154
*******
عندما أغلقت عينيّ، تكررت المشاهد المروّعة، وعندما فتحتها، كان العالم يدور من حولي كدوامة، فشعرت بالغثيان يصعد إلى حلقي.
برقٌ ساطع لمع من نافذة الغرفة، وامتلأت الغرفة التي كانت قاتمة بالنور.
ثم تبع ذلك دويٌّ مدوٍ.
لقد كان الرعد.
وفي لمح البصر، بدأت أمطار غزيرة كالطوفان تضرب النوافذ.
وفي الوقت ذاته، شدّني سيزار إلى حضنه بقوة.
ولسبب ما، شعرت أن جسده يرتجف بعنف.
“سـ… سيزار؟”
في تلك اللحظة، تذكرت.
الليلة التي التقيت بها سيزار لأول مرة، ليلتنا الأولى.
أتذكّر أن ذلك اليوم أيضًا شهد أمطارًا غزيرة ورعدًا عنيفًا كهذا.
أن يكون سيزار يرتجف هكذا، أليس هذا دليلاً على أنه لا يزال يخاف من صوت الرعد؟
مددت يدي ببطء نحو كتفه.
في الظلام، كانت عيناه تتلألأ بالرطوبة.
“سيزار، هل أنت خائف؟”
ولم يمضِ وقت طويل حتى لمع الضوء الأزرق من جديد، ودوّى صوت الرعد في الأرجاء كما لو كان صرخة شخص ما.
وبدأت زخات المطر بالانهمار بشراسة.
في تلك اللحظة، فاضت نظرات سيزار بمشاعر يصعب وصفها.
احتضنني بصمت وارتجف بكامله.
رغم أنني أنا من رأيت الحلم المرعب، فإن سيزار بدا أشد رعبًا مني.
بدأت حالتي المترنحة وكأنها حلم تتلاشى شيئًا فشيئًا، وبدأ الشعور بالواقع يعود إليّ.
طالما أن سيزار يرتجف بهذا الشكل، فليس وقتي لأخاف.
سارعت إلى تهدئته، وربّتُّ على ظهره.
“سيزار، هذا الرعد صوته مرتفع لكنه لا يمكنه أن يؤذينا.”
“…نعم.”
كانت هذه نفس الكلمات التي قلتها له ذات مرة.
ومع أنه أومأ برأسه تأييدًا لكلامي، إلا أنه زاد من اقترابه إليّ وكأنه يبحث عن مزيد من الأمان.
مهما بدا سيزار ناضجًا الآن، فإن هذا الجانب منه لم يتغير.
وهذا ما جعل قلبي يتألم.
وفي تلك اللحظة، دوّى صوت الرعد مجددًا.
وازداد المطر في الخارج شدة.
وضعت ببطء يدي على أذنيه.
“هكذا، لن تسمع الصوت المخيف بوضوح، أليس كذلك؟”
فتح سيزار عينيه على اتساعهما بدهشة، لكنه سرعان ما أومأ برأسه.
لسببٍ ما، كانت نظراته مليئة بالحزن العميق.
عيناه بدتا وكأنهما ستتفجران بالدموع في أي لحظة.
لماذا يغمره هذا الحزن؟
وضعت جبهتي على جبهته ببطء.
رغم أنني كنت مرعوبة من الكابوس، فإن رغبتي في احتضانه وحمايته كانت أكبر.
“إذا غطّيت أذنيك وغنيت، لن تسمع الصوت المخيف.”
“أغنية؟”
“نعم، والآن الليل قد تأخر. لذا، يجب أن نغني تهويدة… حتى ننام براحة.”
“همم…”
استحضرت كلمات تهويدة من ذكرياتي الغائمة وبدأت أغني بهدوء.
كانت تهويدة أُغنيها للأطفال.
وكنت قد سمعتها مرة أو مرتين في طفولتي فقط، لذا نسيت معظم كلماتها، وتحولت أجزاء منها إلى همهمة غير واضحة.
لكنها رغم ذلك، بدت كافية لرسم الابتسامة على وجه سيزار.
وضع سيزار ببطء قبلة على خدي.
مرة على اليسار، وأخرى على اليمين.
ثم مرّ برقة على شفتيّ وكأنه يتوق لها.
ثم دوّى صوت الرعد من جديد، وكأن الأرض تهتز تحته.
كلما اشتد الصوت، كلما زاد خفقان قلبي وارتفعت وتيرته.
وفي تلك اللحظة، وكأننا قد اتفقنا دون كلام، أخذنا نفسًا عميقًا معًا، والتقت شفاهنا.
كان سيزار هنا، أمامي.
يحدق بي وحدي، يحتاج إلى لمستي فقط، ويتبعني وحدي.
أردت أن أكون الشخص الذي يوجد من أجله فقط.
نظرت إليه وهو ملتصق بي.
“سيزار…”
كان قلبي ينبض بقوة لا يمكن السيطرة عليها.
وشيء ما كان يتصاعد بداخلي ويشعل روحي.
عندما تشابكت أيدينا، كانت مشاعره الدافئة تنساب نحوي.
الحرارة والرطوبة في راحة يده كانت دافئة، تبعث الدفء في يدي الباردة.
أصابعه أخذت تخدش بلطف باطن كفي.
“آه…”
لم أعد أسمع صوت الرعد المزعج.
أو ربما لم أعد أهتم به.
ابتعدنا قليلًا وتبادلنا النظرات.
كان خداه المحمران يجعلان عينيه تبدوان دافئتين، وتجمعت الدموع في أطرافهما.
انسابت دمعة على خدي، فقام سيزار بتقبيلها بصمت.
في تلك اللحظة، عاد مشهد الحلم إلى ذهني، وأصابتني القشعريرة.
مددت يدي بسرعة لأمسك بكتفه، لكن الأمر لم يكن سهلاً.
خفت، خفت أن ينفصل رأسه عن جسده كما في الحلم.
رغم أنني أعلم أن ذلك لن يحدث.
لذا، قبضت على الفراغ، ثم بسطت يدي.
وفجأة، تشابكت أصابع سيزار بأصابعي بلطف.
شعرت بدفئه.
نعم، سيزار حي.
إنه هنا بجانبي، يتنفس.
فما الذي يجعلني خائفة هكذا؟
“سيزار، عانقني بقوة.”
لم أزل غير مطمئنة، فتمتمت في أذنه.
رجوته أن يمسك بقلبي المتزعزع، وألا يتركني أضيع، أن يظل بجانبي إلى الأبد.
وكعادته، سيزار ضمني إلى حضنه بشدة.
شدة تكاد تقطع أنفاسي، لكنها ساعدتني على تهدئة موجة قلبي الهائجة.
حضنه كان دافئًا جدًا، مما جعلني أشعر بالأمان.
ذراعاه اللتان تلفانني وكأنني في عشٍّ خُلق لي وحدي، جعلتني لا أشعر بالوحدة أبدًا.
حتى لو مزقتنا الصواعق، أو دوّى الرعد ليشق طبلة أذني، طالما أنا بين ذراعي سيزار، فلن يصيبني أي سوء.
مهما حدث، يمكنني تحمّله.
**********
كان سيزار غارقًا في التفكير.
منذ لقائه مع زعيم الإلف ، وهو على هذه الحال.
«تلك القوة التي يسمونها قوة التنين المظلم… أليست هي ما يدعوه البشر لعنة؟
ثم إنها بالكاد تحت السيطرة بواسطة سحر تلك المرأة البشرية، أليس كذلك؟»
أكثر ما كان يشعر به هو مدى عجزه.
بقوته، لم يكن يستطيع سوى التحكم في الخدم، وتسهيل حياة رين بأقصى ما يمكن.
لكن ذلك لم يكن كافيًا.
ففي هذه الظروف، المشكلة الكبرى هي أن وضع رين كزوجة ولي العهد ضعيف جدًا.
وفي الوقت ذاته، كان يلوم نفسه على مكانته، كولي عهد أول للإمبراطورية، لكنه بلا أي قوة أو سلطة.
كان ولي العهد الأول، سيزار، ضعيفًا جدًا.
أما الإمبراطور “غيدو”، والقصر الإمبراطوري، فقد أصبحا منذ زمن طويل تحت سيطرة الإمبراطورة.
هز سيزار رأسه بعنف.
“…بهذه الطريقة، لن أستطيع حماية رين.”
لكنه لم يكن القلق الوحيد الذي يراوده.
المشكلة الأخرى الظاهرة للعيان هي أن الحرب على وشك الاندلاع.
ويقال إنها ستكون حربًا مع قبائل الشياطين.
كان حدسه يخبره أن هذه الحرب لن تنتهي بسهولة.
قد تستغرق سنوات، أو عشرات، أو حتى مئات السنين.
كان سيزار يجلس في الظلام، تلمع عيناه بنظرة حادة.
كان الجو في الخارج صاخبًا للغاية، تفوح منه رائحة المطر الرطب.
حتى الطقس بدا مظلمًا كقلبه.
تجمعت الغيوم، ودوّى صوت الرعد.
لا بد أن رين ستستيقظ من هذا الصوت…
كان يقصد “إيرينيا” النائمة بهدوء إلى جانبه.
لكن لحسن الحظ، لم تظهر سوى تجعيدة خفيفة على جبينها، ولم تستيقظ.
فشعر بالارتياح، وابتسم لا إراديًا.
عندما كان يلامس بشرتها بهذا الشكل، كان يشعر بمعنى السعادة الحقيقي.
كأن جميع هموم العالم قد اختفت، وكأن الوقت الثمين يتسرب بلا توقف، ما جعله يشعر بالحسرة.
لو كان بإمكانه إيقاف الزمن عند هذه اللحظة…
حتى لو استطاع التحكم بقوة التنين، فإن إيقاف الزمن يبقى مستحيلًا.
تنهد سيزار بهدوء، ومرر يده على شعرها الأشقر ببطء.
شعرها الذهبي الفاخر، الذي يشبه خيوط الذهب، كان ينبعث منه عبيرها كلما لامس أصابعه.
وفي مثل هذا الجو الرطب، كان عبيرها يزداد عمقًا، ما جعله يحب أن يدفن أنفه في بشرتها ويبقى كذلك طوال اليوم.
لو اكتشفت ما أفكر فيه، ستنظر لي بنظرة اشمئزاز بالتأكيد.
لكن حتى ذلك بدى له جميلًا عند التفكير فيه.
إلا أنه هزّ رأسه على الفور.
فهو لا يريد فعل أي شيء تكرهه رين.
التعليقات لهذا الفصل " 154"