هو الانتظار. فكيف لا يغمره السرور؟
****************
بلغ عدد الجنود المجندين من إمبراطورية أسيتيريا سبعين ألفًا، تم استدعاؤهم من الممالك السبع بمعدل عشرة آلاف من كل مملكة، وجميعهم من فرسان الإمبراطورية.
قاد سيزار، بصفته مارشال الإمبراطورية وممثلًا عن الإمبراطور غيدو، اثنتي عشرة فرقة فرسان.
أصغرها كانت الفرقة التي تتبع له مباشرة.
أطلق عليها اسم “القمر الأسود”، وقادها فيتوريو.
ضمت الفرقة أفرادًا من أتباعه السابقين وبعض أفراد “الأخوية السوداء”، لذا كانت نصفها تقريبًا من عامة الشعب.
عادةً ما يُشبه ملوك الإمبراطورية بالشمس، لكن اختيار اسم القمر — الذي لا يضيء بنفسه — واللون الأسود — رمز الشؤم — أظهر كيف كان يُنظر لهذه الفرقة.
أما الفرق الأخرى الإحدى عشرة فقد تم تشكيلها من جيوش الممالك السبع، وحرس الإمبراطور الذهبي، وبعض ميليشيات النبلاء الحدوديّين.
حتى ريشار، الساحر الملكي، شارك في الحرب.
لم يتبع هيفيليوم، بل انضم مباشرة إلى جيش الإمبراطورية، وجلب معه العديد من السحرة ليشكلوا جيشًا سحريًا داعمًا لسيزار.
لكن بالمقارنة، كان الجيش بقيادة سيزار مجرد حشد غير منظم.
فقد عاشَت الإمبراطورية في سلام طويل لم تعرف فيه الحرب، ولهذا لم تكن تمتلك قوات منظمة ولا ضباطًا متمرسين.
ما أقلقني أكثر من كل شيء هو أن سيزار كان يفتقر إلى الحلفاء الحقيقيين في ساحة المعركة.
الإمبراطورة كورنيليا كانت تخطط لدفعه نحو الموت، بل ستعمل على إعاقته بكل وسيلة ممكنة.
مواجهة الشياطين كانت كافية بحد ذاتها، لكن ما زاد الطين بلة هو عدم الثقة في الحلفاء.
“ماذا أفعل…؟”
كل هذه المعلومات حصلت عليها من “الأخوية السوداء”.
كانت أنباء يائسة جعلتني أسقط على الأرض وأنهار تمامًا.
جمعت يدي وأغمضت عينيّ وبدأت أردد صلاة.
أنا لست ممن يؤمنون بإيمان غامض وغير مؤكد، ولم أكن أعتاد الصلاة لأجل أحد.
لكن ما كنت أحتاجه الآن — ما نحتاجه جميعًا — هو معجزة.
أنا، الضعيفة والعاجزة، لم يكن لي سند سواها.
في البداية لم أستطع تصديق ما حدث.
بكيت، وانفجرت بالبكاء، ثم فقدت وعيي وكررت الأمر مرارًا.
أن يتركني سيزار ويرحل… كانت صدمة قاسية يصعب تقبلها.
رغم أني بذلت كل جهدي لأبقيه، لكنه مضى ضدي، وهذا الجرح استقر في صدري ولم يغادر.
حتى أنني لم أره في وداعه الأخير.
“كيف، كيف استطاع أن يفعل هذا؟…”
لكن شيئًا فشيئًا بدأت أستعيد رباطة جأشي.
على الأقل في النهار.
كنت أقاوم بالصلاة والدعاء لسلامته.
أما الألم الحقيقي فكان يأتي مع حلول الليل.
عندما أتحسس سريري الخالي، وأغرق وسادتي بالدموع.
لا أعلم لماذا، لكني كنت أعاني من حمى كل ليلة، كأنني مصابة بإنفلونزا.
جسدي خامد، رأسي يدور، وعيوني تؤلمني.
ثم تنساب دمعة بهدوء على خدي…
************
اللهم صلِ و سلم على نبينا محمد~♡
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 161"