“فكّري في الأمر، يا جلالة الإمبراطورة. إن صعد صاحب السمو الأمير الثاني إلى منصب ولي العهد على هذا النحو، فلن يتمكن من التهرب من واجب المشاركة في الحرب.”
“أليس هذا ما أنهكني التفكير فيه حتى الآن؟”
ضحكت الدوقة سيليستينا بعينين ضيّقتين.
“إذًا، أرى أنه من الصواب أن نُرسل الأمير الأول إلى ساحة الحرب.”
لكن الإمبراطورة لم تبدُ مرتاحة لتلك الفكرة.
بطبيعة الحال، لم تكن كورنيليا غافلة عن هذا الاحتمال.
إلا أن السماح بذلك سيجعل خطتها الطويلة لجعل ماتياس وليًا للعهد تذهب سُدى.
“في هذه الحالة، لا مفرّ من رفع الأمير الأول إلى منصب ولي العهد، أليس كذلك؟ وهذا مشهد لا أتحمله.”
لقد صبرت كورنيليا طويلًا في سبيل إيصال ابنها ماتياس إلى العرش.
وكان التفكير في فشل هذا المخطط مريرًا للغاية.
لكن الدوقة هزت رأسها بصمت، وبدأت بإقناع الإمبراطورة.
“ما أقترحه فقط هو تأجيل الخطة قليلًا. فحين تندلع الحرب مع قبائل الشياطين، لن يكون بوسعنا تفادي التدخل العسكري. لذا فليست مسألة تنصيب ولي العهد أولوية الآن.”
“كلامك صحيح.”
منذ أن تجلّت اللعنة في الأمير الأول، كانت هناك دائمًا شكوك تحوم حول مدى أهليته لأن يكون للعرش، بسبب مشكلته العقلية.
مهما كانت قدراته مذهلة، فإنه لا يزال أميرًا ملعونًا وُصف بأنه وحش.
وحتى إن بدا الآن في كامل وعيه، من يدري إن كان ذلك مؤقتًا؟ أما أولئك الذين لا يعلمون شيئًا عن اللعنة، فمن الطبيعي أن يشككوا في كفاءته.
“حقًا، لو استطعنا استغلال هذه النقطة…”
أومأت الدوقة برأسها ببطء موافقة على ما أدركته الإمبراطورة.
وعندما التقت بزعماء الممالك الثلاث، كانت مسألة التحالف مع قبائل الشياطين قد طفت على السطح.
ولذلك، فإن تجنّب الحرب بات أمرًا مستبعدًا.
“سنقود الأمير الأول إلى ساحة المعركة بطريقة طبيعية إذًا.”
“بالضبط. وإذا تركنا الأمور تسير وفق التدبير الطبيعي، فمع اندلاع الحرب، سيقف الأمير الأول، المدعوم من المحافظين، في الخطوط الأمامية بشكل تلقائي. ويمكن لجلالتك أن تُظهر الأمر وكأنه منحتِه فرصة.”
“فرصة؟ لكن ماذا لو تحوّلت تلك الفرصة إلى مجد يُنسب إليه؟”
رغم أن الإمبراطورة لم تكن تظن أنّ ذلك ممكن، فقد سألتها لتختبر ولاء الدوقة.
لكن الدوقة اكتفت بابتسامة قصيرة.
“هل نسيتِ طبيعة الحرب ضد قبائل الشياطين، يا جلالة الإمبراطورة؟ لم يتمكن أي ملك في تاريخ الإمبراطورية من تحقيق نصر كامل أمام أولئك الأوغاد. فهل يُعقل أن يُحقق مثل هذا الإنجاز أمير أحمق ملعون؟”
“صحيح، يبدو أنك على حق.”
ابتسمت الإمبراطورة برضى.
وبدا أن الدوقة تشاركها نفس الفكرة، إذ لم تُخفِ ملامح مكرها.
ثم تذكرت سيليستينا شيئًا وهمست:
“ثم، يا جلالة الإمبراطورة، لقد أنهيت ما كنت قد ذكرتُه لك سابقًا بشأن (الاستعدادات).”
عند سماع ذلك، تحسّنت ملامح الإمبراطورة الشاحبة.
لقد كانت تنتظر هذه الأخبار منذ وقت طويل.
“إذن، يمكننا تعزيز لعنة الأمير الأول مجددًا، أليس كذلك؟”
“بل وأكثر من ذلك، يا مولاتي. فالحرب لا بد أن تُفرز العديد من المآسي.”
“مآسٍ، تقولين…”
نظرت الإمبراطورة إلى الفراغ البعيد وتنهّدت.
“الرجال سيتوجهون إلى ساحة المعركة، والنساء اللواتي تَرَكن خلفهم سيُصبحن أرامل، وأولادهم سيُصبحون أيتام حرب ويُودَعون في دور الرعاية.”
يا لها من فكرة رائعة! فكل أولئك البشر المجتمعين سيكونون مادة خام لسحرها الأسود.
سيكون ذلك عونًا كبيرًا لها لاحقًا.
“الأمير الأول، بعد أن يُحرم من الدعم العسكري، سيتلاشى على أرض المعركة. سيكون ذلك أكثر الأمور طبيعية.”
ثم أضافت الدوقة:
“ما يجب أن تُراقبيه فقط يا مولاتي، هو ألا يترك خلفه وريثًا.”
“صحيح. في الواقع، هذا الأمر تحديدًا كنت أراقبه عن كثب.”
تألقت عينا الإمبراطورة الزرقاوان ببريق حاد.
“حقًا، أنت صاحبة حيلة عظيمة.”
“ومن يضاهيني سوى الدوقة؟”
ضحكت الاثنتان، غير قادرتين على إخفاء مكرهما الدفين.
*************
ظهر سيزار.
حبيبي الجميل، سيزار، كان واقفًا هناك.
لمجرد أن أنظر إليه، ينبض قلبي فرحًا ويكاد ينفطر حزنًا. ناديت اسمه بصوت مسموع.
ـ سيزار!
في الأحوال العادية، كان ليبتسم لي بعينيه الجميلتين المنحنيتين بسحر.
لكنه لم يجب هذه المرة، لسبب ما.
فلم يكن أمامي سوى الاقتراب منه بنفسي.
لكن بدا كأن شيئًا ما يمنعني من التقدم.
جدار غير مرئي وقف في طريقي.
ـ سيزار؟
ابتعد شيئًا فشيئًا.
رغم أنني كنت أصرخ باسمه بأعلى صوتي، لم يردّ.
هل من الممكن أنه لا يسمع صوتي؟
فجأة، اجتاحتني موجة من الخوف.
كدت ألمسه لو أنني مددت يدي قليلًا، فلماذا لا أستطيع التقدّم؟
سيزار كان يُدير ظهره لي، يبتعد تدريجيًا.
سمعت صوت احتكاك المعادن.
شرارات تتطاير من كل جانب، ودخان أسود يتصاعد في كل مكان.
رائحة حريق، وحديد، ودماء مقززة.
صرخات الرجال وآهاتهم تمزق أذني.
لكن الضباب الأسود الكثيف حال دون رؤيتي لسيزار.
بقلق، بدأت أضرب الجدار غير المرئي.
كنت خائفة.
مذعورة.
أخذ جسدي يرتعش، وصرخت باسمه حتى تمزق حلقي.
وفجأة، اختفى الجدار الذي كان أمامي.
رفعت أطراف ثوبي وركضت للأمام.
خطواتي كانت متعثّرة، والذعر جعلني أتعثر وأسقط مرارًا.
لكنني تابعت الركض خلفه.
حينها، التقطت عيناي شيئًا.
إنه سيزار.
ظهره فقط، لكنني عرفته فورًا.
كان يرتدي عباءة أرجوانية ممزقة، ودروعًا ملطّخة بالدماء.
شيء ما لم يكن على ما يُرام.
أسرعت أكثر، حتى كدت أزحف.
رغبت فقط في الوصول إليه.
ـ سيزار!
عانقت ظهره بشدة.
شعرت ببرودة درعه، ولزوجة الدماء، لكن لم أُبالِ.
لكنه لم يتحدث.
لم يستدر ليستقبلني بحنان.
ثم سقط شيء على الأرض.
صوت ثقيل، تبعه تدحرج شيء يرسم أثرًا دمويًا.
ـ آه… آه…
عرفتُ ما هو فورًا.
لكن المصيبة كانت أعظم من أن أُصدّقها.
تجمدت في مكاني، غير قادرة حتى على الصراخ.
ركبتاي انهارتا، وسقطت على الأرض.
رأس سيزار، وجهه شاحب، تدحرج إلى جوار ركبتي.
ـ لا… هذا مستحيل…
هززت رأسي ببطء.
هذا ليس واقعًا.
هذا… هذا مستحيل.
لكن رائحة الدم النفاذة، وبرودة خده، وشعره الناعم المجعد، كلها دلائل دامغة.
سيزار… مات.
ـ لاااااا!
انهرت، جاثية على الأرض، أصرخ بألم.
كان صراخي صدىً أجوفًا يتردد في الفراغ.
*********
“رين، رين…؟”
استيقظت فجأة على هزّة قوية.
تكرار رمشات عيني بدأ يُعيد إليّ الرؤية.
كان سيزار.
فزعت، ومددت يدي ألمس وجهه.
“سيزار… سيزار!”
ناديت اسمه مرارًا كمن فقد عقله، ألمس عنقه وصدره.
“رين، لم تستيقظي رغم محاولاتي العديدة…”
في تلك اللحظة، تنهدت بارتياح، وانهمرت دموعي على ذقني.
“هل كان كابوسًا؟”
“كابوس…؟”
ترددت في الكلمة، رمشت مرة أخرى.
هل كان حقًا حلمًا؟
سيزار قُطع رأسه…
حين أعدت تذكّر الحلم، اصطكّت أسناني من الرعب، وسرت قشعريرة في جسدي.
كيف يمكن أن يكون الحلم حيًّا بهذا الشكل؟
كأن شفرة سيف وُضعت على عنقي.
ارتعش بدني وارتفعت نبضاتي بجنون.
كان ذلك الخوف نتيجة وعيي بوزن ذلك الحلم.
هل يعقل أن يحدث ذلك فعلًا؟…
حينها، عانقني سيزار بقوة.
“هشش… مجرد حلم لا أكثر…”
دفء كالشمس لامس جسدي المتجمد.
يداه الكبيرة تربت على ظهري فخفّ الارتجاف شيئًا فشيئًا.
“لا بأس…”
همس لي، قائلاً إن ما حدث مجرد كابوس.
أن عليّ نسيانه.
“كابوس، تقول…”
لكنني لم أستطع تصديقه.
رغم أن ارتجاف جسدي بدأ يهدأ، فإن رعبًا باردًا، كأن وتدًا جليديًا طُعن به قلبي، بقي عالقًا في داخلي.
بينما كنت أحتضن نفسي، اقترب سيزار ولفّ ذراعه حول كتفي وهمس:
“نعم، إنه حلم. حلم سيّء للغاية.”
ثم قبّل جبيني.
حينها، تذكرت مشهد الحلم، وتساقط العرق البارد من جبيني.
خشيت أن يخرج أنيني دون وعي، فوضعت يدي على فمي.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 153"